الكرم من شيم الرجال والبخل هو أسوء صفة ممكن أن تكون في الرجل، فكثير من الزوجات تعانين بشدة في حياتهن بسبب ارتباطهن برجال بخلاء بشكل مرضي، ولأن ” الذي يزرع بشح، بشح يحصد”
فبالتالي لا يشعر هؤلاء البخلاء بسعادة في بيوتهم بسبب تكديرهم لحياة أسرهم، ولأن المسألة قد تصل إلى تهديد سلام الكثير من البيوت فكان على “وطني” أن تبحث عن جزور المشكلة وتحاول أن تجد بعض الحلول وكذلك توضح أهم مؤشرات بخل الخطيب، وذلك من خلال لقائنا بالدكتور بيتر نعيم أستاذ المشورة الأسرية:-
* من أين يأتي أي إنسان بصفة البخل… هل البخل مرض وراثي أم أنه طبع مكتسب يعرفه الإنسان من المجتمع المحيط به؟
** “البخل” وغيره من الطبائع والسلوكيات الإنسانية يتكون من جزئين :
الجزء الأول… “جيني” وهو الذي يكون داخل الإنسان رغما عنه، فهو مولود به، ويمثل 40 % من الطبع، وهذا الجزء لا يمكن تغيره .
والجزء الثاني …”مكتسب” من البيئة المحيطة سواء من البيئة الصغيرة “الأسرة” أو البيئة الكبيرة “المجتمع”، وهذا الجزء من شخصية الإنسان يمثل 60%، وهذا الجزء من الممكن تغيره .
إذا ما يمكن تغيره في طبع أي إنسان حوالي 60% من الطبع فقط أي الجزء المكتسب، ولكن هناك شرطان لكي يحدث التغير، الشرط الأول أن يكون الإنسان الذي أريد تغير صفه ما به يريد فعلا التغير أي يجب أن يكون التغير بإرادته، الشرط الثاني يجب أن يفهم ويعرف الإنسان خطورة هذا الطبع ومدى تضرر الآخرين منه، أي ما نحتاج إليه الإرادة والمعرفة.
* هل الشخص البخيل يعرف أنه بخيل ؟
** غالباً عندما نسأل شخص بخيل في هذا الموضوع يقول عن نفسه أنه ليس ببخيل على الإطلاق بل “حريص” ويحاول أن يبرر ما يفعله، ويجد الكثير من الحيل الدفاعية ويأتي بالكثير من الأمثلة التي تثبت كلامه فيقول “فلان الذي يعتقد الناس أنه كريم هو في الحقيقة شخص مبزر حيث خسر أغلب أمواله وأصبح يعاني هو وأسرته من فقر شديد”.
* كيف يرى الشخص البخيل الناس من حوله؟
** يرى البخيل كل الناس من حوله مسرفون ومبزرون وهو يتصرف بحكمة وعقلانية ويستطيع التحكم في نفسه وفي أسرته من ناحية الإنفاق فهو إنسان عقلاني ومنظم .
* يقولون أن الأطفال الذين عانوا من الفقر والحرمان في صغرهم يصبحون أزواجا بخلاء في كبرهم فهم يشعرون بعدم الأمان ويخشون غدر الحياة .. إلى أي مدى هذا صحيح ؟
** هذا بالطبع صحيح.. فقد واجهت مشكلة ذات يوم- من خلال خدمتي في مجال المشورة الأسرية، لزوجة تعاني من بخل زوجها رغم ثراءه الفاحش، وعندما جلست معه أخذ يروي لي عن طفولته، وأنه كان من أسرة متيسرة الحال جدا، وأن والده خسر كل أمواله، وأصبح لا يمتلك شئ، ومن ذاك الحين، نشأ داخله خوف من غدر الأيام، فكان عليه أن يمسك مقاليد الإنفاق والسرف على نفسه وبيته لكي لا يتكرر له ما حدث لوالده والذي عاشه هو في صغره…. أي حدثت له “فوبيا” من الفقر، أو أن يحدث العكس تماما فنجد مثل هؤلاء الأشخاص ينفقون بلا وعي على أسرهم لأنهم عانوا الحرمان والفقر ولا يريدوا أن يذوق أطفالهم هذا المذاق المر .
* نحن نعرف أن فترة الخطبة هي مرحلة المثالية وظهور كلا الطرفين بأبهى صورهم وصفاتهم … فكيف للخطيبة أن تعرف إذا ما كان خطيبها بخيل أم لا ؟
** هذا السؤال غاية في الأهمية… لأن فترة الخطبة هي الفترة التي يستطيع كلا الطرفين أن ياخذا قرار تكملة المسيرة أو أن يتوقفا…. لأن بعد الزواج قد يكون تغير شريك الحياة صعب جدا وقد يكون مستحيل، ويصبح أمر أخذ قرار الإنفصال في مثل هذه الحالات مستحيل.
أول مراحل ظهور مدى كرم أو بخل الخطيب “قيمة الشبكة” مقارنة بدخله ومستواه الاجتماعي والمادي، فقد روت لي إحدى الفتيات أن خطيبها قد أصر على شراء شبكة معينة قيمتها 12 ألف جنيه على الرغم من عمله مهندسا وراتبه الذي يصل إلى عشرة آلاف جنيه ومن مستواه الاجتماعي المرتفع.
ثانيا: كما يظهر البخل والكرم في “الخروجات”: فروت لي إحدى الفتيات شكوتها من بخل خطيبها وأنها تنوي العدول عن هذه الخطبة، فسألتها كيف عرفت ذلك، فقالت لي أنهم يخرجان معا كل يوم جمعة لكي يتنزها، فقلت لها هذا شئ عظيم، فقالت “أنه لم ياخذني ولا مرة إلى مكان لنجلس فيه، فكل خروجتنا هي مشي على الكرنيش وقد يحضر لنا بعض الأشياء البسيطة لنأكلها”، فسألتها كم ينفق في هذه النزهة؟ فقالت ما يقرب من 50 جنيه، فسألتها وكم راتبه الشهري؟ فقالت أنه 1200جنيه… فقلت لها ” سمحيني …أنت مفترية” لأنه ينفق بذلك ما يقرب من 20% من راتبه فقط في بند واحد وهذا ليس بخل … فالقصة نسبة وتناسب.
ثالثا: “المعاملات الاجتماعية” حيث يظهر بخل الإنسان في معاملته اليومية مع الناس، فقد روت لي إحدى الفتيات أنها اكتشفت بخل خطيبها بسبب عدم سؤاله عن والدتها سوى مرتين طوال فترة خطبتها، وعندما سألته عن السبب قال لها “أنا غير مشترك في باقة”، فهو بخيل في السؤال عن أهلها ووالدتها حتى هاتفيا، بالرغم عدم وجود أي صدمات أو خلافات تمنع أن تكون هناك علاقات متواصلة، وبالفعل قد كانت هذه هي بداية تعرفها على شخصه البخيل وعندما طرقت على هذا الباب اكتشفت بخله الشديد في كل شئ.
والكارثة الكبرى أن تكون الفتاة قد ارتبطت بخطيبها عاطفيا، فلا تستطيع رؤية بخله لأنها تحبه، أو قد تقولة بعد الزواج أنه كان يمثل عليها في فترة الخطبة، أو إنها كانت مدركة لهذا العيب وكانت تتوهم أنها ستغيره، وتفاجأ بعد الزواج أن هذا العيب يظهر جاليا في شخصيته ولا تستطيع تقبله أو احتماله، لذلك ننصح كل فتاة بالحكم على من سيكون شريك حياتها بعقلها قبل عواطفها .
* هل هناك اختبار يمكن أن تفعله الخطيبه لمعرفة ما إذا كان خطيبها سخي أم بخيل؟
** لا مانع أن تطلب منه شيء ليشتريه لها وهم في الشارع- حتى ولو كان شئ بسيط، ولا تخشى من هاجس الإحراج أو نعتها بالطمع، وسأروي لكم قصة بسيطة … فقد أحبت إحدى الفتيات أن تعرف مدى سخاء خطيبها، خصوصا أن كلا الخطيبان ينتميان لمستوى اجتماعي مرتفع جدا ويمتلك كلا منهما سيارة تقرب من ربع مليون جنيه، فقالت الخطيبة لخطيبها أنها تشعر بالعطش وطلبت منه أن يحضر لها أي مشروب لتشربه، فظل يبحث لفترة طويلة عن أي “كشك” واشترى زجاجاتان زجاج من المياه الغازية كنوع من الاقتصاد، ورفض أن يشتري نفس المشروب المعلب، ولم يدعوها إلى أي “كوفي شوب” لأخذ مشرب هناك، فلم تستطع الخطيبة أن تشرب لأنها تقذذت وأنها لم تشرب مثل هذه المشروبات في زجاجات من الزجاج من قبل، فكان هذا الموقف بمثابة جرس إنذار لهذا الأمر وعندما انتبهت لهذا الطبع طرقت على هذا الباب فأثبتت جميع المواقف أنها على حق خصوصا أنهما من مستوى اجتماعي يستدعي أن يتصرف بشكل أكثر لايقة وكرم.
* ما الفرق بين الشخص البخيل والشخص المنظم؟
** هناك فرق بين التنظيم والتقطير، فالتنظيم ليس عيب بل مؤشر نجاح، فلو أخذنا مثل السيد المسيح عندما قال للتلاميذ “اجمعوا الكسر” فهذا كان قمة الترتيب والتنظيم، فحتى الكسر ممكن أن تكون لها فائدة، فلا مانع أن يدخر الزوجان لتحقيق هدف معين حتى لو عاشا فترة من التقشف ولكن على الزوج أن يشرك زوجته قرار الإدخار ويوضح لها الهدف لكي تساعده على ذلك ولا تتذمر، فالشخص المنظم يجيد وضع خطة واضحة الهدف ومحددة المدة.
* كيف يستطيع أن ينظم الزوجين أمورهم المادية معا دون عناء؟
** في البداية أهم شئ أريد التأكيد عليه في تنظيم العلاقة المادية بين المتزوجين- وهنا يظهر البخيل والكريم، “أن تكون أموالهم مشتركة” بعد الزواج، فمثلا إذا كان الزوج يحصل على 2000 جنيه راتب، وهي تحصل على 5000 جنيه، فأصبح دخلهما 7000 آلاف جنيه، فلا يوجد شئ اسمه هذه أموالي وهذه أموالك، فهم أصبحوا جسد واحد، وليس معنى الجسد الواحد وجود علاقة حميمة بينهم فقط، فهذا ليس قصد الكتاب.
كما أحب أن أؤكد على شئ هام في هذ الصدد وهو ترتيب أولويات الصرف معا، فعليهم أن يجلسا مع في نهاية كل شهر ويضعوا أموالهم معا لإخراج أموال للبنود الآتية:-
أولا: “العشور” لأنها ليس أموالهم بل دين لله فحتى لو أخذت من قوتهما وقوت أولادهما.
ثانيا: “الديون الخارجية”، فإذا كان هناك شخص له دين عند الزوجة فعلى الزوج أن يدفعها والعكس صحيح.
ثالثا: “الأساسيات” مثل فواتير الكهرباء والمياه والغاز والتليفون والموبايلات.
رابعا: “متطلبات البيت” من مأكل ومشرب وملبس … وهنا من الممكن أن يتأقلمان مع الظروف فلا مانع أن يأكلان مرة واحدة في الأسبوع “لحمة” بدلا من كل يوم، ولكن إذا كان هناك فائض فهذا يعتبر بخل.
* هل الزوج البخيل في أمواله من الشرط أن يكون بخيل في مشاعره؟
** فكرة البخل هي عدم محبة الشخص للعطاء بشكل عام، سواء عطاء المال أو إظهار الحب والحنان أو حتى المعلومة، ولكن الأمر يظهر واضحا إذا كان الأمر متعلق بالعطاء المادي لأننا من السهل أن نراه، فالله يقول “المعطي المسرور يحبه الله”، فشرط العطاء أن يكون بفرح، والشخص البخيل شخص أناني يحب أن تكون حياته داخله متقوقع حول ذاته ولايجد لذة في العطاء بل إذا اعطى يكون ذلك في شح وبغضة وتكدر، وقد أعطى البابا شنودة ذات مرة نصيحة لمن يحب الأخذ أكثر من العطاء بقوله له “إذا أردت أن يعطيك الله بسخاء فعليك أن تعطي الكثير لأن الله لا يحب أن يكون مديون”.
* هل البخل من الممكن أن يؤدي للعزله الاجتماعية؟
** بالطبع… فالإنسان البخيل يرفض توطيد العلاقات الاجتماعيات مع الناس، لأن ذلك يترتب عليه مجاملات وهدايا، فيقول لزوجته على سبيل المثال “لماذا نذهب لفلان في مرضه يكفي الإتصال به هاتفيا، فإذا ذهبنا سنطر لأخذ شئ ما معنا، فلما لا ندخر هذه الأموال لأولادنا”، وطبيعة الناس أن لا تذهب أو تجامل من لا يقدرهم ولا يجاملهم، وبالتالي يصبح هذا الإنسان وأسرته بمرور بعض الوقت يعيشون في عزلة بعيدا عن الأقارب والأصدقاء منقطعين عن الجميع، والأكثر من ذلك أنه يصبح “منبوذا” من الكل.
كما ينظر البخيل أن هذه الزيارات والعلاقات الاجتماعية تجلب له المشاكل الأسرية، حيث أنها تطلع أولاده وزوجته على مجتمع أوسع له حياته وبالتالي قد يغاروا من هذا المجتمع وقد تزيد متطالباتهم.
كذلك يرفض البخيل أن تخرج أسرته من المنزل لغرض التنزه أو الأكل في أي مطعم حتى لا يعتاد أولاده وزوجته على هذ النوع من الحياة، فهو إنسان يرفض الخروج خارج ذاته، فالمشكلة داخلية في الأساس فهو إنسان يحتاج إلى علاج نفسي.
*هل البخل مرتبط بمستوى مادي معين ؟
** بالطبع البخل غير مرتبط بالمستوى المادي فالبخيل هو إنسان يكره العطاء بشكل عام بغض النظر عن ما يملكه سواء كثير أو قليل، فهناك أغنياء بخلاء و فقراء في قمة الكرم يريدون عطاء كل ما لديهم لمن يحتاج وقصة فلسي الأرملة خير دليل على ذاك.
* بماذا تنصح الزوجة التي تعيش مع زوج بخيل ؟
** طالما تزوجت … فليس أمامها سوى أن تتكيف، ففي الخطوبة ليس هناك “نصيب ولا صليب”، ولكن في الجواز نستطيع أن نقول أن هناك صليب ويجب أن تتحمله الزوجة، بالطبع جزء من ما تعيشه الزوجة هي السبب فيه لأنها هي التي اختارت بشكل خطأ ولم تكتشف هذا الشخص في فترة الخطوبة، ومعنى التكيف ليس فقط أن تتحمل هذا الزوج ولكن أن تستطيع التعايش مع هذا الإنسان بل وتحبه كما هو.
كما عليها أن تلفت نظره بشكل لطيف بحتياجات البيت والأولاد طالما هذه المتطلبات في استطاعته، فالجزء المعرفي هام جدا، ولكن لا يجب أن تقول له بشكل مباشر أنه بخيل ويتحول الأمر إلى هجوم.
كما عليها أن تعرب عن فرحتها وتشكره عند يشتري أي شئ لها أو للبيت ليعرف أن مثل هذه الأشياء تسعدها وتلقى لديها قبول.
* يوجد بعض الأشخاص أسخياء جدا في الصرف على أنفسهم وعلى أسرهم ولكنهم يرفضون الإنفاق خارج هذا النطاق… فما رايك في مثل هؤلاء ؟
** بالطبع هولاء لا نستطيع وصفهم سوى بأنهم أنانيون وبخلاء أيضا لكونهم غير محبين للعطاء، فالذي يحب لا يجب أن يكون حبه قاصر على بيته فقط.
* تشتهر بعض المحافظات بأن أهلاها بخلاء …. فما تعليقك؟
** علينا أن نتعلم عدم تعميم الاستثناءات فلا يجب أن أفترض أن أهل بلد معينة أو محافظة معينة أنهم غير كرماء لمجرد تعاملي مع شخص أو مجموعة ما لديهم هذ العيب … فقد يكون البخل مرتبط أكثر بالعائلة التي ينتمي إليها الشخص، فبالفعل هناك عائلات بأكملاها تحمل أغلبها صفة البخل .
*أغلب المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع نابعة من الأسرة… فهل بخل الآباء ينعكس على حياة الأبناء الاجتماعية؟
** بالطبع، لأننا قلنا أن هؤلاء البخلاء يكونون مكروهين اجتماعيا فهم يعيشوا هم وأولادهم بعيدا عن الناس في عزلة تامة لخوفهم من شبح الإنفاق والصرف مما يؤثر على الصحة النفسية لهؤلاء الأبناء، كذلك يؤثر ذلك بشكل كبير على سمعتهم فحين يكبر الشاب أو الفتاة ويصلوا إلى سن الارتباط، بالطبع سوف لا يقبل أحد الارتباط بهم لسمعة أسرهم في التعامل بشح مع الناس، فكثير من الحالات التي واجهتها في مجال الخدمة كان البخل عامل أساسي في عدم قدرتهم على الارتباط .