أوجينيو بينيديتي” حفيد مؤسس المستشفى الإيطالي ل”وطني”: جدي نقل لي عدوى حب مصر.. وأروج لمسار العائلة المقدسة من خلال أكبر شركات الحج الفاتيكاني”
خبرات السنين ترتسم على تقسيمات وجهه وعيناه تحملان نفحات الحب والانتماء للبلد المحبب إلى قلبه مصر.. يتمتع العاشق التسعيني بنشاط كبير وعندما يتحدث نلتقط في كلماته مدي حبه وعشقه لمصر.. إنه “أوجينيو بينديتي جاجليو” رجل الأعمال الإيطالي ورئيس مجلس إدارة جمعية ”سيب” – الجمعية الإيطالية للأعمال الخيرية بمصر.. وحفيد مؤسس المستشفي الإيطالي بمصر. كان لـوطني لقاء مثمر مع عاشق مصر والمصريين، وقد تنقل حوارنا إلى زوايا عدة: منشأ عشقه لمصر وعلاقته بالزعيم عبدالناصر وجهود جده ومشروعاته ومؤسسة سيب الخيرية وأدواره في دعم العلاقات بين إيطاليا ومصر وأخيرا تحمسه لمشروع الحج الفاتيكاني بمسار العائلة المقدسة.. وإلى الحوار الثري..
ما سر عشق بينديتي لمصر؟
كنت أعرف منذ صباي أن جدي إمبيدوكلي جاجليو (1867-1949)، يعيش في مصر، إلى أن جاءت الفرصة وجئت لأزوره في مصر وأنا عمري 18 سنة، وكان وقتها مديراً للمستشفى الإيطالي وله مكانة كبيرة وأعمال عظيمة في مجال الطب في مصر.
وأوصاني أن أكمل مسيرته وخدمته في مصر.. ومن هنا بدأ اهتمامي وعشقي لمصر ينمو يوماً فيوم ونقل لي عدوى حب مصر والاهتمام بالترويج إليها.
وبالرغم شعوري بالمسئولية التي كلفني بها جدي والحنين إلى مصر, إلا أنني كنت شاباً ولم يتضح لي بعد ماذا سأفعل بمستقبلي، وبعد سنوات سافرت لأعمل في روسيا ومضيت حوالي 40 سنة من حياتي فيها، كنت أعمل في مجال المعدات الصناعية والماكينات عالية المستوى ومتخصصة جداً، وتزامن في ذلك الوقت حدوث طفرة في إيطاليا بعد الحرب وظهرت اختراعات متطورة في هذا المجال والكمبيوترات التي كانت وقتها بحجم غرف كبيرة.. وقد استطعت نقل هذا العلم والتطور إلى روسيا, ومن هنا رحبت بي هناك كبري الشركات والمصانع في هذا المجال، وكنت متخصصاً في الصناعات الكهروميكانيكية، ومع الوقت أصبحت مستشاراً للجنة الصناعات في روسيا.
وشاءت الأقدار أنه في عام 1959م، كنت في الثلاثين من عمري، تم تكليفي من لجنة الصناعات بروسيا لزيارة مصر لمقابلة الرئيس عبدالناصر، وهنا بدأت تتحقق وصية جدي أن أعود لمصر بعد أكثر من عشر سنوات. وقابلت الرئيس وطلب مني التعاون في أعمال خاصة بسد أسوان, وكان ذلك التعاون ترعاه روسيا لمساعدة مصر, وخلال عشر سنوات تم تسليم كل المعدات الكهربائية والأجهزة المطلوبة منها خطوط نقل كهرباء الضغط العالي, والأبراج الحديدية التي تتواجد في الصحراء وكلها صناعة إيطالية.
ويوم 9 يناير عندما ضغط الرئيس خورشوف والرئيس عبدالناصر أزرار تفجير موقع السد لبدء العمل، كنت هناك معهم لأن هذا اختصاصي في العمل.
واستمرت علاقتي والرئيس عبد الناصر حتى قبل وفاته بثلاثة أشهر سافرت معه لأسوان لكي أعاين محطة تجارب السد والمعدات المصنوعة من مواد تتحمل عوامل التعرية مدي الحياة والتأكد أن كل شيء على مستوي متميز، ولكن للأسف ناصر لم يحضر افتتاح السد وافتتحه الرئيس السادات، وكنت في مقدمة الناس الذين قابلوا الرئيس عبد الناصر قبل وفاته.
ومعرفتي بالرئيس عبد الناصر لم تقتصر على العمل بالسد فقط بل كان بيننا صداقة إذ أدرك أن وجودي في مصر ليس لمجرد اختصاصي المهني، ولكن لأنه كان يعرف جدي ومدى تفانيه في عمله في المستشفى الإيطالي وإدراكه أنني بدأت في ذلك الحين استكمال مسيرة جدي في أرض مصر.
نعود إلي الجد ”جاجليو” ماذا قدم لمصر؟
جدي إمبيدوكلي جاجليو (1867-1949) هو مؤسس المستشفى الإيطالي في القاهرة، بعد أن وصل للقاهرة عام 1898, واستطاع بفضل مجهوداته أن يحصل على تمويل من الجالية الإيطالية في ذلك الوقت حيث كان تعداد الجالية في مصر يقترب من 50 ألفاً وكانت الجالية معظمها من الأغنياء.. وافتتح المستشفي في 23 ديسمبر 1903, على اسم امبيرتو الأول ملك إيطاليا وقتها، وكان المستشفى يخدم الجالية ويشرف عليه الراهبات الإيطاليات.
المستشفى الإيطالي – إمبيرتو الأول
وأذكر أن الملك فؤاد طالبه بتولي مهمة تدريب الأطباء المصريين، ومن هنا بدأ مسيرته والتي قدم خلالها العلاج بالمجان للمواطنين الفقراء أثناء الحربين العالميتين، فضلاً عن مساهمته في تأسيس الجمعية الخيرية الإيطالية ”سيب” عام 1910م، وخصص حياته بالكامل من أجل المستشفى حتي عام 1945م، وفي نهاية الحرب العالمية الثانية منحه الملك فاروق قلادة النيل، وعقب عودته لإيطاليا منحه الملك الإيطالي فيكتور إيمانويل وسام فارس.
مدفن الدكتور إمبيدوكلي جاجليو (1867-1949) في مقر المستشفى الإيطالي
ما العلاقة بين العائلة المالكة بمصر والدكتور “جاجليو”؟
جدي كان صديقاً للملك فؤاد والد الملك فاروق، فذات يوم أصيب الملك فؤاد برصاصة في حنجرته والذي أنقذه بجراحة في الحنجرة كان جدي الدكتور جاجليو وأنقذ حياته، ومنذ ذلك الحين نشأت علاقة حميمة بين الطرفين، وساعة الحرب العالمية تم اعتقال الإيطاليين من قبل الإنجليز لكن استمر جدي يدير المستشفى والملك فاروق طلب بإبقاء جدي في منصبه.. ولذلك كانت علاقته بالعائلة المالكة قوية جدا.
”البحر المتوسط بحر يجمعنا ولا يفصلنا”.. جملة مشهورة على لسانك.. هل تأثرت العلاقة بين مصر وإيطاليا في الفترة الأخيرة؟
فعلاً هذا البحر المتوسط لا يفصل بين مصر وإيطاليا بل هو رابط بيننا للتواصل الدائم، لكن للأسف كانت توجد مؤامرة الهدف منها تعكير الصفو بين إيطاليا ومصر، وكان يهمهم تعطيل تلك العلاقات وهدم التعاون الاقتصادي والفني بين البلدين، لكن الحقيقة في النهاية يجب أن تظهر وتنتصر.
وكما رأينا وقت افتتاح حقل ”ظهر” عندما سُئل رئيس شركة “إيني” الإيطالية ”كلاوديو ديباسي” عن الهدف من هذا التشويه لمصر، قال: إن كل هذا التشويه والمبالغة عقب مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، في فبراير من العام الماضي، كان الهدف منه أنهم كانوا يريدون أن يمنعوا لحظة الافتتاح لمشروعات كبيرة كحقل ”ظهر” لإبقاء مصر متعثرة.
هذا الأمر في غاية الحساسية، وقضية ”ريجيني” الآن أصبحت في مسئولية السلطات القضائية والأمنية بين البلدين، لذلك أرى أن العلاقات لا يجب أن تتأثر بتلك الحادثة.
هل توجد أعمال أخرى أو خدمات للمؤسسة الخيرية؟
مؤسسة ”سيب” الخيرية أنشئت لخدمة المستشفى الإيطالي عام 1910، لكن نحن أسسنا مؤسسة ”سيب” أخري لها أفرع بالقاهرة وروما ودول أخرى لكي نجمع التبرعات للقيام بأعمال مرتبطة بالصحة والتعليم ونشر الفن والثقافة بمصر، وكل تلك الأعمال غير ربحية تبادلية بين إيطاليا ومصر.
من ضمن تلك المشاريع التي تم التنسيق والإعداد لها مع وزير الآثار ووزيرة الثقافة والسفير المصري هشام بدر، هو عمل مبادرات ثقافية تبادلية بين مصر وإيطاليا من خلال معرض عن التراث والآثار المصرية، والمقرر افتتاحه في شهر مايو، في مدينة ”فيتيرفو” بإيطاليا لمدة خمسة شهور.. والمعرض ستعرض فيه نسخ من حوالي 250 قطعة أثرية مصرية – أهمها زخائر توت عنخ أمون وقاعة أخرى بها 50 أيقونة قبطية.
توت عنخ أمون
أيقونات قبطية
أيضا ستتوافر قاعات بها عروض لأفلام تسجيلية عن مصر وأفلام تعرض مصر المعاصرة والمشروعات والتنمية التي تحدث بها الآن، وكذلك تقديم عروض فرق فلكلورية مصرية وعروض من الرقص والتنورة والعزف الموسيقي.. وفي المقابل سيتم عمل عروض أوبرا مثل أوبرا ”عايدة” في منطقة الأهرامات عام 2019، ويشارك في الإعداد لها 300 موسيقي من إيطاليا، تزامناً مع افتتاح المتحف المصري الجديد بالجيزة.
وهذا المعرض هو بداية لسلسلة تعاون ثقافي بين البلدين. وسيقام في مدينة من القرون الوسطي تسمي ”فيتيرفو” والتي يقال في الأساطير الإيطالية إن تلك المدينة تم إنشاؤها علي يد ”أوزيرس”، داخل أسوار تلك المدينة يوجد قصر يسمي القصر الباباوي لأنه كان مأوي لبابا روما من آلاف السنين وقت الحروب مدة 200 سنة، وفي ذلك الوقت كانت تعتبر ”فيتيرفو” العاصمة الدينية، إلى أن عاد الكرسي الباباوي إلى روما مرة أخرى، وبعدها أصبح القصر في مدينة فيتيرفو” مخصصاً لأسقف ”فيتيرفو”.”
وقد توجهت لأسقف ”فيتيرفو” – الذي أعرفه جيداً وطلبت منه استخدام قصره لإقامة هذه المبادرة الثقافية من أجل التقارب بين مصر وإيطاليا، وبذلك تم التنسيق لعمل هذا البرنامج الثقافي لمدة خمسة شهور بدءاً من مايو حتى أكتوبر، وفي المقابل، طلب أسقف ”فيتيرفو” أن يكون قائد أول وفد حج فاتيكاني لمصر لزيارة مسار العائلة المقدسة.
القصر الباباوي بفيتريفو
ما انطبعاتك حول مسار العائلة المقدسة والحج الفاتيكاني؟
علي المستوى السياحي، مصر كانت البلد المفضل كمزار سياحي للإيطاليين، فكان يزورها حوالي مليون سائح سنوياً ولكن للأسف تهاوى هذا العدد حتى وصل إلى 150 ألف سائح، لذلك نسعى لإقامة تلك المبادرات لنقل مصر بصورتها الحقيقية لجذب السائح الإيطالي مرة أخرى سواء كسائح زائر أو كحاج فاتيكاني.
وكنت تابعت مع الوزير السابق يحيي راشد خطوات التنسيق لرحلات الحج، فكل رحلات الحج الفاتيكاني سواء ”لورد” أو ”فاتيما” تعتبر حجاً مباركاً لكن الحج التاريخي الصحيح هو في أرض مصر حيث أماكن تحرك فيها ومكث فيها الطفل يسوع وأسرته.
المشكلة بالنسبة لنا كانت كيفية وصول الحجاج إلى مصر.. هل سيراً على الأقدام كما هو الحال في بعض نقاط الحج الأخرى، فتخيل أنهم سيتحركون من بيت لحم سيراً على الأقدام حتى العريش كان مستحيل وصعباً لظروف سيناء، فطرحت فكرة أن تتحرك شركة الطيران ”إير سيناء” – وهي الشركة الوحيدة التي لديها خط طيران منتظم من القاهرة للقدس والعكس، فتنقل الحجاج من بيت لحم فور انتهاء زياراتهم في القدس ليتمكنوا من استكمال زياراتهم في مصر للخمس نقاط على مسار العائلة المقدسة التي تم تجهيزها من قبل الحكومة المصرية، ثم العودة من مصر لإيطاليا مباشرة.
وتم مقابلة وزيرة السياحة الحالية رانيا المشاط، الأسبوع الماضي، لمناقشة مدى استعداد النقاط على المسار لاستقبال الحجاج، والاحتياجات التي يتطلبها كل مكان من الخمس نقاط الأولى على المسار ليؤهل للحجاج ذوي الاحتياجات الخاصة وكذلك عدد رحلات الحج ومتى تبدأ الرحلات تحديداً، بحيث يتم التنسيق مع شركات الطيران لرحلة طيران تأخذ الحجاج من تل أبيب إلى القاهرة.
وزيرة السياحة رانيا المشاط تتوسط الأب جيفانيو من الفاتيكان والسيدة بريتسيوزا
مديرة شركة أونيتالسي للحج الفاتيكاني
ما خطة رجل الأعمال الإيطالي عاشق مصر للمساهمة في نهوض مصر؟
اهتمامي بمصر لا يقتصر على الجذب السياحي فقط.. لكنه أكثر عمقاً من ذلك، حيث إن أهم شيء في تصوري هو التبادل الثقافي الذي يعتبر جسر عبور وتواصل بين إيطاليا ومصر لتخطي أي أزمات وتقارب في وجهات النظر.
أيضا لا يخفى عليكم أن أكثر المشروعات في مصر العزيزة على قلبي هي استكمال مسيرة جدي من خلال تنمية المستشفى الإيطالي والحفاظ على استمرارها بأعلى جودة طبية وتقنية موجودة في العالم.
ولقد احتفلنا في آخر يناير من هذا العام، بمرور 150 عاماً على ميلاد مؤسس المستشفى، ومائة وعشرين عاماً على إنشاء مستشفى أومبرتو الأول في القاهرة المعروفة باسم المستشفي الإيطالي.
ويعمل بالمستشفي 750 مصرياً مع الراهبات وتملكها مؤسسة ”سيب” الخيرية الإيطالية التي نترأسها، والهدف الأساسي للمؤسسة هو رعاية المرضي الغلابة.. وتكلفة التطوير تخطت حاجز المليون و800 ألف يورو. والمستشفى مساحته 30 ألف متر مربع وبه بيت للراهبات وكنيسة صغيرة ومدفن جدي، مؤسس المستشفي.. وهو مستشفى في منتهي الجمال ونسعي لنطور غرف العمليات به، حيث إنه الآن يقتصر على غرفتي عمليات فقط ونسعى من خلال المؤسسة أن نزود عددهم لسبع غرف عمليات هذا العام.
أما من ناحية دعم رحلات مسار العائلة المقدسة، فقد توليت العملية التنظيمية لدعوة أكبر شركات حج فاتيكاني بإيطاليا وهي شركة ”أونيتالسي” للتواجد في مصر الأسبوع الماضي لدراسة الموقف حول هذا المشروع.
وطني بصحبة الوفد الفاتيكاني بساحة دير السريان في وادي النطرون
كيف يتم تنفيذ المشروعات في مصر؟
كلما جاءت لنا فكرة لدعم مصر، نفضل أن نوكل شركات متخصصة لتنفيذ تلك الأفكار، ونراقب الأعمال بأنفسنا حتى نتأكد من تحقيق الهدف المرجو منه كما نهتم جداً بتشغيل العمالة المصرية.
وماذا عن علاقتك بالجالية المصرية التي تعيش في إيطاليا؟
دائما أحرص على مقابلة السفير المصري هشام بدر، وتربطني به علاقات متميزة، واقترحت عليه بعض المشروعات التي أنوي تنفيذها، وأود في هذا السياق الإشادة بالجالية المصرية في روما ودورها في تنمية العلاقات المصرية – الإيطالية، ودائما أشعر عندما أشاركهم في أي مناسبة أو لقاء أنني مصري الجنسية، وأود أيضا الإشارة إلى أنني أوصيت أسرتي بدفني بجوار قبر جدي في مصر.