الرقم أربعة يرمز إلي العالم أو الخليقة (2)
بل الكتاب يحدثنا أيضا عن الأربعة حيوانات غير المتجسدين:
هذه المحيطة بالعرش الإلهي, والتي يقول عنها سفر الرؤيا: وفي وسط العرش وحول العرش أربعة حيوانات مملوءة عيونا من قدام ومن وراء, والحيوان الأول شبه أسد, والحيوان الثاني شبه ثور, والحيوان الثالث له وجه مثل وجه إنسان, والحيوان الرابع شبه نسر طائر (رؤ4:6, 7).
ولعل هذه الحيوانات الأربعة تحوي رموزا عدة: فالأسد يرمز إلي الحيوانات المفترسة, والثور يرمز إلي الحيوانات الأليفة, والإنسان يرمز إلي الحيوانات العاقلة, والنسر يرمز إلي الحيوانات الطائرة فوق مستوي الأرض, وكلها ترمز إلي قوات سمائية..
وهذه الحيوانات الأربعة تذكرنا أيضا بالأناجيل الأربعة التي أرسلت إلي العالم كله.
الأول هو إنجيل مرقس بأسده المعروف. والثاني هو إنجيل لوقا الذي بدأ بالكهنوت الهاروني الخاص بالذبائح ويرمز إليها وإليه الثور. والثالث يرمز إلي إنجيل متي الذي تحدث عن السيد المسيح الذي من نسل الإنسان وتتحقق فيه النبوات. والرابع النسر يرمز إلي إنجيل يوحنا الذي حلق عاليا في عالم اللاهوتيات, وهو آخر الأناجيل.
وهذه الأناجيل الأربعة, بالرقم أربعة, أرسلت إلي العالم كله, أو الخليقة كلها, كما ورد في (مر16:15).
فإنجيل مرقس كتب للرومان, وإنجيل لوقا لليونان, وإنجيل متي لليهود, وإنجيل يوحنا كتب بعدها للعالم كله, ولم تزد الأناجيل عن أربعة. إنه واقع يتمثل فيه أيضا الرمز.
أكانت هذه الأربعة أناجيل ترمز إليها الأنهار الأربعة التي تروي الجنة (تك2:10-14)؟
والمعروف أن الماء يرمز إلي الروح القدس وإلي الحياة, كما ذكرنا في حديثنا عن الماء ورموزه, وإلا فما معني ذكر أربعة أنهار تروي الجنة؟ أم تراها ترمز إلي اتجاهها في أقطار الأرض كلها التي يرمز إليها الرقم أربعة, والرياح الأربعة التي ذكرها السيد المسيح في حديثه عن مجيئه الثاني (مت24:31), والتي ذكرها دانيال النبي في رؤياه حينما قال: كنت أري في رؤياي ليلا, وإذا بأربع رياح السماء هجمت علي البحر الكبير.. وصعد من البحر أربعة حيوانات عظيمة, هذا مخالف ذاك (دا7:2, 3).
ومما يسترعي الانتباه أن سفر الرؤيا يقسم أنواع أو أجناس البشر إلي أربعة:
فورد في ترنيمة الأربعة حيوانات والأربعة والعشرين قسا اشتريتنا لله بدمك, من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة (رؤ9).. أربعة تصنيفات هي قبيلة, لسان, شعب, أمة..
والتقسيم نفسه نجده في (رؤ7:9), حيث يقول: بعد هذا نظرت, وإذا جمع كثير لم يستطع أحد أن يعده, من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة, واقفون أمام العرش…
ويكرر الكلام نفسه عن ملاك معه بشارة أبدية, ليبشر الساكنين علي الأرض, وكل أمة وقبيلة ولسان وشعب.. (رؤ14:6). كما يكرر التقسيم نفسه تقريبا في (رؤ17:15).
نلاحظ أن الرقم نفسه قد استخدم في الحديث عن مجموعات معينة من البشر:
فقد ذكر الكتاب أربع نبيات في العهد القديم, ثلاثا يمثلن الخير, والرابعة تمثل الشر, في مهمة النبوة, وهن مريم أخت موسي وهارون (خر15:20), ودبورة القاضية (قض4:4), وخلده (2مل22:4), ونوعديه النبية التي كانت تخيف نحميا (نح6:14).
كما ذكر أربعة رجال أيضا هم أصحاب أيوب: ثلاثة كانوا معزين متعبين وهم أليفاز التيماني, وبلدد الشوحي, وصوفر النعماني (أي3:11), (أي16:2), والرابع هو أليهو وكان يتكلم بكلمة الله (أي32:7).
الأربعة هنا وهناك, يمثلون الخليقة البشرية خيرا وشرا, وهناك أربعة يمثلون الشر أيام نحميا: وهم: سنبلط, وطوبيا, وجشم, ونوعديه (نح6:1, 14).
وهناك أربعة آخرون يمثلون الخير, وهم: دانيال, والثلاثة فتية القديسون.
وأربع نساء ورد ذكرهن في نسب المسيح, وهن ثامار, وراحاب, وراعوث, وامرأة أوريا (مت1) يمثلن عالم المرأة واشتراكه في النسب المقدس, بينما نساء عديدات اشتركن فيه من 41 جيلا في (مت1).
يمكن تتبع الرقم أربعة في مواد خيمة الاجتماع, وفي أغطيتها, وفي ستائرها.
ففي المواد: نجد الذهب, والفضة, والنحاس, والخشب, تتنوع في قيمتها, وتشترك في استخدامها, وكلها معا تمثل المادة مساهمة في دور العبادة ومن الأقمشة نجد الأسمانجوني, والأرجوان, والقرمز, والكتان..
العجيب أنه حتي الشيطان قد دخل الرقم أربعة أيضا في أسمائه:
ووردت تلك الأسماء الأربعة كلها في آية واحدة في سفر الرؤيا, إذ يقول إن ملاكا نزل من السماء: فقبض علي التنين, الحية القديمة الذي هو إبليس, والشيطان, وقيده ألف سنة, وطرحه في الهاوية وأغلق عليه (رؤ20:2).
الرقم أربعة هنا في أسماء الشيطان, يرمز إلي الخليقة الخاطئة المدمرة, في عمق سقوطها, وأيضا عقوبة الله لهم.
وفي هذا الأصحاح يذكر العقوبة وقد شملت أربعة يمثلون كل الشر:
فيذكر الأمم الذين في أربع زوايا الأرض, الذين أحاطوا بمعسكر القديسين وبالمدينة المحبوبة, فنزلت نار من عند الله وأكلتهم.. وإبليس الذي كان يضلهم طرح في بحيرة النار والكبريت, حيث الوحش, والنبي الكذاب, وسيعذبون نهارا وليلا إلي أبد الآبدين (رؤ20:7-10).
وهنا يذكر أربعة شملتهم الدينونة الرهيبة, وهم: الأمم الخاطئة, وإبليس, والوحش, والنبي الكذاب. والأربعة يمثلون كل الخليقة الخاطئة, سواء من البشر أو الملائكة.
طويل هو الحديث عن الرقم أربعة ورموزه, ولست مستطيعا أن أوفيه حقه كاملا في هذا المقال..