ولفت الدراسة لإمكانية التنسيق مع الأزهر الشريف: والذي يعمل أيضاً في إفريقيا و يتركز عمله في الغرب ـ و أن يحاول كل طرف أن يزود الآخر بما لديه من معلومات و خبرات حول مناطق العمل في إفريقيا و أن يمتد التنسيق إلى العمل في إفريقيـا لأن المحصلة في النهاية واحدة و هي مصلحة مصر و خدمة سياستها في إفريقيا, ودعم العلاقات العربية-الإفريقية.
أعد الدكتور جوزيف رامز أمين، الأستاذ بمعهد الدراسات الإفريقية، ورقة عمل بعنوان “الكنيسة القبطية والعلاقات العربية – الإفريقية” ، بغرض عرضها غداً الأحد، خلال المؤتمر السنوي الأول بعنوان: “العلاقات العربية الإفريقية..الفرص والتحديات” والذي يعقد علي مدار يومين متتاليين تحت رعاية المجلس الأعلى للثقافة، والاتحاد الإفريقي، والجمعية العلمية للشئون الإفريقية، بالتعاون مع مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بجامعة أسيوط.
و أوضح الدكتور جوزيف رامز في ورقة العمل, أن الكنيسـة القبطيـة تتميز بكونها كنيسة وطنية، تمتلك الفكر الذي يتلاءم مع الفكر الإفريقي، خاصة في النواحي اللاهوتية، كما يتطابق فكرها التبشيري أيضاً مع ظروف القارة الإفريقية و مقتضيـات العمل بها، و هي تعمل على تعليم أبناء القـارة و إعدادهم دينياً و اجتماعياً ومهنيـاً، و من ثم فإن عملها و جهدها يجد صـدى طيب لدى الدول الإفريقية و شعوبها.
و تعد الكنيسة القبطية منظمة غير حكومية “بالأساس”, مصرية الانتماء والهوية والطقوس, عربية في الفكر والممارسات, يلقب بابا الكنيسة القبطية ببابا العرب ومواقفها الوطنية مشهودة، خاصة في قضايا “القدس”ومناصرة الشعب الفلسطيني وكافة الشعوب العربية، ولذا فإن عملها بالقارة الإفريقية ينبع من انتمائها الأصيل، وينخرط بالأساس في مجال دعم العلاقات العربية – الإفريقية, كما أن بدء عملها ارتبط بدول عربية إفريقية بالأساس كمصر, وليبيا والسودان وغيرهم.
وتناولت ورقة العمل 3 محاور رئيسة، المحور الأول منها عن علاقة الكنيسة القبطية مع الدول الإفريقية، أدوات الكنيسة للعمل في إفريقيا, و الأسقفية العامة لشئون إفريقيا.
وأشار الدكتور رامز في ورقة العمل، إلى أن الأسقفية العامة لإفريقيا تندرج في سياق الخريطة الجغرافية الخارجية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وتعد الأسقفية هي المسئولة تنظيمياً عن عمل الكنيسة القبطية في إفريقيا، و يرأسها الأنبا أنطونيوس مرقس، أسقف عام شئون إفريقيا”ومقره حالياً”جوهانسبرج” بجنوب إفريقيا، و تمت رسامته في 13 يونيو 1976، يعاونه أسقف عام للكرازة هو الأنبا بولس، تمت رسامته أيضاً في يونية 1995، للمساعدة في خدمة الكنيسة في عملها في إفريقيا, وهو مسئول عن أسقفية “كينيا”.
أما بالنسبة للطاقة التنظيمية للكنيسة القبطية وإمكاناتها للعمل في إفريقيا، فهي تجمع ما بين الأكليروس و العلمانيين، و تضم 22 كاهنا بينهم 5 مصريين، و 17 إفريقيا، بالإضافة لمجموعة شمامسة لا يقلوا عن 100 شماس, إن كانوا ليسوا كلهم متفرغين، فضلاً عن 6 مكرسات من كينيا و السودان و غيرهما، وكل هذه الأعداد قابلة للزيادة، كما يوجد أيضاً أطباء في العمل الطبي للكنيسة، و مدربين مهنيين، مدرسين، إداريين بجانب الأبنية و العاملين بها.
و تطرق البحث لمستوى العلاقة مع الدول الإفريقية ذاتها، مبتدئا بعلاقة الكنيسة مع شمال إفريقيا و السودان و الخمس مدن الغربية “ليبيا حاليا”، و كان للكنيسة القبطية كنيستان إحداهما في طرابلس و الأخرى في بنغازي”زادا إلى 3 كنائس”، وهناك الاكتشافات التي تؤكد الوجود المسيحي القبطي في هذه المنطقة منذ القرن الأول الميلادي, وإن كانت قد تأثرت الكنائس والخدمة هناك “والتي لقبت أحيانا بـ “بنتابوليس” وتتبع إيبارشية دمنهور والمدن الخمس الغربية بالأوضاع السياسية التي حدثت بليبيا منذ عام 2011.
وأوضحت ورقة العمل العلاقة مع السودان “بلاد النوبة سابقا”،و كان يوجد للكنيسة القبطية في السودان إيبارشيتان، إحداهما في الخرطوم و يتبعهما 13 كنيسة، والأخرى تخدم مناطق أم درمان و عطبرة و يتبعهما 10 كنائس، كما كان يوجد أيضاً 4 مدارس ثانوية، وعدد من المدارس الإعدادية و المكتبات و النوادي، و كان يقدر عدد المسيحيين الذين يتبعون الكنيسة القبطية هناك بأكثر من 2/1 مليون، هذا فضلاً عن وجود الأديرة القبطية هناك صاحبة الرسالة الثقافية و التعليمية الهامة، وكذلك دورها الاجتماعي و الاقتصادي المعروف.
و قد ارتبط الوجود المصري للكنيسة القبطية في السودان بمراحل متعددة… لكن الكنيسة القبطية أخذت وضعها الحالي المستقر الآن.. كما بدأ التواجد والنشاط القبطي بجنوب السودان, وأصبح لنا كنيسة وأنشطة بجنوب السودان.
كما كشفت ورقة العمل عن العلاقة مع شرق إفريقيا، متمثلة في العلاقة مع إثيوبيا، وترجع جذور العلاقة الكنسية بين البلدين إلى القرن الرابع “في عهد البابا أثناسيوس الرسولي”, وكان أول بطريرك هو “أبونا سلامة” أب السلام”, وهو اسم قبطي.. يتواجد لدى أقباط الصعيد وكذلك في الحبشة, وقد تولت الكنيسة القبطية رعاية الكنيسة الإثيوبية لمدة 1684 سنة, تولى خلالها أكثر من 111 مطران من سنة “330 إلى 1951″حين تولى أول مطران إثيوبي رئاسة إثيوبيا: وهو أبا جورجيوس “, ثم رقي عام 1959 علي يد البابا كيرلس السادس و دعي باسم الأنبا باسيليوس, ومن هنا تولت الكنيسة الإثيوبية رعاية نفسها بنفسها.
ويترأس الكنيسة الأثيوبية حاليا الأنبا ماتياس، و هو رقم”6″ في تعداد الآباء الإثيوبيين.
و عن الإطار الحالي للعلاقة بين الكنيستين المصرية و الإثيوبية، أوضحت الدراسة حصول الكنيسة الإثيوبية على استقلال كنيستها الذاتي عام 1959، ومنذ عام 1994يوجد بروتوكول معروف بين الكنيستين, يوجد فيه ممثل للكنيسة القبطية في إثيوبيا وممثل للكنيسة الإثيوبية في مصر, وكلا الممثلين يعملان لخدمة الشعب المتواجد لدى الدولتين, وتقدم الكنيسة القبطية العديد من الخدمات الاجتماعية, والصحية والتعليمية والاستثمارية والتي تهدف نحو رعاية الشعب الإثيوبي وتقديم صورة جيدة عن مصرمن خلال الكنيسة كمؤسسة غير سياسية أو منظمة غير حكومية”NGO’s”.
هذا وقد رتبت الكنيسة زيارتي أبينا ماتياس أوائل عام 2016 لمصر، وزيارة البابا تاوضروس لإثيوبيا في سبتمبر من عام 2015, أيضاً ساعدت الكنيسة في ترجمة بعض الكتب الطقسية وبعض كتابات الآباء, وبعض دبلجة الأفلام والعظات باللغة الأمهرية….كما تعمل على نقل التراث القبطي بألحانه ولوتريجياته باللغة الأمهرية
ويعد نيافة الأنبا بيمن، أسقف نقادة وقوص هو منسق العلاقات الكنسية بين مصر وإثيوبيا, وهو يعمل في هذا المجال منذ حوالي 4 سنوات يساعده القمص أنجليوس النقادي.
و عن العلاقات مع دولة إريتريا، أوضحت الدراسة أن الإطار الحالي للعلاقة صاحب استقلال إريتريا عن إثيوبيا في مايو 1993، رغبة أيضاً من جانبها في الارتباط بالكنيسة المصرية، وفي نفس الوقت الاستقلال الديني عن إثيوبيا، و من ثم فقد قام الرئيس أسـياسي أفورقي “الرئيس الإريتري” بزيارة المتنيح البابا شنودة خلال عام 1993 “نفس عام الاستقلال”، و قال له “إن إريتريا دولة مستقلة، و نريد أن تكون لها أيضاً كنيسة مستقلة”، وبعد مفاوضات عديدة وسفر الوفد القبطي إلى إريتريا في 25 مايو 1994…انتهى الأمر بأن قامت رئاسة الكنيسة القبطية “ممثله في البابا شنودة” برسامة خمس أساقفة جدد إريتريين لكنيسة إريتـريا.
و تمت رسـامة الأساقفة الخمس في بدايـة شهر مسرة القبطي الموافق 19 مايو من عام 1994و ذلك باللغة “التجرينية”، كما تمت رسامة وتجـليس البطـريرك “فيلبس الأول”، في إريتـريـا يوم 29 مايو من عام 1998 بيد الراحل البابـا شـنودة الثالث، و حضور رئيس الدولـة و المسئولين.ولا شك أن هذه العلاقة الكنسية الجديدة والمتطورة فيما بين مصر و إريتريا من شأنها أن توثق العلاقـات المتبادلـة بين الدولتين في كافة المجالات، لا سيما أن تلك العلاقة الدينية قديمة قدم العلاقة الدينية بين كنيستي مصر و إثيوبيا.
و عن علاقة الكنيسة القبطية مع دولة كينيا، فأوضحت الدراسة أن الوجود الحالي للكنيسة القبطية في كينيا، يتمثل في وجود 14 كنيسة، من بينهم دير ومركز قبطي, أما بالنسبة لمراكز التنمية والمباني والخدمات الأخرى فيوجد مستشفي مار مرقس بنيروبي، طاقته 40 سرير، و 3 مدارس حضانة “في نيروبي، كينيووي، نياماسـاريا، كيسومو”، و 3 مراكـز للتـدريب المهني للخياطـة في كل من نـيروبي و كينيووي “أوكامباني” و ماسينو.
كما توجد أرض مسجلة باسم الكنيسة القبطية في سانجا نينيا بكينيا، بحيث إنها معدة لبناء كنيسة أخرى علىها يخدم في هذه الكنائس أيضاً 7 كهنة، من بينهم 5 من الكهنة الكينيين المحليين المرسومين هناك، وراهبة، وحوالي 20 شماسا محليين يخدمون هناك أيضاً، ويقدر شعب الكنيسة هناك بحوالي 15ألف نسمة.
و بالنسبة لعلاقة الكنيسة القبطية مع دولة تنزانيا، يتمثل الوجـود القبـطي في تنزانيا في إنشاء كنيسة مارمرقس في موسوما، و قد بدأت خدمة الكنيسة القبطية في تنزانيا حديثاً، ومن المناطق التي تشهد عملا مكثفا للكنيسة القبطية في تنزانيا “منطقة موسوما” على بحيرة فكتوريا على جنوب خط الاستواء، هذا وقد تمكنت الكنيسة القبطية في أواخر عام 1997 من الحصول على قطعة أرض بتنزانيا مساحتها حوالي 6400 م2 ، تقع في مدخل المدينة يتم إنشاء مركز للكنيسة القبطية يضم كنيسة، بيت ضيافة، و عيادة ، و خدمات وخلافه.
و أوضحت الدراسة أنه بدأ العمل أيضاً في أوغندا وتقديم خدمات للكنيسة القبطية هناك وكذلك تمت زيارات ولقاءات مع بعض التجمعات.
و عن علاقة الكنيسة القبطية مع دول الوسط الإفريقي، فهناك علاقة للكنيسة القبطية بدولة زائير “جمهورية الكونغو الديمقراطية”، و يتمثل الوجود الحالي للكنيسة القبطية في زائير “الكونغو الديمقراطية” في وجود ثلاث كنائس، هي كنيسة مار مرقس كاتوبو, كنيسة السيدة العذراء لوبومباشي، وكنيسة الأنبا أنطونيوس, و تقع هذه الكنائس في شرق زائير “الكونغو الديمقراطية حاليا”.
و قد تكون المشكلات السياسية القائمة هناك و الاضطرابات المتكررة سببا في تأخير العمل هناك.
وأبرزت ورقة العمل علاقة الكنيسة القبطية بجنوب إفريقيا والتي تتمثل في الوجود الحالي للكنيسة القبطية بجنوب إفريقيا، في وجود تسع كنائس قبطية من بينها المركز القبطي في جوهانسبرج، كما يوجد مركز تنمية متكامل في مدينة الكيب وأيضاً مركز تنمية متكامل في نونجوما ناتال ومشروع مركز تنمية متكامل في “باريز” بالإضافة إلى ذلك توجد أرض أخـرى مسـجلـة باسم الكنيسة القبطية في بورت إليزابيث.
كما تم بناء كاتدرائية كبيرة فخمة حسب الطقس القبطي على اسم القديس مارمرقس في جوهانسبرج وتم الصلاة فيها وكذلك تدشينها بيد المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث ، فضلا عن أراضي أخرى في مراحل التسجيل في ديربان وفي ننجوما ناتال، (أصبح لنا كنيستان في منتهى النشاط ومركز تنمية نشيط جدا ومشروع بناء مركز تنمية في) ويخدم في هذه الكنائس أحد عشر كاهنا معظمهم من جنوب إفريقيا، ويقدر عدد المنتمين إلى الكنيسة القبطية هناك بحوالي 14 ألف نسمة، بالإضافة إلى عشرات من العائلات القبطية، و توجد بالطبع في إطار ممتلكات الكنيسة بيوت ضيافة و حضانة ومساكن ومعهد لاهوتي متكامل وأماكن واسعة لإقامة الطلبة..وديرين..
و عن باقي دول الجنوب الإفريقي “زامبيا ـ زيمبابوي ـ ناميبيا ـ سوازيلاند”، فأوضحت الدراسة أنه رغم حداثة عمل الكنيسة القبطية في بلدان الجنوب الإفريقي، و الذي يعود في الغالب إلى التسعينات، إلا أنه ترد العديد من التقارير حول نشاط الكنيسة القبطية الديني و الاجتماعي في هذه المناطق، و هو الأمر الذي من شأنه أن يدعم من قوة التفاعل فيما بين الأفارقة و الكنيسة القبطية و يزيد من حبهم و انتمائهم لها.
كما كشفت الدراسة عن علاقة الكنيسة القبطية مع دول غرب إفريقيا, (نيجيريا ـ غانا ـ الكاميرون – ساحل العاج – توجو-الجابون ): يوجد للكنيسة القبطية وجود فعلي في بلدان غرب إفريقيا، في ساحل العاج وتوجو وغانا ونيجيريا ولكن على العكس من بلدان شرق ووسط و جنوب إفريقيا، التي تحفل بوجود و نشاط الكنيسة القبطية، رغم ذلك فقد كان هناك محاولات مستمرة من جانب الكنيسة للعمل والانتشار في غرب إفريقيا صادفتها بعض المعوقات .
يضاف أيضاً في هذا السياق علاقة الكنيسة القبطية مع أهم التنظيمات الدينية المسيحية في إفريقيا ودورها فيها و محاور التأثر و التأثير المتبادل فيما بينها, وأهمها علاقة الكنيسة القبطية مع مجلس كنائس كل إفريقيا:All Africa Conference of Churches “A.A.C.C.
ومجلس كنائس الشرق الأوسط, وكذلك دور الكنيسة القبطية في تأسيس منظمة الكنائس الإفريقية المستقلة بالقاهرة….بجانب التنسيق فيما بين هذه المنظمات الأمر الذي يصب في خدمة العلاقات العربية-الإفريقية بالأساس.
وتطرقت ورقة العمل إلى المحور الثاني وهو أبعاد دور الكنيسة القبطية في إفريقيا: حيث تتعدد أبعاد دور الكنيسة القبطية في إفريقيا، و هي تجمع ما بين الدور الســياسي و الدور الاجتمـاعي “التنموي” فضـلا عن الدور الديني أو الثقـافي و التعليمي، و عبر كل دور من هذه الأدوار تنطلق محاور تأثير الكنيسة القبطية في أكثر من اتجاه بالقارة ، سواء صوب مقاومة الاستعمار، و بعث القومية الإفريقية، أو مكافحة الرق و التفرقة العنصرية، أو الاتجاه نحو إقامة المؤسسات التنموية في الدول الإفريقية: كالمسـتشفيات و المراكز الطبية، أو مراكز التدريب المهني للسيدات و الرجال على السواء، فضلا عن دور الحضانة و الاهتمام بالطفل بصفة عامة.
ثم التطرق نحو عناصر التأثير الثقافي “الديني” و التعلىمي، و المتمثل سواء في القيام بأعمال الترجمة أو نقل فكرة مدارس الأحد إلى القارة الإفريقية، أو إنشاء المؤسسات التعليمية الدينية والمدنيـة على السـواء، و التي كان للكنيسة القبطية السبق فيها خاصة في إثيوبيا و السودان ..ولعل هذه الأدوار كافة كفيلة بدعم التعاون العربي- الإفريقي بشكل عملي .
وأضافت ورقة العمل: ساعد الكنيسة على أداء دورها في إفريقيا خبرتها في إقرار السلام بين مصر وجيرانها الأفارقة بجانب وجود بعض القيادات القبطية التاريخية صاحبة الدور البارز في إفريقيا مثل: البابا/ كيرلس الرابع (1854-1861) وكذلك البابا/ كيرلس السادس (1959-1971) . وبخلاف ذلك توجد عوامل معرقلة للدور السياسي للكنيسة القبطية في إفريقيا منها : المعوقات السياسية: كالحروب الأهلية والنزاعات الإثنية وعدم الاستقرار السياسي, وذلك بجانب النظام العنصري البائد في جمهورية جنوب إفريقيا حتى عام 1994 , هذا بجانب المعوقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لعمل الكنيسة القبطية في إفريقيا .
وركزت ورقة العمل على الصعاب الأخرى مثل كثرة عدد المذاهب المسيحية وتعدد نشاطها في القارة، ومثل الاضطراب الفكري الذي يعانيه الإفريقي، في مجتمع أصبح يضم أشتاتا من الصور الاجتماعية و المبادئ و الفلسفات، وانعكاس هذا الوضع على تفـكك الروابـط الأسـرية، فضلا عن الأثر الذي تركته حالة التخلف الاقتصـادي والثقافي في معظم البلدان الإفريقية في نقص فئات الفنيين القادرين على ممارسة المهن الضرورية في حياة المجتمع.
وكشفت ورقة العمل عن محاور الدور السياسي للكنيسة القبطية في إفريقيا, حيث تمثلت أهم هذه المحاور فيما يلي: – موقف الكنيسة القبطية من الاستعمار:
– فقد صممت الكنيسة القبطية على أن تقف في وجه أي استعمار يقع على عاتق رعاياها مهما كان مصدر هذا الاستعمار، و لذا سارعت كنيسة الإسكندرية لتلبية نداء النوبة و وقفت أمام الأطماع البرتغالية في إثيوبيا ورغبتهم في السيطرة عليها عن طريق الدين وذلك في القرن الـ 15، بأن بدأت حـركة ضخمـة في التأليف العقـائدي والترجمة من القبطية والعربية إلى الأمهرية، ثم في القرن الـ 17، حيث قاد المطران المصري الثورة ضد البرتغاليين حتى تركوها .
وقفت الكنيسة القبطية أيضاً في مواجهة الاحتلال الإيطالي لإثيوبيا ورفض المطران المصـري/ كيرلس في عام 1935 الموافقة على فصل الكنيسة الإثيوبية عن الكنيسة المصرية و ذلك على الرغم من وعود الإيطإلىين ثم تهديدهم ووقفت الكنيسـة في صف المجـاهدين و أصدرت مرسوما بحرمان كل إثيوبي يتعاون مع المستعمرين، حتى تحقق الاستقلال لإثيوبيا و عادت الكنيسة القبطية لدورها المعهود.
كما وقفت الكنيسة المصرية أيضاً في وجه الاستعمار الأوروبي “البريطاني” الذي جاء إلى السودان في سنة 1899، كذلك لم تتخلف الكنيسة المصرية عن مناهضة الاحتلال البريطاني، في الوطن الأم مصر من خلال المواقف الوطنية المعهودة لتلك الكنيسة.
وأشارت ورقة العمل إلى دور الكنيسة القبطية في مواجهة التفرقة العنصرية:للكنيسة المصرية أيضاً مواقفها في مواجهة التفرقة العنصرية، وهو الأمر الذي لم يقتصر على تعاليم الكنيسة الواضحة بهذا الخصوص، بل إن تاريخ عمل كنيسة الإسكندرية يحمل العديد من القرائن المؤيدة لمناهضتها للتفرقة العنصرية.
ومن جانب آخـر، كانت ممارسـات الكنيسـة القبطية على مدى الأزمنة و إبان عملها في إفريقيا تنم عن رفض واضح لسياسة التفرقة العنصرية فحين دخلت المسيحية إلى إثيوبيا عن طريق مصر، لم يكن في قيادات الكنيسة من المسيحيين الأقباط غير المطران و بعض مساعديه من الرهبان المصريين، أما الأكليروس فكانوا من الوطنيين الذين تأهلوا للخدمة، و كان دور المطران المصري هو القيام فقط بسيامتهم .
أيضاً أقبل الإثيوبيون على الرهبنة، و منذ القرن الـ 13 و هذه الأديرة تخضع لرئيس إثيوبي يحمل لقب الأتشجي، و كان القديس تكلا هيمانوت أول من شغل هذه المراكز. في نفس الوقت, فإن العلاقة فيما بين كنيسة الإسكندرية و النوبة، كانت دليل آخر على تحررها من عقدة اللون و العنصرية ، حيث عاش المصريون مع النوبيين جنبا إلى جنب، بنوع من العلاقات الشخصية الممتازة، و أدت الكنيسة رسالتها الداعية إلى المساواة بين البشر دون أدنى تمييز .
و من الشواهد المؤثرة أيضاً بهذا الخصوص لجوء العديد من أبناء شعبي كينيا و جنوب إفريقيا إلى كنيسة الإسكندرية يطلبون الارتباط بها و الانتماء إليها خاصة في ضوء ما عرفوه عن تمسك كنيسة الإسكندرية بالتعلىم المسـيحي الأصيل، وما لمسوه في الشعب الإثيوبي و هو شعب إفريقي مثلهم في مدى تعلقه بتلك الكنيسة التي تؤمن بكرامة الإنسان أيا كان دون ما تمييز أو تفرقة .
كما أوضحت أثر الكنيسة القبطية في بعث القومية الإفريقية: باستثناء مصر و إثيوبيا و بعض بلاد الساحل الشمالي كانت إفريقيا خالية تماما من أي مؤسسة تعلىمية ترمي إلى تثقيف الشعب الإفريقي أو رفع مستواه الفكري والثقافي لكن كانت للأقبـاط في مصر في العصر الروماني و كانت لمسيحي شمالي إفريقيا في نفس العصر دور مماثل في تعليم الشعوب الإفريقية الانتماء لقوميتهم وخاصة في شرق إفريقيا.
ونوهت الدراسة إلى معالجة الكنيسة لقضية الرق: حيث عالجت الكنيسة مأسـاة الإنسـان الإفريقي على أساس من احترام إنسانيته و العمل على تنميته روحيا واجتماعياً، فلم تكتف بالدعوة لوقف الرق، بل اتجهت إلى مساعدة الإفريقي في الحصول على موارد مشروعة تغنيه عن ممارسة تجارة الرق، كمصادر الثـروة، التجارة و مراكز التدريب الزراعي و الحقلي، المدارس، و التدريب على الحرف، و استمرت تقاوم الرق و تجارته حتى تحقق تحريمه من قبل برلمانـات و حكومـات البلدان الإفريقية، و قبل ذلك من جانب المبشرين و رجال الدين المسيحي الذين ساهموا في إلغاء تجارة الرق و لم يسكتوا على الظلم و الاستبداد .
وتحدثت ورقة العمل عن أبعاد الدور الاجتماعي و التنموي المعاصر للكنيسة القبطية في إفريقيا والذي يتمثل الدور المعاصر للكنيسة القبطية في إفريقيا في كل من الدور الاجتماعي و التنموي الذي تقوم به الكنيسة القبطية في إفريقيا، فهو من أهم الأدوار و أكثرها تأثيرا ، حيث تعد القارة الإفريقية أحوج من غيرها لممارسة هذا الدور، و خاصة أن معظم شعوب القارة الإفريقية تعاني من مشــكلات اجتماعيــة واقتصاديـة خطيرة.
و تمثـل اهتمـام الكنيسـة القبطيـة في إفريقيـا في العمل الاجتماعي والتنموي في مجالات عديدة منها: الاهتمام بالعاطلين و الفقراء و العمل على تعليمهم مهن يعملون بها، ثم تدريب الطاقات الجـديدة للعمل الكنسي و التنموي في نفس الوقت, في نفس الوقت فإن عمل التنمية الذي تقوم به الكنيسة القبطية لا يقتصر على الأقباط المقيمين بإفريقيا، أو المسيحيين الأفارقة، و لكنه يشمل المسلمين أيضاً من منطلق أن التنمية الاجتماعيـة الروحية هي عمل إنساني بحت يتساوى عنده الجميع و ليس بهدف تغيير العقيدة..
هذا و قد مزج العمل الاجتماعي التنموي للكنيسة القبطية في إفريقيا بين عدة أوجه منها الربط بين الرسالة الدينية و العمل المهني “خاصة الطب”، و الخدمة في القرية كأسـاس للعمل في إفريقيا، ثم القيام بالأعمال الخيريـة و مساعدة الفقـراء و المحتاجين، و الأهم في هذا الصـدد هو إقامة المراكز المهنية للتدريب و التعليم في العديد من الدول الإفريقية….
وقد بدأ العمل في مجال الصحة (سواء بإثيوبيا و كينيا),ثم امتدت مساعدات الكنيسة القبطية لإريتريا والسودان في مجال التنمية.
كما تطرقت الدراسة للدور الثقافي و التعليمي المدني الحديث للكنيسة القبطية في إثيوبيا و السودان: لا يمكن فصل الدور الثقافي و التعليمي المدني الحديث الذي قام به بعض المسيحيين الأقباط سواء في إثيوبيا أو السـودان، عن بقية الأدوار نظرا إلى ريادته و أهميته البالغة في كلا الدولتين، كما أنه مثل بداية فعالة لانتشار المدارس المختلفة و رفع شأن التعلىم و الثقافة و حتى الفنون فيهما، و مهد الطريق أمام الكنيسة القبطية للاستفادة من هذه المرجعية التعلىمية و الثقافية الهامة و إمكانية نشرها في أماكن أخرى من القارة .
وعن البعثات التعليمية الثلاث لإثيوبيا، أوضحت الدراسة أن البعثة التعلىمية المصرية الأولى إلى إثيوبيا، كانت في عام 1907، ولقب بـ”بعثة حنا صليب”، يليها بعثة مسيحة عبد السيد “البعثة التعليمية الثانية” لإثيوبيا عام 1928، البعثة التعليمية الثالثة لإثيوبيا (بعثة مراد كامل) سنة 1943.
و عن الدور الثقافي و التعليمي للكنيسة القبطية في السودان، أوضحت الدراسة تحمل المصريون عبء التدريس في السودان، وقد أقدمت الكنيسة المصرية على افتتاح أكثر من مدرسة فأنشأت أول مدرسة قبطية في عام 1922 و استكمل قسمها الثانوي في عام 1925، و مدرسة أخرى للبنين في عطبرة و مدرسة للبنات في الخرطوم، كما استكملت مدرسة عطبرة قسمها الثانوي …
و لم تأت سنة 1936 حتى بلغ عدد المدارس القبطيـة التي أشرفت علىها كنيسة الإسـكندرية أكثر من 15 مدرسة و قد ضمت هذه المدارس لأكثر من 3000 طالب و طالبة من المصريين و السودانيين و هي منتشرة في 9 مدن من كبرى مدن السودان و من بينها 4 في الخرطوم و ثلاثة في عطبرة ، و منها مدرستان ثانويتان للبنات و كذلك ثانويتان للبنين و الباقي بنين ابتدائية و إعدادية “كانت بجوار النوادي”، و المكتبات هي بمثابة المنهل الذي ارتشف منه أكثر زعماء السودان موارد المعرفة، و من ثم فقد ساعدت الكنيسة القبطية من خلال أبنائها (حوالي 15 ألف قبطي) في نشر الثقافة و التعلىم في السودان.
وكان للقمص يوحنا سلامة (1878 ـ 1960) وكيل المطرانية القبطية بالخرطوم و رائد النهضة التعلىمية الحديثة في السودان دور كبير في تطوير النهضة التعلىمية الحديثة في السودان.
وتطرق المحور الثالث للرؤية المستقبلية لدور الكنيسة القبطية في إفريقيا من خلال تضافر العديد من العوامل والأسباب التي تكفل للكنيسة القبطية ـ سواء في الوقت الحالي أو في المستقبل ـ القيام بدورها المتنوع في القارة الإفريقية بصورة أكبر و أكثر انتشارا وتأثيرا، تتناسب مع إمكانات وقدرات الكنيسة و محدداتها الداخلية و الخارجية، لكي تخدم في النهاية أو في المحصلة الأخيرة الدور المصري ذاته في إفريقيا …ودعم العلاقات العربية –الإفريقية بشكل أعم.
و الواقع أن الكنيسة القبطية برصيدها الضخم على مدار 20 “عشرين قرنا”، و توافد 118 بطريركا عليها، وانتشار إيبارشياتها سواء في مصر أو في الخارج امتد تأثيرها الديني إلى العالم بأسره ـ و إفريقيا و إثيوبيا بصفة خاصة ـ و قد ظهر تأثير الكنيسة القبطية واضحا في مجال الرهبنة و في الدفاع عن العقيدة المسيحية ضد البدع و الهرطقات، و قد طورت الكنيسة القبطية نفسها و حافظت على شـخصيتها على مدار العصـور بحيث أنها أصبح لها شخصيتها المؤسسية الدينية و الاجتماعية المميزة.
و لعل من أهم مؤهـلات النجاح التي تتهيأ للكنيسة القبطية انتماؤها لإفريقيا و حرصها على خدمة الأفارقة و تعليمهم و ربط العمل الروحي بالعمل الاجتماعي الخدمي والارتقاء بالناس فكريا و ثقافيا، ووطنية الكنيسة و خبراتها العريقة في إفريقيا و نشرها المسيحية و على الأخص في إثيوبيا و كونها الكنيسة الرسولية الأولى في القارة، و عدم طمس التراث الوطني أو القومي للأفارقة وعدم فرض لغة أو فنون أو معمار أو أية وسيلة من وسائل التعبير على الكنائس و الشعوب المنتمية للكنيسـة القبطيـة، وعدم وجود أطمـاع أو أغراض لكن فقط تقديم الإيمان الأصـيل و التعليم النقي و الخدمة الحقيقية التي تخدم أغراض و مصالح الكنيسة و الوطن في الوقت نفسه بحكم أن أي كنيسة قبطية يتم افتتاحها في الخارج هي أيضاً كنيسة مصرية “عربية-إفريقية”تخدم السياسة المصرية في النهاية ..
وتفتح الكنيسة القبطية أبوابها للجميع، أيضاً أصبحت الكنيسـة القبطية أكثر انفتاحا وعالمية وأخذا بالأساليب العلميـة من كمبيوتر و إنترنت وكأنها تعيد اكتشاف نفسـها وبدأت عملية تنظيم شاملة بل وعمليـة تأريخ للكنيسة القبطية سواء بالنسبة للتراث الكنسي أو الوطني و بكافـة أبعـاده من خلال ما يسمى مؤسسة التاريخ القبطي، كما انتشرت مراكزها و كنائسها في أنحاء عديدة في بلاد المهجـر و أوروبا، و هو ما يعطيها مكانة عالميـة و قدرة على التأثير و الاتصـال، فضـلا عن أنها لم تفقد انتماءها القومي و الإقليمي و تحاول الجمـع بين العديد من أبعاد و قدرات التأثير التي تؤهلها للعمل و الانطلاق و تعمل على المعايشة مع الآخر و قبوله فكرا و اقتناعا و ممارسة.
وأوصى الباحث بمجموعة من الاقتراحات التي قد تعمل على تفعيل دور الكنيسة في إفريقيا ودعم التعاون العربي-الإفريقي و لعل أهمها تنسيق العمل في إفريقيا فيما بين أسقفية إفريقيا وبين غيرها من الجهات المؤهلة لنفس الغرض مثل قسم الدراسات الإفريقية بمعهد الدراسات القبطية، والكنيسة القبطية في المهجر، وقيادة الكنيسة و المجمع المقدس في مصر و غيرها من الجهات التي تعمل في نفس المجال، و كذلك أسقفية الخدمات و يشترك الجميع في تنفيذها. هذا بجانب ضرورة التنسيق بين المجالس المسيحية المعنية في العالم العربي وأفريقيا, وحتى مع الهيئات والمنظمات الأشمل :كالجامعة العربية والاتحاد الإفريقي.
وأضاف معد الدراسة للتوصيات الأخذ بالاتجاه العلماني جنبا إلى جنب مع الاتجاه الديني، فيما يخص مصلحة الكنيسة القبطية و دورها في إفريقيـا، ليس فقط بالنسبة للأطباء والمهندسين والفنيين في مراكز التنمية و التدريب بالخارج، و لكن أيضاً في الجانب الفكري و التنظيمي دون أن يتم فقدان القيادة الروحية لأسقف إفريقيا، والأسقف العام المساعد له …
وشملت التوصيات الإسراع بإنشاء معهد متخصص للإفريقيين في مصر يتبع الكنيسة القبطية، و يكون بمثابة المنهل الذي يرتشف منه راغبي العمل و السفر إلى إفريقيا و هو ما كانت النية تتجه لإنشائه منذ فترة، و تشجيع شباب الكنيسة على تعلم لغات القارة الإفريقية و إعدادهم إعدادا علميا و نفسيا قبل سفرهم لإفريقيا …ويكون بمثابة بوتقة لدعم العلاقات العربية-الإفريقية من الناحية الفكرية والتعلىمية.
كما طالبت الدراسة أن تخصص كنائس المهجر نسبة مئوية ثابتة سواء من إيراداتها أو من تبرعات المصريين بالخارج ، لتساعد الكنيسة القبطية على العمل في إفريقيا، و من المحاولات الأخرى للحصول على دخل مستمر، محاولة عمل معارض لمنتجات الأفارقة من الملابس أو المصنوعات أو الصور التي تنظمها أسقفية إفريقيا و غيرها .
ولفت الدراسة لإمكانية التنسيق مع الأزهر الشريف: والذي يعمل أيضاً في إفريقيا و يتركز عمله في الغرب ـ و أن يحاول كل طرف أن يزود الآخر بما لديه من معلومات و خبرات حول مناطق العمل في إفريقيا و أن يمتد التنسيق إلى العمل في إفريقيـا لأن المحصلة في النهاية واحدة و هي مصلحة مصر و خدمة سياستها في إفريقيا, ودعم العلاقات العربية-الإفريقية.
وتطرقت الدراسة للاستفادة من الطفرة الكبيرة للكنيسة القبطية خاصة في سنوات التسعينات , والاتجـاه المعاصـر الذي تخطـوه الجامعات في أوروبا وأمريكا لدراسة القبطيات في توظيف هذا الاهتمام لدراسة ما تحتاجه الكنيسة هناك في إفريقيا بالضبط و محاولة تنفيذه على أرض الواقع.
وشملت التوصيات أن تزيد الجامعات المصرية والعربية خاصة جامعة القاهرة بحكم كونها الجامعة الأولى في مصر سواء في كلية الآداب أو الآثار و غيرها من افتتاح أقسام للقبطيات سواء بالنسبة للغة أو الفن و العمارة القبطيـة وغيرها، و تشجع الطلبة على دراستها، وألا يحدث استقطاع لدينا للحقبة القبطية التي تمثل حلقة وصل هامة ما بين العهدين اليوناني و الروماني و من قبلهما الفرعوني و فيما بين العصر الإسلامي .
وضمت التوصيات محاولة التوسع في نشر المراكز القبطية للخدمة في إفريقيا جنبا إلى جنب مع التفكير في إنشاء أي كنيسة جديدة للقارة، لأن هذا هو المدخل المناسب و الملائم للعمـل في إفريقيـا، والذي يتناسـب مع ظروف الأفارقـة، والأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية السائدة في القارة .
و من بين التوصيات العمل على تفعيل دور قسم الدراسات الإفريقية بمعهد الدراسات القبطية, وتوثيق أنشطته مع الجمعية الإفريقية للعلوم السياسية” هذا الكيان الواعد الجديد” وذلك بغرض دعم التعاون العربي-الإفريقي بالأساس , فقد أنشئ هذا القسم عام 1960 على يد الأستاذ الدكتور زاهر رياض.
و قد تم وضع برنامجه على أساس نفس النمط الذي وضعت عليه مناهج الدراسة بمعهد البحوث و الدراسات الإفريقية “جامعة القاهرة” على اعتبار أنه كان أستاذا بذات المعهد، بجانب خبرته في العمل في السلك الدبلوماسي المصري بوزارة الخارجية، كما أن فكرة إنشائه قد ارتبطت بالظروف السياسية التي مرت بها دول القـارة، و الدور المصري المعروف وقتها في دعم حركات التحرير الإفريقية و مساندة استقلال الدول الإفريقية.
و قد صاحب هذا الدور السياسي المصري في إفريقيا دعما للدور الثقافي و الذي يتمثل في الأزهـر و الكنيسـة القبطيـة، حيث ساهمت ثورة يوليو في دعم الكنيسة القبطية وإثراء دورها في إفريقيا جنبا إلى جنب مع الأزهر، وقد وافق الرئيس عبد الناصر على رعاية الاحتفال بافتتاح الكاتدرائية و مرور 1900 سنة على استشهاد القديس/ مرقس في 28 يونية 1968، و هو الاحتفال الذي حضره أيضاً الإمبراطور الإثيوبي/ هيلا سلاسي بجانب وفود دينية و رسميـة و شـعبية عديدة سواء داخلية أو خارجية و لعل هذا كان من شأنه دعم الكنيسة القبطية وأن يتم التخطيط لتعاظم دورها في إفريقيا، كما كان قد تم في نفس السـياق توقيع الاتفاق بين الكنيسـتين المصرية و الإثيوبية عام 1959، وحيث جرت لقاءات و زيارات رسمية و دينية متبادلة بين الجانبين.
وعودة إلى القسـم الذي يعد إنشاؤه توقيتا ذكياً و مناسباً ـ من جانب الكنيسة القبطية و ذلك نظراً للظروف السياسية التي كانت تمر بها القارة و دور مصر إزاءها: فنجد أن الطلبة بصفة عامة كانوا يقبـلون به بعد حصـولهم على شهادة جامعية أو تخرجهم من الكلية الأكليريكية وكانت تدرس به المواد بنفس النمط الذي جرى عليه التدريس في معهد الدراسات الإفريقية “جامعة القاهرة”، (و تشمل: جغرافيا إفريقيا، طبيعية ومناخية, تاريخ إفريقيا قبل الاستعمار، أنثروبولوجيا إفريقيا، علاقات مصر بإفريقيا و المؤثرات المتبادلة، مناهج بحث، بالإضافة إلى المواد الإلزامية), وكان يبلغ متوسط عدد الطلبة الدارسين بالقسم من 10 – 15 طالبا، يقوم بالتدريس لهم سبعة أساتذة في تخصصات مختلفة، وقد بلغ عدد الطلبة في العام الجامعي 1995/1996 12 طالباً منهم خمسة أفارقة، و قد وصلت الأعداد في بعض السنوات إلى 40 طالبا على مدى سنوات الدراسة بالقسم من كل من إثيوبيا، السودان، كينيا، والسنغال…
لكن انخفضت الأعداد بشكل ملحوظ ورغم أن هذه القدرة الثقافية والتعليمية بالنسبة للكنيسة القبطية تعد مدخلاً مناسباً وهاماً لتفعيل دورها في إفريقيا، إلا أنها لم يتم توظيفها بعد بالقدر الذي يتلاءم سواء مع إمكانات الكنيسة، أو مع الرغبة الإفريقية في الانتساب للكنيسة القبطية ومؤسساتها التعليمية المتعددة