الكل يعزف في سينفونية متناغمة لإنقاذ السياحة في بلدنا، سواء من قيادات الدولة أو وزيري الداخلية والخارجية ووزارة السياحة بهيئاتها ولجنتها المتخصصة في هذا الشأن ونقابة المرشدين السياحيين.. أملاً في إحياء مشروع “مسار العائلة المقدسة” وقد كللت جهود مؤسسات الدولة على جميع الأصعدة باعتماده من قبل الفاتيكان بأنه يكون ضمن برامج الحج الفاتيكاني.
مسار العائلة المقدسة هو المشروع الأهم والأصلح الأن داخل نقابة المرشدين السياحيين لإنقاذ السياحة بمصر.. وبدأ الكل في التفكير، فمنهم من خطط لاستقبال الوفود ومنهم من بادر بحضور الدورة التثقيفية التي تمت في معهد الدراسات القبطية بالكاتدرائية تحت إشراف البابا تواضروس الثاني الذي دعم المشروع بكل الوثائق والامكانيات، ومن رافق الوفد الفاتيكاني في زيارته الأخيرة لبعض نقاط المسار.
و إذ نتبنى في “وطنى” إلقاء الضوء على كل الانجازات التي تتم في هذا المشروع، أجرينا حوارين الأول مع سكرتير عام نقابة المرشدين السياحيين وجيه جمال الذي بادر بفكرة إقامة دورة تثقيفية للمرشدين السياحيين في الكاتدرائية وأرسل للبابا خطاب مطالباً بذلك، والثاني مع المرشد السياحي مجدي عدلي وهو من صاحب الوفد الفاتيكاني في زيارته لمصر الأخيرة لمعرفة كواليس تطور الاستعدادات لاستقبال سياح المسار.. وإليكم الحوارين..
مجدي عدلي: نروج لمنتج جديد يحتاج دعاية وطمأنة من جهة الأمن
حدثنا عن مشوارك في الإرشاد السياحي؟
انا مجدي عدلي مرشد سياحي منذ 1988 وتخصصت كمرشد باللغة الإيطالية منذ عام 1993 التحقت بنقابة المرشدين السياحيين في نفس العام، وكنت أحد المهتمين بالسياحة الدينية وكان لي الحظ أن ألتحق بالدورة التدريبية التي أعدتها نقابة المرشدين السياحيين بالتعاون مع معهد الدراسات القبطية.
ما الموضوعات التي اشتملت عليها محاضرات الدورة التدريبية؟
تناولت المحاضرات موضوعات كثيرة منها العمارة والفنون المسيحية والقبطية بالأخص، تطور أبنية الكنيسة على مر العصور، ريادة مصر في نشأة الرهبنة – سواء الرهبنة الباخومية أو الأنطونية.. وأيضا نشأة فكرة الدير وكيف أنه قديماً كان الرهبان يعيشون في قلالي متفرقة ونتيجة احتياجهم لبعض بدأت تتكون مجتمعات رهبانية صغيرة ومع تلك المجتمعات نشأت فكرة الدير بقوانينه الخاصة، وكما قال الكاتب القدير نجيب محفوظ: “مصر هي التاريخ نفسه”، مصر لها طابع خاص في مسيحيتها وهذا ما نقله لنا المحاضرون أيضا.
أنا كمرشد مسيحي قبطي عرفت الكثير من المعلومات – إضافة لما درسته، خلال تواجدي بالكنيسة منذ صباي، لكن لاشك أن هذه الدورة أثرت على معلوماتنا الكثير.
بالنسبة للفنون تكلمنا عن نشأة الأيقونة وتطورها وما الفرق بين الأيقونات، فتعلمنا كيف ننظر لملامح الشخصيات بالأيقونة فنعرف إن كانت قبطية أم يونانية أم رومانية أم روسية أم أوروبية. فكنا قديماً نشرح للسائح الحدث المذكور بالأيقونة فقط – إن كانت خاصة بالميلاد أو الصلب.. أما الأن نستطيع أن نعرض لشرح مفصل أكثر عن الأيقونة.
درسنا جزءاً كبيراً عن الرموز بالكنيسة مثل فكرة بيضة النعام وكذلك شكل الصليب القبطي، وما الإنبل ورمزية رقم الأعمدة التي تحمله.. وكل هذا أضاف لنا الكثير من المعلومات لم تكن متوفرة لدينا من قبل.
كذلك عرفنا منهم عن الحفريات والجداريات المكتشفة حديثاً وعن بعثات الترميم الموجودة الأن والاكتشافات الخاصة بهم التي لم نكن نعرف عنها شيئاً. وهذا يهم السائح جداً أن يعرف عن البعثات التي تدرس أثار مصر، ويشعر بقيمة أكثر للمكان لاهتمام بعثات من بلده بها.
أيضا درسنا الاحتفالات التي تقام في كل نقطة على المسار وقت احتفالهم بدخول العائلة المقدسة مصر. ففي الصعيد مثلا يحتفلون بركوبهم مراكب وعبور النيل من ضفة لأخرى مسبحين ومرتلين ألحان خاصة خلال الرحلة وهم بزي الكهنوت والشمامسة بالزي الكنسي الرسمي. وبذلك نجد أن رحلة العائلة المقدسة ليست تاريخ فقط لكنها لها تقاليد وممارسات خاصة للاحتفال بذكراها من المجتمع في مصر.
لم أكن أعرف أن معهد الدراسات القبطية كنز ودراساته عميقة ومفيدة جداً إلا عندما التحقت بتلك الدورة. أما عن السادة المحاضرين فتم اختيارهم بعناية فائقة وأقدم لهم كل الشكر لأنهم قدموا لنا المعلومة بسخاء ولم يبخلوا علينا وشعرنا بفخرهم بما يقدمونه لنا من معلومة التي جعلتنا نقدر من قدم لنا ونستوعبه بقيمته العالية، من الحقبة المسيحية في مصر بتاريخها وتراثها وفنونها وعمارتها وروحانيتها. وكان منهم: الدكتور سامي صبري – عميد معهد الدراسات القبطية ورئيس قسم العمارة، والدكتور إسحق إبراهيم عجبان – أمين عام معهد الدراسات القبطية ورئيس قسم التاريخ، والدكتور عادل فخري – وكيل معهد الدراسات القبطية ورئيس قسم الأثار.
كيف عرفت عن الدورة التدريبية؟ كيفية التقدم لها؟
بعد أن تم التنسيق بين نقابة المرشدين السياحيين ومعهد الدراسات القبطية وهيئة تنشيط السياحة، نزل إعلان على صفحة النقابة ودعونا لكي نتقدم بطلب الانضمام. والحجز كان بأولوية التقدم وتم قبولنا واجتزنا التدريب.
مجموعة المرشدين المتدربين في معهد الدراسات القبطية
كيف وقع عليك الاختيار لمصاحبة الوفد الفاتيكاني في زيارته للمسار؟
بعد أن أتممنا تلك الدورة التدريبية، أخذت هيئة تنشيط السياحة أسماء الناس الذين شاركوا في التدريب، لأننا كنا أول مرشدين شاركوا بالدورة التدريبية. وبحكم تخصصي في الإرشاد الإيطالي تم اختياري من بين باقي زملائي.
كيف ترى مشروع مسار العائلة المقدسة؟
هذا المشروع كبير جداً وكانت وزارة السياحة تعد له من سنوات، ولكن لم يخرج للنور من قبل نتيجة أحداث كثيرة عرقلت ظهوره.
لكن ما نراه جميعاً هذه المرة هو الجدية الشديدة في النهوض بهذا المشروع من قيادات الدولة وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي وكذلك وزير السياحة يحيى راشد الذي قام بمجهود عظيم يشكر عليه، ورأينا ذلك بوضوح وقت زيارة الوفد الفاتيكاني الأخيرة عندما كان يترك مكتبه ويتحرك مع الوفد في أغلب زياراته برغم أنه كان يمكن أن يوفر الكثير من هذا الجهد بتكليف أحد معاونيه، لكنه كان يريد أن يترك لدى الوفد الانطباع أن المشروع هام جداً بالنسبة لمؤسسات الدولة.
ما انطباع الوفد وردود أفعالهم تجاه نقاط المسار التي زاروها؟
ردود الأفعال كانت رائعة جداً، فكانوا منبهرين من المعاملة وحسن الضيافة والحفاوة والترحيب التي قوبلوا بها في كل مكان والخدمة التي قدمتها لهم وزارة السياحة من تذليل أي صعاب تعترضهم، وأيضا استشعروا بالتنظيم الجاد لهذا المشروع.
وكانوا مستحسنين فكرة عرض أفلام تسجيلية توضح المسار كله للحاج الفاتيكاني حتى يتاح له أن يرى كل النقاط التي زارها المسيح والعذراء مريم، مع زيارة جزء منها كمرحلة أولى، وبذلك يتخيل السائح كل رحلة العائلة المقدسة ويتبارك بها.
وبصفة عامة سواء الآباء الكهنة أو الإعلاميين والصحفيين من الوفد، اجتمعوا في الرأي أن هذه الرحلة كانت دسمة وغنية والأماكن كانت كلها عمق وتاريخ وروحانية.
أما الأسئلة التي سألوها خلال زيارتهم، فهي الأسئلة المعتادة من سائح ليس الصحفيين فقط.. سألوا عن الحالة الأمنية في مصر، ولو هذا المشروع تم تنفيذه هل الرحلات ستكون مؤمنة بشكل جيد؟ هذا لأنهم متأثرون بما يذيعه لهم إعلامهم وبالتالي فإنهم معذورون في انطباعاتهم التي يتكلمون بها.. ونحن علينا تصحيح المفاهيم المبالغة أو المغلوطة لديهم.
ومن ناحية أخرى سألوا.. هل المناطق التي سيتم زيارتها من الحجاج سيتم تجهيزها؟ وماذا عن الميزانية المخصصة لإعداد هذا المسار هل هي كافية؟ وهذا السؤال تحديداً رد عليه سيادة وزير السياحة يحيى راشد حيث قال: “إن هذا المشروع يعتبر مشروع مهم جداً للدولة لذا يحظى بميزانية كبيرة ويمكن طلب المزيد لاستكماله إن اقتضى الأمر، فنحن نعد كل مكان من أول البنية التحتية وقاعات لمؤتمرات وللصلاة ودورات المياه إلى البازارات والمنتجات التي سيشتريها السائح أثناء زيارته”
أسئلتهم كانت تعكس أسئلة شعوبهم وبهذا ينقلون ردودنا إلى شعوبهم لأننا مهما كتبنا وتكلمنا من خلال الإعلام بلغتنا العربية فما يصلهم هو الدعاية بلغتهم من خلال الإعلام الخاص بهم. لذلك كان مهم طمأنة هذا الوفد الإعلامي والردود بشكل مقنع حتى يصدروه لبلادهم.
السائح يهمه جداً أن يشعر بتواصل هيئات وبعثات مع هيئات مصرية، لأنه الحضارة المصرية أحياناً يعتبرها أي شخص في العالم أنها حضارة عالمية وليست مصرية فقط.. فالهرم مثلاً يعتبروه حضارة عالمية ومن عجائب الدنيا السبعة، وهنا نفتخر نحن أنه في أرضنا وإنشئ وقت حضارة نشأت في مصر.. أما هذا المشروع فيعتبر مسار الجميع يحج له لأنه خاص بالمسيح والمسيح يخاطب العالم كله.. ولذلك أرى، إلى جانب أن المسار يعطي استفادة اقتصادية وروحية وعلمية فهو أيضا يعطي استفادة اجتماعية في تقارب بين الشعوب، فنحن عندنا في بلدنا شيء قيم ينتمي إليه الكثيرين من العالم وهذا ينشئ حنين لمصر..
كيف يعود هذا المشروع باستفادة على المرشدين السياحيين؟
هذا المشروع سيكون له ثراء لنا كبير جداً.. فقبل هذا المشروع كان السائحون يزورون أديرة وادي النطرون ودير سانت كاترين وبعض كنائس مصر القديمة، هذه السياحة كانت ممتعة لكنها كانت مزارات متفرقة، أما هذا المشروع فيقدم شيء مختلف لأنه يقدم مسار متكامل، عنصر التواصل فيه هو زيارة العائلة المقدسة لكل نقاط المسار.. واستغرقت العائلة المقدسة ثلاث سنوات ونصف تجول في هذا المسار.. لذلك شرح نقاط كثيرة على هذا المسار سيكون له إثراء تاريخي لنا كمرشدين في معلوماتنا ومهنتنا.. وكذلك هذا المشروع سيضيف قيمة أكبر لمصر من حيث قيمتها التاريخية وحضاراتها حيث أنه سيظهر للنور مسار من أهم المسارات التاريخية في العالم.
هل اختلف منظورك لمسار العائلة المقدسة من الناحية المهنية بعد هذه الدورة التدريبية؟
قبل الدورة التدريبية وقبل تفعيل هذا المشروع لم تكن كل الأماكن مفتوحة ومتاحة للزيارة، فكنا نزور بعضهم مثل كنائس مصر القديمة وكنيسة أبي سرجة أو كنيسة العذراء بالمعادي أو أديرة وادي النطرون لكن باقي الأماكن أغلبها لم يكن متاح للزيارة.
أما الأن فسيكون متاح لنا زيارة أماكن على المسار أكثر، ومستوى الشرح سيكون أكثر عمقاً حيث إننا تعلمنا أكثر بمنظور معماري، فني، روحي يتيح لنا تقديم مادة دسمة أكثر للحاج الفاتيكاني.
في نظرك.. كيف يكون الترويج لمشروع المسار خارج مصر؟
ما يحدث من جانب الدولة المصرية منذ سنوات وحتى الأن وزيارة بابا الفاتيكان لمصر واعترافه بالمسار كحج فاتيكاني، إضافة إلى المجهود المبذول من المسئولين وكل القطاعات المعنية بالمشروع، كل هذا التكاتف هو بمثابة حجر الأساس لأي ترويج إعلامي أو دعاية للمشروع.
كل المعنيين بالمشروع يشتغلون في وقت عصيب ويتحدون أي صعاب يواجهونها. فإننا نروج لمنتج جديد يحتاج تحدياً كبيراً ودعاية مكثفة وطمأنة العالم كله من جهة الأمن.
بعد وضع حجر الأساس الذي تكلمنا عنه، يأتي دور الفاتيكان كمركز حج عالمي للدعاية عن رحلة الحج الخاصة بمسار الفاتيكان، لكن يجب أن أفتح قنوات أخرى للدعاية عن المشروع وهذا يحتاج دراسة لمختلف الإعلام حول العالم لمعرفة أعلى مشاهدة وإدراج الحملة الدعائية بها.
فمصر محتاجة تصل بالدعاية لكل أنحاء العالم من الشرق الأقصى إلى أمريكا الشمالية والجنوبية وأفريقيا وأوروبا. هذه الدعاية محتاجة ميزانية عالية جداً والعمل بفريق تسويق جيد ليضع خطة مدروسة للدعاية، ثم إعداد مادة إعلانية جيدة حتى تنطلق تلك الحملة في مختلف الوسائل الإعلامية العالمية.
ما كواليس مقابلة البابا تواضروس مع الوفد الفاتيكاني؟
أسئلة الصحفيين كانت شاملة كل ما كانوا يسألوه من أول يوم وصلوا مصر، عن حال الأقباط في مصر وعن حرية الأقباط علاقة المسيحيين بالمسلمين في مصر وعلاقة الأقباط والكنيسة بالدولة المصرية والعلاقة بين الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية والكثير من الأسئلة الأخرى.
ردود البابا كانت توضح أنه يوجد تعاون كبير بين الكنيسة والدولة ولا ننكر الجهود الحالية المبذولة من الدولة تجاه حل مشاكل كثيرة.
البابا تواضروس بحكمته المعهودة، استطاع أن يقنع جميع الصحفيين الأجانب بردود واضحة وقوية وشفافة.
أما عن أكثر تعليق أثر في جميع الحضور من البابا تواضروس، عندما سأله أحد الإعلاميين عن الفرق بين الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية.. رد البابا كان: “الشرق هو مهد الحضارات والديانات وهو بمثابة القلب النابض للكرة الأرضية أما الغرب بكل التكنولوجيا والعلم الذي وصل إليه يمثل عقل الكرة الأرضية.. فمن المهم أن يتقابل القلب مع العقل ويتلاحما معاً ولا يمكن أن نلغي إحداهما.. لكي تكتمل الكرة الأرضية وتكتمل البشرية يجب أن الإثنين يتكاملان ويتقابلان مع بعض”
حتى أنا كمرشد ومترجم لهذا الكلام شعرت بفخر وكان لهذا الكلام وقع كبير على.. وسمعت من الصحفيين الأجانب تعليقاتهم لاحقا أن هذا التصريح للبابا تواضروس يمكن أن يكون مانشيت جريدة أو عنوان مقال.
وفي النهاية أتمنى لبلدنا التوفيق.. فمصر تستحق كل خير.. مصر بها ناس عظيمة وأتمنى لبلدنا أن تظهر بحقيقتها أمام العالم كله.. هي دولة بها حضارة عريقة وتستحق أن تكون لها ريادة وسط العالم كله.. هذا المشروع حينما يخرج للنور أتمنى أن يؤتي بثماره في أسرع وقت.. وأشكر السيد الرئيس ووزارة السياحة ووزارة الداخلية وكل من كان لهم إسهام لإنجاح هذا المشروع وساعدوا في الحفاظ على هذا البلد..
ومن دراستنا للتاريخ كمرشدين سياحيين، دائما كنا ندرس من أيام الفراعنة كانت مصر تتعرض لهزات وكبوات وسرعان ما ينهض شعبها ويبني البلد مرة أخرى.. فأصلي لربي أن يتحد شعب مصر ليبني بلدنا من جديد.. لإثراء إمكانيات تلك البلد من مقدرات طبيعية وتاريخية وبشرية تحتاج التوظيف الصحيح للنهوض بمصر.
لمتابعة الحوار الثاني مع سكرتير عام نقابة المرشدين السياحيين وجيه جمال إضغط على الرابط التالي:
“وطني” في مطبخ الإعداد لاستقبال سياح مسار العائلة المقدسة (1)