في كل شئ جمال…ولكن ليس كل الناس قادرين علي الإحساس به.
إذا قدنا شخصين أمام حوض ورد مزهر.نكتشف الآتي:الأول ينفتح قلبه قائلا:سبحانك يا الله ما أجمل وما أروع هذه الورود لكن الثاني يتساءل:ماهو الثمن المدفوع فيه؟.أيضا إذا اصطحبنا اثنين لمشاهدة معرض فني,فنلاحظ الآتي:الأول يذهل ويتأثر ويتعجب,أما الآخر فيشعر بالضجر والملل…للأسف نحن نعيش في عالم ندرت فيه مقاييس الجمال والانبهار بمخلوقات الله وبالفنون.
من يرد التمتع بجمال المخلوقات والطبيعة وجميع الأشياء,فعليه أن يتعود علي رؤيتها بحب,خلاف ذلك سيري فيها أشياء عادية,تكمن العبرة في العين وعلاقتها برؤية الأشياء.فالله تعالي يشعرنا بوجوده الدائم في خليقته وبطرق متعددة لذلك يجب علينا أن نبصر بعيون صافية نقية قادرة علي الوصول لجوهر الأشياء وكما يقول السيد المسيح:طوبي للأنقياء القلب,فإنهم يعاينون الله.
يكمن سر الله في الجمال.وكما يقول الشاعر الإنجليزيJohn Keats جون كيتس:الجمال هو الحقيقة,والحقيقة هي الجمال كل هذا مانعرفه عن الكون وما يجب أن نعرفه,لكن للأسف لم نعد نكتشف هذا في حياتنا اليومية وفي محيطنا.تغيرت أشياء كثيرة في حياتنا واتجهنا وراء الشكليات والمظاهر,ولم نعد نشعر بجمال الهدوء والبساطة والانسجام مع كل شئ.إن أشعة الشمس تقع علي المسطحات جميعها.ولكن اللامعة والمصقولة منها هي التي تعكس تلك الأشعة.وهكذا بالنسبة للنور الإلهي فهو يقع في كل القلوب,ولكن القلوب الصافية وحدها هي التي تعكس في أمانة هذا النور الإلهي.ويقول سنتدالStendhal:إن نصف الحياة,بل أجمل نصف فيها يظل مخيفا عن ذلك الإنسان الذي لم يستطع أن يحب بحرارة وقوة.فالجمال هو عطية عظيمة من الله للبشرية.ليس كافيا أن تكون لدينا أعين لنري الجمال ولكن من الضروري أن نمتلئ بالحب الذي يخترق الأشخاص والأشياء ليكشف سر جمالهم الداخلي.
نعيش في عصر الصورة والألوان والرؤية العينية كم من مشاهد وصور تمر أمام أعيننا بواسطة أدوات وأجهزة مختلفة نمتلكها ونتحكم فيها! لكننا للأسف فقدنا القدرة علي الرؤية الفاحصة والمتأملة والمدهشة وبذلك فقدنا الإحساس بالجمال الحقيقي للأشياء التي ينبعث منها نور الله.ويقول الفيلسوفKant كانط:شيئان يهدياني إلي الله :السماء المرصعة بالنجوم والشريعة الأخلاقية في داخلي قال الله تعالي:ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين(صورة الحجر آية رقم 16).
نحن في أشد الحاجة إلي تأمل السماء الصافية الساكنة والحقول والوديان والأنهار وكل مايدور من حولنا حتي ننقي قلوبنا وعقولنا وأذهاننا.
ويؤكد الكاتب العظيمDostoevskij دوستويفسكي:تستطيع البشرية أن تنهض بدون الإنجليز والألمان والروس,ولكن تحيا ليست بحاجة إلي العلم أو الخبز,ولكن للجمال لأنه بدون الجمال لا نستطيع أن نفعل شيئا.
ويحثنا القديس أغسطينوس بأننا لا نستطيع أن نعي معني الجمال إلا بالعودة إلي الله صانعه.وقد عاش أغسطينوس خبرة عظيمة عندما اكتشف الجمال الحقيقي قائلا:يا الله لقد أحببتك متأخرا أيها الجمال القديم,الحديث,أجل,متأخرا أحببتك! أنت كنت في داخلي وأنا خارج عن نفسي!وفي الخارج بحثت عنك طويلا ووثبت في قباحتي نحو الجمالات التي كونتها.أنت كنت معي وأنا لم أكن معك!واستوقفتني بعيدا تلك الأشياء التي لولا وجودها فيك لما كان لها وجود.دعوتني وصرخت بي فانتصر صوتك علي صممي وسطع نورك فبدد عماي وفاح أريجك فتنشقته وها إنني إليك أتوق….
وتقول الحكمة الهندية:إذا كان لديك رغيفان أعط واحدا للفقراء وبع الآخر لتشتري باقة من الياسمين لتغذي نفسك.لأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.فنحن بحاجة إلي نور وجمال وروحانية وسلام داخلي نحن نعيش في عالم اهتمامه الأول والأخير الجسد والاستهلاك والحياة الرغدة.ومقياس الإنسان بالنسبة للبعض أن يكون بملابس فاخرة حتي ولو كانت أخلاقه ردئية,وأن يتغذي جيدا حتي ولو كانت حياته فارغة لا معني لها,أن يكون منظره أنياقا حتي ولو كانت طباعه وتصرفاته متقلبة لذلك نحن بحاجة إلي وقفة مع الذات لنتأمل ونتذوق الجمال الموجود في كل ما يحيطنا سواء في الأشياء الظاهرة أو الخفية.ونتعلم من هذا المثل الهندي حبنا للآخر عن طريق مساعدته,بشرط أن لايمنعنا هذا من التأمل في مخلوقات الله الرائعة والتي تغذي نفوسنا وأراوحنا إذا كان الخبز يحيي أجسادنا فالياسمين يجعلنا نحيا كبشر حقيقيين.
يقول Boris Pasternak بوريس باسترناك المؤلف الشهير للدكتورZivago:الجمال موجود في الشعب الساكن تحت أقدامنا يكفينا أن ننحني لنراه ونجمعه.
إذا تكفينا لحظة فيها ننحني علي زهرة نحدق في عيون طفل,نرتمي في الأفق الفسيح للبحر لنشعر بالله وسر إعلانه عن ذاته.ما أجمل كلمات داود النبي في المزمور التاسع عشر:السماوات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه فإن عظمة المخلوقات وجمالها يؤديان بالقياس إلي الأمل في خالقها.ومهما ضاقت بنا الدنيا,نستطيع أن نري السماء من ثقب إبرة.وهناك دائما فوق السحاب القائم نجوم لامعة.لنتأمل معا شجرة الخريف,لا أوراق فيها ولاثمار,المنظر يوحي بالموت,مع ذلك الشجرة حية…فيها سر الحياة…
وبعد بضعة شهور,تنمو البراعم الصغيرة وتنضج الثمار,وتزدهر الحياة من جديد إن الذي لايري إلا الورود يغمض عينيه عن الأشواك والذي يري الأشواك فقط في الحياة شخص غارق في التشاؤم,ولن يستطيع أن يستمتع بورد الحياة.أما الشخص العملي فهو الذي يري الوردة ويعرف أنه سوف يتألم من أشواكها لنكون واقعيين حتي نستطيع أن نستمتع بالحياة وجمالها بالرغم من الضغوط والمشاكل التي نمر بها,ذات مرة اتفق خمسة أشخاص مختلفي المهن أن يسافروا معا:راهب وقاطع طريق ورسام وبخيل وحكيم.عند غروب الشمس وجدوا مغارة يحتمون بها كملجأ لهم.وعندما شاهدوها قال الراهب:هل هذا المكان ملائم للخلوة والصلاة؟ وقال قاطع الطريق:هذا مخبأ نموذجي لكل شخص منحرف!.ثم همهم الرسام قائلا:هذه الصخور والظلال تصلح كموضوع عظيم لريشتي وألوانيولكن البخيل صاح:هذا المكان مناسب لإخفاء مجرهراتي وكنوزي أما الحكيم بعد إنصاته للجميع قال بكل بساطة:ما أجمل هذه المغارة تظهر لنا هذه القصة الخيط الفاصل والدقيق بين ما هو مفيد وما هو جميل شاعر إيطالي عند تسلمه جائزة نوبل كان يدافع عن الشعر قائلا:إن الشعر لا يفيد شيئا ولكنه مهم وجميل وحر,نحن جميعا نستطيع أن نعيش بدون الشعر والفن والموسيقي والأحاسيس,ولكن من المؤكد أننا بهذه الطريقة لانحيا كخلائق بشرية.أحيانا كثيرة نقوم بأشياءغير مفيدة ولكنها ضرورية مثال علي ذلك:إذا قضينا وقتا بدون عمل أي شئ,ولكن لنظل في صمت وتأمل لنكتشف الجمال الموجود في الخليقة ونحبه,إذا يجب علي كل واحد منا أن يقوم بهذه السياحة داخل الكون حتي يستطيع أن يكتشف أسرار الخليقة ويحبها أكثر ويحافظ عليها كي تظل دائما في نضارة وشباب.
يقول أغسطينوس:المجد ماهو إلا جمال,والجمال ماهو إلا الحب,والحب ماهو إلا الحياة إذا,إذا أردت أن تحيا,يجب أن تحب.وإذا أحببت فأنت جميل.إما إذا كان ينقصك هذا الجمال فأنت لست حيا لكنك تتظاهر بأنك حي ولا تعيش حقا.
إذا لا نستطيع أن نفصل هذه الفصائل عن بعضها البعض:الجمال والحب والحياة,وقد قال أحد الأشخاص لخطيبته:كوني طيبة القلب لتكوني جميلة لأن الإنسان عندما يحب,ينبعث من داخله نورا ويحيا الأبدية علي هذه الأرض,وهذا ما نراه في الواقع عندما يوجد أي مسئول يحب الله أولا ثم رسالته وعمله جميع الذين يتقابلون معه يلاحظون جمالا يشع منه وحيوية تغمره.أيضا عندما نجد الوالدين يحبا أبناءهما يتحلي بجمال خاص ويكتسبا ثقتهم واحترامهم وطاعتهم.
ونختم بكلمات شكسبير الرائعة:ليس هناك جميل ولا قبيح وإنما تفكيرك هو الذي يصور لك أحدهما.