تاريخ الذبائح مرتبط بتاريخ البشرية منذ البدء, منذ خطية آدم وحواء.
أجرة الخطية هي موت (رو6:23), وقد استحق الإنسان الموت نتيجة لخطيته, وحسب إنذار الرب له (تك2:17), (تك3:3).
ولكن رحمة الله شاءت أن تنقذ الإنسان من الموت, وكذلك حكمة الله, إذ كما قال القديس أثناسيوس الرسولي: كان خيرا للإنسان لو لم يخلق, من أن يخلق ليموت. وأيضا لأن الله لم يشأ أن يعطي الشيطان فرصة ينتصر فيها, ويحطم قمة الخليقة الأرضية, أعني الإنسان الذي خلق علي صورة الله ومثاله (تك1:26, 27).. فكان لابد من حل لإنقاذ الإنسان.
وكان الحل هو مبدأ الفداء والكفارة, أي أن تموت نفس عوضا عن نفس.
ومن هنا نشأت فكرة الذبائح التي هي أنفس بريئة تموت عن نفس الإنسان الخاطئ, إذ يسفك دمها فداء لدمه, وهكذا عرف العالم مبدأ بدون سفك دم, لا تحصل مغفرة (عب9:22).
علي أن دم تلك الذبائح لم يكن كافيا لعمل الفداء, إذ أن خطية البشر كانت غير محدودة, لأنها موجهة ضد الله غير المحدود, فكان لابد من كفارة غير محدودة.. كان لابد من الفادي الحقيقي الذي يأتي في ملء الزمان لكي يطلب ويخلص ما قد هلك (لو19:10).
ومن هنا كانت كل ذبائح العهد القديم, رمزا لذبيحة السيد المسيح.
فما هي قصة تلك الذبائح, وكيف تطورت؟ وماذا كانت رموزها؟ وذلك بلاشك موضوع طويل يحتاج إلي كتاب بأكمله, ولكني سأحاول أن ألخصه لكم في هذه الصفحة.
بدأت القصة منذ خطية الإنسان الأول, الذي أخطأ, فأحس بعريه, ولم تصلح أوراق التين لتغطية آدم وحواء فصنع لهما الرب أقمصة من جلد وألبسهما (تك3:21).. ولاشك أن ذلك الجلد كان من ذبيحة, وهكذا رسخت في عقل الإنسان هذه الذكري..
الخطية نتيجتها العري والخزي.
أما الذبيحة فهي التي تستر وتغطي.
وعلي نهج آدم سار ابنه هابيل فقدم للرب من أبكار غنمه ومن سمانها (تك4:4). وقبل الرب منه تلك الذبيحة, التي عرفها هابيل عن طريق التقليد Tradition وفهم الناس أنه ينبغي أن يقدم الإنسان أفضل ما عنده, ذبيحة البكر.. وما كان أحد يأكل من تلك الذبائح, كانت كلها تأكلها النار, كلها للرب, لذلك سميت محرقات.
وبني نوح مذبحا للرب, وأخذ من كل البهائم الطاهرة, ومن كل الطيور الطاهرة, وأصعد محرقات علي المذبح (تك8:20).
وإلي جوار فكرة المحرقات, رسخت فكرة أن تكون الذبيحة طاهرة وبلا عيب.
واستمر الآباء يبنون المذابح ويقدمون المحرقات. نقرأ هذا في حياة أبينا إبراهيم (تك12:7, 8). وفي حياة أيوب الصديق (أي1:5), وهكذا فعل باقي الآباء.
وقدم الله للعالم خبرة أخري:
وهي تقدمة الابن الوحيد محرقة.. ومعها فداء..
قال الله لأبينا إبراهيم: خذ ابنك وحيدك الذي تحبه.. وأصعده هناك محرقة علي أحد الجبال (تك22:2) وفي نفس الوقت قدم له كبشا فداء له (تك22:13).
وانطبعت في ذاكرة البشرية هذه الصورة المزدوجة تقديم الابن الوحيد, والفداء.
وإلي ذلك الحين كان الآباء يقدمون الذبائح والمحرقات دون شريعة منظمة لها, وبدأت تلك الشريعة علي يد موسي النبي, فماذا كانت؟ وماذا كانت رموزها؟
أول شريعة مكتوبة عن الذبائح, كانت الشريعة الخاصة بخروف الفصح.
الموت كان ينتظر جميع الأبكار, وكان الخلاص منه عن طريق ذبح خروف الفصح, وكلمة فصح معناها العبور Pass-Over كانت الأبواب المرشوش عليها دم خروف الفصح, يعبر الملاك المهلك عليها فلا يهلكها حسب قول الرب.
ويكون لكم الدم علامة علي البيوت التي أنتم فيها, فأري الدم وأعبر عنكم (خر12:13).
وشرح القديس بولس الرسول كيف كانت ذبيحة الفصح رمزا للمسيح, فقال:
لأن فصحنا أيضا المسيح قد ذبح لأجلنا (1كو5:7), وهكذا كانت ذبيحة الفصح رمزا واضحا للمسيح, وكانت نفوس المفديين, هي تلك النفوس المحتمية وراء الدم, فيري الرب الدم ويعبر عنها, فلا تهلك. وأدرك الناس تماما أهمية الدم لخلاصهم, وأهمية قول الكتاب: بدون سفك دم, لا تحصل مغفرة (عب9:22).
ثم رتب موسي النبي الذبائح في سفر اللاويين, وشريعة كل ذبيحة.
وكانت الأولي هي المحرقة.. فلماذا؟
هذه المحرقة قيل عنها إنها: محرقة وقود رائحة سرور للرب (لا1:9, 13, 17).. وكانت كلها للرب, لا يأكل منها أحد, إنما تأكلها النار كلها, تظل النار تشتعل فيها وهي علي المذبح, حتي تتحول إلي رماد (لا6:12, 13).. والنار كانت ترمز إلي أن العدل الإلهي, يأخذ حقه من المحرقة كاملا.
الإنسان تمرد علي الله يوم أخطأ.
وهنا ينسحق, ويستسلم إلي نار الرب؟ حتي يتحول إلي رماد, والسيد المسيح ناب عنا, في أن يكون ذبيحة محرقة بدلا منا.
وهنا نتذكر أن الخطية كانت لها نتيجتان؟