رغم أن العلاقات بين الكنيستين القبطية والروسية هي علاقات تاريخية وطيدة تمتد جذورها لقرون سابقة، إلا أنها تشهد حالياً أقوي وأفضل واعظم حالاتها، وتحمل قدرا كبيرا من المحبة والتقارب والتعاون المتبادل بين الكنيستين.
وفي كل مناسبة طيبة تشارك كل كنيسة منهما الأخرى بوفود ورسائل لتبادل التهاني، وعقب كل حادث مؤلم أو حادث ارهابي هنا أو هناك تشارك كل كنيسة منهما الأخرى بوفود ورسائل لتضميد الجراح، ومساندة كل منهما للأخرى.
وتعتبر كنيسة روسيا الأرثوذكسية، ومقر بطريركها بالعاصمة الروسية “موسكو”، هي أكبر كنيسة أرثوذكسية في العالم، ويُقدر عدد أتباعها بحوالي 125 مليون شخص.
وقد زار قداسة البابا تواضروس الثاني روسيا في زيارتين تاريخيتين “الأولى في أكتوبر 2014م والثانية في مايو 2017م”، التقى خلالهما بالبطريرك كيريل، بطريرك موسكو وكل روسيا وفي الزيارة الأولى التقى بوزير الخارجية الروسي سيرجي لابروف.
ما التقي قداسته في الزيارة الثانية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتم منح قداسته جائزة الوحدة الأرثوذكسية لعام 2016م في حفل كبير بالعاصمة الروسية موسكو.
وشهد التقارب بين الكنيستين القبطية والروسية دفعة كبيرة عقب هاتين الزيارتين اللتين قام بهما قداسة البابا تواضروس الثاني للكنيسة الروسية، وكذلك بناء علي ما تم الإتفاق عليه في اجتماعات لجنة العلاقات بين الكنيستين في “القاهرة – فبراير 2016م”، “وفي كازاخستان – يونيو 2017م”.. وهي اللجنة التي يرأسها نيافة المطران هيلاريون عن الكنيسة الروسية ونيافة الأنبا سرابيون مطران لوس أنجلوس عن الكنيسة القبطية.
جدير بالذكر أن الجانب القبطي بلجنة العلاقات بين الكنيستين، برئاسة نيافة الأنبا سرابيون يضم أيضاً: نيافة الأنبا يوليوس الأسقف العام ونيافة الأنبا كيرلس “الأسقف العام بلوس أنجلوس” والقس بولس حليم والأستاذة بربارة سليمان والدكتور إسحق إبراهيم عجبان.
وشهدت العلاقات دفعة جديدة بالبدء في تبادل البعثات التعليمية بين الكنيستين.
وفي إطار التعاون والتقارب بين الكنيستين القبطية والروسية أيضاً عقد بمقر المركز الإعلامي للكنيسة القبطية بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية اجتماعات اللجنة المشتركة للإعلام بين الكنيستين القبطية والروسية.
وضم وفد الكنيسة الروسية كلا من فختانج كيبشيدز، نائب رئيس إدارة المجتمع الكنسي والعلاقات الإعلامية، وجوري دانيلوف مدير قسم المعلومات والتحليل، بافيل ليبيديف، مدير إدارة العلاقات مع هياكل الدولة، والقس إيليا كوسيخ، رئيس إدارة العلاقات الخارجية الكنسية، والقس فيكتور كولاجا مندوب الكنيسة الروسية بالقاهرة. بينما مثل الكنيسة القبطية وفد مكون من القس بولس حليم، المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ورانيا نعيم المدير التنفيذي للمركز الإعلامي للكنيسة القبطية، ورونزي توفيق مدير ادارة العلاقات العامة بالمركز الإعلامي.
وفى إطار تبادل البعثات التعليمية بين الكنيستين القبطية والروسية جاء الى القاهرة فى يناير الماضى “الدكتورالراهب جريجوري ماتروسوف” من الكنيسة الروسية للدراسة بالكنيسة القبطية , وذلك لاستكمال دراساته المتخصصة بالكنيسة القبطية بالتعاون والتنسيق العلمي مع المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم. وقد نال بركة اللقاء مع قداسة البابا تواضروس الثاني يوم 7 مارس 2017م ودار حوار بينه وبين قداسة البابا للاطمئنان على سير الدراسة وتفاصيل المقررات والأساتذة والكتب الدراسية مع توفير سبل الراحة والإقامة بمصر.
وقام الأب جريجوري بتلقي دروسه بمعهد الدراسات القبطية بالقاهرة باشراف الدكتور سامي صبري عميد المعهد، والدكتور عادل فخري وكيل المعهد، والدكتور اسحق ابراهيم عجبان الأمين العام، وكذلك بمقر المؤسسة المصرية الروسية للثقاقة والعلوم برئاسة الأستاذ الدكتور حسين الشافعي.
وقام الدكتور عمرو عيسي المتخصص في تدريس اللغة العربية للناطقين بالروسية بتدريسه اللغة العربية بالفصحى والعامية.
والأب الدكتور جريجوري ماتروسوف اسمه بالميلاد دانييل ماتروسوف وهو من مواليد موسكو سنة 1980م، وترهب سنة 2015م، ورسم شماساً (هيرودياكون) سنة 2015م أيضاً، وقد حصل علي الدكتوراه الأولي سنة 2013م من المعهد البابوي للدراسات الشرقية بروما. ويقوم منذ عام 2016م بإعداد الدكتوراة الثانية في الدراسات العربية والإسلامية بالمعهد البابوي للدراسات العربية بروما.
وكان لـ”وطنى” حوار مع “الدكتورالراهب جريجوري ماتروسوف” من الكنيسة الروسية قبل مغادرته للقاهرة متجهاً إلى روما لاستكمال دراسته للحصول على درجة الدكتوراة الثانية فى الدراسات العربية والإسلامية.
– بعدما انتهيت من دراستك وتتاهب حاليا للعودة إلى بلدك ما هي الفائدة التي خرجت بها طوال فترة دراستك ؟
أنني أول باحث من الكنيسة الروسية يأتي إلى القاهرة للدراسة بالكنيسة القبطية، وذلك في إطار تبادل البعـثات التعليمية بين الكنيستين القبطية والروسية، وأنا كمدرس في الكلية الإكليريكية في الكنيسة الروسية فأن هذه البعثة مفيدة لي بشكل شخصي, فضلا عن الفائدة العامة على الكنيسة الروسية، وهذا الامر مهم لأنه يمثل خطوة في الطريق.
– ما نوعية الفائدة التي ذكرتها من خلال دراستك في الكنيسة القبطية؟
اكتسبت خبرة ومعرفة من كل استاذ على حده، وكل أستاذ يتميز بمميزات معينة استفدت منها كثيرا، ومنهم نيافة الأنبا ديمتريوس.. والأب بيشوي حلمي.. والأستاذ الدكتور سامى صبري.. والأستاذ الدكتور عادل فخري.. والألستاذ الدكتور إسحاق عجبان.. والأستاذ جرجس صالح.. ودكتور مجدي تادرس.
– هل ترى أن تبادل البعثات التعليمية ستكون فيها إفادة للكنيستين؟
طبعا… لها فائدتين فائدة للشخص نفسه وفائدة للكنيسة حيث أن تبادل البعثات يفيد من خلال تبادل الخبرات والمعارف، وتحقيق التعريف والتعارف بين الكنائس وتراثها وتاريخها، فكل كنيسة تتعرف على الأخرى, من خلال دراسة تراثها من خلال المقررات التي يحصل عليها الدارس, ومنها اللغة القبطية والحضارة القبطية والثقافة القبطية، والحوارات المسكونية، فكل كنيسة تتعـرف على الأخرى.
كما أفدت أنا شخصيا كثير من الخبرات والمعارف، حيث اكتسبت خبرة في معرفة تراث الكنيسة القبطية ولأول مرة يتاح لي معرفة تراث الكنيسة القبطية عن قرب.
– أنت مدرس في الكلية الإكليريكية في روسيا.. كم عدد الكليات الإكليركية هناك؟ حوالي 80 كلية موزعين في كل أنحاء روسيا وأكبر كلية توجد داخل لافرا الثالوث – سرجيوس، وكلمة لافرا معناها دير كبير، وتحوي 1000 طالب إكليريكي ولديهم إقامة داخلية بهذا الدير.
– كانت اللقاءات الأخيرة بين البابا تواضروس والبطريرك كيريل ركزت على خمسة محاور هي: الرهبنة والعمل الرعوي، وتبادل البعثات التعليمة والحوار اللاهوتي, بالإضافة إلى الإعلام.. هل يمكن تبادل زيارات رهبانية بين الكنيستين؟
هذه الزيارات حدثت بالفعل حيث زار وفد من الرهبان الروس بعض الأديرة القبطية، كما زار وفد من الأساقفة والرهبان الأقباط الكنيسة الروسية أيضا.
كما زار وفد من قسم الإعلام بالكنيسة الروسية المركز الإعلامي القبطي منذ فترة قريبة، وتم أول تبادل للبعثات التعليمية بين الكنيستين, حيث أنه يدرس حاليا أحد الآباء الرهبان عندنا في روسيا، وأنا أول راهب يأتي من الكنيسة الروسية للدراسة بالكنيسة القبطية, حيث يوجد اتفاق لتبادل البعثات التعليمية بين الكنيستين القبطية والروسية, وأن قداسة البابا تواضروس الثاني قام بزيارتين للكنيسة الروسية وهذا الاتفاق تم خلال الزيارة الأولى لقداسته لروسيا.
وانتهز الفرصة لأقدم الشكر لقداسة البابا تواضروس الثاني وللجنة العلاقات بين الكنيستين، وعلى رأسها نيافة الأنبا سرابيون مطران لوس أنجلوس وبعضوية نيافة الأنبا كيرلس (لوس أنجلوس) ونيافة الأنبا يوليوس والأب بولس حليم والاستاذة بربارة سليمان والدكتور إسحق إبراهيم عجبان. للجهود الكبيرة التي قاموا بها لاستضافتي بالكنيسة القبطية وتوفير كل سبل الدراسة.. وكذلك الشكر لإدارة معهد الدراسات القبطية وعلي رأسها الدكتور سامي صبري عميد المعهد والدكتور عادل فخري وكيل المعهد والدكتور اسحق عجبان الأمين العام للمعهد.
– حاصل على الدكتوراة في القانون الكنسي.. هل ترى أن هناك اختلاف في القوانين الكنسية بين الكنيستين الروسية والقبطية؟
مصدر القوانين الكنسية هو الكتاب المقدس والتقليد والمجامع والآباء، وتختلف القوانين الكنسية بين الكنائس بحسب المجامع التي تؤمن بها كل كنيسة، وبحسب الآباء الذين تؤمن بهم كل كنيسة، ويوجد عدد كبير من القوانين المشتركة بين الكنائس الأرثوذكسية.
وهناك فكرة لإصدار قاموس للمصطلحات الكنسية باللغات الإنجليزية والعربية والروسية، وهذه الفكرة تحتاج فريق عمل وتحتاج وقت طويل.
– هل هناك فرق بين الرتب الكهنوتية في الكنيستان الروسية والقبطية؟
الدرجات الكهنوتية تتشابه لحد كبير في الكنائس الأرثوذكسية ، لأن درجات الكهنوت ثلاثة فى كل الكنائس الارثوذكسية، وتشمل : الشماس أو الدياكون “يساعد فى خدمة القداس” – الكاهن – الأسقف.
وتشتمل كل درجة على رتب مثلاً درجة الأسقفية تشمل الأسقف والمطران والبطريرك، ومن الرتب الرهبانية في روسيا الأرشمندريت وتعني رئيس رهبان، والهيرودياكون وتعنى راهب شماس، والهيروموناخوس وتعني راهب كاهن.
– حدثنا عن منظومة الخدمة داخل الكنيسة الروسية؟
تعد روسيا أكبر دولة من حيث المساحة في العالم، ولذلك فالكنيسة الروسية كنيسة كبيرة جدا ويوجد في الكنيسة الروسية حوالي 400 أسقف.
كما يوجد بها حوالي 30 ألف كنيسة فى وحوالي1200 دير منها 500 للرهبان و700 دير للرهبات وهذا الرقم كبير جدا، ويدل على أن الكنيسة الروسية تشهد نهضة روحية كبيرة.
كما يتم افتتاح كنائس واديرة بشكل مستمر، وعـدد سكان روسيا حوالي 150مليون نسمة.
– هل يوجد طوائف في روسيا؟
نعم.. يوجد في روسيا طوائف مسيحية أخرى منهم البروتساتنت والكاثوليك بنسبة ضئيلة, ولكن الأغلبية ينتمون للكنيسة الروسية الأرثوذكسية.
هل زرت معالم مصر السياحية؟
نعم.. لقد زرت الأهرامات وخان الخليلي والمتحف القبطي وكنائس مصر القديمة ومنطقة المقطم, كما زرت ايضا أديرة وادي النطرون “البراموس- الانبا بيشوى – ابو مقار- السريان”، بالإضافة إلى دير الأنبا توماس بالخطاطبة, وزيارة منطقة الأنبا رويس والمركز الثقافي القبطي.
كما قمت بزيارة معرض القاهرة الدولى للكتاب في فبراير الماضي.. أنني استقليت التوكتوك للتجول في بعض المناطق بالقاهرة, وركبت دراجة جاءتني هدية من بعض الأصدقاء بمصر وسرت بها في شوارع القاهرة.. وكان كثير من المصريين يلوحون لي بإيديهم للتحية والسلام والترحيب.
بعد كل هذه الزيارات ما هوانطباعك عن مصر والشعب المصري؟
أتمنى أن لا تكون زيارتي هذه لمصر الأخيرة، وبالفعل يجري حالياً الترتيب لزيارة أخرى لمصر لاستكمال درجة الماجستير بالكنيسة القبطية خلال العام المقبل 2018م، وأن الشعب المصري شعب لطيف وودود.
وقد صار لي أصدقاء كثيرون بمصر, وقد حضرت محاضرات مع بعض طلاب معهد الدراسات القبطية وقد استقبلوني بحفاوة كبيرة.
كما حضرت بعض الندوات الثقافية العامة، وسرد قصة حدثت معه في ميدان هليوبولس بمصر الجديدة, أنه كان يستقل تاكسي وكان يصور بنايات تراثية واثرية قـديمة شكلها غاية في الجمال.
وقامت الشرطة بمنع التصوير لاحتياطات أمنية، وقد استجبت فوراً لهذا الطلب وقمت بمسح كل الصور التي التقطتها حرصاً مني على النظام والقواعـد العامة.. وبعد انتهاء دراستي بالقاهرة لن أعـود إلى روسيا، ولكني سوف أتوجه إلى روما لاستكمال دراسة الدكتوراة الثانية بالمعهد البابوي للدراسات الشرقية بروما في مجال الدراسات العـربية والإسلامية، وسأعود إلى مصر مرة أخرى لاستكمال الحصول على درجة ماجستير بالكنيسة القبطية.
ما الصعوبات التي واجهتها في دراستك في مصر؟
على الرغم من أنني أتحدث 12 لغة “الروسية والإنجليزية والإيطالية والفرنسية والألمانية واليونانية والصربية والكرواتية والأسبانية والنروجية والفارسية”.
وكان حلم من أحلامي أن أتعلم اللغة العربية، إلا أنني شعرت ببعـض الصعـوبة في تعلم اللغة العربية فهي بالنسبة لي تمثل لغتين الفصحي والعامية.
وأشكر الكنيسة القبطية، وعلى رأسها قداسة البابا تواضروس الثاني والمؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم برئاسة الدكتور حسين الشافعي، لأنهما أتاحا لي دورات إضافية لتعلم اللغة العربية الفصحى والعامية، وسأحتاج إلى المزيد منها في الفترة القادمة.
أين تمارس العبادة الأسبوعية خلال فترة تواجدك بمصر؟
أواظب بشكل أسبوعي كل يوم أحد على تأدية صلوات القداس بحسب الطقس الروسي فى كنيسة روسية توجد بحي الزيتون بالقاهرة، وهي على اسم قديس يوناني هو ديمتريوس التسالونيكى ويقوم برعايتها كاهن من الكنيسة الروسية هو الأب فيكتور كولاجا.