كتب لنا القديسين الإنجيليين مرقس ولوقا نصًّا لشفائين عجائبيين قام بهما يسوع لامرأتين : شفاء المنزوفة، وإحياء إبنة يائيرس أحد رؤساء المجمع ( مرقس ٥ : ٢١ – ٤٢ ، ولوقا ٨ : ٤٠ – ٥٦ ) .
يقدم هذان الفصلان مستويين من التأمل :
الأول على المستوى المادي البحت : فيه يحنو يسوع على المعاناة الإنسانية ويشفي الجسد من أمراضهِ وعللهِ .
والثاني على المستوى الروحي : لقد جاء يسوع ليشفي قلب الإنسان كي يعطيه الخلاص وينمّي إيمانه به .
أمام خبر موت إبنة يائيرس ، قال يسوع لرئيس المجمع : ” لا تخف ، آمن فحسب تَخلُصِ ابنَتُكَ ” ، فذهبا الى حيث تتواجد الفتاة ، فأخذ بيدِها وصاحَ بها : ” يا صبية ، أقول لك : قومي ” ، فرُدَّت الروحُ إليها وقامت من وقتها . فأمر بأن تُطعم . فَدَهِشَ أبواها … يُعلق القديس إيرونيموس على هذه الكلمات مسلطًا الضوء على قدرة يسوع الخلاصية :
” يا صبيّة ، أقول لكِ قومي ، لا بإرادتكِ ، بل بنعمتي . أنا أقول لكِ أن تقومي : فشفاؤك لا يتعلق بفضيلتك ِالخاصة بل بنعمتي وقوتي الإلهية ” .
أما القسم الثاني الذي يتناول شفاء المرأة المنزوفة ، يثبت يسوع مرة أخرى بأنهُ جاء ليحرر الإنسان بكليته .
بالفعل ، تجري المعجزة على مرحلتين : أولا يتحقق الشفاء على الصعيد الجسدي ، ولكنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بشفاء أعمق ، ألا وهو النعمة التي يمنحها الرب لمن ينفتح عليه بإيمان وثقة . ولذلك يقول يسوع للمرأة : ” يا ابنتي ، إيمانكِ خلّصكِ ، فاذهبي بسلام ، وتعافي من ومرضكِ وتحرري من الآمكِ ” . هذان النصان الشفائيان هما بمثابة دعوة لنا لنتخطى النظرة المادية والسطحية للحياة . أكثر الأحيان ، نطلب من الله عدة حلول ضرورية للمشاكل التي نعانيها في حياتنا ، وهذا شيء صحيح وواقعي ، ولكن ما علينا أن نلتمسه بإصرار وإلحاح هو الإيمان ، والإيمان بثقةٍ وقوّة دائمًا ، حيث يجدد الرب حياتنا ، ويعطينا ثقة ثابتة بمحبته ، وعنايته الإلهية التي لا تتركنا أبدًا .
إن يسوع الذي تنبه للمعاناة الإنسانية ، يجعلنا نفكر أيضًا بأولئك الذين يساعدون المرضى ليحملوا صليبهم بإيمانٍ وفرح ، وخاصة الأطباء، والممرضين ومقدمي العناية الصحية ، بالإضافة الى أولئك الذين يقدمون الخدمات الروحيّة والإرشادات الدينية خلال العلاجات الطبية وأحياناً النفسية . هؤلاء كلهم ” حاملي محبة ” ، ينقلون الهدوء والرجاء للمتألمين ، كما يقول قداسة البابا بندكتس السادس عشر في رسالته ” الله محبة ” .
نطلب شفاعة العذراء مريم الوالدية لإخوتنا الذين يعيشون ألماً جسدياً وروحياً ، ونسألها أن ترافق مسيرة إيماننا والتزامنا الملموس بالمحبة وخاصة لمن يحتاجها .
المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الاسكندرية واورشليم والاردن للأرمن الكاثوليك