* في الطبيعة أيضا أمور عديدة يمكن أن تؤخذ بالمعني الرمزي.
ما ترمز إليه الجبال والتلال والمرتفعات, وما ترمز إليه الأشجار: الكرمة, والزيتونة, والنخلة, والأرز.
وما ترمز إليه البحار والأنهار, وما يرمز إليه النور والظلمة, وكذلك الشمس والقمر والكواكب والنجوم.
بل ما ترمز إليه الحيوانات أيضا, كالحية والتنين والخنزير والثعالب الصغيرة المفسدة للكروم (نش2:15). وما ترمز إليه الحمامة الحسنة, بل حتي النملة والنخلة, وزنابق الحقل وطيور السماء..
* هناك أيضا الأرقام ورموزها في الكتاب المقدس..
ربما يعطيني الرب فرصة لأنشر لكم عددا من المقالات عن رموز الأرقام في الكتاب, لكي ندرك معني كل رقم, وما تختفي وراءه من معان, وتأملات القديسين في هذه الأرقام.
أيضا رموز الماء في الكتاب, ورموز الزيت, والنار..
كل منها يحتاج إلي مقال خاص, أو عدة مقالات, لندرك معانيه, وما ورد عنه من آيات وكيف أمكن استخدامه أيضا في طقوس الكنيسة, وفي أسرارها المقدسة..
* بل حتي حبة الحنطة لها معناها في الكتاب, وكذلك الدقيق.. وأيضا المعني الرمزي للخميرة والفطيرة.. حيث إن الخمير يرمز إلي الشر.. والفطير يرمز إلي النقاوة (1كو5:7).
وبهذا نفهم ما قاله السيد المسيح: احترزوا من خمير الفريسيين (لو12:1), ونفهم ما معني عيد الفطير, وكيف كانوا يعيدونه سبعة أيام بعد الفصح, وكيف كان الفصح يؤكل مع فطير (خر12:8-15). ونفهم أيضا لماذا نضع خميرا مع القربان الذي نقدمه في صلاة القداس الإلهي..
المن أيضا كان رمزا (يو6:48-50).
وكذلك شجرة الحياة التي وردت في سفر الرؤيا (رؤ22:2), وبالمثل شجرة التين كانت أيضا رمزا (مت21:19 من 24-32).
* * *
ما أكثر الرموز التي كانت ترمز أيضا للروح القدس هل نتكلم عن النار؟ أم عن الحمامة؟ أم عن الريح (يو3:8), أم عن أنهار الماء الحي (يو7:28-29)؟ أم نتحدث عن الزيت, وما تتبعه من مسحة مقدسة (1يو2:20-27), (إش61:1), (مز16:9).
كلها موضوعات تحتاج إلي شئ من التأمل..
*** بسبب ذلك تكونت في تاريخ الدراسات اللاهوتية والكتابية مدرسة التفسير الرمزي وهي تختلف في أسلوبها ومفاهيمها عن مدرسة التفسير الحرفي.
اعتبرت هذه المدرسة أن المعني الحرفي هو النشرة الخارجية لأقوال الكتاب, أما المعني الرمزي فهو اللب والثمر.
* * *
ومن أشهر علماء مدرسة التفسير الرمزي العلامة أوريجانوس أستاذ مدرسة الإسكندرية اللاهوتي, وأيضا القديس ديديموس الضرير مدير مدرسة الإسكندرية في عهد القديس أثناسيوس الرسولي, ونبغ في التفسير الرمزي أيضا القديس أوغسطينوس أسقف هبو, وظهر ذلك في كتبه وفي تأملاته.
* * *
ولقد غالي أوريجانوس في التفسير الرمزي إلي حد أخرجه عن المعقول..
ووقع بذلك في أخطاء كثيرة تؤخذ عليه, مثال ذلك تفسيره لشجرة معرفة الخير والشر التي كانت توجد في وسط جنة عدن (تك2:9), (تك3:3), وتدرج في تفسيره إلي اعتبار أن خطية آدم وحواء كانت خطية زني!! وللأسف تبعه في هذا التفسير بعض من المعجبين به ونشروا خطأه وخطأهم في أذهان الناس!!
* * *
السيد المسيح نفسه استخدم أسلوب الرمز..
مثل قوله: احترزوا من خميرالفريسيين (مت16:6), وقوله: جئت لألقي نارا علي الأرض, فماذا أريد لو اضطرمت (لو12:49), ولم يكن يقصد النار بمعناها الحرفي طبعا..
ومثل قوله: من ليس له, فليبع ثوبه وليشتر سيفا (لو22:36), ولم يكن يقصد بالسيف المعني الحرفي, بل معناه الرمزي أو الروحي.
وبالأسلوب نفسه قال لسمعان بطرس وأندراوس أخيه: هلم ورائي, فأجعلكما صيادي الناس (مت4:19), وطبعا كان يقصد بالصيد المعني الرمزي, وكذلك بالأسلوب الرمزي, قال: يشبه ملكوت السموات عشر عذاري أخذن مصابيحهن, وخرجن للقاء العريس (مت25:1).
وكان هذا المثل رمز, حتي المصابيح أيضا والزيت والباعة والعرس.. وبالمثل أيضا قوله: زمرنا لكم فلم ترقصوا, نحنا لكم فلم تبكوا (مت11:17), والأمثلة كثيرة جدا..
لهذا كان يحتاج أحيانا أن يشرح لسامعيه لكي يفهموا ما يقوله بهذه الرموز.
كان يفتح أذهانهم, كما شرح لهم مثل الحنطة والزوان (مت13). وكان يرفع البرقع الموضوع علي قلوبهم لكي يفهموا (2كو3:15).
* * *
ليتنا إذن تكون لنا فرصة للتأمل في رموز الكتاب, وما تحويه من معان عميقة, حتي يمكننا أن نقرأه بفهم, وفي خلال ذلك يرفع كل منا صلاة إلي الرب قائلا مع المرتل في المزمور:
اكشف عن عيني, لأري عجائب من شريعتك (مز119).