لنقطع الوقود عن النار حتي تهمد,ونكف اللسان عن العداوة لتخمد كثير ما نردد العبارة الشهيرة:الحب أعمي ولكن إذا تأملنا فيما يدور من حولنا سنقولالعنف أعمي لأن من يستسلم للعنف والقتل لايري وجه الآخر,ونلاحظ قمة العمي في آلات الحرب المدمرة والتي يدعونها زكية,لأنها تصيب الهدف والأعين مغلقة وفي ذات الوقت تمحي الإنسان وهيئته من علي الشاشة وتظهر بدلا منه نقطة أو خط أو دائرة أو هدف للتخلص منه.
وإذا عدنا للوصية القائلةلا تقتل لا نستطيع أن نفصلها عن الأولي:أنا هو الرب إلهك لأنه لا يستطيع أي شخص أن يعتبر ذاته سيدا أو إلها علي أخيه,أي لا يستطيع أن يتحكم في حياته ومصيره,فكل جريمة قتل هي ضد الله وتصيبه شخصيا لأنها تشويه لصورته.وقد علمنا السيد المسيح قائلا:سمعتم أنه قيل للأولين:لا تقتل,فإن من يقتل يستوجب حكم القضاء.أما أنا فأقول لكم من غضب علي أخيه استوجب حكم القضاء(متي5:21-22) إذا نصل هنا إلي أبعد من الوصية,لأننا نكتشف سبب القتل وهو قلب الإنسان,فيجب علينا أن نحرر القلب من الغضب والبغض حتي لا نصل إلي مرحلة القتل.وقد أضاف السيد المسيح قائلا:سمعتم أن قيل:العين بالعين والسن بالسن أما أنا فأقول لكم:لاتقاوموا الشرير,بل من لطمك علي خدك الأيمن فأعرض له الآخر(مت5:38-39) إذا لا نبادل الآخر بنفس الشر الذي فعله معنا,ولكن أن نبادله بالخير,وهنا الرفض الكامل لكل أنواع العنف وأضاف السيد المسيح أيضا:سمعتم أنه قيل:أحبب قريبك وأبغض عدوك:أما أنا فأقول لكم:أحبوا أعداءكم وصلوا من أجل مضطهديكم(متي5:43:44).
وهنا نصل إلي استبدال وصيةلاتقتل بالمحبة والتسامح,ومن ثم سنري في الأعداء أخوة لنا وواجب علينا محبتهم وقبولهم,وألا نقاوم الشر بنفس أسلحته ولكن نستخدم أسلحة أخري أقوي بكثير حتي نستطيع أن نستبدل هذا الشر بالخير ونحول هذه العداوة إلي أخوة وكان غاندي يقول :إذا كان هناك مجنون يصوب نحو الناس والأطفال,سأفعل المستحيل لمنعه ووقفه حتي ولو بالقوة ولكن إذا أتي إلي شخص يعتدي علي لن أقتله ولكن سأتركه ليقتلني.
أحيانا كثيرة نجد أن الدفاع عن النفس يقودنا إلي القتل لأننا نريد أن نحافظ علي حياتنا الشخصية ولكن في تلك اللحظة دون أن تقصد سنقتل المعتدي لأن من يتمسك بحق الدفاع عن نفسه سيصل إلي اللحظة التي لا يتوقعها وهي قتل الآخر بكل سهولة,ويشعر بأنه لم يخالف الوصية,ونستطيع أن نقول نفس الشئ لمن يريد أن يدافع عن ممتلكاته من اللصوص.كما أنه توجد وسيلة أخري للقتل وهي أن نلتهم الآخرين بالنميمة والاتهامات والتشهير دون أن ندري مدي تأثير الكلمات علي هدم الآخر,وكان أحد الرهبان الحكماء ينصح شابا ملتزما بالصوم والتقشف قائلا:من الأفضل أن تأكل اللحم وتشرب عصير الكرمة أثناء الصيام من أن تنهش لحم أخيك.لأننا نستطيع أن نطلق علي الكلمات الهدامة:اللسان القاتل,وهذا ما يحذرنا منه سفر الأمثال:الموت والحياة في يد اللسان والذين يحبونه يأكلوا ثماره(أمثال18:21).
ولا ننكر أن فاعل الشر ضعيف,لأننا مهما نظرنا إلي قوة الشر الخارجية فهي محدودة,لأن البغض هو خوف,ومن يبغض يشعر بأنه مهدد علي جميع الأصعدة ويحاول جاهدا أن يحافظ علي بقائه واستمراره.إذا …ماذا نحن فاعلون؟إذا سكبنا كلمة طيبة علي نار الغضب تنطفئ,لأن النار لا تطفئ بالنار ولكن بالماء,كذلك الغضب لا يطفئه الغضب وإنما الحب والغفران أمام العنف والعداء نحن بحاجة إلي من يتحلي بالشجاعة ويقول:لا للعنف لكن يظن الكثيرون بأن عدم المعاداة والوداعة هما ضعف ويتركون الفرصة للشر أن ينتصر ولكن الحقيقة عكس ذلك فالحب هو السلام الوحيد الذي يوقف البغض والكراهية ويخمد نارهما ويقطع كل وسيلة عنهما.ونختم بهذا القول الرائع:إذا رفعنا السلاح سيتخلي الله عنا,أما إذا رفعنا أيدينا بالصلاة والحب سنجد الله يمد يديه ليعيننا.