الكتاب المقدس أعظم وثيقة جمالية
الباب الثاني
الفنون الجمالية المرئية والملموسة
(النصوص المقدسة)
فنون الطبيعة والفلك
سبحيه يا أيتها الشمس والقمر. سبحيه يا جميع كواكب النور
(مز148:3)
تمهيد
تشكل الطبيعة والفلك ركنا مهما في مسار أحداث الكتاب المقدس بدءا من سفر التكوين حتي آخر الأسفار (الرؤيا).
وكان علم الفلك يشكل إلي جانب الموسيقي والرياضة البدنية واحدا من العلوم الأساسية في التاريخ القديم خاصة عند قدماء المصريين حيث ارتبط عندهم بأعمال تنظيم الزراعة وفيضان النيل وارتفاع منسوبه ومدة بقائه.. وفي هذا الجو تربي موسي النبي علي هذا النحو في بلاط فرعون مصر وتهذب بكل حكمة المصريين (أع7), وكما يقول المرنم: السموات تحدث بمجد الله, والفلك يخبر بعمل يديه (مز19:1).
ومن الناحية الفنية استخدمت كلمة الله الطبيعة بكل أشكالها من مطر وأنهار ورعود وبروق وبرد ورياح وحر وزلازل وصخور وجبال ووديان, وكذلك الفلك من سموات وشمس وقمر وكواكب ونجوم وأرض.. وغيرها. وقد استخدمتها كلمة الله لتعبر عن آلات فنية وجمالية عديدة في مواضع لا حصر لها.
وسوف ندرس علي سبيل المثال ما ورد في سفر إشعياء النبي. أكبر أسفار الكتاب المقدس بعد سفر المزامير:
(1) اسمعي أيتها السموات وأصغي أيتها الأرض, لأن الرب يتكلم (إش1:2).
يبدأ سفر إشعياء بمحاكمة عظمي طرفاها (الله والإنسان) ويستدعي الطبيعة- السماء والأرض- لتكونا شاهدتين علي نكران الجميل الصادر من شعب الرب مع كونهم موضع عنايته الفائقة.
ولكن لماذا؟ يجيب القديس يوحنا ذهبي الفم يليق الآن استدعاء السماء للشهادة إذ لا يوجد إنسان يسمع ويشهد لهذه الأمور.
(2) ادخل إلي الصخرة واختبئ في التراب من أمام هيبة الرب ومن بهاء عظمته.. (إش2:10, 11).
وهنا نري الله يعوض الحلول للهروب من الدينونة:
أ- ادخل إلي الصخرة: الصخرة هي المسيح, أي الثبات فيه والاختباء فيه.
ب- اختبئ في التراب= الاتضاع.
(3) فإن نجوم السموات وجبابرتها لا تبرز نورها. تظلم الشمس عند طلوعها, والقمر لا يلمع بضوئه (إش13:10).
لذلك أزلزل السموات وتتزعزع الأرض من مكانها في سخط رب الجنود وفي يوم حمو غضبه (إش13:13).
وهذه الآيات موجهة إلي بابل التي بدأت تاريخ الكبرياء في حياة البشرية من خلال برج بابل.. وها اليوم خرابها وسقوطها, وقد تحقق ذلك علي يد كورش الملك الفارسي ولكن بصورة جزئية, وسوف يكون بصورة شاملة في الأيام الأخيرة, كما في سفر الرؤيا (رؤ18:2).
(4) كيف سقطت من السماء يا زهرة, بنت الصبح؟ كيف قطعت إلي الأرض يا قاهر الأمم؟ وأنت قلت في قلبك: أصعد إلي السموات. ارفع كرسيي فوق كواكب الله, وأجلس علي جبل (إش14:12, 13).
زهرة بنت الصبح= حامل النور وهو ملاك مخلوق, مرادف للكروب المظلل والمذكور في (حزقيال28). وهذا النص يكشف كيفية سقوط الشيطان, علة السقوط هو الكبرياء.
(5) من كال بكفه المياه, وقاس السموات بالشبر, وكال بالكيل تراب الأرض, ووزن الجبال بالقبان, والآكام بالميزان؟ (إش40:12).
تشير المياه إلي الشعوب.
والسموات إلي النفس.
والأرض إلي الجسد.
والجبال والتلال إلي قدرات الإنسان ومواهبه.
والله الذي يهتم بخليقته الجامدة من مياه وجلد السماء حتي التراب والجبال والتلال, كيف لا يهتم بنا؟
(6) الجالس علي كرة الأرض وسكانها كالجندب. الذي ينشر السموات كسرادق, ويبسطها كخيمة للسكن (إش40:22).
الجندب: هو الجراد. وفي هذه الكلمات يكشف الوحي أن الأرض كروية لأول مرة في تاريخ البشرية, وقبل الكشف العلمي بذلك بنحو ألفي سنة.
(7) قد محوت كغيم ذنوبك, وكسحابة خطاياك. ارجع إلي لأني فديتك (إش44:22).
ننعم بغفران خطايانا مهما بلغت كثافتها والذنوب كغيم لأنها تفصل الإنسان عن الله, والله سيذيلها فيعود ضوء الشمس يظهر, أي حنان ومحبة الله.
(8) ترنمي أيتها السموات لأن الرب قد فعل. اهتفي يا أسافل الأرض. أشيدي أيتها الجبال ترنما, الوعر وكل شجرة فيه, لأن الرب قد فدي يعقوب, وفي إسرائيل تمجد (إش44:23).
يقدم إشعياء دعوة للسموات والأرض للتسبيح والهتاف, لأن العبادة الوثنية بطلت وتم فداء الله للإنسان. إن النفس إذا تذوقت بهجة الخلاص والفداء يهب الله النفس (السموات) تسبيحا, والجسد (الأرض) هتاف فرح, وطاقاتنا (الجبال) ترنما ويصير كل ما في داخلنا كأشجار تمجد الله.
(9) ارفعوا إلي السموات عيونكم, وانظروا إلي الأرض من تحت. فإن السموات كالدخان تضمحل, والأرض كالثوب تبلي, وسكانها كالبعوض يموتون. أما خلاصي فإلي الأبد يكون وبري لا ينقض (إش51:6).
حقا السماء والأرض تزولان ولكن كلام المسيح لا يزول والخلاص يختص بالحياة الأبدية التي لا تزول ولا تنتهي (راجع55:9).
(10) لأني هأنذا خالق سموات جديدة وأرضا جديدة, فلا تذكر الأولي ولا تخطر علي بال (إش65:17).
هذا هو عمل السيد المسيح لإقامة كنيسة العهد الجديد, حيث تخضع النفس (السموات) والجسد (الأرض) لروحه القدوس وينتهي الصراع القديم بين شهوات النفس وشهوات الجسد وندخل إلي حياة الفرح الروحي والبهجة السماوية.
(11) لأنه هكذا قال الرب: هأنذا أدير عليها سلاما كنهر, ومجد الأمم كسيل جارف, فترضعون, وعلي الأيدي تحملون وعلي الركبتين تدللون (إش66:12).
- الله نفسه يدير السلام علي نفسه كي يسقي الفلاح حقله, يرويه من ينابيع سلامه, كما من نهر لا ينضب, ويفيض عليها المجد.
- الأنهار في الكتاب المقدس تشير إلي الروح القدس.
ونلاحظ الكلمات الجميلة التي استخدمها الوحي الإلهي, ترضعون.. تحملون.. تدللون.. لكي ما ندرك مشاعر الله وعاطفته من نحو أولاده.