قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (660)
خلال زيارة الوفد البرلماني المصري للعاصمة الأمريكية واشنطن -منذ عشرة أيام- والتي تضمنت اجتماعات متعددة مع رئيس مجلس النواب وعدد من النواب في الكونجرس, وأيضا مع رئيس وبعض أعضاء مجلس الأمن القومي الأمريكي, وطبقا لما نشرته صحيفة الأهرام بتاريخ 3 نوفمبر الجاري أنه لدي استفسار نانسي بيلوسي زعيمة المعارضة في مجلس النواب عن وضع الأقباط في مصر, أكد الوفد المصري خاصة النائبة ماريان عازر بوصفها نائبة من الأقباط أنه لا توجد أي معاملة تمييزية ضد الأقباط في مصر وأن الكل مسلما ومسيحيا يعيشون تحت مظلة الوطن كمواطنين متساوين في الحقوق والحريات دون أي تفرقة في أي مجال!!
أود أن أعلق علي هذا الخبر ويهمني أن أوضح بعض النقاط الأساسية:
** لست معنيا بما تعرفه أمريكا أو أي دولة أخري عن أقباط مصر ولا أعول أبدا علي أية سياسات, أو ردود أفعال قد يراهن عليها البعض نتيجة تصدير مشاكل أقباط مصر وتداولها في الخارج, لأني عن يقين وإيمان وطني راسخ لا أقبل بديلا عن مناقشة تلك المشاكل داخل مصر ومع المصريين وفي إطار الدستور والقانون المصري.
** إن كان تداول مشاكل أقباط مصر في الخارج لا طائل من ورائه ومن غير المقبول ولا المأمول أن تذود أمريكا أو غيرها من الدول عن حقوقهم المهدرة في الحياة المعاشة, إلا أن طرح هذه الأمور في اللقاءات الرسمية يستوجب شجاعة المصارحة من جانب المصريين مع التأكيد علي أنها أمور داخلية من غير المقبول التدخل فيها وأنه جار التعامل معها وعلاجها بين المصريين داخل مصر… هكذا نحافظ علي كرامتنا ووطنيتنا بدلا من تزييف الحقيقة والتعتيم علي الواقع والتشدق بكلام فضفاض يستخف بعقول من نتحدث إليهم من الأمريكيين وكأنهم بلهاء لا يعرفون أدق تفاصيل ما يثيرونه من قضايا وما يستفسرون عنه من أمور.
** إذا كان ما نشرته صحيفة الأهرام في هذا الخصوص هو كل ما دار في الاجتماع المذكور عن الأقباط دون إغفال أي شئ فليعلم الجميع أن ابتلاع الجانب الأمريكي للرد الذي تقدم به الوفد المصري وعدم اعتراضه عليه إنما يرجع إلي الكياسة واللياقة الواجبة في تسيير الاجتماع ليس أكثر… إنما الأخطر من ذلك هو إذا كان الجانب الأمريكي قد اعترض علي الرد المصري وساق المعلومات التي يعرفها عن مشاكل الأقباط في بعض محافظات مصر -مثل المنيا وسوهاج- مع الكنائس وممارسة حق الصلاة, فإننا في هذه الحالة نكون أمام إعلام مصري يجتزئ الخبر وينقله للرأي العام بصورة انتقائية لا فرق في ذلك بينه وبين الإعلام الغربي الذي نتهمه كل يوم بالتربص بمصر وتشويه صورتها باجتزاء الحقائق ونقلها بصورة انتقائية!!
** دعوني أذكركم أننا عشنا فترة طويلة في ظل نظام حكم مبارك نتواصل ونتحدث مع كافة المؤسسات والكيانات الأجنبية -وخاصة الأمريكية منها- عن مشاكل مصر وأقباط مصر, وكنا نعرف من الكافة أنهم لا يعولون علي مصادر المعلومات الرسمية المصرية ويلجأون في أحيان كثيرة إلي مؤسسات خاصة وكيانات مستقلة لاستشراف الحقيقة- وكان ذلك يجرحنا كثيرا لأنه يخصم من مصداقية وكرامة الدولة المصرية- أما الآن وبعد ثورة 30 يونية وبعد التغييرات الجوهرية في السياسة المصرية واستعادة الإدارة المصرية لتقدير واحترام العالم الخارجي, لماذا نعود ونغامر بفقدان مصداقيتنا ولماذا نتصور أن التعتيم علي الحقيقة وتجميل الواقع- ولا أقول تزييفه- سينطلي علي الآخرين ويخدعهم؟!!… ألا يكفينا فخرا وكرامة أن نعترف بالواقع بشجاعة ونطلب تركنا وشأننا بصرامة؟
إنني إذ أسجل استيائي من ذلك الموقف أقدم للوفد البرلماني المصري -ومعه كافة المسئولين المعنيين- ما دأبت وطني علي رصده وتسجيله ونشره حول معاناة أقباط المنيا وسوهاج وعذاباتهم في ممارسة حقوق الصلاة وإقامة الشعائر الدينية, وهي ليست عذابات قديمة قد يتذرع البعض أنها تسربت من الذاكرة أو أننا نسوقها لإشعال الفتن, إنما هي عذابات آنية ومستمرة تطورت إلي الأخطر عندما تردت من إطار ما يتعرضون له من كراهية وتعصب وتهديد وترويع واعتداء المتشددين إلي تقاعس السلطة عن حمايتهم وتطبيق القانون وكفالة حقوقهم الدستورية واستضعافها المخل أمام المتشددين والمتطرفين الذي وصل إلي غلق الكنائس بذريعة حماية المسيحيين بينما ذات السلطة لم تحرك ساكنا إزاء زئير المتشددين: بالطول بالعرض هانجيب الكنيسة الأرض!!
وعندما يطلع علينا أولئك المسئولون في محاولة لتبرير هذا الهزل ولعدم إراقة ماء الوجه يقولون إن إغلاق الكنائس كان لأنها أماكن غير مصرح بالصلاة فيها, أقدم لهم ما كتبته في هذا المكان الأسبوع الماضي تحت عنوان: رغم أنف القانون.. الأمن يغلق مباني كنسية تنتظر توفيق أوضاعها حيث ينص القانون علي عدم جواز إغلاقها طالما تم استيفاء أوراقها وتجري فيها الصلوات.
وأخيرا لمن يذهبون إلي الخارج يتشدقون بأنه لا توجد معاملة تمييزية ضد الأقباط في مصر ولا توجد تفرقة في أي مجال أقدم لهم ما ساقه أحد إخوتنا المسلمين عندما قال: أي مساواة تلك التي تتحدثون عنها؟… إننا كمسلمين نتمتع بحرية مطلقة في الصلاة في أي مكان غير مرخص سواء كان منزلا أو مكان عمل أو ساحة مفتوحة أو طريقا ولا يعنينا في ذلك إذا اعترضنا مسار حركة أو تسببنا في تعطيل مصالح أحد, كيف إذا يثور البعض منا إذا حرمنا إخوتنا المسيحيين من حق الصلاة داخل كنيسة مرخصة فذهبوا يصلون في مبني خدمات أو جمعية أو تجمع بعضهم للصلاة في منزل؟… أي حقوق مواطنة وأي مساواة تلك التي تتشدقون بها وتستبيحون أن تسافروا لترديدها في الخارج؟!!!