نقرأ هذه الأمثولة في تعاليم الهند:لم يكف المعلم عن تنبيه تلاميذه إلي مخاطر التمسك بالظواهر وعدم فهم روح الدين,وكان يجد هدفه في تكرار قصة نبي كان يتجول في الشوارع حاملا مشعلا متوهجا,ويقول إنه سيحرق الهيكل,ليتسني للناس أن يتعلقوا بالله أكثر من تعلقهم بالهيكل.وبالمثل كان السيد المسيح يوبخ الكتبة والفريسييم الذين يتبعون مذهبا دينيا يدعو إلي التشدد والتصلب في الحفاظ علي شريعة موسي وسنة الأقدمين ويتمسكون بحرفية الناموس,ولكنهم يتجاهلون مضمونه الحقيقي قائلا:أيها المراؤون,أحسن إشعياء في نبوءته عنكم,كما ورد في الكتاب:هذا الشعب يكرمني بشفتيه وأما قلبه فبعيد مني.إنهم بالباطل يعبدونني.فليس ما يعلمون من المذاهب سوي أحكام بشرية.إنكم تهملون وصية الله وتتمسكون بسنة البشر(مرقس7:6-8) كثير من الناس يتمسكون بالتدين الظاهري والشكلي ويهملون الجوهر الحقيقي الذي يطلبه الله منا في كتبه المقدسة ونستطيع أن نسرد بعض النتائج التي يصلون وإليها:
أ-التمسك بالشكليات:فبالنسبة لهم التدين هو الواجهة المرئية أمام الجميع دون الدخول للعمق,وتصبح تصرفاتهم الظاهرة هي المتحكمة في الشعور الداخلي,لأننا نعلم جيدا أن الشريعة تطلب منا قبل كل شئ أعمالا محددة وليس من نحن,فهي تحكم علينا أو تبررنا بناء علي العمل الخارجي وليس حسب النوايا.مثال ذلك القانون الذي يطلب من الجندي أن يؤدي الخدمة العسكرية لمدة محددة من الزمن ولكنه لا يسأله عن نواياه الداخلية إذا كان مخلصا لوطنه أم لا.كما أنه يطلب من المواطن دفع الضرائب ولا يدخل في تفكيره إذا كان مهموما بالخير العام الذي يعبر عنه هذا الفعل أم لا.فالجانب الصوري يهتم بالقواعد والقوانين وليس بالقيم التي تعطي معني لهذه القوانين.نصطدم في حياتنا ببعض الأشخاص الذين يستخدمون كلمات منمقة:يا أخي,استمع جيدا يا أخي العزيز,احترس يا أخي إذا… كلمات كلها احترام ورقي ولباقة,ولكن الواقع يدل علي شئ آخر وهو معاداتهم وإهانتهم لهؤلاء الذين يتحدثون معهم بهذه اللهجة المهذبة نعطي مثالا آخر:هل نتخيل صندوقا معدا علي أكمل وجه,مغلفا بورق هدايا دون وجود أي ثنية فيه,وكل الزوايا مستقيمة,والعقد مضبوطة والتخليص الجمركي علي أكمل وجه,والعنوان مكتوب علي الواجهة بكل وضوح,والتغليف في أفضل حال,ولكن العيب الوحيد هو أن هذا الصندوق فارغ؟في الواقع,هذه هي صورة الأشخاص الذين يتمسكون بالشكليات فقط,وكما يقول بولس الرسول:لأن الحرف يميت والروح يحيي(2كورنثوس3:6).
ب-العرض:الفريسي الذي يتمسك بالمظاهر فقط,هو ممثل جيد يتلو الجزء الخاص به,أي أعماله الحسنة:إني أصوم مرتين في الأسبوع,وأودي عشر كل ما أقتني… (لوقا18:12) لذلك يقدم أعماله في مشهد مسرحي,لأنه يسرد أمام الله كل هذا طالبا منه أن يشاهد كل ما يفعله ويقوم به,وبالمثل أمام الناس,وتكون النتيجة في النهاية أن هذا التصرف يصبح عملا خاليا من المحبة والهدف الوحيد منه هو المجد الذاتي وليس مجد الله.
ج-عمل أقل ما يمكن:
بالرغم من أن الفريسي يظهر للناس أنه متمسك بالشريعة,لكنه يسعي إلي القيام بأقل مايمكن,وكما يقول عن أمثاله السيد المسيح:يحزمون أحمالا ثقيلة ويلقونها علي أكتاف الناس,ولكنهم يأبون تحريكها بطرف الإصبع…(مت23:4),فالفريسي يطلب الكثير من القوانين لأنه في ظل هذه الكثرة,يجد عشا براحته ولا يكتشف أمره.كل ما يستحوذ علي تفكيره هو أن يكون علي مايرام حتي يشعر بارتياح نفسي,ولالنسبة له أن يقوم بما يطلب منه فقط دون أي مبادرة محبة,فهو يريد أن يصل إلي بر الآمان حتي لا يدان,والتزامه هذا هو نتيجة خوف العبيد وليس متطلبات الحب الحقيقي,فهو تاجر لا ابن,هو عبد الخوف وليس إنسانا حرا,وعندما يطلب منه شيئ آخر,تكون إجاباته هكذا:ليست مسئوليتي,قمت بأكثر من اللازم,أنا علي مايرام.لذلك روح الفريسي اخترعت مبدأ وشعار:حلال المشاكل,وبهذا يتهرب من روح الشريعة طالبا قوانين لانهاية لها حتي يخفي ويستر عدم محبته للآخرين.ونختم حديثنا اليوم بكلمات القائد السياسي الإنجليزي المحنك ونستون تشرشل:قليلون جدا…هم الذين يطبقون المبادئ التي ينادون بها في حياتهم الخاصةوللحديث بقية.