رغم قصر مدة معرفته بشخص المتنيح الشهيد القمص سمعان شحاته كاهن كنيسة القديس يوليوس الاقفصى فى عزبة جرجس ببنى سويف الذى انطلقت روحه الطاهرة للسماء الأسبوع الماضي بعدما لقى حتفه طعنا حتى الموت على يد متشدد بمدينة السلام بالقاهرة، إلا أنه تأثر به للغاية خلال العامين و النصف هى طيلة معرفته بأبونا الشهيد ليرتبط كلاهما بالآخر بعلاقة قوية تسودها الود و المحبة و الهدف المشترك حيث الخدمة من القلب و السعي وراء أبناء المسيح، وصفه فى كلمات بانه انسان بسيط و متضع و قدوة لمن يريد ان يتعلم كيف يخدم و مثال حي لمن يريد أن يسلك الطريق و يهتدي على خطواته، فكانت حياته على الأرض رسالة حب و مثال حي .. إنه بحق عاش كما قال الإنجيل، عاش كما ينبغي أن يكون تلميذا للمسيح عاملا بكلمته و حافظا لوصاياه .. هكذا تحدث عادل الفونس – صديق القمص الشهيد المتنيح سمعان شحاته و الذى كان ل ” وطنى ” معه هذا الحوار ..
+ كيف بدأت العلاقة بقدس أبونا المتنيح الشهيد ؟
++ كانت الخدمة هى العامل الرئيسي فى معرفتي بقدس أبونا الشهيد سمعان شحاته و لعلى شرفت، وسعدت كثيرا لنوال تلك البركة بأني تتلمذت على يده و تعلمت منه، وخدمت معه و الفضل يرجع بعد الله لشخص أبونا يوليوس كاهن كنيسة القديس يوليوس الاقفهصى حينما دعاني إحدى المرات لالقاء كلمة لابناء عزبة جرجس بالفشن ليبدأ من هنا المشوار و تدبر الأمور كي أتعرف على شخص ابونا الشهيد، و منذ اللحظة الأولى وجدته يلفت انتباهي بنشاطه و حيويته و غيرته على الخدمة و اهتمامه بأولاده، طيلة الوقت واقف على قدميه يتابع شعبه إن كان احد يحتاج لشىء ليسارع و يبادر بمساعدته و تلبية احتياجه بنفسه حتى لا يخسر أحد بركة الكلمة، كان بحق إنسان بسيط و متضع و محب قادر ان يتواصل مع شعبه البسيط و فى اتضاعه هذا اجده يجلس فى جزئية معينة من الكلمة ممسكا بيده ورقة و قلم ليسجل نقاط و هوامش خاصة بالكلمة .. و بدأت العلاقة بتعرفي على شخص أبونا سمعان لأجده بعد ذلك هو بنفسه يبادر بدعوتي لحضور اجتماع آخر و من ثم يعمل على استقبالي بكل محبة و حفاوة و بالفعل اتيحت لي الفرصة أن أتعرف على شخصه عن قرب .
+ ماذا عن خدمته لأبناء العزبة و شكل التواصل معهم ؟
بالطبع طبيعة الخدمة داخل القرى و العزب مختلفة و يكون لها طابع خاص لاسيما وأن الناس بسيطة وربما يكون لها متطلبات و احتياجات ذو طبيعة خاصة و كان أبونا الشهيد ببساطته المعهودة و المشهودة له من الجميع قريب لكل شخص منهم لا يفرق بين الكبير أو الصغير، فكان وسط الأطفال و كأنه طفل و مع كبار السن تجده و كأنه ” شيخ العرب ” بحكمته و قدرته على التعامل مع المواقف الصعبة وتحمله المسئولية بجدية للتغلب على أي مشكلات يمكن ان تواجه أبنائه . أيضا وسط الشباب تجده بروحه المرحة و سنه الصغير متقارب إلى فكرهم و من ثم احتوائهم و كثيرا ما كان يجلس وسطهم فى الاجتماعات و التقرب منهم و كان مع الأرامل و كأنه واحد منهم .. شخصية كانت مختلفة متميزة لها ” كاريزما ” لها حضور و لها قدرات و مواهب خاصة استطاعت ان تصل للجميع دون افتعال أو إقحام ولكن بكل بساطة و سلاسة و من ثم كسب كل شخص من أبنائه ليعتبره كل أحد بكونه أبوه الخاص له باحترامه للجميع و حكمته و محبته و بساطته، و لعل مصدر هذا كان الله الحي العامل بداخله من خلال الروح القدس، و كان لابونا سمعان شحاته غيرة قوية للخدمة و لأولاده و هدفه واضح متمثل فى كيف يصل باولاده للمسيح و دائما ما كنت أتلمس يد الله تعمل من خلاله لتدبير أمور الخدمة و رعاية شعبه الذي تبارك من شخصه و خدمته القوية التي لا تدخر جهدا ليلا أو نهارا .
+ ما تفاصيل زيارة أبونا سمعان لمنزلكم قبل الحادث ب 15 يوما ؟
++ كان دعاني أبونا الشهيد للذهاب للعزبة لالقاء كلمة لشعبه قبل الحادث ب 15 يوم و كانت هذه هى المرة الثالثة، و يومها فوجئت باتصال قدس أبونا بي ربما 3 أو 4 مرات ليسألني كيف سأسافر لبني سويف كى أصل لعزبة جرجس لأجده يقول لى أنه في القاهرة لشراء فرش لهيكل الكنيسة و أنه سيمر على أصطحابي بسيارته للسفر معا، و قال لى أنه سيأتي لمنزلي و معه إبنه كيرلس، وكان افتقاد من قدسه لهذا المنزل لكى يتبارك منه قبل الاستشهاد، و كان ذلك كان يوافق يوم أربعاء و تناولنا غذاء سويا و أجده بروحه المحبة و المرحة يقول لى ” يعنى زوجتك أكلها حلو فى الصيامي أمال الفطاري إيه، أنا ليا أكلة فطاري”، وكان فى عجالة متلهف للرجوع للخدمة فى عزبة جرجس، فرغم مشقة السفر تجده لا يتوانى عن الخدمة فيومها صلى القداس باكرا و بعدها نزل للقاهرة لتدبير أمور للخدمة ليعاود مرة أخرى للعزبة بالفشن .
و فى الحقيقة سبق لى مرة أن أقيم عنده في المنزل الخاص بقدسه ، فبعد الخدمة في كنيسة عزبة جرجس كنت سامضي الليلة فى استراحة الكنيسة لكنه فى محبة شديدة اجده يصر على نزولي عنده فى المنزل و بالفعل تم استضافتي و وقتها خيل لى ان هذا الأمر شىء استثنائي و خاصة معي لكني اكتشفت أن هذا اسلوب حياة وأنه امر متبع مع الجميع ، فكان بيته مفتوح بمحبة للجميع و كانت فرصة أكثر كى أتعرف على أسرته و أبنائه الثلاثة .
+ ماذا دار بينكم من حديث خلال الطريق للسفر لعزبة جرجس ؟
++ كان مشغوف بالكتاب المقدس و ظللنا نتناقش فى أجزاء من الكتاب المقدس من باب التأمل أيضا فى أمور طقسية، و كان اشتياقه هو قراءة الكتاب المقدس بأكمله معي و خاصة العهد القديم ، ولا أنسى كم التليفونات التي تلقاها من قبل أبنائه فى القرية فكان لا يقل عن 13 مكالمة، فكل من لديه مشكلة يتحدث مع قدس أبونا وكان ينهي الموضوع و يحل المشكلة أيضا بالتليفون و هذا وإن دل فيدل على المحبة الكبيرة التي يتمتع بها و مكانة أبونا سمعان فى قلوب أبنائه إلى أن وصلنا العزبة و بعد إنتهاء الخدمة أمضيت الليلة فى استراحة الكنيسة و فى الصباح الباكر أجده يأتي لي فى الإستراحة و معه طعام و يعتذر لي عن التأخير بسبب تعب زوجته و الذهاب معها إلى الطبيب و هنا اتذكر ان قلت له “بتعتذر عن إيه ده قدسك بتعلمنا الواجب” فكان كاهن نشيط يعمل على تدبير شئون رعيته ممثلة فى شعب كنيسته بجانب رعاية شئون أسرته
.
+ فى رأيك ما الذى نتعلمه من خدمته فى حياتنا العملية ؟
++ نتعلم منه الاتضاع و البساطة فى تعاملنا مع الأشخاص و تكوين علاقات طيبة مع الكل، أيضا ما نستفيد منه فى حياتتنا هى روح المحبة التي شملت الكل الكبير و الصغير و بلا مقابل” المحبة التي لا تطلب ما لنفسها ” أيضا الخدمة من أجل المسيح و الشعور باحتياجات الآخرين مع انكار الذات و العمل فى الخفاء دون حب الظهور إلى جانب التحلي بفضيلة الاحتمال و الشكر لله فى كل حين .. فتلك هى الفضائل و النعم التى يمكننا ان نتعلم منها بعدما رأيناها فى شخص أبونا الشهيد كيف كان يعيش الوصية عاملا بتعاليم الكتاب المقدس بطريقة عملية و ليست امور نظرية كما يعتقدها البعض ليصبح بحق الإنجيل المعاش الذى يمكننا ان نسير على خطاه حتى يعيننا الله فى جهادنا إلى أن نصل كما أعانه .
+ كيف تلقيت خبر استشهاد ابونا سمعان ؟
++ بالطبع لدي أصدقاء ومعارف فى عزبة جرجس و لم أصدق ما حدث إلا بعد مشاهدتي للصور الأليمة للحادث عبر ” الفيس بوك ” و تأثرت كثيرا برحيله و استشهاده .
+ هل تواصلت مع أسرة أبونا الشهيد للمساندة و العزاء ؟
++ للأسف ظروفي الصحية منعتني من السفر و الحضور لتقديم العزاء للأسرة لكني منتظر أن تتيح لى الفرصة فى أقرب وقت و بعد أن تتلقى الأسرة عزائها فى الشهيد من قبل الكثيرين من محبيه كى استطيع الذهاب للتعزية لكونه أبي .
+ لم تتح لك الفرصة لحضور صلاة الجناز لكنك بالتأكيد تابعت الصلاة ، فماذا قرأت المشهد وكيف ترى رسالة نيافة الانبا رافائيل خلال كلمته ؟
++ بالطبع كنت حريص على متابعتي للصلاة على جثمان القمص الشهيد سمعان شحاتة عبر القنوات الفضائية المسيحية، و رأيت خلالها شعب يعبر عن حزنه لفقدان أبوهم بعد قتله متأثرا بجراحه نتيجة لطعنه حتى الموت و الحزن لتركه فى مكانه فترة دون الإسراء لنقله لمستشفى كمحاولة لاسعافه و ربما كان هذا سببا لما عبر عنه شعبه و وأبنائه و محبيه من حالة الهياج أثناء طقس الصلاة على جثمان أبيهم المحبوب .
اما عن كلمة نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل وجدتها تمثل كلمة الكنيسة باعتباره سكرتير المجمع المقدس، وكانت بحق كلمة حكيمة و متزنة لكونه بدأها بالله و تأكيده بانه لا شىء يفصلنا عن محبتك، ثم كلمة لقدس أبونا المتنيح و وأسرته وأحبائه بأنه لن تسمحوا لأحد ان يزعزع ايمانكم، ثم كلمة للكنيسة، واخيرا رسالته الموجهة للمسئولين، حينما تحدث عن العمليات الإرهابية التى تقام ضد الأقباط و لازالت مستمرة وأن الله قاض عادل و نحن نرفع قضيتنا إلى الله و لعلها جاءت الكلمة بترتيب منطقي و دقة و حكمة و أيضا نعمة إلى جانب الحرص على إحداث التوازن خلال الكلمة ما بين اننا نقبل ما حدث كمشيئة الهية و كبركة و فى ذات الوقت كمصريين نطالب بالحقوق و بالعدلة الناجزة و وأن الأمر بأكمله فى يد ربنا .
+ ربما كم التسامح لدينا و الصلاة من أجل من يسيئون إلينا و التعامل من منطلق أن الموت ربح، قد يعطي الفرصة لارتكاب جرائم أخرى فى حق الأقباط، فما تعليقك ؟
++ سنظل نحب كما أن الله يظل يحبني، وسنظل نغفر ونسامح و و ربما تظل عمليات الاستشهاد مستمرة باعتبارها كنيسة شهداء و لكن بالنسبة لنا فهي قوة إذا كان يراها أحد مظهر ضعف فليراه كما يراه و لكن هذه هى عقيدتي أن الموت هو ربح و ربما يظهر للبعض أن قتل شخص أمر سهل و لكن الأصعب هو ان يصبح الميت هو الأقوى و يهز ضمير الناس .
+ رسالة للجاني و لكل من يعتنق الفكر المتطرف و يؤمن بأنه يقدم خدمة لله ؟
++ الإنجيل يقول لنا ” يظن أن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله ” فهذا أمر متوقع وليس بجديد علينا، ولكن ما أود قوله لتلك القلوب المظلمة أنه عمر ما كان القتل و إراقة الدماء خدمة لله لانه ببساطة من أعطاني الحياة هو الله و وإن كان الله هو رب الحياة و اله الحياة فهو إذن من ينهى الحياة و من يرتكب مثل هذه الأفعال لا نعلم بماذا يفكر و من أي منطلق يتحرك .
+ ماذا تقول للشهيد قدس أبونا سمعان شحاته ؟
++ أقول له “مبروك عليك السماء… تستاهلها .. عشت حياة بسيطة متشبها بالمسيح، شاهدا له ورحلت شهيدا للمسيح متأثرا بنيران الموت و الألم لتصبح سيرتك العطرة بخورا تملىء المكان بأكمله .
أؤمن أن ما حدث هو اختيار من الله لشخصك ووأن السماء اختارتك و أعطت لك القرعة، لذا أقول ” صارت لك القرعة و نصيب فى هذا ”
اقول لك ان أحلامك أمنية” أنت لك أكلة عندي ” لم أستطع توصيلها لك ” لكن كل ما اخدم و أصلي أكثر هتأكل من الأكلة دي و تشبع منها ،متأكد إن الناس لما تحب بعضها انت هتشبع متأكد ان فى كل مرة هاعيش المسيح أنت هتشبع، متأكد أن كل ما أشجع ولادك أو أعزي حزين أنت هتشبع، فالأكلة اللي لك عندي هتفضل باستمرار و ستأخذها .. أقول لأبونا معرفتى القليلة بك فرحيتنى و وأنا أتشرف أن أكون من أولادك و أتشرف أتعلم منك و أعيش بسيرتك التي انتهت بالاستشهاد .