تحتفل القوات المسلحة المصرية، بذكرى تحقيق الانتصار، في حرب 6 اكتوبر على الاحتلال الإسرائيلى، حيث نجح أبطال القوات المسلحة، فى تدمير خط بارليف المنيع، وعبور قناة السويس.. فيما يلي رصد لأبرز ماجاء فى مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي..
كتب الفريق سعد الدين الشاذلى فى مذكراته عن حرب اكتوبر فيما يتعلق بالانقلاب العسكري الذي نفذه الرئيس السادات ضد مراكز القوى المسيطرة فى ذلك الوقت يقول الشاذلي: عدت إلى البحر الأحمر يوم 12 من مايو 71، ولكن الأحداث بدأت تتحرك بسرعة مذهلة. ففي يوم 13 من مايو أعلن عن استقالة الغالبية العظمى من أعضاء اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي، وكذلك عدد من الوزراء بما فيهم وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة، وتبع ذلك أيضا استقالة عددمن أعضاء اللجنة المركزية، وبدا الموقف وكأنه انهيار سياسي.
وفي 15 من مايو قام السادات بانقلاب عسكري ضد خصومه السياسيين واشترك في هذا الانقلاب كل من اللواء الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري، والفريق محمد صادق رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وكان الرجل الثالث من رجال الانقلاب هو ممدوح سالم وهو ضابط بوليس قضى معظم خدمته في المباحث العامة، وكان آخر منصب شغله قبل الاشتراك في انقلاب السادات هو محافظ الإسكندرية، حيث قام اللواء الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري وتحت قيادته لواء مدرع ولواء مشاة بالدور الرئيسي في الانقلاب، بينما لعب الفريق صـادق (ر.ا.ح.ق.م.م) دورالمؤيد للانقلاب، أما ممدوح سالم، فكانت مسئوليته تنحصر في السيطرة على المباحث السرية والبوليس، وتجميع المعلومات عن خصوم السادات السياسين. وقال الشاذلى فى مذكراته: مازال هناك الكثير من الأسرار حول انقلاب السادات في 15 من مايو 71: كيف تم ؟ لماذا وكيف سكت 14 قائدا عسكريا اشتركوا مع وزير الحربية في التصويت يوم 18 من أبريل 71 ضد مشروع الاتحاد الذي كان في الحـقيقة تصويتا ضد رئيس الجمهورية؟
وأضاف الشاذلى: لقد قام السـادات بالتخلص من الفريق صادق في أكتوبر72، وهو الآن في مصر لا يستطيع أن يغادرها ولا يستطيع أن يتكلم، أما الفريق الليثي ناصف فقد مات في حادث غامض في لندن يوم 30 من أغسطس 73، أما ممدوح سالم وهو الأقل خطرا لأنه لا يملك القوة العسكرية التي تشكل خطرا على النظام- فقد عين وزيرا للداخلية ثم بعد ذلك رئيسا للوزارة في أبريل 75، ثم لفظه السادات بعد أن حقق أهدافه منه، وكان ذلك في أوائل أكتوبر 78، وبذلك تم التخلص نهائيا من كل من عاونوه في انقلاب عام 1971.
وكتب الشاذلى فى مذاكراته حول نظام التبرع بالدم قبل الحرب وكيف تم تعديله: كانت مصارف الدم في القوات المسلحة تعتمد في الحصول على الدم على المتطوعين من الجنود والمدنيين لقاء اجـر معلوم مقابل كل زجاجة دم وكان من الطبيعي ألا يلجأ إلى ذلك إلا الجندي الفقير الذي يضطر إلى أن يبيع دمه لقاء ما يحصل عليه من اجر.
وأضاف:لقد شعرت بالخجل والـلاإنسانيةعندما علمت مصـادفة بهذا الوضع. وفي عام 73 بينما كنت أبحث موضوع تخزين احتياطي الدم قبل دخول المعركة أصدرت أوامري بإلغاء هذا النظام فوراً، وفرضت على كل ضابط وجندي دون الأربعين من العمر أن يتبرع بزجـاجتين من الدم مرة واحدة خلال فترة خدمته في القوات المسلحة إذا ما كانت حالته الصحية والطبيـة تسمح بذلك لقد كـانت حساباتي قبل إصدار هذا الأمر تثبت أن هذه الكمية ليسـت كافية لتـغطية احتيـاجاتنا الاعتيادية فقط، بل إنها تكفي أيضاً لخلق احتياطي من “الدم” يكفي ويزيد على كل ما قد نحتاجه خلال المعركة وحيث إن الدمالطازج يجب أن يحول إلى بلازما بعد مضى 30 يوما فقد كان مطلوباً منا أن نحصل على الدم يومياً وطبقاً لجدول زمني دقيق على مدار السنة، وهذا ما فعلناه فقد أصدرت “التوجيه رقم 39” وكان عنوانه هو “القوات المسلحة لا تبيع دماءها وإنما تضـحي به من اجل الوطن”، ومع أن التوجيه كان يفرض التبرع على كل من هودون أل 40 سنة، ومع أني كنت في الخـمسين من عمري فقد قررت- طبقـا لمبادئي التي تلزمني بان أشارك رجالي في كل شئ أن افتتح الحمـلة بأن تبرعت بزجـاجتين من دمي يوم 31 من مارس 1973، وقبل أن تبدأ عملياتنا في 6 من أكتوبر كان لدينا 20000 زجاجة من الدم كاحتياطي عمليات.
وحول خدعة قادة القوات المسلحة للعدو الإسرائيلى أثناء تعبئة القوات المصرية: تم تطبيق الخطة الجديدة للتعبئة على كل من ينقل إلى الاحتياط اعتبـارا من شهر يونيو 1972 ، وكان عددهم 30,000 (3)، ولكن للأسف لم نتمكن من تطبيق هذا النظام على تلك الدفـعة بنسـبة 100% نظرا لأننا لم نتمكن من إنشـاء مراكز التعبئـة المائة التي كنا نريد إنشاءها قبل الأول من يونيو 72، أما الدفعات التاليـة، فقد تم تطبيق النظام الجديد عليـها 100%.
وقال: “لتصـحيح وضع دفعة يونيو 72 قمنـا باستدعائها في الفترة ما بين 5-10 من أكتوبر 72، وتم تصحيح أوضاعها طبقا للنظام الجديد. كان أجمالي المسرحين من دفـعة يونيو 72 ودفعة ديسمبر 72 ودفعة يونيو 73 حوالي 100,000 رجل وأصبح في إمكاننا استدعاء هذا العدد الضخم و إشراكه في القتال في فترة تتراوح بين 24 و 48 ساعة فقط لقد نجحت الخطة الجديدة للتعبئة نجاحاً عظيمًا، لقد كنت أتصور أنه قد تلزمنا 48 ساعه لاستكمال التعبئه ولكن التجارب المتكررة التي أجريتها خلال عام 73 لاختبار الخطة أثبتت أن نسبة كبيرة من الأفراد تتراوح بين 70 و 80 % تصل فى اليوم الأول.”
وأضاف: كان أفراد الاحتياط يشعرون بالسعادة لذهابهم إلى وحداتهم القديمة وكان ضباط وجنود وحداتهم يقابلونهم بالموسيقى والعناق وفيما بين ينايروسبتمبر 73 قمت بتنفيذ 33 عملية استدعاء بعضها كان لبضعة أيام وأطولها كان لمدة أسبوعين. كانت العملية تتم في يسر وسهولة فإذا أعلنا أن الإستدعاء لمدة أسبوع واحد التزمنا بما وعدنا به وهكذا تولدت الثقة بين الجميع وأصبحت فترات الاستدعاء هذه فرصة طيبة لتدريب جهاز التعبئة وإعادة تدريب وصقل جنود الاحتياط والأهم من ذلك كله تعود العدو على عمليات التعبئة لأغراض التدريب دون أن يشعر بالقلق وفي يوم 27 من سبتمبر بدأنا عملية التعبئة الحقيقية بطلب استدعاء 70000 رجل وفى يوم 30 من سبتمبر طلبنااستدعاء 50000 رجل آخر ولكي نخدع العناصر العميلة التي تراقب أعمالنا قمنا بتسريح 20000 رجل يوم 4 من أكتوبر من الدفعة الأولى التى استدعيناها يوم 27 سبتمبر وهكذا سارت الأمور فى يسر وسهوله وابتلع العدو الطعم الذى كنا نقوم بإعداده منذ مدة طويلة وفوجئ بالحرب يوم 6 من أكتوبر دون أن يشعربتعبئة 100000 رجل . والآن يجب أن نتساءل: لو لم يكن لدينا هذا الأسلوب المحكم فى التعبئة هل كان من الممكن أن نستدعى هذا العدد الضخم من الأفراد دون أن يشعر العدو وبالتالي تضيع منا المفاجأه التى لعبت دوراً مهمًا في تحقيق نجاح عبور قناة السويس ويلخص الفريق الشاذلى عيوب خطة التعبئة العامة المصرية فى خمس نقاط رئيسية وهي:
1- كان تسجيل البيانات سيئا للغاية، وكان نتيجة ذلك التسجيل السيئ أنه عندما يستدعى أحد جنود الاحتياط فإنه كثيرا ما طلب إليه العمل في وظيفة لم يؤهل لها وأن يستخدم سلاحا لم يسبق له أن تدرب عليه.
2- كانت تذاكر التسجيل وحفظها وبالتالي استدعاء جندي الاحتياط يتم على أساس مكان ميلاد الشخص ولا يحدد طبقا لمكان سكن الفرد بعد تسريحه من الخدمة، وبالتالي فلم يكن من السهل العثور على الفرد والاتصال به لاستدعائه.
3- لم تستخدم الأجهزة الحديثة مثل العقل الإلكتروني (الكمبيوتر Computer)، بل كانت التعبئة تتم بواسطة الأعمال اليدوية وهو عمل شاق ويحتاج إلى وقت طويل، ونتيجة لذلك- وتحت ضغط عامل الوقت- كـان يتم الاستدعاء بأعداد اقل مما هو مطلوب بالنسبة لبعض التخصصات وبأعداد اكثر مما هو مطلوب بالنسبة لتخصصات أخرى.
4- كانت خطة التعبئة المصرية- نظرا لعدم حبك أطرافها- تعتمد على المركزية الشديدة فقد كان على كل جندي احتياطي أن يصل إلى مركز التعبئة في القاهرة حيث تصرف له البندقية كسـلاح شخصي وتصرف له مهماته العسكرية ثم يرحل بعد ذلك إلى مراكز تدريب الأسلحة المختلفة (مشاة مدرعات مدفعية ..) وبعد قضاء فترة تدريب مركزة في مراكز التدريب هذه يتم ترحيله إلى الوحدة التي سيخدم فيها، وهكذا يجد الفرد نفسه في وحدة لا يعرف فيها أحدا ولا يربطه بها أي نوع من الحب او الذكريات انه غريب بين مجموعة من الغرباء.
5- كان الضباط العاملون الذين يشكلون كوادر هذه الوحدات الاحتياطية ينتخبون من أضعف المستويات وكانت الغالبية العظمى منهم من الضباط المشاغبين أو ذوي المستوى الضعيف في التدريب أو الانضباط العسكري ممن رفضتهم وحداتهم رغبة في التخلص منهم، وهكذا فإن هؤلاء الضباط يذهبون إلى تلك الوحدات الاحتياطية بقلوب كسيرة وبمعنويات منخفضة فيضيفون مشكلات جديدة لهذه الوحدات بدلا من العمل على حل مشكلاتها
وكتب الشاذلي في مذكراته حول إغراق المدمرة إيلات وموقف القوات البحرية بعد النكسة يقول: لم تتحمل قواتنا البحرية خسائر تذكر خلال حرب يوليو 67 وبعد أقل من أربعة أشهر من وقف إطلاق النار خلال تلك الحرب قامت قواتنا البحرية بتـوجيه ضربة قوية إلى القوات البحرية الإسرائيلية وذلك بإغراقها المدمرة إيلات، لقد كانت إيلات تقوم بأعمال الدورية على السواحل الشمالية لسيناء المواجهة لبور سعيد. وكـانت خلال مهمتها تقترب أحيانا حتى مسافـة 5 و 6 أميال من بور سعيد، وقد صدرت الأوامر إلى سرب بحري زوارق الصواريخ بإغراق هذه السفينة إذا تجاوزت حدود 12 ميلا. وفي يوم 21 من أكتوبر 67 قامت السفينة باختراقها المعهود، فظل سرب الصواريخ صامتا إلى أن أصبحت على مسافة 9 أميال فأطلق عليها مقذوفين سطح سطح SSM فأغرقها، ويعتبر هذا التاريخ ذا أهمية كبيرة في تطور الحروب البحرية بصفة عامة وفي تاريخ بحريتنا بصفة خاصة، فعلى الرغم من أن القوارب كومار والقذيفتين اللتين استخـدمتا في إغراق يلات كـانت جميعها سوفيتية الصنع إلا ان المصريين كانوا أول من يستخدم هذه الصواريخ في الحروب البحرية في تاريخ العالم , لقد احدث إغراق ايلات, وهي قطعة بحرية كبيرة بواسطة قارب صغير- تغييرا كبيرا في تصور المفكرين بالنسبـة للحروب البحرية القادمة، وقد كان التأثير كبيرا في إسرائيل نفسها” فمنذ هذا التاريخ أخـذت إسرائيل تبنى قواتها على أساس أن القوارب الصغـيرة السريعة والمسلحـة بالصواريخ سطح سطح هي أساس القوة الضاربة البحـرية الإسرائيلية .
وفيما يتعلق بتدمير طائرة الاستطلاع الإسرائيلية شرق القناة يروى الشاذلى: ان إسرائيل لم تحترم قط أي قرار لوقف إطلاق النار فيما يتعلق باستخدام قواتها الجوية، انهم كانوا يودون ان يذكرونا دائما بتفوقهم الجوي فكانوا يتعمدون دائما ان يخترقوا مجالنا الجوي، كانوا ينتخبون قطاعات اختراقهم بعناية فائقة بحيث يتفادون دائما الدخول ضمن مرمى نيران صواريخنا المضاد للطائرات وبالتالي فقد كانوا دائما يدخلون ويخرجون دون ان ينالوا أي عقاب، وقد ضقت ذرعا بهذه اللعبة وقررت ان ألقنهم درسأ في ذلك.
وأضاف: قد كانت مواقع صواريخنا ارض جو تبعد حوالي 15-20 كم غرب القناة لكي تكون خارج مرمى مدفعية ميدان العدو، وقد كان ذلك يحد من مدى قدرتنا على إسقاط الطائرات التي تطير شرق القناة وكان العدو يقوم بعملية استطلاع إلكتروني بصفة دورية بواسطة طائرة ستراتو كروزر محملة بأجهزة إلكترونية بالغة الدقة والحساسية. كانت هذه الطائرة ترصد وتحـدد جميع مواقع صواريخنا وراداراتنا وأجهزتنا الإلكترونية وهي تطير على ارتفاع متوسط في خط مواز للقناة وشرقها بحوالي 3 كم وكانت بذلك تضمن ان تكون خارج مدى صواريخنا.
واشار الفريق الشاذلي في مذكراته الى اتفاق سري بينه وبين اللواء محمد علي فهمي قائد الدفاع الجوي قررنا أن ننصب كمينا لهذه الطائرة وذلك بأن ننقل ليلا إحدى كتائب الصواريخ إلى موقع متقدم يقع غرب القناة بحوالي 5 كم. ثم يقتنص الطائرة الإسرائيلية عند مرورها المعتاد، تم تجهيز الكمين واتصل بي اللواء محمد علي فهمي يوم 16 من سبتمبر ليؤكد استعداده لتنفيذ المهمة ويطلب التصديق النهائيعلى تنفيذ المهمة فصدقت عليها.
وقال: في تمام الساعة 1511 يوم 17 من سبتمبر 71 كانت طائرة الاستطلاع الإلكتروني، ذلك الهدف الثمين، قد أصبحت أشلاء صغيرة متناثرة جنوب البحيرات (4) انسحب الكمين بسرعة بعد إسقاط الطائرة المعادية وأخذت أعد العدة لمقابلة الانتقام المنتظر من العدو فرفعت درجات الاستعداد في القوات الجوية والدفاع الجوي وبعض عناصر القوات الأرضية والبحريه. كان رد فعل العدو سريعا وفوريا، فقد جاء في اليوم التالي مباشرة أي في يوم 18 من سبتمبر، ولكن كان واضحا ان رد العدو يتميز بالعصبية وسوء التقدير , وأضاف:لقد قامت طائراته بإطلاق قذائفها جو أرض SAM طراز شرايك من مسافة 10 كم شرق القناة على مواقع راداراتنا التي كانت على بعد حوالي 20 كم غرب القناة فلم تتمكن أية قذيفة من الوصول إلى هدفها. لقد كان واضحا ان الطيارون كانوا يخشون الاقتراب من القناة إلى مسافة تقل عن 10 كم خوفا من وجود كمين أخر، فكان ذلك في حد ذاته يعتبر نصرا لنا، كما ان استخدامه للقذائف Shrike كانت فرصة جيدة لتدريب قواتنا، كنا نعلم ان العدو لديه هذه القذائف وكانت لدينا خطط لمقاومتها، وكنا ننتظر الفرصة لتجربة هذا الأسلوب في مقاومة القذائف “شرايك” فأعطانا العدو هذه الفرصة مما أكد لنا نجاح الأسلوب الذي كنا قد أعددناه لذلك.