أستاذ علم النفس لـ”وطني”:
-الإعلام يضخم القضايا الفردية ويجعل منها ظواهر
-الشباب يميلون لمناقشة قضايا الانحرافات الدينية والأخلاقية والنميمة عبر السوشيال ميديا
-الضحية سبب رئيسي في وقوع الجريمة
-الشخصية السادية تجد نفسها مع المازوخية
-السادي يكره نفسه ويعلم أنه مشوه أمام الآخرين
-التعامل مع السادي العنيف يختلف عن السادي الجبان
-الشاب السادي يشعر بضعفه أمام الفتاة السوية
-المنتحر لا يريد قتل نفسه بل خباياه النفسية
“جرائم بشعة، أصبحنا نواجهها ليل نهار، يناقشها رواد السوشيال ميديا، وتتبعها برامج التوك شو حتى أصبح تناولها من أساسيات يومنا.. اهتمام كبير بالجريمة خاصة الشاذة منها، قلق غير عادي أصبح يحيطنا، تشوه في صورة الذات المصرية بشكل عام” .
كل هذه النقاط دفعتنا للبحث حول الشخصية التي تقوم بالجريمة التي تتسم بالعنف دون أي شعور بالذنب (السادية)؛ وذلك بعد تناول الإعلام في الفترات الأخيرة للجرائم التي يغلب عليها الطابع السادي، وبالأحرى الجرائم التي لا هدف منها سوى إرضاء الذات.
تحاول “وطني” كشف خبايا الشخصية السادية، موضحة معناها؟ ومن الشخص الذي تنطبق عليه هذه الصفة؟ وكيف يستطيع الإنسان مواجهة الشخص السادي سواء في العمل أو الدراسة أو في العلاقات الشخصية؟ وما العلاج لهذه الشخصية؟ الانتحار وعلاقته بالسادية؟.
ويجيب الأستاذ الدكتور فتحي الشرقاوي، أستاذ علم النفس، ونائب رئيس جامعة عين شمس لشؤون التعليم والطلاب، على هذه الأسئلة في حوار خاص مع “وطني” .
س/انتشار الجرائم بكثرة يعني وجود أمراض مجتمعية في البيئة المصرية؟
ج/علينا أن نصنف الأمراض قبل أن نتحدث عنها، هناك أمراض اجتماعية وأخرى نفسية.
وهناك مغالطة كبيرة يقع فيها الإعلام المصري، وهي وصف أي شيء بالظاهرة الاجتماعية دون عرض الأرقام والإحصائيات، فإذا ارتكب 30 شخصية جريمة زنا المحارم اعتبروها ظاهرة وسط شعب تجاوز عدده الـ90 مليون، فنوصمه جميعه بأنه يعاني الظاهرة.
فعلى سبيل المثال، ظاهرة التحرش أين الأرقام والإحصائيات؟ فالظاهرة هي “ما تتسم بالانتشار”.
الصورة الذهنية عن البلد أصبحت سيئة جدًا؛ لأن بعض الإعلاميين يعمل دون أرقام واضحة.
نعم هناك تحرش، وسوء استخدام للسلطة، وعدوان، وفساد أخلاقيات وانفلات في الزي (الملابس)، ولكن هناك تضخيم إعلامي جعل من ذلك ظاهرة ووصف كل شباب مصر أنهم متحرشون والبنات منحلات.
س/ما تتناوله السوشيال ميديا يعرُض جزء كبير مما يحدث في المجتمع المصري، هناك اهتمام وانجراف كبير مناقشة الجرائم؟
ج/أجريت الكثير من الدراسات في هذا الجانب، ففي مواقع التواصل الاجتماعي الشباب يقولون ما يريدون؛ لذا لا نعتبرها وسيلة أكيدة للمعلومة.
بالفعل الشباب يميلون لمناقشة الانحرافات الأخلاقية والدينية والموضوعات التي تغلب عليها روح النميمة، وحين نبحث عن الوقائع نجدها فردية.
على سبيل المثال، مناقشة قضية رقص دكتورة جامعية، جعلت منه السوشيال ميديا نعتًا لجميع الأساتذة الجامعيين.
السبب الرئيسي وراء تناول الموضوعات بهذه الطريقة هو أننا نخشى بأن نقول آرائنا بشكل واضح، لذا نتحدث عبر الفيس بوك، وهو وسيلة خطيرة جدًا.
جعلت من صفحتي على الفيس بوك جريدة إلكترونية موازية لنشر الإيجابيات، فالإعلام الآن لا يتناول سوى السلبيات وهذا أمر ضدد الطبيعة، مثلما توجد سلبيات يوجد إيجابيات.
س/ما هي السادية؟ وهل هي مرض نفسي أم اجتماعي؟
ج/السادية نوع من الاضطراب النفسي، وهي التلذذ بتعذيب الآخرين، وهي نوع من العنف، الإنسان يشعر بالراحة عند تفرغيه في الآخرين، فمن الممكن أن نرى طفل يعذب حيوان وهو سعيد فرحان.
وهناك السادي المعنوي، وهي أني يحب الإنسان ويقوم بتعذيب حبيبه، ويقوم بعمل المؤامرات والدسائس حوله.
أوقات كثيرة تقع هذه الشخصية مع أخرى تحب الألم، فهناك شخصيات تحب الإهانة وتسمى في علم النفس بـ”المازوخية”، فحيثما نجد السادي نرى المازوخي رفيقًا ومحبًا له.
وعن السادية في المجتمع المصري، فهي تأتي عندما يفشل الإنسان في تفريغ شحنة مسببة للإحباط، فيقوم بتفريغها في شيء آخر.
على سبيل المثال، الرئيس في العمل يضغط، فيقوم الشخص بتفريغ الشحنة في زوجته، وتفرغ الزوجة الشحنة في الأطفال، والطفل يفرغها في الحيوان وهذا يسمى نقل وإزاحة العدوان على الغير؛ تفريغ الشحنات أشبه بسياسة “كبش الفدا”.
س/كيف أتعرف على الشخصية السادية؟ وكيف أتعامل معها؟
ج/ الشخص السادي يكره نفسه، فهو يعلم أن صورته تتشوه أمام الآخرين، وكلما تشوهت صورته أكثر زاد في تصرفاته السادية أكثر، لأنه مريض وبحاجة للعلاج النفسي.
يتم التعامل مع الشخص السادي من منطلق “يا فرعون إيه فرعنك، قال ملقتش حد يردني”، “السادي لازم يخاف”.
في حالات التحرش مثلًا، البنت لازم تأخذ موقف تجاه المتحرش، عليها أن تظهر سلاح الندية، لأنها كلما كانت سلبية كلما زاد في تحرشه وساديته.
س/كيف نواجه السادية التي نتعرض لها في “المنزل – العمل – الدراسة”؟
ج/ هناك سادي عنيف وآخر جبان، فالعنيف كلما واجهته رد بعنف أكثر، وذلك يتم التعامل معه بمبدأ “ابعد عن الشر وغني له”، لأن البعد عنه غنيمة، فهو يتلذذ ويستمتع بإيذاء الآخرين.
أما السادي الجبان، فهو يستخدم الندية كنوع من اختبار الواقع، وهذا يحتاج التعامل معه إلى إشهار سلاح الندية، واستخدام مبدأ “كسر سمه أول بأول” فهو شخص سلبي وجبان من الداخل.
فمشهد التحرش داخل الأتوبيس، يلعب المتحرش على خوف الضحية من الفضيحة، فلو أشهرت أمامه سلاح التحدي سيتراجع فورًا.
س/تعرضت فتاة للتحرش تحت تهديد السلاح في مكتب صاحب العمل منذ فترة قريبة.. كيف يستطيع المُقبل على عمل جديد اكتشاف سادية رئيسه في مرحلة مبكرة؟
نحن في مصر نعاني عدم تدريس كيفية التعامل مع الأنماط الإنسانية المختلفة؛ فلو تلقينا تدريبًا جيدًا على التعامل معهم سوف تنتهي الكثير من هذه الصفات.
فعندما أعلم كيف أتعامل مع مديري في العمل ومداخل شخصيته، سوف أخفف وطأة كبيرة من التصادم؛ وسلوك الضحية يفسر جزء كبير من سلوك الجاني، فالضحية الخانعة مع السادي تزيد من عدوانه وعنفوانه.
س/كيف يتم مواجهة الابتزاز الناتج عن السادية في العلاقة الخاصة بشريك الحياة؟
ج/أجريت كثير من الدراسات حول هذه القضية، وفوجئت أن الشاب بمجرد قراءته للفاتحة يتعامل وكأنه زوجها ويتحكم في كل شئون حياتها، وهي تتقبل ولا تقل سوى حاضر ونعم، على البنت هنا أن توقف الشاب عند حده وإلا سيتمادى ويتصاعد الأمر عند الزواج حد الضرب والإهانة.
هنا شخصية البنت مريضة أيضًا بمرض اسمه “المازوخية”؛ أي أنها ليس لديها أي تقدير لذاتها وتستمتع بالإهانة والذل؛ يتواجد المسيطر، حيث يوجد الخانع، الخاضع، السلبي؛ هذه قضية تاريخية وأصبحت مزمنة.
س/الأبناء الذين تعرضوا للعدوان الأبوي.. كيف يتم علاجهم نفسيًا قبل؟
ج/الأب العدواني نشأ على العدوان أيضًا، وهذا سلسال.. عليهم أن يتلقوا دورات تدريبية توضح كيفية التعامل مع شريك الحياة.. وكيف نتعامل مع الطفل.. نحن بكل أسف نتعاطى الأمومة والأبوية دون دراسة.
وتوضح بعض الدراسات أن الأم لا تهيء ابنتها، وكذلك الأب لا يهيء ابنه قبل الزواج، فيدخل الولد والبنت دون وعي وإدراك لكيفية تعاملهما مع بعضهما البعض، ومع الحياة ومع الأطفال، ذلك لا يحدث في مجتمعنا رغم نداءنا المتكرر كمتخصصين لابد من كسر الدائرة، فلا زال المجتمع ينظر إلى الذي يطلب الإرشاد النفسي على أنه مجنون.
س/ هل الشخص السادي اجتماعيًا، سادي جنسيًا؟
ج/السادية الجنسية تأتي نتيجة اضطراب داخلي في الشخصية، وهنا يكون المريض بحاجة لتدخل الأطباء.
فالسادية الجنسية عند الرجل لها مظاهر كثيرة تبدأ بقتل الضحية وممارسة الجنس معها بعد القتل.؛ وهناك نباشين القبور الذين يخرجون الجثث من قبورها ويضاجعونها.
ومضاجعة الحيوانات أيضًا، هناك أشكال أكثر من ذلك بكثير لها تفسير علمي آخر يختلف عن السادية الاجتماعية.
س/ الانتحار له علاقة بالسادية؟
ج/ المنتحرون عبارة عن مرضى نفسيين لديهم نوع من الاكتئاب “اكتئاب ذهامي” وصل بهم إلى مرحلة اتخاذ قرار الموت؛ لأنهم لا يرون بقعة نور في العالم الخارجي.
المنتحر عندما يتخذ قراره لا يريد قتل نفسه، بل أنه يريد قتل الآخرين الذين خيبوا أمله: “أنا بحب إنسان… بدخله جوايا ولو ضايقني بضربه جوايا وبموته جوايا”، فينتهي الأمر به إلى أنه يقتل نفسه.
من الممكن أن يتعرض شخصين لنفس الضغوط أحدهم ينتحر والآخر لا؛ فالمنتحر يعاني صراعات نفسية ودينامية داخلية وإحباطات خارجية.
س/هل هناك تساوي بين الشعب المصري والشعوب الأخرى، من حيث العوامل البيئية التي تُنتج الشخصية السادية؟
ج/في مصر أساليب الترهيب أكثر من الترغيب، نرى في مصر أن الطفل كلما خاف من أبويه في صغره شب صالحًا وجيدًا، فحين يكبر يخاف من أبويه ومن كل رموز السلطة في مجملها، وهذا سبب السلبية والخنوع الذي نعانيه في المجتمع.
هناك فئة الآباء الديمقراطيين، الذين يتمتعون بالصحة النفسية يربون أبنائهم على الشجاعة والمواجهة والقوة، وهؤلاء غالبًا لا ينالون إعجاب المرضى الآخرين.
ففي الزواج مثلا، الولد يخاف من البنت التي تتمتع بذات، لأن وجهة نظره :”مش عايز واحدة تقول أنا أعتقد وأنا أظن”.
س/ هل ترى أن التناول الإعلامي لبعض القضايا، سبّب نوعًا من الاكتئاب في المجتمع المصري؟
ج/سبب الدمار الذي تعيشه مصر هو الانفلات الإعلامي، خاصة الدراما التليفزيونية، وما تتناوله من قضايا تبعث على الإحباط، فالميديا لها تأثيرها الكبير، وحين تعرض كل القضايا سلبية تظهر مصر وكأنها خالية من أي إيجابيات، كل هذه أمور تبعث على الإحباط.
آن الأوان، أن تُقلص الكروش والعروش من أجل مصلحة المشاهد، فلابد أن تقف حُجة “المُشاهد عايز كده، لأنه مش عايز كده وده بالدراسات والأبحاث”، البضاعة الثمينة تفرض نفسها.
هناك ميثاق أخلاقي لابُد أن يُطبق، لأننا لو ارتقينا بالذوق العام سنرتقي بالسلوك العام، ومن هنا يتم تعديل المجتمع.
س/كيف تفرض الطاقة الإيجابية وجودها وتحارب الإحباط المجتمعي السائد بين الشباب؟
ج/على المؤسسات “الدينية، الثقافية، الإعلامية، التربوية، والأكاديمية”؛ أي المعنية برسم أيدلوجيات وخطوات المجتمع أن تطور نفسها وتفرض وجودها.
نحن بحاجة لتطوير وتحديث الخطاب “الثقافي، الأدبي، الفني، الديني، التربوي، والأكاديمي”، حتى نصل إلى الشباب ونبرز لهم الإيجابيات بشكلها الصحيح.
الجيل الآن بحاجة إلى أن تكون أمامه رؤية تكاملية للإصلاح، لأن ما يبدو أننا نعيش في جزر منعزلة، وكل مسئول يتحدث على انفراد.