عمو فرحان ضحكة متنقلة في كل مكان، تجده منتشر بين الأطفال، محتضن المرضى، وبسمة أمل بين المجروحين، يقطع المسافات ليبيع الفرحة للجميع، أختار الوان كثيرة لتدل على شخصيته فالاحمر دليل على الحب، الأبيض دليل على القلب الصافي والنقاء، قرر أن يكون وجهه كقرص الشمس ليبعث الأمل لكل من يراه، أقتربت وطني نت من “عمو فرحان” لتتعرف على ما وراء أبتسامته، ويفتح قلبه ويحكي أسرار زمان فإلى نص الحوار:
بداية عرفنا على عمو فرحان في البطاقة؟
أسمي الحقيقي صموئيل مزيد مرقس، متزوج ولدي طفلين يوسف ١١سنة ومريم ٥سنوات، لم أكمل تعليمي الجامعي وخرجت من ثانية تجارة لظروف العمل، اشتغلت فترة مندوب مبيعات، ومن المعلومات التي أحب أن أعرف بها نفسي أن خال والدتي القديس أبونا يسى ميخائيل
كيف بدأ عمو فرحان مشواره؟
بدأت منذ ١٩٨٨/٤/٦ فمنذ ٢٨سنة وأنا أعمل بلياتشو، وفي هذة الفترة كانوا من يعملون بمهنة البلياتشو قليلين جدا
فكان هناك “مجدي نصيف” استاذي والذي تدربت على يديه، ثم اتقنت أنا المهنة ومن بعدي الان ظهر بلياتشو أخر وهو مدحت صبري المشهور بكومبش.
عندما كنت مساعد معروف بأسم “كركور” للمهرج بحبح “أستاذ مجدي نصيف”، وتعرفت أثناء عملي معه على راهبة من الكاثوليك أسمها “السير هدى”، وطلبت مني أن أسافر معها للخدمة في بعض القرى وبدأت بسفري لسوهاج، وبعد ذلك بدأت معها في خدمة الأحتياجات الخاصة، وبعد فترة التحقت بالجيش وكنت في الأجازات أسافر معها لاقامة حفلات في درونكة.
ثم انتشرت داخل حفلات الكنائس الأرثوذكسية، ومن بعدها الكرنفالات و أول كرنفال اشتركت بيه كان كرنفال باسم “أصلي أصلي” تحت رعاية الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة.
متى فكرت أن تتفرغ تماما لخدمة البلياتشو؟
في سنه ١٩٩٥ بدأت أسمع صوت الله بوضوح وجاء أب أعترافي قال لي”خادم الأنجيل يأكل من الأنجيل” فيمكنك أن تأخذ من خدمتك مصدر للشغل، وخاصة لان الخدمة كانت تضغط على عملي، وجائتني هذة الرسالة عدة مرات من أشخاص مختلفين، فقررت أن اتفرغ لخدمتي وتكون مصدر عملي، فذهبت إلى السيرك القومي للتعرف على الأسعار لأحدد أجري في كل حفلة، وقررت أن أقلل أجري عن السعر المعروف، وفي السيرك القومي عرضوا علي أن أعمل معهم ولكني رفضت لأنني قررت في ذلك الوقت أن أكون “خادم بلياتشو” في الكنائس فقط.
هل تتذكر أول أجر أخذته في مشوارك العملي؟
كان في عام ١٩٩٦و كان ١٥٠جنيه، وكنت فرحان جدآ به وبعد ذلك بدأت أزود أجري بحسب زيادة الخامات واستقرت فترة طويلة جدا على ٣٠٠جنيه، ولكن في السنوات الأخيرة نظرآ للغلاء وارتفاع أسعار جميع الخامات استقرت سعر الحفلة الأن على ٦٠٠جنيه.
متى بدأت تقيم حفلات خارج إطار الكنيسة؟
أول دعوة جائتني في عام ٢٠٠٢ كانت حفلة في مدرسة بمصر القديمة، وكانت حفلة مخيفة لي لان لغتي كانت كلها لحفلات الكنيسة، فقررت أن أبحث عن شخص يعلمني كيف أتعامل مع الآطفال بمختلف ديانتهم وكانت زوجتي تلك الشخص التي جلست أمامها كالتلميذ تعلمني اتيكيت للاطفال وتنمية مهارات ومعلومات عامة مفيدة لجميع المراحل العمرية، وكانت هي صاحبة الفضل عليا في إنجاح تلك الحفلة وغيرها من المواقف في حياتي، فالله اعطاني زوجة أمينة علي وعلى بيتي وأولادي.
كما أن الفترة التي خدمت بها في الكنيسة الكاثوليكية أثرت في شخصيتي جدا وفجرت بداخلي مواهب وأفكار كثيرة، وأعطاني الله نعمة في عيون الأخرين، ونجحت أول حفلة وبدأت أتعرف خارج إطار الكنيسة.
ما هي أكثر المواقف التي أثرت فيك ببداية مشوارك؟
هناك تاريخ فارق في حياتي وهو يوم ٢٣/٥/٢٠١٠ فمع بداية شهر ٤جائتني دعوة من بعض أطباء مستشفى القصر العيني لعمل حفلة بمستشفى ٥٧٣٥٧، ولم أكن أسمع عن هذه المستشفى من قبل وعندما كلموني عنها تخوفت جدا في بداية الأمر، ولكن بعدما تفهمت طبيعة المرض لم أتردد.
في صباح ذلك اليوم توفى والدي ونسيت تماما الميعاد، وذهبت لدفن والدي ونحن في المدافن اتصلوا بي لأنني تأخرت فقولت لهم أنا جاي في الطريق، وبعدما انتهيت من مراسم الدفن وأخذ العزاء بالمدافن، ذهبت إلى المستشفى وأنا قلبي مكسور ولكن أحاول رسم الأبتسامة على وجهي، وعندما رأني أحد الأطباء وعرف بوفاة والدي، رفض في بداية الأمر أن أقيم الحفلة ولكني رفضت وتمسكت بشدة بإقامة الحفلة وأنني يجب أن أفرح الاطفال وقلت لهم”أبويا أدفن من نصف ساعة، لكن هناك أبتسامة طفل هتتولد بعد نصف ساعة”، وبالفعل لبست لبس عمو فرحان ورسمت وجهي وطلعت على المسرح وأنا أحاول رسم الأبتسامة على وجهي، ونجحت الحفلة جدا وفرح الجميع.
“دكتور سمايلي” حدثنا عن هذا اللقب ؟
منذ ٢٠١٠وأنا أقيم حفلات متقطعة بمستشفى٥٧٣٥، وارتبطت جدا بالأطفال، ومنذ سنتين تم حصولي على لقب “دكتور سمايلي” لقدرتي على رسم بسمة على وجوه الأطفال وهم في شدة الألم، وأعلن دكتور شريف أبو النجا تعيني رسميا في المستشفى منذ ١/١/٢٠١٧ بأنني معالج نفسي بالمستشفى.
“عمو فرحان” لماذا أخترت هذا الأسم بالأخص؟
في بداية حياتي كان أسمي “كركور..أبو قلب مسرور” عندما كنت تلميذ لبحبح “أستاذ مجدي”، ولكن عندما بدأت خدمتي مع الكاثوليك فجلست مع أم راهبة وطلبت مني أن نفتح الكتاب المقدس فوجدنا أية “فرح الرب هو قوتك”، وقالت لي منذ هذا اليوم سيكون أسمك رسول للفرح، ويصبح أسمك عمو فرحان.
بعد سنوات عديدة تقابلت في أحدى الحفلات مع المتنيح البابا شنودة ثالت و عندما رأني ابتسم لي وسألني عن أسمي فقولت له “فرحان”، فقال لي “أنت هتكون فراجية فرح للأبد”، وكانت سبب فرح ليا عظيم أن يكون مديري هو ألهي، وشعرت بأنها رسالة سماوية لي أن أكون رسالة فرح في كل مكان وزمان.
كيف تتعامل أسرتك مع طبيعة عملك؟
أسرتي فخورة جدا بي، وعمو فرحان بيفتحلهم الأبواب المغلقة، فأبني يوسف يفتخر بي في كل مكان وأحيانا يساعدني في الحفلات، وبنتي تحب أن تراني دائما بلبس عمو فرحان ، وأنا أيضا لم أخجل يوما من مهنتي أو أني “بلياتشو” لأنني أتعامل مع للمهرج بقيمة وأن يكون صاحب رسالة يقدمها في أي مكان يذهب اليه.
ما الذي يميز عمو فرحان عن أي مهرج أخر؟
أعتقد أني أول من يقوم بعمل شو بالبالونات ففي أقل من ٨ثواني يمكنني أن أعمل شكل بالبالونة، كما أن الجميع يرى في قلب أب للجميع، وأحاول في كل مكان أن أكون قابل للجميع وحاضن للجميع، كما أنني أول بلياتشو يحضر حفلات زفاف وأكاليل في مصر.
كم تستغرق من الوقت لتظهر بشكل عمو فرحان؟
في بداية الأمر كنت أحتاج ساعة كاملة للتجهيز، ولكن الأن ١٢دقيقة فقط، وأنا من الون نفسي فعلى مدار ال٢٨عام لم يساعدني شخص، بل أنا الون وشوش الاخرين، وجميع الخامات التي استخدمها الوان فائقة الجودة، كما أن البدل كانت بتجيلي من سوريا هدية من السير “هدى”، ولكن بعدما سافرت إلى المانيا فأبحث الأن عن ترزي يستطيع أن يفصل لي البدلة كما أريدها، لان بدلتي بها الوان كثيرة وكلها متداخلة في بعضها.
لماذا يختار عمو فرحان هذة الالوان في شكله؟
لكل شخص لون معين يحبه فهناك من يحب الاصفر وهناك من يحب الأحمر وهكذا، فكل شخص يرى نفسه في لون معين فأنا مراية للجميع، وآحب أن يرى كل شخص فيا اللون الذي يحبه.
ما هي رسالة عمو فرحان الذي يرسلها لكل من يقابله؟
رسالتي رسالة فرح فأنا أريد أن أعرف كل شخص أنه مقبول، وأقول دائما لكل من اقابله “من حقك أن تفرح فالفرح لغة الوحيدة التي تكسر أي حزن بداخلك”.
هل تعرض عمو فرحان لمواقف محرجة أثناء خدمته؟
هناك موقف واحد بايخ جدا جائني تليفون من شخص بالإسكندرية وطلبني في حفلة هناك، وطلب مني خامات معينة للحفلة، وكان سيأخذني من الكيلو ٢١ وعندما وصلت إلى هناك وأتصلت به قال لي أنا في الطريق وظل هكذا لعدة ساعات، وبعد ٤ساعات كلمني وقال لي “تعيش وتأخد غيرها عشان متسمعش كلام الأسكندرية تاني”، ولم يكن معي ما يكفي من المال للرجوع إلى القاهرة، فأخذت ميكروباص للعامرية ومن هناك حاولت أقنع سواق أحدى ميكروباصات رمسيس بأنني غريب وحصل معي موقف بايخ ولا أمتلك الأجرة كاملة، وأنا أتحدث وجدت شاب قال لي: أركب يا عمو فرحان وأنا هدفع، فأستغربت أنه يعرفني ولكنه قال لي انه من الإسكندرية ومنذ سنتين كانت هناك سيدة تطلب من أب كاهن مبلغ ٣٥جنيه لأبنها الطالب في كلية هندسة لأحتياجه لهم في مشروع الكلية، فقررت أن تدفعهم أنت فأنا هذا الطالب.
كيف أثر “عمو فرحان” في شخصيتك؟
أصبحت مفتاح لكل الناس، واستطيع أن أتعامل مع كل شخص باختلاف الطباع، فإذا كان لكل شخص لون فأنا كلي ألوان واستطيع أن اتعامل مع كل لون، وعلى المستوى المادي فأنا بنعمة ربنا كسبت كويس جدا، وهناك عهد بيني وبين الله أنني كل شهرين أساعد في تجهيز عروسة وتأسيس بيت جديد، وأسعى أن أحوش لكن أحوش تحويشة سماوية.
ما هي أكثر الكلمات التي شجعتك في مشوارك ؟
هناك كلمات كثيرة أسمعها أثناء خدمتي، لكن من أكثر الكلمات المحببة لقلبي ومصدر تشجيع لي: أبو قلب طيب، قلبك زي قلب الأطفال، وكلمة “بابا فرحان” تفرحني كثيرا.
مهمتك رسم البسمة.. لكن هل غلبتك دموعك أثناء عملك ؟
مرة عندما كانت بنتي “مريم” في الرعاية وكانت هناك حفلة بكنيسة العذراء بيجام ملتزم أن أذهب اليها، وذهبت للحفلة وكلما اسمع ضحكات الأطفال أرى بنتي أمامي فنزلت دموعي أثناء الحفلة، ولكن عندما عدت لبنتي في المستشفى وجدت العذراء صنعت معها معجزة، فبينما أنا افرح أولاد العذراء كانت هي تفرح قلبي وقلب بيتي بشفاء أبنتي.
ماذا عن فيلم “ضحكة بحر” الذي أشترك به عمو فرحان؟
“ضحكة بحر” فيلم وثائقي مدته ٤دقايق عن عمو فرحان، وهو يدور حول عمو فرحان وهو يعيش في منطقة شعبية ويحاول أن يرسم الضحكة على وجوه من يمرون بالشارع في ظل ظروف الحياة الصعبة التي يعيشونها في المناطق العشوائية، حصل الفيلم على عدة جوائز وترجم لعدة لغات ويذاع الأن في المانيا.
لكل مهنة صعاب.. فهل يقابل عمو فرحان صعاب في مهنته؟
أصعب الأشياء أني أعمل ضد مشاعري وضد نفسيتي، فحينما أكون في ضغوط نفسية ومطلوب مني أن أرسم أبتسامة على وجوه الأخرين، وحينما يكون بيتي وأولادي محتاجيني وأنا أتركهم وأذهب لأكون أب لغيرهم.
ما هي أخر الأعمال الدرامية التي أشترك بها عمو فرحان؟
فيلم “البلياتشو الراهب” وهو من انتاج شاكر شكري، وتمثيل ريمون مكرم وعمو فرحان وجرجس بديع، ويحكي الفيلم عن بلياتشو كان يعمل في قصر الملك، وبعدما كبر هذا البلياتشو ذهب إلى الدير ولكن الرهبان في الدير تضايقوا من تصرفاته وحركاته الكثيرة، وبعد ذلك اكتشفوا أن العذراء بتظهر له وانه قديس، والفيلم مازال في التصوير.
في النهاية.. حدثنا عن أحلام عمو فرحان؟
أتمنى دائما أن “أكفاني تبقى ألواني”، فبحلم أن أدخل السماء ولكن وأنا بشتغل فأريد أن اشتغل لحد أخر لحظة في عمري.
كما أتمنى أن أفتح مدرسة لتعليم مبادئ “البلياتشو”، و أعلم أن البلياتشو ليس للضحك فقط ولكنه صاحب رسالة، وأريد أن أعلم الجميع لغة الالوان.