قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (641)
من تابع الأحداث التي جرت في منطقة الخصوص بمحافظة القليوبية في 30 مايو الماضي بالقطع تأرجح بين تسميات مختلفة أطلقت عليها, فالبعض قال إنها مشاجرة بين شابين -مسلم ومسيحي- بينما البعض الآخر أطلق عليها فتنة طائفية بفضل اختلاف الهوية الدينية لطرفيها وبفضل تدخل المتابعين لمؤازرة أحد طرفي المشاجرة حتي خرجت عن نطاق السيطرة, في سيناريو كئيب أصبح مألوفا في المجتمعات الشعبية التي يقل فيها الوعي ويتراجع فيها القانون.
خلاف يؤدي إلي مشاجرة… انفلات لفظي ينحدر إلي سباب… اندفاع واشتباك بالأيدي يتطور إلي لجوء للسلاح لتخرج الأمور عن حدود السيطرة ليفاجأ المشاركون والمتابعون بإصابة ووقوع ضحية… وهنا تكون الطاقة الكبري حيث تنفلت المشاعر وينقسم المتواجدون إلي فريقين تبعا للهوية الدينية ويبدأ الحشد والتحريض علي الانتقام والعنف ويحل قانون الغابة حيث البقاء للأقوي والأكثر عددا والسيادة للتنكيل والترويع بأسرع ما يمكن قبل أن تأتي السلطة الأمنية!!
هذا هو السيناريو المعروف المألوف في مثل هذه الأحداث اللعينة… وتأتي السلطة الأمنية للسيطرة علي الأوضاع… هي تمثل القانون وتعمل علي إنفاذه فتقوم بالفصل بين الطرفين المتشابكين لتهدئة المشاعر المتأججة, ثم تقوم بإلقاء القبض علي كل من خالف القانون لتحقق معه وتقدمه للعدالة وفي ذات الوقت تكثف وجودها في المنطقة لتتأكد من استتباب الأمن وعدم تجدد الصراعات أو الاشتباكات, كذلك من المفترض أن تضمن الأمن والأمان لكل من لا علاقة له بالأحداث, الأمن والأمان في مواصلة حياته وتحركاته دون أن يتعرض له أحد.
لكن هل تلتزم السلطة الأمنية بهذا الدور؟… للأسف أن ما عهدناه في كثير من الأحداث وما عايشناه في حادثة الخصوص ينطوي علي تجاوز السلطة الأمنية لدورها وخاصة في جانب توفير الأمن والأمان لكل من ليس لهم علاقة بالأحداث… ففي الخصوص تكرر محاصرة أهالي المنطقة من المسلمين لمنزل أسرة الشاب المسيحي الضالع في المشاجرة بالإضافة إلي تهديد وترويع الآمنين من الأسر المسيحية الأخري التي لا علاقة لها بما حدث… وذلك مسلك ينم عن جهل وتطرف وانفلات يستوجب كل الصرامة والردع من الشرطة, لكن أن تقوم الشرطة دون أي مبرر أو أي مسوغ في القانون وبدعوي امتصاص الغضب وإحلال الهدوء بالقبض علي والد الشاب المدان وشقيقه بالإضافة إلي إبعاد والدته وشقيقته عن منزلهم, فهذا تجاوز يرسل رسالة في منتهي الخطورة للمجتمع المتصل مباشرة بالأحداث وللمجتمع عموما أن الشرطة عاجزة عن فرض الأمن إنفاذ القانون وأنها تنصاع لضغوط المنفلتين وتنحاز إلي جانبهم!!
فما ذنب والد الشاب المسيحي المدان وشقيقه؟… وما ذنب والدته وشقيقته؟… وهل تم القبض علي والد الشاب المسلم وأشقائه الذكور؟… وهل تم استبعاد والدته وشقيقاته الإناث من منزلهم؟…!!… هكذا تتصرف السلطة الأمنية وتخرج إلينا التصريحات بعد ذلك بأن الأمن أحكم قبضته علي المنطقة!!
ولاستكمال هذا السيناريو العبثي, وبعد قيام الأمن بتطهير المنطقة من الأسرة المسيحية وترويع وإرهاب باقي الأسر المسيحية باعتبارهم رهائن داخل منازلهم (!!) يذهب محافظ القليوبية لزيارة المنطقة يوم الجمعة التالي للحدث حيث يصلي الجمعة في المسجد ثم يخرج ليسلك طرقا مدججة بالحراسة الأمنية لزيارة الكنيسة… ويعتقد بعض البسطاء أن المحافظ سوف يتحدث عن الأمر الجلل الذي عانت فيه المنطقة ويرسل رسالة طمأنة إلي الجميع أن القانون يأخذ مجراه مع المتهمين وتم فرض هيبة وكرامة الدولة, وأن حقوق غير المتهمين محفوظة ومصونة… لكنه لم يفعل شيئا من ذلك… اكتفي بأنه تفضل بزيارة الكنيسة وعلي الجميع أن يسبحوا حمدا من أجل ذلك!!!
ومازلنا بعد كل ذلك نتساءل: لماذا تتكرر تلك الأحداث الطائفية؟!!