السيد الرئيس يورى موسيفينى رئيس جمهورية اوغندا الشقيقة , السادة رؤساء دول وحكومات دول حوض النيل , السيدات والسادة رؤساء الوفود .. اود فى البداية ان اتقدم بخالص الشكر والتقدير لاخى العزيز فخامة الرئيس ” يورى موسيفينى” ولشعب اوغندا الشقيق على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة . واسمحوا لى ان انقل اليكم فخامة الرئيس ولجميع قادة وشعوب دول حوض النيل رسالة مودة وتقدير واحترام من شعب مصر الذى طالما اعتز بجذوره الافريقية وبانتمائه لهذه القارة العظيمة مهد الحضارات الإنسانية ، وبنهر النيل شريان الحياة الذى جمع بينه وبين جميع شعوب الحوض على مر العصور والتاريخ .
كما اود فى هذه المناسبة ان انقل مساندة وتأييد شعب مصر لكل جهود تعزيز وارساء الاستقرار والسلام والتنمية داخل منطقة حوض النيل ، واؤكد التزامنا بالعمل سويا لتحقيق ما تستحقه منطقتنا وشعوبنا من سلم ورخاء .
اخي الرئيس موسيفينى , ان دعوتكم لعقد اول قمة لرؤساء دول حوض النيل ومشاركتنا جميعا فى هذه القمة التى تتزامن مع الذكرى الخمسين لبدء التعاون بين دول حوض النيل هو بلا شك حدث تاريخى ، ورسالة واضحة الى شعوبنا والى كل من يتابع اعمال هذه القمة بان نهر النيل يجمعنا ولا يفرقنا وان مصلحتنا المشتركة فى الاستفادة من مواردنا الطبيعية والبشرية لبناء وتطوير مجتمعاتنا ، اعظم واكثر اهمية بكثير من اية اختلافات قيدت مواقفنا وكبلت طاقاتنا على مدار عقود طويلة .
ان دول حوض النيل فى امس الحاجة اليوم اكثر من اى وقت مضى لمتابعة التعاون المشترك من اجل تحقيق تنمية مستدامة حقيقية تعمل على توفير حياة لائقة لشعوبها وتمكنها من مواجهة آثار ندرة المياه وتغير المناخ وتطلق العنان لطاقاتها الكامنة .
لقد كنت اول من رحب بالمشاركة فى هذه القمة الحيوية منذ ان اعلن فخامة الرئيس موسيفينى اعتزامه عقدها ايمانا منى شخصيا بأهميتها والتزاما من مصر بتوجيه رسالة مخلصة وصادقة الى كافة شعوب دول حوض النيل .. رسالة تؤكد ان مصر مدركة تماما للاحتياجات التنموية لتلك الشعوب وانها بمثل ما كانت من قبل فى طليعة دعم الكفاح الافريقى المشترك فى معركة التحرر من الاستعمار , فإنها تستمر اليوم فى الوقوف بكل ما لديها من قدرات فى معركة التنمية والتحديث ودعم السلام والاستقرار داخل منطقة حوض النيل وقارتنا الافريقية .
الاخوة والاخوات , لقد ساهمت مصر مع اشقائها فى دول الحوض فى انشاء مبادرة حوض النيل عام 1999 بهدف تعزيز التعاون بما يضمن تحقيق وحماية المصالح والاهداف المشتركة , وقد حققت تلك المبادرة انجازات كبيرة على مدار السنوات الماضية من اهمها تعزيز قدراتنا على التعاون والعمل المشترك من اجل تحقيق المكاسب المشتركة وتجنب الاضرار باى طرف . ويهمنى هنا ان اشير الى ان الموارد المائية الدولية العابرة للحدود تمثل وضعا خاصا ينبغى الاهتمام به وذلك لارتباطها بقدرة الدول المتشاركة فى المورد المائى على العمل المشترك لتعظيم الاستفادة من هذا المورد وتجنب الصراع عليه ووضع قواعد عادلة تحكم استخدامات كل دولة . ولنا فى قواعد ومبادئ القانون الدولى للانهار وتجارب التجمعات والمفوضيات القائمة بين الدول المشاطئة لانهار دولية فى افريقيا واوروبا سوابق وامثلة عديدة ناجحة تعكس قدرة الدول التى تتشارك فى النهر الدولى على تعظيم المكاسب المشتركة وتجنب الاضرار باى طرف .
ولعلكم تتفقون معى فى ان مصلحتنا المشتركة تقتضى ان نكثف من تعاوننا وتكاملنا فى مجالات عديدة مثل الاقتصاد والتجارة والاستثمار وفى قطاعات مثل التعدين والتنمية الزراعية والتصنيع الزراعى والطاقة وادارة الموارد المائية والرعاية الصحية والتدريب وبناء الكوادر وغير ذلك من مجالات التنمية الشاملة ذات الاولوية لشعوبنا ومجتمعاتنا . واننى على ثقة بان لدى دولنا من الامكانيات ما يكفل لها المضى قدما نحو بلوغ تلك الشراكة وتحقيق المزيد من التكامل فى اطار يتسم بالاستمرارية والفعالية ويتواكب مع متطلبات الحاضر وتحدياته .
السيدات والسادة , ان مصر ترتبط مع اشقائها بنهر النيل العظيم والذى يسقط على حوضه ما يزيد عن 1600 مليار متر مكعب من المياه سنويا ويستخدم جزء من هذه المياه فى الزراعات المطرية والغابات والرعى فى دول المنابع بشكل واسع ولا يتدفق فى مجرى النهر منها الا حوالى 84 مليار متر مكعب فقط وتهدر مئات المليارات الاخرى نتيجة عدم توفر الاستثمارات الكافية فى بنية اساسية تستطيع ان تعظم الاستفادة من تلك المياه فى كافة مناحى التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى بلداننا .
وليس بخاف عنكم ان نهر النيل يعد المصدر الاساسى للمياه فى مصر وبنسبة اعتماد تصل الى 97% فى ضوء محدودية الموارد المائية الاخرى ومع النمو السكانى الطبيعى فى مصر، انحسر بشكل متسارع نصيب الفرد من المياه ليبلغ حوالى 640 متر مكعب سنويا . وتعانى مصر من عجز مائى يبلغ نحو 21.5 مليار متر مكعب سنويا وتقوم مصر بسد هذه الفجوة المائية من خلال اعادة استخدام المياه بكفاءة تصل الى 80%، وهى نسبة تعتبر من اعلى المعدلات على مستوى العالم. ومن هنا تأتى دوافع الشعب المصرى فى التعامل الحذر مع اى تأثير سلبى محتمل على امن مصر المائى .
انى لادعو الى ان نتبنى جميعا رؤية مشتركة تنطلق من ادراك لحقيقة وجود موارد مائية مشتركة كافية فى الحوض لم تستغل بالشكل الكامل واقتناع بان واجبنا تجاه انفسنا وشعوبنا هو التعاون سويا والاستعانة بالوسائل العلمية الحديثة والسليمة للوصول الى الاسلوب الامثل والمستدام لاستخدام هذه الموارد على النحو الذى يتيح تحقيق تطلعاتنا التنموية ، وتجنب الآثار السلبية لموجات الجفاف ويؤدى فى الوقت ذاته الى ضمان الامن المائى لكل دول الحوض وتجنب الاضرار بالحياة التى قامت وترسخت جذورها عبر قرون على ضفاف النهر .
ان نجاحنا فى تحقيق هذه الرؤية سيسهم فى تعزيز قدرتنا على تنفيذ وثيقة ” اجندة 2063″ التى تجسد آمالنا الأفريقية فى تحقيق التنمية الاقتصادية والبشرية التى يستحقها مواطنونا ، فضلا عن دعم جهودنا الرامية لتعزيز الاستقرار السياسى والامنى فى دولنا .
الاخوة والاخوات , لقد جاءت مصر الى القمة بهدف العمل على تعزيز الثقة فيما بيننا وتجاوز ما قد يكتنف ذلك من عقبات من خلال استلهام امثلة افريقية رائدة فى التعاون بين الدول المشتركة فى احواض انهار دولية واخص بالذكر النجاحات التى حققتها مفوضية حوض نهر السنغال التى اشاد المجتمع الدولى باسلوب ادارة المورد المائى المشترك فيها والتى قامت على مبادئ التوافق وتقاسم الدول المشاطئة للمنافع الناتجة عن المشروعات التى تنفذ على مجرى النهر .
اننا ننطلق من اقتناع بان نهر النيل ، ذلك النهر العظيم الذى يجمع اكثر من عشر دول ويعيش على ضفافه اكثر من 250 مليون من مواطنى دول الحوض له ان يقدم نموذجا اكثر نجاحا لقدرة حكومات وشعوب دول الحوض على العيش المشترك والاستفادة من الطاقات المائية الهائلة فيه لتلبية احتياجات شعوبنا .
انطلاقا من ايمان مصر باهمية استعادة الشمولية فى اطار مبادرة حوض النيل ، فقد اعربت عن استعدادها لاستئناف مشاركتها الفعالة فى المبادرة اذا ما استعادت كافة دول الحوض التزامها بالعمل بمبدأ التوافق فى اتخاذ القرارات ، وفور انشاء آلية للاخطار المسبق وفقا للمعايير الدولية التى تتيح تبادل المعلومات والتشاور بشفافية بشأن المشروعات التى تقام على نهر النيل اتساقا مع الامثلة الناجحة خاصة فى افريقيا . كما ترى مصر انه من المهم ان نرسى دورية انعقاد قمة دول حوض النيل بغرض انخراط قيادات دول الحوض فى توجيه تعاوننا المشترك فى كافة المجالات والوصول به الى الآفاق المأمولة . ويسعدنى اتصالا بذلك ان اعلن استعداد مصر لاستضافة القمة القادمة لدول حوض النيل العام القادم .
اخى الرئيس موسيفينى , اود ان اشكر فخامتك مجددا ون اؤكد تطلع مصر لان تكون قمتنا التاريخية هذه نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من التعاون ولحوار شفاف وجاد وبناء بين الاشقاء من اجل تفعيل مسار شراكتنا المستقبلية وتجاوز ما يكتنفها من عقبات وصولا الى استراتيجية متكاملة للشراكة فى كافة المجالات انطلاقا من رؤية مشتركة لقادة دول حوض النيل ، تضع اختلافات الماضى وراء ظهورنا وتستشرف آفاق المستقبل بنظرة جماعية تأخذ مصالح الجميع بعين الاعتبارفى اطار توافقى ليس فيه غالب أو مغلوب وانما الكل فيه فائز .. وشكرا .