نظم المعهد الفرنسي بالقاهرة ندوة بمقر المعهد عن «الوهابية» للأكاديمي التونسي حمادي الرديسي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة تونس، والرئيس الشرفي للمرصد التونسي للتحول الديمقراطي.
وتحدث ” الرديسي ” خلال المحاضرة عن تاريخ الحركة وقال ان الوهابية ترجع إلى محمد بن عبد الوهاب الفقيه الذي أمكن له أن يقنع محمد بن سعود في القرن الثامن عشر ميلادي أن معظم المسلمين ارتدوا ورجعوا إلى الجاهلية، وعقد الرجلان حلفًا يتقاسم بموجبه الطرفان بالتساوي السلطة الدينية والسياسية.
وفي سنة 1747 أعلن الأمير محمد قبوله لآراء محمد بن عبد الوهاب وأفكاره، وأعلن مناصرته له ولهذه الآراء والأفكار. وبهذا التحالف بدأَت الحركة الوهابية وظهرت للوجود بشكل دعوة وبشكل حُكْم. فقد كان محمد بن عبد الوهاب يدعو لها ويعلِّم الناس أحكامها، وكان محمد بن سعود ينفّذ أحكامها على الناس الذين تحت إمرته وسلطانه.
وأخذت الحركة تمتد ، فيما جاوز الدِّرْعِيّة (بلد محمد بن عبد الوهاب) للبلدان والقبائل المجاورة، في الدعوة والحكم، وأخذت إمارة محمد بن سعود تتسع حتى وُفِّق خلال عشر سنوات أن يخضع لسلطته وللمذهب الجديد رُقْعَةً من الأرض مساحتها نحو ثلاثين ميلاً مربعاً، ولكنه كان اتّساعاً عن طريق الدعوة وضم بلاد أخرى حول درعة ، وبدأ يستقطب كثير من الدول المجاورة ، منها سلطان شيخ عَنْزَة، ولم يعترضه أحد، ولم يخاصمه أحد، حتى إن أمير الإحساء الذي أخرج محمد بن عبد الوهاب من ع بلدته لم يعارض خصمه في هذا التوسع، ولم يحشد قواته لمحاربته إلا في سنة 1757، ولكنه هُزم، فاستولى محمد بن سعود على إمارته، وصارت سلطة عَنْزَة أي سلطة محمد بن سعود وسلطة المذهب الجديد تحكم الدِّرْعِيّة وما جاورها وتحكم الإحساء. وكان ينفذ في هذه البلاد المذهب الوهابي بقوة السلطان.
وفي سنة 1787 تحرك عبد العزيز آل سعود لتأسيس بيت إمارة، وإيجاد نظام وراثة الحكم، أو ما يُسمى بولاية العهد: بأن يُثَبّت ابنه سعوداً خليفة له. فقد اجتمع حشد عظيم من الناس ترأسه الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وفي هذا الحشد العظيم جعل عبد العزيز آل سعود حق الإمارة في بيته، وحق خلافته في الإمارة لأولاده، وأعلن تثبيت ابنه سعود خليفة له. فوافقه ذلك الحشد العظيم وعلى رأسهم محمد بن عبد الوهاب وقرروه، وبذلك أسس بيت إمارة لدولة وليس لقبيلة أو قبائل. ويبدو أنه كذلك جعل الخلافة في المذهب الوهابي في بيت محمد بن عبد الوهاب. وبعد هذا التثبيت لخلافة الأمير ولخلافة شيخ المذهب نشطت الحركة فجأة بالفتوحات والتوسعات، وصارت تقوم بالحرب لنشر المذهب. فقد قام عبد العزيز في سنة 1788 بتجهيز حملة عسكرية ضخمة وهاجم الكويت وفتحها واستولى عليها. وكان الإنجليز يحاولون أخذ الكويت من الدولة العثمانية ولكنهم لم يستطيعوا ذلك. فقد كانت الدول الأخرى مثل ألمانيا وروسيا وفرنسا تقف في وجههم، وكانت دولة الخلافة تقاومهم. فكان فصل الكويت عن الدولة العثمانية ثم التقدم إلى الشمال لحمايتها لافتاً لنظر الدول الكبرى مثل روسيا وألمانيا وفرنسا، ولافتاً لنظر الدولة العثمانية. ثم كانت الصفة التي تأخذها هذه الحرب وهي الصفة المذهبية تثير المشاعر الدينية.
ثم اوضح” الرديسي ” ان الإرهاب الإسلامي لا يعني أن جوهر الإسلام إرهابي، ولكنَّه إسلامي بمعنى أنَّه تركيب انتقائي تلفيقي مدان لأيديولوجيا دينية “قروسطية” (أيدولوجيا المجتمع البدوي) من جهة، وسياسة حديثة وليدة عصرها من جهة أخرى.
ولفت ” الرديسي ” الي ان هنالك مدخل تم إقراره يتمثل في الحكم بما أنزل الله أو الحاكمية لله عبر الاستدلال بآيات معروفة حول كفرية وظلم ونفاق من لا يحكم بما أنزل الله. ويرمي إلى سحب صفة الشرعيَّة عن المنظومة القانونية العصرية.
ويصاحب التوصيف مفهوم “الولاء والبراء” الذي تلقفه محمد بن عبد الوهاب من ابن تيمية وغفل عنه الإسلام الراديكالي واسترجعته حلقة السلفية الجهادية ومعناه: (ألا نلي ولا نولي غير المسلمين ولا نجيرهم ولا نستأجرهم ولا نخالطهم). والهدف هو قطع الصلة والتواصل مع الغير وكرهه.
واعتبر ” الرديسي ” ان الفكر الإخواني القطبي والسلفية الوهابية والسلفية الجهادية هم الثّلاثي المؤسس لأخطبوط الإرهاب الإسلامي المعولم.
ويتقاطع هذا الثّلاثي العقائدي مع ثّلاثي الفاعلين وهم الداعية والسّياسي والجهادي. فالداعية مسالم لا يبالي بالفعل السياسي. مجال عمله الأمة الإسلامية وهمه أسلمة النّاس فردًا فردًا أخلاقًا وسلوكًا، يجوب المدن على شاكلة جماعة التبليغ والحواريين والمتصوفة، ويدعي إبلاغ العلم الديني التقليدي السني الفقهي على نمط السلفية العلمية، ويفتي على شاشات التليفزيون وشبكة الأنترنت على غرار الدعاة المشرقيين.
أما السياسي فهو ينصهر في الدولة الوطنية ويتخلى عن الجهاد والأممية الإسلامية وتطبيق الشريعة بحذافيرها ويشارك في الانتخابات. وتمثل أطياف الإسلام السياسي ذي المرجعية الدينية هذا التحول من الراديكالية العمياء إلى البرجماتية المرنة.
وأخيرًا وليس بآخر الجهادي الذي ينظر للعنف ويمارسه. وينقسم بدوره إلى ثلاثة أنواع حسب ترتيب الأولويات: الجهادي المحلي الَّذي يوجه ضرباته للدولة الوطنية، والجهادي القومي الَّذي يحارب الغزاة الأجانب، والجهادي المعولم الَّذي يوسّع دائرة الأعداء على نمط القاعدة وغيرها.