يعتبر الحبر الجليل المتنيح الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف (1923- 2000 )، رائدا من أكبر رواد التنمية الاجتماعية والعلاقات المسكونية.
فقد لعب دورا كبيرا في نمو وتطور الخدمة في مطرانية بني سويف سواء على المستوى الرعوي أو على المستوى التنموي.
وهو من أسرة كهنوتية عريقة تعرف بعائلة “القسيس”، عمه هو المتنيح البابا مكاريوس الثالث ( 1944- 1945 ) بطريرك الكنيسة القبطية رقم 114، ولكن علاقة الأسرة بالكهنوت أقدم من ذلك بكثير، حيث ترجع جذور علاقة الأسرة بالكهنوت إلى، جده السادس القمص عبد المسيح؛ولقد كان كاهنا علي مدينة المحلة وتنيح عام 1810.
جاء بعده ابنه القمص ميخائيل، الذي تنيح عام 1840، وأخيرا شقيقه الأكبر القمص ميخائيل بشارة، وقد كان كاهنا بكنيسة مارجرجس بالمحلة الكبرى، سيم كاهنا في 26 /2/ 1948 وتنيح في 19/12/1985.
وعن الأنبا أثناسيوس نفسه، فهو “عبد المسيح بشارة”، ولدَّ في 2 مايو 1923؛ وتدرج في مراحل التعليم المختلفة حتى حصل على ليسانس الآداب قسم اللغة الأنجليزية عام 1944، وبكالوريوس تربية وعلم نفس من الجامعة الأمريكية عام 1952.
ولشدة عشقه للعلوم اللاهوتية، التحق بالكلية الأكليركية القسم المسائي وتخرج فيها عام 1953.
عمل مدرسا للغة الأنجليزية بأسوان خلال الفترة من 1944 – 1947.
كما عمل مدرسا لمادة العهد الجديد في الكلية الأكليركية عام 1954.
ولشدة عشقه لحياة الرهبنة التحق بدير السريان وسيم راهبا في 7 سبتمبر 1958 باسم الراهب “مكاريوس السرياني”، بيد المتنيح الأنبا ثاؤفيلس أسقف ورئيس الدير في ذلك الوقت.
و بعد نياحة الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف الكبير (1925 -1962) في يوم 22 يولية 1962، عينه البابا كيرلس السادس نائبا بابوبا علي بني سويف.
وفي يوم 9 سبتمبر 1962، قام البابا كيرلس بسيامته أسقفا على بني سويف والبهنسا باسم “الأنبا أثناسيوس”، ثم رقاه المتنيح البابا شنودة الثالث إلى رتبة المطران في 18 يونيه 1978.
وعندما شعر باتساع الخدمة، طلب من البابا شنودة رسامة اثنين بدرجة “خوري أبسكوس” كمساعدين له، وهما نيافة الأنبا متاؤس (أسقف ورئيس دير السريان حاليا) ونيافة الأنبا موسى (أسقف الشباب حاليا).
وبعد استشهاد المتنيح الأنبا صموئيل في 6 أكتوبر 1981؛ قام الأنبا أثناسيوس بالإشراف على أسقفية الخدمات خلال المدة من (1981- 1985).
وبعد أن اشتد المرض عليه، قام البابا شنودة برسامة الأنبا غبريال والأنبا أسطفانوس أسقفين معاونين لنيافته.
ومع بداية عام 2000 طلب منه قداسة البابا شنودة كتابة سلسلة مقالات في مجلة الكرازة في موضوع الأسرة، تم نشر منها عشر حلقات حتي 10 نوفمبر 2000.
كما طلب منه إلقاء سلسلة محاضرات في كلية القديس أثناسيوس اللاهوتية بلندن.
وأيضا للقيام ببعض الفحوصات الطبية نتيجة اشتداد المرض عليه، ثم عاد من لندن في 30 أكتوبر 2000، بعد انتشار مرض السرطان في معظم أنحاء جسده، حتى تنيح بسلام في يوم الخميس 16 نوفمبر 2000.
وصادف أن كان البابا شنودة الثالث وقتها في باريس لاستلام جائزة السلام والتسامح من منظمة اليونسكو، وفور علمه بنياحة الأنبا أثناسيوس، قطع رحلته فورا، وعاد إلى بني سويف ليرأس الصلاة على جسدة الطاهر في يوم السبت 18 نوفمبر 2000 في حضور 45 مطرانا وأسقفا.
كما حضر الجنازة رؤساء الطوائف المسيحية، والسيد محافظ بني سويف ومدير الأمن والسادة أعضاء مجلسي الشعب والشورى عن بني سويف.
أما عن جهوده في الأيارشية، فقد قام فور رسامته أسقفا بكتابة كتيب عنوانه “نظام إدارة الإيبارشيات” صدر عام 1963، وهو يحتوي علي ثلاثة أبواب هي :-
1-الباب الأول :إدارة الإيبارشية .
2-الباب الثاني :- إدارة الكنائس .
3-الباب الثالث :- لوائح .
ومن خلال هذا النظام عمل على تشكيل المجالس الملية ومنها تكون “مجلس إدارة الإيبارشية” وسماه “اللجنة الدائمة.
أما عن جهوده في مجال الخدمة الاجتماعية والتنمية الشاملة فيمكن تلخيصها في النقاط التالية :-
1-أنشأ نوادي في جميع كنائس الإيبارشية، حيث يمارس فيها الشباب والفتيات الأنشطة الرياضة والثقافية والتروحية، وكان يحرص علي حضور المسابقات وتوزيع الجوائز بنفسه.
2-تشجيع إنشاء فرق الكشافة وإقامة المعسكرات الرياضية والخدمية للأنشطة كحملات النظافة والوعي الصحي ومحو الأمية.
3-دعم وإنشاء المكتبات الاستعارية في كل كنيسة مع الحرص على تزويدها وتنميتها باستمرار.
4-استكمالا لما بدأ سلفه المتنيح الأنبا أثناسيوس من بناء المدارس، قام نيافته بإنشاء مدارس جديدة في مطاي وبني مزار ومغاغة والفشن .. إلخ.
ومنه مدارس متميزة لتعليم اللغات، كما بترميم المدارس التي أضيرت من ازلازال عام 1992 علي نفقة المطرانية.
5-أنشاء الحضانات لرعاية الأطفال الرضع، وقامت المطرانية بتدريب العاملات في دور الحضانة تدريبا مستمرا، ولقد وصل عدد دور الحضانة في عهد نيافته إلى 31 حضانة.
6- أسس بيوت للطلبة تحت إشراف المطرانية إشرافا مباشرا، وكان عدد هذه البيوت حوالي 10 تتسع لحوالي 600 شاب وفتاة.
7- تأسيس مستوصفات ومراكزخدمة صحية لعمل التوعية الصحية اللازمة عن طريق المحاضرات والأفلام والندوات، وكان عدد هذه المستوفصات 23 مستوصفا.
8- تأسس دار لرعاية المسين والمسنات تديره دير راهبات بنات مريم، تعاونهن مجموعة من الخدام والخادمات المدربات تدريبا جيدا لرعاية المسنين.
9- كان نيافته رائدا في مجال خدمة ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، فأنشأ أول مدرسة لهم في دير بنات مريم تشرف عليها راهبات الدير، ثم نقلت هذه المدرسة إلى دير الميمون شرق النيل. وتهتم هذه المدرسة بتطوير قدرات ومهارات هذه الفئات الخاصة.
10- أنشأ مراكز للرياضات الروحية والتدريب في دير بياض وسدمنت الجبل ودير السنقورية غرب بني مزار، وهذه المراكز توفر فرصة للقراءة والهدوء والجو الروحي المناسب للخدام والقيادات الكنسية.
11- نالت المرأة اهتماما كبيرا عند نيافة الأنبا أثناسيوس، حيث قام بتأسيس معهد تدريب الخادمات، وفيه يتم تعلم مهارات الحياكة وأشغال الأبرة، وبرامج التوعية الصحية والأسرية.
كما قام نيافته بتأسيس مركز لتنمية الفتاة بلغت حوال 34 مركز، تتعلم فيه البنات لمدة سنة ونصف على الأقل التفصيل وشغل الأبرة ومبادىء الصحة العامة ورعاة الطفل .. إلخ.
12- اهتم نيافته ببرامج التنمية الزراعية والصناعية وصناعة الأثاث.
13- اهتم نيافته بصناعة الطوب منذ عام 1968، حيث تم استيراد ماكينات تقطيع الأحجار، كما أنشأ مصنع لصناعة الطوب لتدريب الشباب علي هذه الصناعة على درجة عالية من الجودة.
14- اهتمت المطرانية اعتبارا من عام 1966 بإنتاج سخانات بالطاقة الشمسية، ولقد كانت مطرانية بني سويف رائدة في صناعت الطوب الحجري والأسمنتي والطاقة الشمسية.
أما عن دير بنات مريم، فلقد قام نيافته بتأسيسه عام 1965، ووضع أول قانون له في أواخر عام 1965.
وبدأ تطبيقه في عام 1966 . ولقد وضع نيافته سبعة مباديء لهذا الدير هي (الفقر – الطاعة – العمل – الخدمة – الشركة – الهدوء –الصمت مع التأمل). وهناك صلوات خاصة بكل يوم من واقع الاحتياجات الفعلية والمعاصرة. ولقد تفرعت عنه عدة فروع في عزبة النخل والمقطم وطرة وأبو سلطان وفي الجيزة دار التقدم للمعوقين ذهنيا.
أما عن خدماته في مجالات التعليم والخدمة الكنسية فيمكن تلخيصها في النقاط التاللية : –
1-أسس لجنة التحرير والنشر التوزيع، تحت عنوان “دار النشر والتوزيع بمطرانية بني سويف “وكان باكورة إصدارتها كتاب “بستان الرهبان ” طبعة أولي سنة 1968.
وكتب مناهج التربية الكنسية للطلبة والمدرسين وطباعة الصور برسومات قبطية ساعدت على خدمة وتطوير مدارس الأحد.
كذلك أصدرت سلسلة كتب في الروحيات وسلسلة متميزة بعنوان” سلسسلة المعارف القبطية المبسطة”؛ لتبسيط المعلومات الإيمانية والتاريخية، وأصدرت اللجنة سلسلة كتب طقسية وسير قديسين لنيافة الأنبا متاؤس وسيرة حياة ومعجزات القس عبد المسيح المناهري.
2-طالب أن تكون جميع العظات سهلة ومبسطة حتى يستطيع أن يستوعبها الجميع. وكان يطالب أن تمزج العظة بين العقيدة والكتاب المقدس والطقس.
3- اهتم باجتماع درس الكتاب المقدس أسبوعيا على مدى أكثر من 38 سنة، وانفرد بأسلوب الحوار في التعليم وليس العظة التلقينية.
4- قام نيافته برسامة كاهن متخصص في خدمة الشباب. كذلك شماس مكرس هو الدكتور “أميل عزيز ” (نيافة الحبر الجليل الأنبا موسي حاليا).
5-أصدر نيافته عدة كتب مبسطة لخدمة الشباب نذكر منها (الاختلاط السليم في المجتمع المعاصر – المسيح والإنسانية – بساطة المسيحية – وحدة الكتاب المقدس). كذلك في مجال تفاسير الكتاب المقدس أصدر نيافته تفسير (أنجيل متى – أنجيل يوحنا – سفر أعمال الرسل).
6-اهتم نيافته بتنمية مهارات الشباب الروحية والثقافية والجسدية، فأنشأ أندية رياضية للشباب في أغلب الكنائس، كذلك أنشأ لهم بيوت للخلوة في بياض وسدمنت.
وكان يحرص على اللقاء بهم كثيرا في هذه البيوت؛ كذلك أوفد نيافته العديد منهم للسفر إلي الخارج في منح دراسية.
7- أنشأ قاعة كبير تتسع أكثر من 500 فردا للحفلات والندوات والمسرح والأنشطة الفنية .. إلخ.
8- فتح نيافته مجالات للصداقة بين شباب بني سويف وشباب البلاد الأوربية، مثل ألمانيا وإنجلترا والسويد وأعطى فرصة لتبادل الزيارات واللقاءات بهم لاكتساب الخبرات والانفتاح علي شباب هذه البلاد.
9- اهتم نيافته بتقوية الروابط الأخوية بين الشباب القبطي وأخواتهم في الوطن، فعقد العديد من اللقاءات المشتركة لمناقشة قضايا عامة تهم الجميع، واشترك في هذه اللقاءات العديد من القيادات الشعبية والتنفيذية.
10- أنشأ نيافته فصول إعداد الخدام لجميع الخدمات المختلفة (طفولة – شباب- أسرة- قرية –فئات خاصة.. إلخ. تطورت بعد ذلك إلى مراكز تدريب متخصصة.
أما عن جهود نيافته في العمل المسكوني:
كان نيافته من الرواد الأوائل في العمل المسكوني بالاشتراك مع المتنيح الأنبا صموئيل (1962- 1981) أسقف الخدمات العامة والاجتماعية؛ وكان يؤمن أن الهدف الرئيسي في العمل المسكوني هو تبادل الخبر ةوالمعرفة. ولقد بدأ نشاطه في الحركة المسكونية بداية من عام1957، وظل يخدم في مجلس الكنائس العالمي حتي عام 1991، حيث كان عضوا باللجنتين المركزية والتنفيذية بمجلس الكنائس العالمي.
ولقد مثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسبة في العديد والعديد من المؤتمرات مثل : –
1-المؤتمر الأول للكنائس الأرثوذكسية الخلقدونية الذي انعقد في جزيرة رودس خلال عام 1961. وأوفد فيه البابا كيرلس السادس القمص مكاريوس السرياني (المتنيح الأنبا أثناسيوس) والقس يوحنا جرجس كاهن كنيسة مارمرقس بشبرا والمستشار تادرس ميخائيل تادرس.
وفي نفس العام أوفده البابا كيرلس السادس للقيام بجولة في دول شرق أفريقيا وجنوبها لتفقد حال الكنيسة هناك.
2- اختير عضوا في الندوة التي عقدت بعنوان ” المؤتمر العالمي للمسيحين من أجل فلسطين والذي عقد في بيروت خلال المدة من 7 – 10 مايو 1970، وكان معه في نفس الوفد كل المتنيح نيافة الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي، والمرحوم الدكتور وليم سليمان قلادة عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
3- أختير عضوا ضمن الوفد المرافق لقداسة البابا شنودة الثالث في زيارته التاريخية للفاتيكان في 10 مايو 1973، وكان معه في نفس الوفد كل من المتنيح الأنبا باسيليوس مطران القدس، والمتنيح الأنبا ميخائيل مطران أسيوط والمتنيح الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي والمتنيح الأنبا يؤانس أسقف الغربية.
4-أختير عضوا باللجنة المشتركة للتفاهم مع الكنيسة الكاثولوكية والتي تشكلت بتاريخ 20 فبراير 1974. وكانت اللجنة برئاسة المتنيح الأنبا غريغوريوس والأنبا أثناسيوس والأنبا صموئيل والأنبا يؤانس وثلاثة من العلمانيين.
5-نال العديد من الأوسمة من عدة دول من بينها وسام من يد الامبراطور هيلاسلاسي أمبراطور أثيوبيا.
6- شارك نيافته في استقبال الكاردينال كيننج رئيس أساقفة النمسا بالاشتراك مع المتنيح الأنبا غريغوريوس خلال عام 1982 أثناء فترة عضويته في اللجنة البابوية.
7- كان نيافته من ضمن الوفد الذي قام باستقبال البابا يوحنا بولس الثاني في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية أثناء زيارته لمصر في فبراير 2000 .
أما عن جهوده من أجل الوحدة الوطنية :
حرص نيافته على تدعيم أواصر المحبة مع أخوتنا المسلمين، فلقد كان نيافته أول من قام بعمل موائد الإفطار خلال شهر رمضان الكريم، ؛ وحذا حذوه العديد من الآباء المطارنة والأساقفة بعد ذلك.
كما حرص نيافته علي المشاركة في جميع واجبات العزاء لشعب بني سويف مسلمين ومسيحين.
و كان يطالب كهنة بني سويف بمشاركة واجب العزاء لكل متوفي في المحافظة سواء كان مسلما أم مسيحيا.
كما حرص على مجاملة جميع القيادات الدينية والشعبية والتفيذية في جميع المناسبات سواء في السراء أو الضراء مما دعم المحبة والوئام بين عنصري الأمة.
وكذلك حرص على إقامة الندوات العامة في المطرانية يحضرها الجميع مسلمين ومسيحين لمناقشة قضابا عامة تهم الوطن.
ومن جهوده الوطنية أيضا مشاركته في حفل اللجنة العامة للمواطنين من أجل المعركة.