أقر البرلمان المصرى مؤخرا تعديلات لتشديد عقوبة ممارسة ختان الإناث، تلك الجريمة المثيرة للجدل والتى تعد من أكثر أشكال العنف الجسدى والنفسى التى تعرضت وتتعرض لها النساء فى مصر وكثير من المجتمعات خاصة الأفريقية. وبهذه المناسبة لا يسعنا إلا أن نقر ونعترف بفضل شخصية مصرية كان لها دور هام فى مسيرة الجهود الرامية إلى مناهضة ختان الإناث وهى الدكتورة مارى أسعد، خبيرة التنمية والتى عملت كأستاذة أنثروبولوجى بالجامعة الأمريكية. ويرتبط اسم مارى أسعد بتنمية حى الزبالين بالمقطم، وبقوة العمل المناهضة ختان التى انبثقت عن المؤتمر الدولى للسكان والتنمية والذى عقد بالقاهرة عام 1994. وقد ساهمت مارى أسعد فى تأسيس قوة العمل وتولت مهام تنسيقها لتصبح أحد أهم أشكال العمل المدنى الجماعى فى مصر. وعلى الرغم من الجهود السابقة التى تصدت لهذه الممارسة الضارة، إلا أن تطورات التسعينيات تعد محطة هامة ومحورية فى دفع جهود المجتمع المدنى نحو عمل مؤسسى ومنظم لمواجهة هذه الظاهرة، وهو الأمر الذى أفضى إلى التطورات القانونية التى نشهدها الآن.
فى الحقيقة أن دور مارى أسعد ومن معها لم يكن بالأمر الهين، فقد كانت التحديات كبيرة والمواجهات شرسة ليس فقط على مستوى الثقافة المجتمعية التى تبرر وتحتفى بختان الإناث، ولكن فى مواجهة النخب الثقافية والسياسية، وكذلك المؤسسات الطبية والدينية. وبشكل شخصى أتذكر حملات الهجوم من قبل النخب الثقافية ورجال الدين بزعم أن جهود مناهضة الختان تعكس تدخلات أجنبية هدفها هدم الأخلاق وتدمير ثوابت المجتمع، وما يرتبط بذلك من حملات للتشوية والتخوين. والمأساة الأكبر تمثلت فى دور المؤسسات الطبية، بداية من الاستجابة المخزية لوزارة الصحة بتطبيب الختان، أى استبدال الداية بالطبيب لممارسة الختان، وحتى دور كليات الطب التى دأبت على تخريج أطباء يملكون مهارات جراحية ويفتقرون إلى المعارف العلمية والقيم الأخلاقية التى تحول دون أن يكونوا الأدوات الأكثر فتكا بالفتيات. ورغم كل هذه التحديات كانت هناك رسالة وإرادة لمواجهة هذه الجريمة. ورغم أن قوة العمل أدت مهمتها وتوارت إلا أنها شكلت منصة إنطلاق للعديد من الجهود التى تواصلت وتتواصل من أجل التوعية بمخاطر ختان الإناث، ونزع المشروعية عن هذه العادة من خلال تجريمها بالقانون.
لا شك أن تشديد العقوبة لن يكون نهاية المطاف، فثمة حاجة إلى مواصلة الجهود واستلهام روح قوة العمل المناهضة لختان الإناث وإرادة من كان لهن ولهم الفضل فى تأسيسها. وإذا كنا نحتفل ونحتفى ببطولات وهمية يصنعها الإعلام والتحيزات السياسية أو الثقافية، فمن الأجدر بنا أن نعلى من شأن شخصيات ساهمت فى مواجهة عادات وأخلاقيات تحط من قيمة وكرامة الإنسان، وعليه فإن كل تطور يستهدف وقف جريمة ختان الإناث، سيذكرنا بأن فى مصر شخصية تستحق الإحترام والتقدير، إسمها مارى أسعد.