وجاء نص الكملة كالتالي :
قداسة البابا المعظم الانبا تواضروس الثاني قاضي المسكونة
الآباء الأحبار الأجلاء المطارنة والأساقفة والكهنة
الأخوات والأخوة الأفاضل الحضور
نجتمع اليوم لمناقشة قضية هامة جدًا تمس صميم حاضر ومستقبل الكنيسة؛ فالتعليم في الكنيسة هو الركيزة الاساسية لنموها وخلاصها.
وقد لوحظ على مدار السنوات القليلة السابقة انطلاق تيار في التعليم يتبنى بعض الأفكار التي لم نعتادها، ويشيع احساسًا عامًا بأن الكنيسة قد حادت عن التسليم الحقيقي لتعليم الآباء.
وكانت النتيجة هى تبادل الاتهام بالهرطقة، على صفحات وسائل الاتصال الاجتماعي ، شارك فيها الشباب بروح غريبة عن المسيح.
وعندما يتبنى بعض من الإكليروس هذا الاتجاه – الذي أحدث انزعاجًا في الكنيسة ويهدد بحدوث انشقاق وخصومة – فإن الأمر يحتاج إلى وقفة عاقلة باحثة عن الحق حتى لا نخسر أحدًا من أبناء الكنيسة المخلصين.
يجب فيما نتباحث أن نتمثل بقول الرسول الطاهر:
“مَنْ هو حَكيمٌ وعالِمٌ بَينَكُمْ، فليُرِ أعمالهُ بالتَّصَرُّفِ الحَسَنِ في وداعَةِ الحِكمَةِ. ولكن إنْ كانَ لكُمْ غَيرَةٌ مُرَّةٌ وتَحَزُّبٌ في قُلوبكُمْ، فلا تفتَخِروا وتَكذِبوا علَى الحَقِّ. لَيسَتْ هذِهِ الحِكمَةُ نازِلَةً مِنْ فوقُ، بل هي أرضيَّةٌ نَفسانيَّةٌ شَيطانيَّةٌ. لأنَّهُ حَيثُ الغَيرَةُ والتَّحَزُّبُ، هناكَ التَّشويشُ وكُلُّ أمرٍ رَديءٍ. وأمّا الحِكمَةُ الّتي مِنْ فوقُ فهي أوَّلًا طاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذعِنَةٌ، مَملوَّةٌ رَحمَةً وأثمارًا صالِحَةً، عَديمَةُ الرَّيبِ والرّياءِ. وثَمَرُ البِرِّ يُزرَعُ في السَّلامِ مِنَ الّذينَ يَفعَلونَ السَّلامَ.” (يع ٣: ١٣-١٨)
ونضع أيضًا أمام عيوننا القاعدة المقدسة:
“إنْ كانَ أحَدٌ يُعَلِّمُ تعليمًا آخَرَ، ولا يوافِقُ كلِماتِ رَبِّنا يَسوعَ المَسيحِ الصَّحيحَةَ، والتَّعليمَ الّذي هو حَسَبَ التَّقوَى، فقد تصَلَّفَ، وهو لا يَفهَمُ شَيئًا، بل هو مُتَعَلِّلٌ بمُباحَثاتٍ ومُماحَكاتِ الكلامِ، الّتي مِنها يَحصُلُ الحَسَدُ والخِصامُ والِافتِراءُ والظُّنونُ الرَّديَّةُ، ومُنازَعاتُ أُناسٍ فاسِدي الذِّهنِ وعادِمي الحَقِّ، يَظُنّونَ أنَّ التَّقوَى تِجارَةٌ. تجَنَّبْ مِثلَ هؤُلاءِ.” (١تيمو ٦: ٣-٥)
فالتعليم المقدس يقود النفوس للتوبة والخلاص، وينشر الحب والسلام في كنيسة الله، أما ما يسبب البلبلة والانزعاج والانشغال بقضايا فكرية تشغل الناس عن توبتهم وخلاصهم؛ فكيف يكون تعليمًا مقدسًا معمولًا بروح الله القدوس؟!
الروح القدس هو روح الوحدة في الثالوث وكل من ينقاد بروح الله يقود الناس للتجميع والحب وليس للفرقة والخصومة؛ فعلى كل صاحب تعليم أن يراجع ثمار ما علّم، وعلى كل من يتصدى لمسئولية إصلاح الأخطاء، أن يتمثل بسيده الذي كان يعالج ويشفي بدلاً من أن يعاقب ويبتر.
“ لأنّي لَمْ آتِ لأدينَ العالَمَ بل لأُخَلِّصَ العالَمَ.” (يو ١٢: ٤٧)
وعندما يصر المخطئ على خطئه فهناك النص المقدس الذي يعالج مثل هذه الحالات
“الرَّجُلُ المُبتَدِعُ بَعدَ الإنذارِ مَرَّةً ومَرَّتَينِ، أعرِضْ عنهُ. عالِمًا أنَّ مِثلَ هذا قد انحَرَفَ، وهو يُخطِئُ مَحكومًا علَيهِ مِنْ نَفسِهِ.” تي ٣: ١٠-١١
فيما نفكر اليوم في حل هذه الاشكالية ارجو ان نضع في حسباننا الآتي:
١- سلامة التعليم والمحافظة على ما استلمناه من ابائنا بدءًا من القديس مارمرقس حتى ابينا البابا شنودة الثالث.
٢- سلامة هدف واتجاهات التعليم في الكنيسة؛ لئلا يصير العلم سبب هلاك للأنفس بدلًا من خلاصها؛
“فنَعلَمُ أنَّ لجميعِنا عِلمًا. العِلمُ يَنفُخُ، ولكن المَحَبَّةَ تبني. فإنْ كانَ أحَدٌ يَظُنُّ أنَّهُ يَعرِفُ شَيئًا، فإنَّهُ لَمْ يَعرِفْ شَيئًا بَعدُ كما يَجِبُ أنْ يَعرِفَ! ولكن إنْ كانَ أحَدٌ يُحِبُّ اللهَ، فهذا مَعروفٌ عِندَهُ.” (١كو ٨: ١-٣)
٣- سلامة ووحدة الكنيسة وأديرتها والاكليروس بكل درجاته؛
“لتَصِرْ كُلُّ أُمورِكُمْ في مَحَبَّةٍ.” (١كو ١٦: ١٤) فالمحبة تعلو على كل شئ ، والانشقاق يضر الكنيسة كمثل ضرر البدعة.
٤- تأكيد الهوية القبطية في الحياة الكنسية والتعليم؛ فنحن لسنا كنيسة ضعيفة أو قليلة نلهث خلف الثقافات الأخرى، بل لنا خصوصيتنا بطول التاريخ، واللاهوت السكندري له نكهته الخاصة، وإذا كان الآخرون يفتخرون بأن لاهوتهم قد تطور على مدى التاريخ من بعد خلقيدونية؛ فإننا نفتخر بأن لنا لاهوتنا القبطي الذي لا ينفصل عن حركة التاريخ العقيدي في العالم، واستطاع أباؤنا القدماء والمحدثون أن يشهدوا للمسيح عريس الكنيسة بهذا اللاهوت وقدموا ومازلنا نقدم للسماء قديسين وشهداء وحكماء.
٥- التأكيد على علاقاتنا الطيبة مع كل الكنائس في العالم – فهناك قنوات للحوار اللاهوتي مع معظم كنائس العالم من خلال لجنة العلاقات المسكونية المجمعية – خاصة العائلة الارثوذكسية البيزنطية.
٦- تجميع كل طاقات ابناء الكنيسة في سفينة واحدة؛ لمواجهة التيارات العنيفة التي تعصف بالعالم ضد الايمان بالله، وضد الايمان بالمسيح، وضد الإنجيل، وضد الأخلاق.
٧- وضع ألية واضحة ومحددة لمحاسبة وتصحيح كل من يخرج عن إطار الإيمان السليم المسلم لنا من القديسين. بحيث يكون الرأي في هذه المرجعية رأيًا جماعيًا موثقًا وليس حسب أهواء الناس. ( نقترح هنا تشكيل لجنة مجمعية عليا تكون بمثابة المرجع الكنسي المعتمد).
٨- تقنين وضع المراكز التعليمية التى نشأت خارج تدبير الكنيسة، وتحديد ما هو مقبول منها كنسيًا، ونتبناه بإشراف كنسي دقيق؛ كمراكز مساعدة ومؤهلة للاكليركية والمعاهد الكنسية الرسمية والمعتمدة.
٩- وضع تحديد واضح لمواصفات ومؤهلات وسلامة تعليم كل من يتصدى لقضية التعليم اللاهوتي في الكنيسة، بحيث لا يُترك الباب مفتوحاً لكل من يدلي برأيه الخاص وكأنه التعليم السليم.
١٠- أهمية البدء في إنشاء مرجع لاهوتي كنسي معتمد من المجمع المقدس يكون بمثابة (catechism) للكنيسة القبطية الارثوذكسية. يكون هذا المرجع هو المعيار لمحاسبة كل من يخرج عن التعليم سواءً على منابر الكنائس أو في المراكز والمعاهد الكنسية أو بوسائل النشر المطبوعة أو الالكترونية.
(قد نحتاج هنا إلى مجهودات كثيرة، يتضافر فيها أبناء الكنيسة المخلصين، يتم تكليفهم بتجهيز مسودات اجزاء هذا المرجع، ثم يتم عرض إنتاجهم أولًا بأول على لجنة الايمان والتعليم والتشريع، للتعديل ثم رفعها للمجمع المقدس للتقنين).
١١- فيما نأخذ قراراتنا ، يجب أن نفكر في سلام أبناء الكنيسة بجانب اهتمامنا بسلامة التعليم، ولا يجب أن نعطي الفرصة لكل من يحب التطاول على الكنيسة وقيادتها أن يعتبروا اجتماعنا هذا هو نوع من الحجر على الفكر، أو معاداة الدراسة والتعليم، ومحاربة اصحاب الرأي والتفكير؛ فنحن نكن للجميع الاحترام والمحبة والاحتضان والاحتواء ولا نرغب الا في ضبط العملية التعليمية في الكنيسة بكل مستوياتها.
كما يجب أن نراعي البعد الرعوي في خدمتنا، فلا يجب أن ينشغل الناس عن خلاص نفوسهم بمباحثات لاهوتية عقيمة لا تخدم إلا إتجاه الشك والإلحاد والبعد عن احترام الكنيسة والكهنوت والمسيح نفسه.
“والمُباحَثاتُ الغَبيَّةُ والسَّخيفَةُ اجتَنِبها، عالِمًا أنَّها توَلِّدُ خُصوماتٍ، وعَبدُ الرَّبِّ لا يَجِبُ أنْ يُخاصِمَ، بل يكونُ مُتَرَفِّقًا بالجميعِ، صالِحًا للتَّعليمِ، صَبورًا علَى المَشَقّاتِ، مؤَدِّبًا بالوَداعَةِ المُقاوِمينَ، عَسَى أنْ يُعطيَهُمُ اللهُ توبَةً لمَعرِفَةِ الحَقِّ، فيَستَفيقوا مِنْ فخِّ إبليسَ إذ قد اقتَنَصَهُمْ لإرادَتِهِ.” (٢تيمو ٢: ٢٣-٢٦)
١٢- يجب على الجميع أن يتحلى بروح الاستماع للآخر، والاجتهاد للوصول إلى الروح الواحد. وعلى الأبناء أن يخضعوا لآبائهم ويصححوا أخطاءهم بروح الاتضاع، كما على الآباء أن يحتووا ويصححوا بالمواجهة الحانية ليشفوا النفوس.
١٣- يجب أن نفرق ما بين شخص هرطوقي يعلم تعليما منحرفًا ويصر عليه، وبين ابن للكنيسة اندفع بروح شبابية طموحة ويحتاج توجيهًا حانيًا شفوقًا.
وهنا أودّ أن نراعي:
– عدم التحزب بتكوين مجموعات او تكتلات، بحجة الغيرة على الكنيسة وتعليمها، واعتبار أنهم هم فقط معيار للايمان السليم، فينبغي أن ندرك أننا كلنا أعضاء في جسد واحد هو الكنيسة. “فَإِنَّهُ إِذْ فِيكُمْ حَسَدٌ وَخِصَامٌ وَانْشِقَاقٌ، أَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ وَتَسْلُكُونَ بِحَسَبِ الْبَشَرِ؟ لأَنَّهُ مَتَى قَالَ وَاحِدٌ:«أَنَا لِبُولُسَ» وَآخَرُ:«أَنَا لأَبُلُّوسَ» أَفَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ؟ (١كو٣: ٤،٣)
عدم التشهير بأي شخص سواء من الاكليروس ( بكل درجاته) أو من الشعب وتشويه سمعته على وسائل التواصل الاجتماعي، لأن مثل هذا السلوك هو أمر غير لائق ولا يتفق مع إيماننا المسيحي واخلاق الكنيسة.
ويجب أن نوعي شبابنا والدارسين ألا يجعلوا مواقع التواصل الاجتماعي منابر لمناقشة الأمور اللاهوتية والعقائدية، عالمين أن ليس كل رواد هذه المواقع بنفس الدرجة من الوعي الكنسي، واللاهوتي، او المسيحي من الأصل.
عدم وصف أي شخص بالهرطقة الا اذا صدر ضده قرار مجمعي، فالمجمع المقدس فقط هو من له سلطة اصدار مثل هذا الحكم “لأَنَّ اللهَ لَيْسَ إِلهَ تَشْوِيشٍ بَلْ إِلهُ سَلاَمٍ، كَمَا فِي جَمِيعِ كَنَائِسِ الْقِدِّيسِينَ”(١كو٣٣:١٤).
ويجب أيضًا أن نفرق بين الهرطقة والرأي؛ فالجميع يرفض الهرطقة ولكن يجب أن نتحلى بالإتساع الذي يستوعب الأراء الشخصية التي لا تؤثر على جوهر وسلامة الإيمان، وكذلك نستوعب الأساليب غير المعتادة، خاصة إذا كانت لا تسئ للتسليم السليم للإيمان من بعيد أو من قريب.
١٤- هناك بعض المصطلحات التي استخدمها الآباء، أو بعض المفاهيم التي شرحها الآباء؛ قد نختلف في رؤانا من جهة فهمها؛ علينا أن نتحلى بالصبر وطول الأناة في الحوار حول هذه النقاط الخلافية، وعلينا أن نتحلى بالشجاعة في تبني الفكر السليم، ولو أدى الأمر – بحسب رأيي – أن نعيد صياغة بعض المصطلحات بحسب ثقافتنا المعاصرة، طالما اتفقنا في المضمون، وليأخذ هذا الأمر وقته الكافي منعًا من حدوث انشقاق وخصومة.
وليكن الناتج لهذه الأبحاث والدراسات معجم لاهوتي قبطي ارثوذكسي للمصطلحات اللاهوتية واضح التعبير لمنع اللبس.
١٥- نؤكد على احترام كل أبائنا الذين علمونا وسلمونا الايمان ونرفض أي تطاول من أي شخص مهما كان على رموز كنيستنا سواءً الأحياء أو الذين انتقلوا، ونهيب بكل شعبنا القبطي كبارًا وصغارًا مع الإكليروس عدم الانسياق في تيارات تهين كنيستنا المجيدة وتسبب تجديفًا على الاسم الحسن من الذين هم من خارج حظيرتها.
“هَلُمَّ فنَبنيَ سورَ أورُشَليمَ ولا نَكونُ بَعدُ عارًا».” (نح ٢: ١٧)
ولنبدأ بدءًا حسنًا