عقدت جمعيّــة الاثار القبطية محاضرة بعــنـوان : الشفاء والمعجزات في الرهبنة القبطيـة القاها الدكتور يوحنا نسيم استاذ مشارك بجامعة اللاهوت بملبورن وكبيرالباحث بمركز المسيحية المبكرة بالجامعة
الكاثوليكية باستراليا
فى البداية قال الدكتور يوحنا نسيم عن الرعاية الصحية انها احدى اهم خصائص الرهبنة المسيحية منذ بدايتها كنظام اجتماعي في بدايات القرن الرابع وهذا النظام ( الرعاية الصحية) لم يكن له مثيل في العالم القديم وخاصة الرعاية على نطاق واسع في نظام رهبنة الشركة والتي تخضع للتنظيم الدقيق وكان هناك رعاية صحية عن طريق ما يمكن ان نسميه الان العيادة الخارجية للمرضي اي المرضى غير المقيمين وكذلك رعاية صحية مقدمة شخصيا داخل القلايات
وكان من بين الخصائص المميزة والجديدة. في العالم
القديم والذى لم يكن يعرف هذا النوع من الخدمة التى كانت تقدم تحت إشراف متخصصين في التمريض والطب.
اظهرته الحفائر في دير انبا ارميا بسقارة (ربما يعود الى عام 470م) فأن العيادة عبارة عن مبنى حوالي 540متر مربع وبها عنبر للنوم تقريبا ثلث مساحة الكنيسة الرئيسية وهى مبنية من الطوب بأبواب مزينة من الناحية البحريه والقبلية. والجدران كانت مكسوة بطبقة ملاط احمر وللاسف لم تظهر الجدران كاملة وهناك اثار لدولاب كبير بأرفف وكذلك بها العديد من الاواني الكبيرة وكبر حجمها يدل علي اهمية العيادة في رهبنة الشركة و تقديم الخدمة الصحية كانت تختلف من دير الى اخر او من مريض لاخر
و في السيرة اليوناية للقديس باخوم نجد نص يوضح ان
القديس باخوم بعد ما اقام ادراة للدير قام بعمل منزل لراحة المرضي وكان يشرف عليها مشرف واخر مساعد وهذا النص يعود الي سنة 324م تقريا. وفي سيرة خلفائه هورسيسوس وتادرس (بين 346-380 تقريبا) كان هناك وحدة رهبانية خاصة لخدمة المرضى
وكان هناك خدمة مقدمة للمرضى من خارج الدير وكانت معظم الحالات اما جروح اواصابات او خدمة تمريض لمرضي طويل الاجل ولكن لم يكن هناك جراحة مثلاً
في النوع الاخر من الرهبنة وهي الرهبنة التوحيدية حيث العلاقة بين المعلم والتلميذ. وكل معلم يحدد طريقة العلاج ويذكر بلاديوس
“وكان يدور على الاديرة من الفجر حتى الساعة التاسعة (3 بعد الظهر) من باب الى باب حتي يفتش عن المريض…”
وعن الطبيب في منطقة مصر السفلى فقد كان الاطباء يملكون خبرات واسعة من العلاج بالاعشاب والادوية وكذلك مبادئ الصحة العامة والرهبان الذين كانوا اطباء قبل الرهبنة استمروا في ممارسة مهنتهم اما في مصر العليا فأن في رهبنة الشركة كان الموضوع اكثر تنظيم بل كان هناك اطباء للرجال والنساء
وعن التمريض فقد كان في اديرة انبا شنودة عمل مؤسسي ومذكورعنه في نصوص موثقة بمعنى الذين يخدموا المرضي وهو اول ظهور في التاريخ لمهنة التمريض حيث يقومون على خدمة المرضى بالتبادل
وفي احد اقوال الاباء يقول ان الاب اوليمبيوس في وادى
النطرون (الاسقيط) استقبل احد كهنة الاوثان ولما رأى صلواتهم قال له لابد انكم عندكم رؤى فقال له: لا
فرد الكاهن: “اما نحن فنقدم ذبائح لالهنا وهو لا يخبئ لنا شئ
بينما انتم مع كل هذا التعب والسهر ومع ذلك ليس عندكم رؤى حقا ان افكاركم شريرة ولذلك لا يكشف لكم وهنا ذهب اوليمبيوس الى الاخوة وقال لهم بإعجاب عن رأي الكاهن الوثني ولكن في الواقع فأن الرهبان كانوا يتحاشوا الرؤى فمثلا ظهر الشيطان مرة الى اخ وقال له: “انا الملاك غبريال. وقد ارسلت اليك.”
فقال لة انى غير مستحق ان يظهر لي ملاك
فعرف الشيطان ان حيلته قد انكشفت فاختفى من امامة فى الحال
وسال اخ شيخ: “ما رايك في من يظهر له الملائكة.” فأجاب “يالسعادة من ينظر خطاياه دائما”
ويحكى ان شيطان ظهر مرة الى راهب وقال لة:” انا
المسيح.” فأغلق الراهب عينيه. فقال له الشيطان: ” انا المسيح لماذا تغلق عينيك” فأجاب الراهب: ” ليس هنا اريد ان ارى المسيح ولكن في الحياة الاخرى.” وعند هذا اختفى الشيطان
وبنفس نظرة التواضع: قال الشيوخ “حتى اذا ظهر لك ملاك لا تستقبله طواعية بل اتضع وقل ان لست مستحق ان الخاطئ الذي يعيش في الخطية.”
وهذه النصوص تبين رفض الرؤى
على ان هذه الاقوال لا تعني ان الرهبان كانوا لا
يرون رؤى اطلاقا بل كانوا لا يريدون ان احد يشهد ويشهر بذلك.
ويحكى عن القديس ارسانيوس والذي بنى قلاية بعيدة عن الاخرين . وفي يوم ذهب اليه اخ وقبل الدخول وقف على الباب ونظر ارسانيوس كله نار. وبعد فترة طرق الباب وفتح له ارسانيوس ولكن لما رأى ان الاخ مضطرب سأله قائلا: “هل لك فترة تطرق الباب؟ هل رأيت شئ؟” ولكن الاخ انكر احتراما لشعور ارسانيوس والنص يوضح ان الاخ كان مستحق ان يرى ارسانيوس بهذا الوضع وعندما كان يفاجاء الرهبان فأنهم كانوا يتركوه
وفى يوم دخل احد الرهبان ويدعى زكريا على القديس سلوانس ووجد ان ايديه مرفوعة للسماء وسلوانس في حالة نشوى. فرجع واغلق الباب وخرج؟ وعندما رجع في الساعة السادسة ثم الساعة التاسعة (ساعة الغذاء) ووجده على نفس الحالة. وفي الساعة العاشرة رجع ووجده هذه المرة جالس. فسأله: “ماذا جراك يا ابي اليوم؟” فرد عليه: ” كنت مريض اليوم يا ابني” ولكن الاخ امسك رجليه وقال له: “انا لن اتركك حتى تحكي لي ما رأيت.” وهنا قال الشيخ: ” لقد رأيت مجد الله وقد تجمدت في مكاني ولم استطع التحرك إلا الآن”
وهناك الكثير من الرؤى كانت لها علاقة بالموت وما
بعد الموت فمثلاً نعرف ان انطونيوس من ديره بالقرب من البحر الاحمر رآى نفس امون تحملها الملائكة عندما مات في نتريا على بعد حوالي 300كم ونفس الرؤى ممكن ان تقال عن القديس باخوم الذي رأه
تلميذه تادرس والملائكة تحمل روحه ولكنه لم يقل شئ إلا لمنفعة الاخوة
ويؤكد الدكتور يوحنا نسيم انة بدراسة المعجزات نجد ان الرهبان الذين يعيشون
بجوار النيل والقرى لهم معجزات كثيرة مثل موسى الذي من ابيدوس ويوحنا اسقف ارمنت والتي غيرت معجزاته عابدي الاوثان او يوحنا الاسيوطي (الليكوبوليسي) ومعظمهم من الصعيد لأن الجبل قريب من القرى بينما تقل المعجزات في مصر السفلى والرهبنة الانطونية في البحر الاحمر
فمثلا لا نجد معجزات للانبا بولا اول السواح او القديس نوفر او غيرهم
والتعليل بسيط ان هذا لا يعني انهم لم يكن عندهم معجزات ولا ينفى عنهم القداسة ولكن لم يكن هناك اناس لكي تروي المعجزة او الرؤيا وخلافه
وعن الرهبنة النسائية يضيف الدكتور يوحنا بقوله
لقد وصلنا من اقوال الاباء بضعة اسماء لراهبات كن يحملن لقب “اما” منهم ثيؤدورا التي كانت تعيش خارج الاسكندرية و اما سارة والتى كانت تعيش في صحراء بلوزيوم (حاليا بالوظة بالقرب من بورسعيد)
وكذلك سنكلتيكي والتى تتكلمت عن الكسل ووصفتة بالروح الهدامة التي تصيب الراهب بالملل (وهو ما تكلم عنه ايفاجريوس –أوغريس)
وهنا يبرز السؤال هل يوجد اختلاف بين رهبنة الرجال ورهبنة النساء
وهنا نجد الاجابة عن اما سارة وعندما وصلوا قال احدهم للاخر :”هيا بنا نحقر هذه المرأة العجوزة.” ثم قالوا لها: “لا يغرنك ان تفكري في نفسك وتقولي كيف ان اثنين متوحدين يأتون لي وانا فقط امرأة” ولكن اما سارة قالت لهم: “حسب الطبيعة انا امرأة ولكن ليس من حيث فكري.”
فأن النسك ينهي تماما الانوثة وتصل النساء إلى وضع الرجال ولذلك فأن اقوالهم ادرجت في ضمن اقوال الاباء وكان الشيوخ يزورنهم ويستشيرونهم. بل ويبدو ان ثيؤدورا كانت على اتصال بالبابا ثاؤفيلس
في الرهبنة الباخومية كانت هناك اديرة خاصة بالراهبات والتي اتبعوا قوانين باخوم.
واول رئيسة لدير باخومي هي اخته. ونلاحظ ان القوانين الباخومية توضح وتؤكد على العزلة بيت الرجال والنساء
وفي تاريخ الرهبان المصريين يذكر عن باترموتيوس “انه كان اولا زعيم عصابة و سارق قبور الوثنين وكان مشهور بجرائمه وهذا ما حدث لخلاصه. هجم مرة فى الليل على دير به راهبة بهدف السرقة ولما لم يجد مكان للدخول قفز على السطح ولم يجد طريق للدخول ولا طريقة للانسحاب فجلس علي السطح حتى النهار ونام ورأى ملاك وقال له: “كف عن وضع عينك على القبور ولا تضع في ذهنك هذه السرقات التعيسة. واذا كنت تريد ان تمر من الجريمة إلى الفضيلة ارجع عما انت بة…” وفي الصباح خرجت الراهبة وقالت له كيف اتيت الى هنا وماذا تريد؟ فأجاب: ” انه لا يعرف شئ ولكنه يريد ان تدله على الكنيسة
وفي منتصف القرن الرابع بدأت الارستقراطية تهتم بنظام
الرهبنة المصرية ومنهم مرسيللينا وهي اخت امبروسيوس اسقف ميلانو فيما بعد
وفي سيرة القديس دانيال قمص برية شهيت نجد انة
هناك قصتين عن الراهبات احدهما هي انسطاسيا النبيلة التي هربت من حياة البلاط مرتدية زي الرجال وترهبنت في الاسقيط (وادي النطرون).
وكذلك الراهبة التي كانت تدعي البساطة (الهبل)
ولكنها كانت تخفي حياة فاضلة. وهاتين القصتين توضح ان هناك اديرة للراهبات في القرن السادس بها اسوار وتحت اشراف اب روحي.
وفي مرة حاول اثنين من اللصوص دخول دير الراهبات لسرقته فتنكر احدهما بأسم الانبا دانيال وتنكر الثاني في زي تلميذه ولما دخل اللصان الدير اتى الراهبات ليغسلوا رجليه وبعد غسيل ارجله جاءت الراهبات لغسل وجوهن بالماء (مكان رجليه) وكانت هناك راهبة كفيفة ولما غسلت وجهها بهذا الماء ابصرت وعندها رجع اللص إلى عقله وتاب واصبح راهب
ومثل انسطاسيا هناك قصة هيلاريا (وهذه قصة تشبه قصص مماثلة في سير القديسين اليونانين مثل ابويلناريا، افروسينا وصوفيا وغيرهن) هي انسانة نبيلة ترهب من حياة البلاط وتتزين بزي الرجال وتصبح راهبة والقصة من المفروض انها تدور في ايام الملك زينون (474-491م) وهو الذي اصدر منشور الوحدة سنة 482م وهذه السيرة وردت مخطوطتها محفوظة فى بيربونت مورجان ومؤرخة سنة 848م وبعض الاوراق من دير الانبا شنودة محفوظة في مكتبة جون رايلندز (مانشستر) والمكتبة الاهليه في باريس ومكتبة ليدن وبرديات في المتحف البريطاني. وان كانت هذه القصة غير مؤكدة تاريخيا إلا انها تحتوي على بعض التفاصيل المهمة في نظام القراءات الكنيسة ونظام الاحتفال بعيد مار مرقس في الاسكندرية. على الاقل وقت كتابة هذه القصة
ويذكرالدكتور يوحنا نسيم من تاريخ البطاركة قصة دير للراهبات في ايام البابا )767-744 خائيل الاول وهو البطريرك ال46(
ايام مروان الجعدي الاموي هاجمو احد الاديرة للراهبات كان فيه عرايس المسيح عددهم ثلاثين راهبة فملكوهم وكانت فيه صبية عذراء دخلت الى الدير
فلما نظروها بهتوا من حسنها وقالوا ما شاهدنا قط في بني ادم مثل هذه فاخذوها واخرجوها من وسط اخوتها وتشاوروا فيما بينهم ماذا يفعلوا بها فمنهم من قال نتقارع عليها وقوم قالوا نمضي بها الى الملك وفيما هم يقولوا هذا قالت لهم اين هو رئيسكم اريد ان اخبرة بشئ يساوي اموال كثيرة على ان تتركونى فاني عابدة لله فقال لها واحد انا هو فقالت له ابائي كانوا مقاتلين وشجعان اقويا دفعوا لي دوا كانوا يدهنوا به اذا خرجوا للقتال فلا يعمل الحديد فيهم شئ ويصير السيوف والرماح في اجسادهم مثل الشمع قدامهم قان اخليت سبيلي دفعته اليك وان كنت لا تصدق كلامي فانا ادهن رقبتي قدامك واتى باجود سيف مع رجالك ودع واحد منهم يضربني فلا يقطع في شئ لتعلم صحة قولي
فلما قالت لهم هذا بحكمة ارادت ان تموت بالسيف ولا
تتنجس ثم دخلت مخدعها واخرجت زيت من صلوات القديسين كان مخفي عندها فدهنت به وجهها وجميع جسدها وصلت وبركت على ركبها وظنوا الجهل ان الامر صحيح ولم يعلموا ما في نفسها ثم قالت لهم من كان فيكم قوي وسيفه قاطع فيظهر قوته في فانكم ترون مجد الله في هذا الدواء عند ذلك وثب شاب شجاع بسيف كان يفتخر به وقالت له اضرب بقوتك كلها ولا تبالي فضرب القديسة الشهيدة فطارت راسها فعلموا حينيذا ما فعلت فندموا وحزنو حزنا عظيما ووقع علي جميعهم رجفة عظيمة ولم يلتفتوا بعدها الى احدى من العذارى الرهبانات بل تركوهم ومضوا ممجدين الله.”
وهذا الجزء من تاريخ البطاركة كتبها يوحنا وهو
الابن الروحي للانبا مويسيس اسقف اوسيم حوالي سنة 770م وفيها جزء كبير مخصص لسقوط الدولة الاموية وصعود الدولة العباسية
وهذه القصة تبين ان اديرة الراهبات كانت داخل اسوار وان ثلاثون راهبة كانوا يعيشون سويا. وفي كتاب الأديرة والكنائس المنسوب لابو المكارم جرجس سعد الله في القرن الثالث عشر. اعاد سرد هذه القصة واعطى اسم لهذه الراهبة “فبرونيا” واما الدير فهو شرقي الجميدات (بالقرب من اخميم)
وبما ان المكان في الصعيد فربما كانت تتطبق نظام الرهبنة الباخومية – ونظام الشركة.
وعن اشهر راهبة فى القرون الوسطي وهى افروسينا
يقول الدكتور يوحنا نسيم كانت رئيسة دير مار جرجس حارة زويلة وقد ولدت حوالي سنة 1228م وتيتمت منذ ضغرها ولكن تبناها زوجين فاضلين ودخلت الدير وكانت تحفظ الكتب المقدسة وكانت مثال للفضيلة وتنيحت في 9 امشر سنة 1024ش (1308م) وكانت معاصرة للقديس برسوم العريان وفي هذه الاثناء اغلقت الكنائس لمدة سبع سنين ثم فتحت كنيستين واحدة للاقباط (حارة زويلة) والاخرى للاروام (الحمزاوي). وربما ما ساهم في شهرتها ان الكرسي البطريركي نقل إلى حارة زويلة. وبذلك فقد عاشت في فترة مضطربة بجوار البطريركية. تذكر المديحة الخاصة بها انها كانت رئيسة على اربعين راهبة
والخلاصة ان الرهبنة النسائية بأستثناء الفترة الاولى فأنه منذ القرن السادس وإلى الآن هي رهبنة شبة باخومية
وفى نهاية المحاضرة فتح باب المناقشة والاستماع للتعليقات والعديد من المداخلات وتمت الاجابة على اسئلة الحضور واختتم اللقاء بالتقاط بعض الصور التذكارية مع الدكتور يوحنا نسيم والسادة
الحضور
ومن الجدير بالذكر ان الدكتور يوحنا نسيم حاصل علي الدكتوراة في القبطيات من جامعة مونبيليه بفرنسا وهو استاذ مشارك في جامعة ديفنتي وباحث بالجامعة الاسترالية الكاثوليكية وله ابحاث منشورة بالعربية والفرنسية والانجليزية في فروع القبطيات والمسيحية المبكرة والدراسات العربية المسيحية ايضا لة العديد من المؤلفات والكتب و اشرف على العديد من الرسائل العلمية وله ابحاث ودراسات منشورة فى العديد من المجلات العلمية وهو متخصص فى اللتورجيات القبطية ونشر ابحاث فى اصدارات عديدة من مجلة جمعية الاثار القبطية واحدث اصداراتة كتاب تكريس الميرون بواسطة الانبا غبريال البطريرك الخامس عام 1874 مع الاب للدكتور اوجوزنتى