خلع عدسات العينين وتركيب عدسات جديدة بعد إزالة المياه البيضاء
من طه حسين… إلي كميلة أرمانيوس87% من المصابين بضعف النظر من سكان الدول النامية
كان سابع ثلاثة عشر من أبناء أبيه, وكان يشعر بأن له بين هذا العدد الضخم من الشباب والأطفال مكانا خاصا يمتاز عن مكانة إخوته وأخواته, كان يحس من أمه رحمة ورأفة, وكان يجد من أبيه لينا ورفقا, وكان يشعر من إخوته شيئا من الإحباط في تحدثهم إليه ومعاملتهم له… ولكن لم تلبث هذه الحقيقة أن استحالت إلي حزن صامت حزين, ذلك أنه سمع إخوته يصفون ما لا علم له به, فعلم أنهم يرون بما لا يري… هذه صورة لجانب من حياة طه حسين عميد الأدب العربي سطرها في كتابه الأيام… عدت إليها أعيش أجواءها بكل ما تحمله من صور بعضها يزيدني تفاؤلا وبعضها يسحبني إلي لحظات تشاؤم… عدت إليها في محاولة للمقارنة وأنا أصطحب صديقتنا كميلة رزق الله حنين أرمانيوس في رحلة علاج علي طريق الخير… رأيت في جانب من حياتها ما يشبه حياة أستاذنا, وفي جوانب أخري اختلافا… أستاذنا كان لا يبصر علي الإطلاق, وصديقتنا تري ما هو قريب من عينيها وكل ما هو بعيد فهي تراه ضبابا يقترب إلي الظلام… لكن كليهما ولد وعاش طفولته في القرية… الأغرب أن كليهما من محافظة المنيا وكأنهم كلهم في الهوا سوا كلاهما من أسرة كثيرة العدد وكأنها لازمة من لوازم المآسي… ولم أشغل نفسي أكثر من هذا في البحث عن نقاط التشابه ونقاط الاختلاف…
انشغلت في إنقاذ صديقتنا فمن تحنن الله أننا نعيش في زمن غير الزمن… ولوكان طه حسين ولد في زمننا ربما ما أصيب بما أصابه, ولكن ربما أيضا ما كان عميدا للأدب العربي, وما كان وصل إلي أعلي المناصب وزيرا للعلم والثقافة… إننا نثق في مشيئة الله وتدبيره ونعلم أن كل الأمور تسير حسنا… ومع داود النبي رفعت عيني إلي الجبال من حيث يأتي عوني, معونتي من عند الرب صانع السموات والأرض (مزمور121:1) واليوم أدعوكم معي في رحلتنا مع صديقتنا كميلة لتروا يد الله وهي تمتد لتعيننا
** في اتصال هاتفي حدثتني خادمة بإحدي كنائس المهندسين عن مأساة سيدة بإحدي المناطق الشعبية -أرض اللواء- التي تمتد إليها خدمة كنيستها… السيدة تعاني من قصر نظر شديد لا يسمح لها بالرؤية حتي لأقرب المسافات فتبدو كالعميان الذين يتلمسون خطواتهم ويتعرفون علي الأشياء بحاسة اللمس أو السمع أكثر من حاسة البصر… تأثرت جدا لكلماتها واهتزت مشاعري لحال السيدة من قبل أن أراها… أشفقت عليها فلم أدعوها للحضور لتقديم طلب واستيفاء ملف حالات أصدقائنا المرضي… علي غير العادة قررت علي الفور أن أصطحبها في رحلاتنا لعلاج المتألمين… اتصلت بصديقنا طبيب العيون النابغة الدكتور مجدي عيسي استشاري الرمد وحدثته عن حالة صديقتنا الجديدة كما سمعتها وطلبت منه أن يناظرها في أقرب وقت… يبدو أنه استشعر تعاطفي معها وشاركني مشاعر التألم لحالها فقال لي ستكون أول من أستقبلهم غدا في عيادتي الخامسة بعد الظهر… عاودت الاتصال بالخادمة وأخبرتها بالموعد وعرفتها بالمكان… بعدها جاءني زوج صديقتنا يحمل تقرير الدكتور مجدي عيسي… مرة أخري اهتزت مشاعري أمام التقرير الذي جاء به بالنص بالكشف الطبي علي السيدة كميلة رزق الله وجد أن قوة إبصار العين اليمني بالنظارة الطبية سالب 18 مع سالب 3 استجماتيزم 60/3 والعين اليسري سالب 18 مع سالب 6 استجماتيزم 36/6, وقاع العين يظهر قصر نظر شديد, والعين اليمني بها تليف بمركز الإبصار نتيجة عيب خلقي وتحتاج إلي إجراء عملية إزالة عدسة مع زرع عدسة CLE بالعينين…
إلي هنا انتهي التقرير الطبي وبقدر ما صدمني أسعدني لأن الطب وجد حلا لمأساتها… الصدمة الأكبر عندما تطلعت إلي زوجها -الشاب- الذي جاءني يحمل التقرير… سألته عن سن زوجته صاحبة المأساة… لم أستغرب عندما قال لي 36سنة فقد كنت أتوقع هذا مادامت زوجة للشاب الجالس أمامي… الصدمة لم تكن في إجابته… الصدمة كانت في خيالي الذي رسم لي صورة سيدة عجوز لا تكاد تبصر ما أمامها والأكثر كان في التقرير الطبي الذي لم أكن أتصور أنه لسيدة في السادسة والثلاثين من العمر!!.
** زاد تأثري لحالها وأشفقت عليها لهذا الغموض الذي يحيط بعينيها ويحول الحياة أمامها إلي سحب من الضباب وعاودت الاتصال بالدكتور مجدي عيسي وطلبت تحديد أقرب موعد لإجراء الجراحة… وكان يوم الأحد الماضي وفي مستشفي الوطني للعيون أحدث وأضخم مستشفي بتجهيزاته الحديثة ومعداته المتقدمة تكنولوجيا, ورقي فريق العمل… في هذا الصرح الطبي الجديد كان لقائي الأول مع صديقتنا كميلة رزق الله هي بالفعل كما تسجل بطاقتها ستستكمل عامها السادس والثلاثين في 13 يوليو القادم, وإن كانت قسوة الحياة أضافت إلي عمرها ما يبدو أكثر بقليل وإن كان لم يصل إلي ما وصل إليه خيالي لسيدة عجوز… لم أرد أن أثقل عليها بالحديث وهي تستعد لدخول غرفة العمليات, ولكن فضولي لم يهدأ داخلي لأعرف سر مأساة صديقتنا الشابة… دعوت شقيقتها التي جاءت ترافقها لتحكي لي ولكم حقيقة مأساة كميلة.
***
** كميلة ولدت في 1980/7/13 بقرية دانوف مركز دير مواس محافظة المنيا… وهي الابنة الثانية بعد شقيقها البكر طلعت من أب كان يعاني منذ صغره من ضعف الإبصار فلحقت لعنة الوراثة ببعض أبنائه وبعدت عن البعض الآخر, ولأنه كان فلاحا بسيطا لا يملك من حطام الدنيا شيئا سوي القروش القليلة التي يتقاضاها في نهاية اليوم من صاحب الأرض الذي يعمل في حقله اليوم, وغدا في حقل آخر, فلم يهتم بعينيه ولا بعيون أولاده… كميلة أول من أصابتها لعنة الوراثة فخرجت من مدرسة القرية وهي في الصف الثالث الابتدائي ووجدت وهي في العاشرة من عمرها فرصة بسيطة للعمل في كنيسة القرية, ولما بلغت السابعة عشر تقدم لخطبتها ابن خالتها الذي يعمل بالقاهرة, وبعد ثلاثة شهور تزوجها وجاء بها إلي القاهرة لتتواصل خيوط مأساتها.
** تعجبت لهذه البساطة في الحياة… أب مصاب بضعف في الإبصار يترك عينيه للقدر ولا يبحث عن علاج… يعرف أن ضعف الإبصار وصل بالوراثة إلي فلذة كبده فلا يهتم بالبحث عن علاج لعينيها ففاقد الشئ لا يعطيه… تترك الطفلة المدرسة لضعف بصرها لكنها تقاوم براءة طفولتها وقصر نظرها وتلتحق بالعمل وهي في العاشرة… يتقدم شاب لخطبتها وهي في السابعة عشر فتتزوجه بعد ثلاثة شهور وتنسي مأساتها وتغمرها السعادة بالعريس القادم من العاصمة أم الدنيا… ببساطة نفتقدها ولا يدركها إلا البسطاء الذين نسميهم للأسف الغلابة وهم أكثر منا دفئا وحبا وسلامة قلب وإحساسا بالسعادة.
***
** عندما قلت لشقيقتها هذه الحقيقة التي يغفلها الكثيرون مضت تكشف لي ما هو أكثر من بساطة حياتهم… كانت تحكي بعفوية وفرحة قلب, ولكن لا أخفي عليكم أنني كنت أري في كلماتها مآسي بشر… هكذا رأيتها ولكن الله يعطيهم معها رضا يفوق كل تصوراتنا.
** حتي لا تبقي كلماتي مجرد حروف مرصوصة علي الورق أدعوكما لتعيشوا معي بساطة حياة هذه الأسرة أو مأساتها كما أراها بعيوني… الأب البسيط الذي يعمل فلاحا بالأجر ومصاب بضعف الإبصار ويتناقل بالوراثة إلي أبنائه هو أب لعشرة أبناء!!.. أكبرهم طلعت يليه كميلة صديقتنا الجديدة, ومن بعدهما كاميليا, كميل, روماني, مني, كريستينا, إيمان, عماد وآخرهم مريم التي حرمها القدر أيضا من حنان الأم التي توفيت بعد ولادتها بنصف عام صريعة السرطان المرض اللعين الخبيث… جانب آخر -وهو الأهم عندي- كشفت عنه الأخت وهي تتحدث عن شقيقتها كميلة كانت متقبلة حالتها بشكر وتسليم كامل لمشيئة الرب فاستحقت مكافأته إذ أعطاها زوجا كان يخفف من معاناتها, وتبصر بعينيه, ويتولي عنها الكثير من مهامها التي لا تسعفها عيناها لأدائها… وعاشا في هدوء ورزقهما الله بابنتهما البكر مريم الطالبة الآن بالصف الأول الإعدادي, وبعدها بالابن جرجس والابنة مارينا ومن بعدهما حملت كميلة وأثناء الولادة التف الحبل السري حول رقبة الجنين ونجت الأم بسلام وضاع الجنين… وليس هذا بيت القصيد فبعدها رزقها الله بالابنة دميانة 4 سنوات, لكن الجانب المأساوي في القصة أنها أثناء وضع الجنين الذي لم تكتب له حياة تعرضت لنزيف حاد وفقدت كميات كبيرة من الدم, وبعدها زاد ضعف إبصارها فلم تعد تبصر حتي وجوه أطفالها ولو علي مسافات قريبة. وهنا بدأت رحلة العذاب بين المستشفيات الحكومية ومتاهات القومسيون الطبي إلي أن وصلت مأساتها لخادمة الكنيسة وبدأنا معها رحلة العلاج.
** انتهت كلمات الأخت علي صوت باب حجرة العمليات ينفتح وتخرج كميلة علي كرسي متحرك لتقضي ساعات في حجرة مريحة وتتلقي تعليمات الطبيب المساعد قبل أن تعود إلي منزلها كانت الأخت تحكي لي عن حياة كميلة ولكني لم أر في حكايتها قصة كميلة وحدها… رأيت قصة كل البسطاء الذين يعطيهم الله نور البصيرة حتي وإن سلب منهم نور البصر… سعداء بحياتهم… أقوياء بإيمانهم… رأيت صورة الرب الحنون الذي يظلل الجميع بيديه… أنا الله أمتحن القلوب وأختبر الرغبات كي أكافئ الإنسان بحسب طرقه وبحسب إيمانه (إرميا17:10)
***
** خرج الدكتور مجدي عيسي من حجرة العمليات مبتسما… رأيت الفرحة مرسومة علي وجهه… وقرأت في عيونه رسالة شكر للرب الذي تمجد وتمت الجراحة بنجاح… سألته عما حدث.. قال: كميلة منذ كانت طفلة 7 و 8 سنوات وهي تعاني من قصر نظر شديد بعينيها الاثنتين… مأساة حقيقية لا يعرف قسوتها إلا من ذاقها ولكنها ليست وحدها… هي واحدة من ملايين المصريين وتشير الإحصاءات أن 87% من المصابين بضعف النظر علي مستوي العالم هم سكان الدول النامية… كميلة منذ طفولتها لا تبصر إلا الأشياء القريبة… الشوارع والأشياء البعيدة عنها ضبابية وغير واضحة تماما… كانت ضحية عيب خلقي وراثي… هناك أسباب عديدة لضعف الإبصار لكن الأمر الشائع أن ضعف الإبصار هو مشكلة وراثية وهذه حقيقة لأنه السبب الأكثر انتشارا… وكميلة واحدة من بين هؤلاء… ومع الأيام زادت حالتها سوءا وضعفت رؤيتها أكثر لأن العين تنمو مع النمو وكلما تقدمت بها الأيام ازداد ضعف إبصارها… الأكثر مأساة في حالة كميلة أننا في الحالات العادية لقصر النظر توصل التقدم العلمي لطب العيون لإصلاحه بالليزر, وفي الحالات التي يشتد فيه قصر النظر نقوم بزرع عدسة فوق العدسة الخلفية, لكن مع كميلة لم يكن أمامنا خيار إلا في نزع العدسة الخلفية وزرع عدسة جديدة, لأنه مما زاد من سوء حالتها بداية ظهور مياه بيضاء فلو زرعنا عدسة جديدة فوق العدسة الخلفية سنواجه عند بلوعها سن الأربعين تصلب عدسة العين بسبب المياه البيضاء الكتاركتا وتفقد العدسة الخلفية شفافيتها ووقتها سضطر إلي خلع العدسة الجديدة التي زرعناها وخلع العدسة الخلفية وزرع عدسة ثالثة, وهكذا سندخل في جراحات متعددة ومتتالية, لهذا رأينا اختصار الطريق وخلع العدسة الخلفية, وإزالة المياه البيضاء, وزرع عدسة جديدة في جراحة واحدة… المشكلة أن العدسة الجديدة ستسمح لها برؤية واضحة لمسافات بعيدة أما المسافات القريبة فستحتاج إلي استخدام نظارة وهذا الوضع أفضل بكثير… لقد بدأنا اليوم بالعين اليمني, والأحد القادم سنجري الجراحة الثانية بالعين اليسري, وبعدها نقرر مقاسات عدسات النظارة الطبية.
***
** معذرة يا صديقتنا كميلة لن أرافقك اليوم في الجراحة الثانية.. سأذهب أرفع صلاة شكر للرب الذي أعاننا لنأخذ بيدك ونصحح إبصارك ونخرج بك من عالم الضباب سأشكر الرب ومن كل قلبي فلولا معونته ما استطعنا أن نفعل لك شيئا لأننا كما قال بولس الرسول في رسالته إلي أهل فيلبي أستطيع أن أواجه كل الظروف بالمسيح الذي يقويني… سننتظرك لعمل النظارة وسندعوك لتشكري معنا كل الأصدقاء الذين بتعضيداتهم خرجنا بك إلي عالم النور.
فيكتور سلامة
–
صندوق الخير
المبلغ بالجنيه
600 جنيه إبراهيم سامي نجيب
1000 جنيه بنت المسيح
500 جنيه من يدك وأعطيناك
200 جنيه منك وإليك يارب
2000 جنيه شفاعة العذراء والأنبا أبرآم
1000 جنيه من يدك وأعطيناك
7000 جنيه من أبناء البابا كيرلس بسوهاج
200 جنيه علي روح المرحومة برقوقة فهمي
12500 اثنا عشر ألفا وخمسمائة جنيه لا غير
لعلاج أندرو وبطرس
المبلغ بالجنيه
1000 جنيه بنت المسيح
5000 جنيه من يدك وأعطيناك
30000 جنيه من يدك وأعطيناك
1000 جنيه فاعل خير
3000 جنيه من أبناء البابا كيرلس بسوهاج
40000 أربعون ألف جنيه لا غير