تعنى العادات والتقاليد فى تعريفها العام ظواهر ثقافية واجتماعية تتمثل فى سلوكيات وممارسات اجتماعية وثقافية موروثة او مستحدثة تسهم فى تشكيل الوعى، ولأنها كذلك فغالبا ما يتم النظر إليها على أنها أحد مكونات الهوية الثقافية. وبغض النظر عن طبيعتها السلبية أو الايجابية، فلهذه الممارسات والمعتقدات خصائص معينة، فهى فى الغالب مجموعة من الأعراف المتفق عليها بدون أن تكون مكتوبة او مدونة، ولكنها تحظى بمشروعية لكونها محل اتفاق بحكم توارثها أو اتساع نطاق ممارستها. ومن ناحية أخرى، فإن العادات والتقاليد لها وظائف اجتماعية تنظيمية وأخلاقية. ومن ناحية ثالثة، فهى لا تعبر عن منظومة ثابتة أو متجانسة. وتتعدد المواقف إزاء عادات وتقاليد بعينها، فأحيانا ما يتم النظر إليها على أنها تعبير عن ممارسات وسلوكيات إيجابية وبالتالى يجب المحافظة عليها، فيقول البعض مثلا أن هذه عاداتنا وتقاليدنا ويجب أن نحترمها”، وقد تكون سلبية وينبغى تغييرها، فيقول آخرون أن علينا مواكبة العصر والتخلص العادات والتقاليد المقيدة”.
وإذا كانت من بين العادات والتقاليد ما يعزز التضامن الاجتماعى ويحفظ التماسك الأسرى، إلا أن منها ما يهدد السلام الاجتماعى والسلامة الشخصية والجسدية للأفراد، وخاصة الفئات الأضعف فى المجتمع. وهذه الممارسات الضارة غالبا ما تكون مرتبطة بنظام سيطرة تقليدى، بمعنى حفظ علاقات السيطرة بين الأجيال (كبار وصغار)، أو سيطرة فئة على فئة أخرى (النساء والرجال، أو الأغلبية والأقلية). وكلما ارتبطت العادات والتقاليد بمبدأ السيطرة والتمييز والاستبعاد كلما كانت ضارة. ويسعى أصحاب المصلحة إلى إضفاء نوعا من القداسة على الكثير من العادات والتقاليد الضارة، ويعظمون الجزاءات حال خرقها أو عدم ممارستها.
وتلعب العادات والتقاليد دورا فى فى التنظيم الاجتماعى، حيث يكون لها سلطة قد تفوق سلطة القانون وتحديدا فى المجتمعات التقليدية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك ظاهرة “الثأر” كوسيلة للقصاص خارج نطاق القانون. ويستدعى الحديث عن ظاهرة الثأر الحديث عن تقليد مواز “الدية” كبديل مادى عن القصاص والهدف منه تعويض أهل القتيل وتجنب المزيد من إراقة الدماء. وعلى الرغم من ان الدية بديل إيجابى عن الثأر، إلا أنها تعد انتقاصا من سلطة القانون وتعبير عن إزدواجية معايير العدالة، فالدولة المصرية على سبيل المثال والتى من المفترض أنها دولة قانون، تلجأ فى كثير من الاحيان إلى رعاية هذه الأنماط التقليدية فى التصالح/القصاص، ولاحظنا فى كثير من الأحيان مشاركة مسئولى الدولة فى جلسات صلح عرفية بعيدا عن الاجراءات القانونية.
وعلى مستوى العلاقات الشخصية، فإن الأعراف والتقاليد تحكم الكثير من جوانب الحياة، فى الزواج والطلاق والحياة الخاصة والجنسية. وثمة ممارسات تسهم فى حل النزاعات الأسرية والشخصية بشكل ودى وبدون اللجوء إلى الإجراءات القانونية. ولكن بالمقابل، ثمة ممارسات لتنظيم الحياة الشخصية والأسرية وفق المفهوم التقليدى، وتفضى إلى أضرار بالغة، ولعل المثال الأبرز فى هذا الصدد يتمثل فى عادة ختان الإناث، فهذا التقليد الموروث من الماضى، له دور فى صياغة العلاقة بين الذكور والإناث فى المجتمع، وعلى الرغم من تجريم هذه العادة بالقانون إلا أنها لازالت فعالة فى المجتمع، ويواصل الناس ممارستها كفعل اجتماعى مقبول أو بسبب الخوف من تبعات عدم ممارستها والتعرض لجزاءات اجتماعية محتملة، كأن لا تتزوج الفتاة غير المختنة.
صحيح أن هناك مسئولية تقع على عاتق الدولة ومنظمات المجتمع المدنى والإعلام وغيرها من المؤسسات والجماعات لمواجهة العادات والتقاليد الضارة، ولكن هذا لا يعنى الاستغناء عن الممارسات الايجابية فى الموروث الاجتماعى والثقافى، كتلك المرتبطة بالطقوس الاحتفالية والأعياد وخاصة تلك التى تعبر عن مشترك اجتماعى وثقافى. وهنا تبرز أهمية المبادرات الواعية التى تعزز المكونات الايجابية فى الثقافة المحلية، مع التأكيد على أن هذا لا يتم بمجرد الرغبة أو النوايا الحسنة، لأن التغيير يتطلب العمل على جبهات متعددة منها العمل الثقافى ونشر الوعى، وفى القلب من هذا إصلاح نظم التعليم التى لا زالت تتجاهل الثراء والتنوع فى الثقافات المحلية. ولا يمكن غض الطرف عن دور التنمية الإنسانية لتحرير البشر من الجهل والفقر واللذان يشكلان التربة الخصبة لانتشار العادات والتقاليد الضارة.