عزيزي القارئ لقد كثر الكلام في السنوات الأخيرة عن الأرمن وبدأت الصحف والمجلات والجرائد تكتب صفحات ومقالات ومواضيع عنهم، والإذاعات والتليفزيونات ووسائل الاتصالات الإلكترونية تبث وتنشر وتُعرف العالم علي تاريخهم وديانتهم ولغتهم، وثقافتهم وفنهم وتراثهم وتقاليدهم وإلخ..
وأنت، ربما تعرفت في حياتك على أرمني، سواء في العمل أو في المدرسة أو الجامعة، أو ربما جار أو صديق أرمني، واستغربت لأول مرة حينما سمعته يتكلم مع أصحابه لغة لا شبيه لها في اللغات التي تتقنها.. وزاد استغرابك عندما رأيته محافظاً على عاداته وتقاليده.. وربما سألت نفسك ليس فقط من هم فارطان وهاكوب وليفون وسركيس وشاكي وهريبسيحه ونانور، بل من هو الأرمني التي تتقمص شخصيتها تلك الأسماء.
من هو الأرمني؟
كيف حافظ على لغته وثقافته وتقاليده، وخصوصاً من أين أتى وقصد وعاش مع العربي، وأصبح مخلصاً ووفياً لمن استقبله. كيف ذهب إلى روما وباريس ولندن وأمريكا وكندا وهو لا يعرف شيئا عنها، وأصبح اليوم أشد تمسكاً بتلك البلاد من المواطنين الأصليين أنفسهم؟
ماهي الظروف التي جعلته يذهب إلى حلب وبيروت والقاهرة، مشرداً فقيراً فيصبح اليوم من كبار رجالها؟
قصة الشعب الأرمني طويلة ولكنها شيقة، فسترى من خلال وطني نت تاريخ شعب مناضل مخلص وأمين، وصل إلى القرن الحادي والعشرين بعد أن نزل من سفينة نوح التي وقفت على جبل أرارات.
جغرافية أرمينيا السياسية:
تقع أرمينيا شرق تركيا وشمال إيران، ويحدها غرباً روسيا وأذربيجان. أرمينيا في التاريخ لم تكن ما هي عليه الآن، فقد سلخت منها مناطق عديدة شرقاً وغرباً وجنوباً وأصبحت مساحتها 32 ألف كم مربع، بعد أن كانت تحتل مساحة تصل حدودها إلى منابع دجلة والفرات.
جغرافية أرمينيا الطبيعية:
تتكون أرمينيا من سلسلة جبال تصل إلى إرتفاع 5156 متر وهو جبل ”أرارات” المكون من قمتين. ثم هناك جبل ”أراكادز” في شمال أرمينيا وله أربعة قمم تعلو 4100 متر عن سطح البحر، وهناك جبل ”سيبان” في غرب أرمينيا بالقرب من بحيرة ”فان”.
وعند سفح هذه الجبال الشاهقة تجري عدة أنهار تسقي سهول أرمينيا وبلاد الأناضول. وأكبر هذه الأنهار نهر ”الفرات” طوله 2800 كم وينبع من شمال الأناضول – أرمينيا سابقاً، ويقطع المسافة ما بين تركيا وجنوب العراق ويصب في شط العرب، بعد اتحاده مع نهر دجلة. ومن أهم الأنهار التي تصب في “الفرات” هو نهر ”ارادزاني” الذي ينبع عند سفح جبل “أرارات”.
ولكن النهر الأرمني المشهور هو “أراكس” وينبع من شمال أرمينيا ويمر في سهول “أرارات” ووديان ”تاشد” ويصب في نهر ”كور” قبل أن ينتهي في بحر “قزوين”. ومن الأنهار المشهورة أيضاً، نهري “خوريان” و”هرازتان”.
وجميع هذه الأنهار والجبال لها مكانها في قلب الشعب الأرمني حيث دخلت في فن الرسم والأغاني والشعر. فأصبح مثلاً جبل أرارات شعار الأرمن وهو يرمز إلى خلودهم وعظمتهم وجبروتهم وقوتهم.
وفي أرمينيا سهول واسعة ترتوي من الأنهار وتنتج الفاكهة والخضار، وأهم محاصيل أرمينيا العنب والمشمش.
وفي أرمينيا القديمة أيضا ثلاث بحيرات وأهمها بحيرة “سيفان” التي تعلو 1925 مترا عن سطح البحر وتكون الثروة المائية في أرمينيا، وتولد منها قوة كهربائية ضخمة وتعيش فيها الأسماك - أشهرها أشخان تسوكأي أي السمك الأمير. وكذلك توجد بحيرة “فان” وبحيرة “أورميا”.
الطقس:
من ناحية الطقس، فالشتاء في أرمينيا قارص وتكسو الثلوج معظم البلاد مدة ثلاثة أشهر.
أما الربيع فهو أجمل فصول السنة، وخريف أرمينيا مشهور باعتدال الجو فيه وبجمال غاباته الحمراء.
تاريخ أرمينيا:
في العصر البرونزي، ازدهرت عدة دول في منطقة أرمينيا الكبرى، بما في ذلك الإمبراطورية الحثية (في أوج وقتها)، والميتانيين (جنوب غرب أرمينيا التاريخية)، وهاياسا – قزي (1500-1200 قبل الميلاد)، تلى ذلك شعب نايري (بين القرنين 12-9 قبل الميلاد) ومملكة اورارتو (1000-600 قبل الميلاد) التي فرضت سيادتها على المرتفعات الأرمنية. شاركت كل من الأمم السالفة الذكر في التركيب العرقي للشعب الأرمني.
هذا وقد بلغت المملكة ذروتها (بين 95 و66 قبل الميلاد) تحت حكم تيجرانيس الكبير، لتصبح واحدة من أقوى الممالك في تلك المنطقة. تمتعت مملكة أرمينيا طوال تاريخها بفترات متقطعة من الاستقلال مع فترات من الحكم الذاتي خاضعة للامبراطوريات المعاصرة.
و انتشرت المسيحية في البلاد حوالي 40 ميلادية. وجعل الملك تيريداتس الثالث من المسيحية دين الدولة عام 301م وأصبحت أرمينيا بذلك أولى الممالك تحولاً للمسيحية.
أما خلال القرن الثالث عشر الميلادي، غزت إمبراطورية المغول إمارة زاكاريان فضلاً عن بقية أرمينيا. شكل الجنود الأرمن جزءاً هاماً من جيش الخانات. سرعان ما تلا الغزوات المغولية قبائل أخرى من آسيا الوسطى (قراقويونلو والتيموريين وآق قويونلو). الأمر الذي استمر من القرن الثالث عشر حتى الخامس عشر. وضعفت أرمينيا حينها بسبب الغزوات المتواصلة التي جلبت الدمار إلى البلاد.
و خلال القرن السادس عشر اقتسمت الدولة العثمانية والدولة الصفوية، أرمينيا فيما بينهما.
بينما ضمت الإمبراطورية الروسية لاحقاً أرمينيا الشرقية (التي تتألف من خانات يريفان وقره باغ في فارس الصفوية) في عامي 1813 و1828.
تحت الحكم العثماني، منح الأرمن حكماً ذاتياً واسعاً في مناطقهم وعاشوا في انسجام نسبي مع المجموعات الأخرى في الإمبراطورية (بما في ذلك الأتراك الحاكمين). رغم ذلك عانى الأرمن من التمييز لكونهم مسيحيين في ظل نظام اجتماعي إسلامي. عندما ضغطوا من أجل المزيد من الحقوق في إطار الإمبراطورية العثمانية، واجهتهم السلطات العثمانية بالقوة، مما تسبب بما يعرف بالمجازر الحميدية بين 1894 و1896 تحت حكم السلطان.
و مع توجه الدولة العثمانية نحو الانهيار، نجحت ثورة تركيا الفتاة (1908) في الإطاحة بحكومة السلطان عبد الحميد.
وكان أمل الأرمن الذين يعيشون في الإمبراطورية بأن تقوم لجنة الاتحاد والترقي بتغيير وضعهم كمواطنين من الدرجة الثانية وقدمت مجموعة الإصلاحات الأرمينية (1914) كحل من خلال تعيين مفتش عام حول القضايا الأرمنية.
ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى والمواجهة بين الإمبراطوريتين العثمانية والروسية في القوقاز بدأت الحكومة في الأستانة بالنظر إلى الأرمن بعين الشك وعدم الثقة. ويعزز ذلك إلى حقيقة أن الجيش الإمبراطوري الروسي ضم فرقة من المتطوعين الأرمن.
بينما في 24 أبريل 1915، ألقي القبض على المفكرين والمثقفين الأرمن من قبل السلطات العثمانية، ومع صدور قانون التهجير في 29 مايو 1915، في نهاية المطاف لقيت نسبة كبيرة من الأرمن الذين يعيشون في الأناضول حتفها في ما أصبح يُعرف باسم مذابح الأرمن.
و كانت هناك مقاومة أرمنية في المنطقة للأنشطة العثمانية. وتعتبر أحداث 1915 حتى 1917 من قبل الأرمن والغالبية الساحقة من المؤرخين الغربيين، مذابح رعتها الدولة.
أما السلطات التركية ترى أن الوفيات كانت نتيجة لحرب أهلية مقرونة بالمرض والمجاعة حيث كانت الخسائر على الجانبين. وفقاً لأبحاث أجراها أرنولد توينبي يقدر عدد قتلى الأرمن بنحو 600,000 شخص بين عامي 1915-1916. ووفقاً للرابطة الدولية لعلماء الإبادة الجماعية تجاوز عدد القتلى مليون شخص
هذا وقد نجحت روسيا في السيطرة على أغلب أرمينيا العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، إلا أنها فقدتها نتيجة للثورة البلشفية عام 1917. واتفقت حينها جورجيا وأذربيجان وأرمينيا الشرقية على تشكيل جمهورية القوقاز الاتحادية الديمقراطية. واستمر هذا الاتحاد بين فبراير- مايو من عام 1918، عندما قررت الأطراف الثلاثة حله. نتيجة لذلك، أصبحت أرمينيا الشرقية دولة مستقلة تحت اسم جمهورية أرمينيا الديمقراطية يوم 28 مايو عام 1919
يذكر أن ضمت أرمينيا من قبل جمهورية روسيا السوفيتية جنباً إلى جنب مع جورجيا وأذربيجان، حيث جرى دمجها جميعاً في الاتحاد السوفياتي كجزء من جمهورية ما وراء القوقاز السوفيتية الاشتراكية في 4 مارس 1922.
و في عام 1991، انهار الاتحاد السوفياتي واستعادت أرمينيا استقلالها. أعلن الاستقلال في 23 أغسطس وكانت أول جمهورية خارج البلطيق تعلن الانفصال.