افتتاحية جريدة وطني بقلم يوسف سيدهم – مايو ٢٠٠٥
حلت الاسبوع الماضي الذكرى العاشرة لرحيل الاستاذ انطون سيدهم عن عالمنا ، فبتاريخ 2 مايو 1995 ، فقدت أسرة وطنى مؤسسها ، وفقد مصر رائداً من رواد وحدتها الوطنية ومفكراً وكاتباً شجاعا تصدى للكثير والكثير من القضايا والمشاكل والمحن التى تعرضت لها مصر على مدى عقدين من الزمان (1975 – 1995) ولعل الاجيال التى عاصرت تلك الفترة تدرك تماماً أن هذين العقدين يعدان من اخطر الفترات التى مرت على مصر وعلى شعبها الأصيل حيث جرى فيهما انتهاك الهاوية المصرية والوحدة الوطنية وانتكست الكثير من الحريات تحت وطأت التطرف والإرهاب .
فى ظل تلك السنوات العجاف كافح انطون سيدهم من خلال منبر وطنى مشهراً سلاح الكلمة والقلم ، لكشف مؤامرات هدم هذا الوطن سواء كانت رياحاً وافدة من الخارج او قلة موتورة متعصبة من ابنائه او سلطة تنفيذية وامنية تفرق بين ابناء الوطن وتؤجج مشاعر الكراهية ومظاهر التفرقة والفرز بينهم ، قضايا عديدة تصدى لها انطون سيدهم وناضل من أجل تخليص بلدنا من اثرها المدمرة ، أتسمت كتاباته بدرجة ملفتة من الجراءة والشجاعة والمصارحة فى وقت كان لمثل تلك الكتابات ثمن فادح ، لما انطوت عليه من مخاطرة استفزاز السلطة والتعرض لبطشها لكنه لم يعبأ إلا بكشف التجاوزات والدعوة لأنقاذ مصر مما تتعرض له حتى تعود بلداً أمناً للمصريين جميعاً .
رحل انطون سيدهم تاركاً ملفات كثيرة مفتوحة ولان بلادنا لا تزال تمر بمرحلة المكاشفة والمصارحة والاعتراف بالداء فان العلاج والإصلاح يتأخران كثيرا فى معظم المجالات ، ذاك جعل من أى جولة فى كتابات انطون سيدهم أمر يتجاوز مجرد الذكرى ليظل ناقوسا يدق محظراً من استمرار الداء وحتمية العلاج قضايا كثيرة ، أسترعى نظرى أن كتاباته بخصوصها لا تزال تعكس واقعاً مستمراً نعانى منه ونعمل على تداركه قيماً ومثلاً كثيرة جاهد لترسخها ، مازلنا نحن بعد عشر سنوات على رحيله نضعها على أجندة الإصلاح المرتقب.. وإليكم باقة منتخبة فى هذا الإطار مما كتب أنطون سيدهم:
*** عن الوحدة الوطنية :
* “لقد أهدينا للإنسانية حضارة قادتها إلى النور وأعطينا البشرية خيراً وجمالاً وحقاً وقيماً، فما أجدرنا اليوم أن نواصل عطاءنا ونحافظ على وحدتنا، ونعمل على وأد التيارات الرعناء التى تحاول أن تعصف بقيم هذا الشعب ونقضى على مفخرة من مفاخره العظيمة وهى وحدته الوطنية رمز نضاله وركيزة مستقبلية وطريق عزته ونهضته” (سبتمبر 1977).
* “الأقباط الذين تربطهم بإخوانهم ومواطنيهم المسلمين روابط وثيقة من الألفة والتعاطف والمحبة لن يكون لهم من سبيل غير هذه الأخوة يتنادون بها ويلتقون فيها دائماً على كلمة سواء” (يونية 1986).
* “أقباط مصر عليهم التحلى بالهدوء والحكمة والسلام إذ أن محبة إخوتنا المسلمين لنا لا شك فيها، فهم عظمنا ولحمنا ودماؤنا وعلاقتنا بهم قوية أصيلة لن يعتورها ضعف أو وهن، أما تلك الفئة القليلة المعتدية فليسامحها الله وليهدها سواء السبيل، ولنصل جميعاً لإله السلام أن يحافظ علينا ويحمى وطننا العزيز” (مارس 1990).
“حاشا للأقباط أن يتبادر إلى ذهنهم مقابلة الشر بالشر أو الإعتداء بالإعتداء، فإن المحبة والسلام شعارهم وهدفهم، وهم يرجون فى كل حين لإخوتهم المسلمين كل خير ويصلون من أجلهم ليحفظهم الله ويحمهم من كل سوء” (مارس 1990).
*** عن التطرف والإرهاب
* “ماذا ننتظر من شاب تم شحنه منذ صغره من خلال الكتب المدرسية والمدرسين وخطباء المساجد والإذاعات والمؤلفات الموبوءة بالإساءات الفظيعة للأديان الأخرى غير الإسلام، فشب مشحوناً بالكراهية والاحتقار لها ومعبأ البغضاء لمعتنقيها؟.. إن النتيجة الطبيعية لكل ذلك هى تلك الإنفجارات التى تحدث بين الحين والآخر، والواجب علينا تربية الصغار على روح المحبة والتسامح، ومواجهة الكتب الدراسية لتغرس مبادئ قبول الأخر، وتطهير المواد الإعلامية والخطاب الديني من كل ما يحض على الكراهية ومراجعة الأسباب الإجتماعية التي تؤدي بالشباب إلى اعتناق مبادىء العنف والتخريب (ابريل 1990) .
*** عن تغيير العقيدة
ما أيسر أن يخرج الانسان عن دينه وينتقل الى دين اخر ليتخلص من مشاكله ومسئولياته وتبعاته او ليحصل على فرص ومغانم وإمكانات وفى ذلك الاطار فإنه يجد الكثير من التشجيع او التحريض من العناصر التى لا يهمها جوهر الدين بل تنظر نظرة سطحية تعبث بأمن هذا الوطن فيتحول الامر الى مهزلة بعيدة كل البعد عن كرامة الدين وعن الوقار الذى ينبغى أن يتحلى به رجاله ودعاته ، من مصلحة الدين أن يبرئ من ضعاف الايمان وان يتطهر من العابثين والمتلاعبين ، ومن مصلحة الوطن أن يشب جميع ابنائه وقد تمسك كل منهم بأهداب دينه وحرص على ما يتمثل فيه من قيم خلقية (مايو 1978) .
*** عن أستبعاد الاقباط
صدر عدد الجريدة الرسمية رقم 42 بتاريخ 18 /10/1990 وقد وردت به فى الصفحات (1779-1802) قوائم تعينات وكلاء النيابة وقد بلغ عددهم 209 منهم اربعة فقط من الاقباط وتلتها قوائم تعيينات مساعدى النيابة وقد بلغ عددهم 255 منهم اربعة ايضاً من الاقباط ، لقد تألمت جدا ازاء هذا التيار الرسمى الصريح لأستبعاد الاقباط والذى لا يرضى عنه أبداً إخواتنا المسلمون ثم خرجت علينا الصحف هذا الاسبوع تضم قوائم اسماء السادة مرشحى الحزب الوطنى لمجلس الشعب وبلغ عددهم 440 مرشحاً منهم أثنان فقط من الاقباط – نعم اثنان فقط لاغير – الم يكن من الاكرم عدم ترشيح الحزب الوطنى لأقباط على الاطلاق ؟! فالحزب الوطنى هو الحزب الحاكم والممثل للحكومة فمعنى هذا أن الحكومة تتخذ من أستبعاد الاقباط سياسة لها (نوفمبر 1990).
* ” نشرت الجريد الرسمية رقم 42 بتاريخ 17/ 10/ 1991 فى الصفحات 2826- 2844 قراراً جمهورياً بتعيين معاونى النيابة، ويتضح من قوائم الأسماء التى تشتمل على 407 أسماء أن بها خمسة من الأقباط فقط والباقى من إخوتنا المسلمين أى بنسبة 1.25% وهذا ليس القرار الأول من نوعه ، كما أن مجالى النيابة والقضاء ليسا الوحيدين فى استبعاد الأقباط وتهميشهم فهناك مجالات الوظائف المختلفة فى الحكومة والقطاع العام والبنوك وغيرها من القطاعات الرسمية التى تتبع فيها نفس السياسة حتى أن هذا التيار أخذ صورة كعامة وكأنة موصى به ” (نوفمبر 1991).
*** عن الخط الهمايونى وبناء دور العبادة
* “سبق وأن كتبت مراراً عن موضوع سيطرة تشريعات قديمة بالية مثل الخط الهمايونى (1856) وقرار العزبى باشا وكيل وزارة الداخلية (1934) بإحكام الطوق على رقاب الأقباط فى أمر بناء كنائسهم أو تجديدها أو ترميمها فلا يحصلون على الموافقات الرسمية فى ذلك الخصوص إلا فيما ندر وبعد عناء ومشقة بل أنه حتى بعد صدور القرارات الرسمية يتعطل تنفيذها سنين طويلة بسبب تعنت وتسلط وصلف رجال الإدارة والأمن ، فهل هذا معقول فى أواخر القرن العشرين أن تظل سيطرة تشريعات بائدة انتهى أمرها تتناقض مع جميع مواثيق حقوق الإنسان التى وقعت عليها الحكومة المصرية وفى ظل دستورنا الذى ينص على حرية العبادة ؟ ، ألم يحن الوقت بعد لإلغاء هذا الخط الهمايونى البغيض وما لحقته من تعليمات ظالمة مجحفة؟ ، ألم يحن الوقت لإصدار قانون موحد وعادل لبناء وترميم دور العبادة فى مصر يضع جميع المصريين متساوين فى هذا المجال؟ (فبراير 1993).
* سوف يأتى اليوم الذى تتخلص مصر فيه من أوجاعها وتقوم من كبوتها وسوف تؤول جميع تلك الأوجاع إلى ذاكرة التاريخ ويتفرغ أبناؤها لبعث نهضتها.. لكن ستظل هناك فى ذاكرة التاريخ ووجدان مصر شموع مضيئة لرواد عظام حملوا مشاعل التنوير وجاهدوا من أجل رفعتها.. واحدة من تلك الشموع محفور عليها أسم أنطون سيدهم.