بعد ثمانى سنوات من الغياب قامت إبنتى المهاجرة الى كندا بمنتريال بزيارة القاهرة مع إبنيها نبيل 19 سنة ودانيال 16 سنة. كانت نورا تعد الأيام قبل وصولها إنتظارا لهذه الزيارة لترى مصر الحبيبة، وحتى يتعرف إبناها على وطنهم الأصلى الذى زاروه وهما طفلان قبل ذلك، لكنهما شابان الآن مما يعطى الزيارة معنى وطعما آخر.
فى اليوم التالى للزيارة كنت أقود سيارتى المتواضعة وسط البلد ومعى إبنتى وإبناها، وفجأة وجدت نورا تصرخ وتقول: أنا لا أستطيع الاستمرار فى الركوب معك.. إن السيارات تكاد تدهسنى وأنا فى عربتك، إنها مهزلة مرورية.. وتركت إبنتى السيارة فعلا وإتجهت لتقف على الرصيف، قلت هل نسيت طريقة المرور فى مصر؟، أليست هذه الحال هى نفس الحال عندما كنت تعيشين معنا فى القاهرة؟!.
قالت: الحال ليس هو، بل أصعب مما كان، إننى أشعر أن السيارات تأتى من الأمام والخلف والجوانب وكأننا فى حرب، وكأنها تريد أن تحصد أرواحنا.. إننى أتوقع أن تأتى السيارات من فوق أيضا لتقتلنا..
يا نورا هذه حياتنا، وقد تعودنا على ذلك، والحمد الله مازلنا نعيش.. وتحدث نبيل قائلا:
انه سيرك يا جدو ومسرحية كوميدية، ووافق دانيال على رأى أخيه وأخذ يضحك كثيرا.
استمرت نورا فى الحديث: هل هناك قانون للمرور؟
واذا كان موجودا فلماذا لا يطبق؟ لقد عرفت سبب الحوادث الكثيرة وشهداء المرور الكثيرون الذى أقرأ عنهم يوميا.. ومع ذلك لم أكن أتوقع ذلك. وفى كل مرة نخرج معا يردد حفيداى ستبدأ المسرحية الكوميدية وندخل ألعاب السيرك. أقول لكم بصراحة فضلت أن أستخدم بعد ذلك سيارات الأجرة( التاكسى) حتى أتجنب خوف ابنتى وضحك وسخرية إبناها..
هذه الصورة الهزلية الواقعية للمرور فى القاهرة وكل المدن المصرية التى زارتها إبنتى أهديها الى السيد رئيس مجلس الوزراء، والسيد وزير الداخلية، والسيد مدير مرور القاهرة بالذات واتساءل مع الجميع:
الى متى نعرض شعبنا للموت والحوادث بسبب حوادث المرور والتسيب الموجود وإهمال القانون وإهمال الإنسان؟
من وحى زيارة إبنتى أيضا أتحدث عن عاداتنا وتقاليدنا وكرمنا الزائد عن الحد. من الطبيعى أن تقام الولائم والمآدب لإبنتى وأسرتها من جانبنا، ومن جانب خالاتها وخالها الدكتور يوسف الملاخ الأستاذ بأكاديمية الفنون ومدينة الانتاج الاعلامى ولائم كثيرة ودعوات عديدة للطعام والشراب، وبعد تناول الطعام والشراب والحلوى تبقى كميات وفيرة منه، طعام طازج، لحوم بشتى الأنواع، وصوانى مكرونة وجلاش وفطير وحلويات شرقية وغربية وتورت على كل شكل ولون و.. و.. و.. كنت أحاول مع زوجتى التخلص من بقايا الطعام الطازج فى نفس اليوم حتى يتمتع الآخرون، الجيران وعمال المحلات المجاورة، وبعض أفراد الأسرة أيضا به.
ومع ذلك يبقى بعض الطعام والحلوى مما يؤلمنى جدا! فنحن سعب يعانى من الجوع والفقر وحرام أن تبقى كميات طعام وحلوى فى البيوت، وهناك بيوت أخرى فى حاجة إليها.. حرام والله حرام!.
من هنا أتمنى أن توجد مؤسسات خيرية تجمع هذا الطعام الباقى بطريقة لائقة نظيفة وتوزعه على المحتاجين،على أن تكون هذه المؤسسات أمينة وصادقة فى عملها، وأن تقوم على مبدأ الخدمة العامة، كما لا يشوب العاملون بها شبهه والتجارة وأن يكون لها عناوين واضحة بحيث يمكن لأى إنسان لدية فائض من الطعام أن يرسله لها أو يذهب بنفسه لتسليمه، وكذلك يكون لها أرقام تليفونات معروفة لكى يستدعيها من يملك الطعام، وتكون لديها سيارات نقل وثلاجات للمحافظة على الطعام.
المهم فى هذا المشروع المجانى هو الشفافية وحب العطاء، والايمان بأن الطعام الذى نرسله للمواطنين الغلابة والمحتاجين والفقراء هو حق وواجب من حقهم وليس منه من أحد، فالطعام والمال والدنيا كلها ملك لله عز وجل، ونحن نتقرب الى الله بأداء واجبنا هذا فالانسان أهم مخلوق فى هذا الكون ومن حقه أن نحافظ عليه بكل الطرق، وأن ينتج له أبسط إحتياجاته من طعام وشراب نظيف مغذى.
هكذا جددت زيارة إبنتى نورا حياتنا، وأنعشت علاقاتنا العائلية وزادت من شبابنا مما جعل حفيداى نبيل ودانيال يقولان لجدتهما منى الملاخ: لقد مشيت معنا كثيرا وصاحبتينا فى كل مكان.. شباب يا جدتنا..