بقلوب يملأها الحزن والالم وعلى أمل ورجاء فى القيامة ودعت بطريركية السريان الأرثوذكس قداسة البطريرك” ماراغناطيوس زكا الاول عيواص ” والذى تنيح عن عمر ناهز الثمانين من العمر قضى منها نحو 34 عاما بطريركا للسريان المسيحيين الذين يعدون من أوائل الشعوب التي أمنت بالمسيحية ،
فالسريان هم سكان الأرضي الواقعة غرب نهر الفرات، من جبل أمنون في شمالي أنطاكية حتى حدود أرض فلسطين، ومن البحر حتى الفرات
ومن هنا يقدم ” القس باسيليوس صبحى ” رئيس وحدة البحث والنشر للتراث القبطى بالمركز الثقافى القبطى خلال الداراسة التى أعدها تحت عنوان ” العلاقات القبطية السريانية عبر العصور ” إستعراض للعلاقة بين الكنيسة القبطية والسريانية منذ العصور المسيحية الاولى ، مرورا بالعصر العربى ، نهاية بالعصر الحديث والمعاصر ، خاصة وان السريان شاركوا في المجامع المسكونية بنصيب وافر، ورفضوا قرارات المجمع الخلقيدوني مثل الأقباط، ومن ثم جمعتهم علاقات قوية ومتينة منذ القدم، خصوصاً في مجال الرهبنة، مما جعل هناك نوع من التأثير والتأثر لدى الطرفين، واضحاً بالأكثر في المجال الليتورجي والطقسي ، كما نقل الأقباط عن السريان (في القرن التاسع عشر الميلادي) صلاة القسمة الموجودة بقداسهم الرئيسي والمنسوب للقديس يعقوب أخي الرب، وهى المعروفة في كتاب الخولاجي المقدس باسم القسمة السريانية ، كما كرمت الكنيسة القبطية كثيرين من قديسي الكنيسة السريانية، بل وأحبتهم وأوردت اسماءهم في مجمع القداس الإلهي وتسبحة نصف الليل، مثل القديسين ساويروس البطريرك الأنطاكي ومار افرام ومار إسحق ومار برصوما رئيس النساك، كذلك أدرجت أسماءهم وتذكار أعيادهم بالسنكسار القبطى ، كما نفذت اللغة السريانية إلى الطقس القبطي فأستخدم الأقباط الفاظاً سريانية كثيرة في صلواتهم وتراثهم
الرهبان والنساك
أشار القس باسليوس الى ان الرهبنة كانت بداية نشاتها فى صعيد مصر على يد القديس العظيم الانبا انطونيوس الكبير ، وسرعان ما انتشرت فكرة الرهبنة داخل مصر وخارجها ، ومن هنا بدأت اولى ابعاد التلاقى بين الكنيسة القبطية والسريانية ، حيث حدث نوع من التواصل والاتصال بين النساك السريان ، والرهبان الاقباط ولهذا قصد البرارى كثير من القديسين السريان للتبرك من القديسين الاقباط العظماء ، وعلى أثرهؤلاء الرجال القديسين، اتصلت الرهبنة القبطية بالنساك السريان، وشاعت أخبار قديسي الرهبنة القبطية لديهم، خصوصاً بعد أن تُرجمت سيرهم إلى اللغة السريانية، ومن ثم قصد البراري المصرية كثير من الرهبان والقديسين السريان لزيارة ولقاء قديسيها العظماء. ومن أشهر هذه الزيارات زيارة القديس مار أفرام السرياني للقديس الأنبا بيشوي فقد تاق لزيارة مصر موطن الزهد والتقشف ومنبت النساك للقاء قديسيها وخاصة الأنبا بيشوي: ومما يحكى عن هذه الزيارة أنهما لم يكن أحدهما يعرف لغة الآخر، فصلياً معاً، فألهم الأنبا بيشوي السريانية وألهم مار أفرام القبطية، ومكث مار أفرام بضيافة الأنبا بيشوي اسبوعاً ثم غادره.
وبالرغم من أن بعض المؤرخين ينكرون تماماً هذه الزيارة، فمن الثابت وبالدليل القاطع أن عشرات الرهبان قصدوا مصر وصحاريها منذ عهد الرهبنة الأول وحتى القرن التاسع عشر على الأقل ، ويكفي تدليلاً وجود دير والدة الإله الشهير بدير السريان بوادي النطرون، وفكرة انشاء هذا الدير ترجع الى ان اول مركز اجتمع فيه الرهبان السريان هو دير الزجاج الذى يقع غرب الاسكندرية ، ثم عادوا وتفرقوا فى العديد من الاديرة الى ان فكروا فى ان يجتمعوا فى مكان واحد يحمل اسمهم ، وقد ساعدهم على نشوء هذه الفكرة تدمير العديد من اديرة الاسقيط على ايدى البربر ، وبالفعل تحمس ثلاثة من الرهبان السريان بفكرة الدير ، وقاموا بانشائه ليجتمعوا به ، ويستطيع ان ينضم اليهم من يريد من الرهبان السريان
المجمع الخلقيدونى الشهير
واوضح القس باسيليوس ان المجمع الخلقيدونى الشهير عام 451 م ادى الى انشطار الكنيسة الى قسمين اولهما يضم كنيسة القسطنطينية وروما وهو يوافقان على قرارات مجمع خلقيدونية ، اما القسم الثانى فرفض هذه القرارات وكان يضم كنيسة الاسكندرية وانطاكية والارمن والاحباش ومن هذا التاريخ تم التقارب بين هذه الكنائس وتوطدت العلاقة بينهم ، وقد ظهر فى تلك الفترة قديس مجاهد عظيم اسمه مار يعقوب الربادعى ( 500 – 578 ) ومن شده تمسكه بالايمان المستقيم وكثرة جهاده اطلق الخلقيدونيين اسمه على ابناء الكنيسة القبطية والسريانية وصار هذا الشعب مشهور لفترة طويلة باسم ” اليعاقبة ” نسبة الى هذا القديس .
وعلى أثر الإضطهاد الخلقيدوني، جاء القديس ساويروس البطريرك الأنطاكي (512- 538م) إلى مصر فاراً من بطش الخلقيدونيين سنة 519م وبقى بها حوالي عشرين عاماً، كان خلالها يدير أمور كنيسته بواسطة وكلائه هناك. وعلى الرغم من أنه عاش متخفياً في مصر إلا أن الكنيسة القبطية أحبته وأكرمته أجل إكرام، وعينت له ثلاثة أعياد في السنكسارالقبطي، أحدها عيد مجيئه لأرض مصر (وهو اليوم الثاني من شهر بابه = 12/13 أكتوبر “تشرين الأول”) حيث يذكر السنكسار قصة ذهابه إلى أحد أديرة برية شيهيت ودخوله الكنيسة بدير القديس مقاريوس للصلاة أثناء القداس الإلهي دون أن يعرف الرهبان حقيقة شخصيته، وكيف أن الذبيحة الإلهية اختفت من على المذبح بمجرد دخوله الكنيسة فارتبك الكاهن وجمع الرهبان، ولكن ملاك الرب ارشدهم إلى شخصية القديس المتخفي في زي راهب بسيط، فأدخلوه إلى الهيكل بالإكرام اللائق بالبطاركة، فرجعت الذبيحة مكانها وأكملوا الصلاة بالفرح والتهليل.
ولما أكمل القديس جهاده بسلام تنيح بمدينة سخا بدلتا مصر ودفن بها أولاً، ثم نقل جسده الطاهر لدير الزجاج بقرب الإسكندرية، حيث كان يسكنه وقتها عدد كبير من الرهبان السريان. وبعد خراب هذا الدير، نقل الرهبان جسده إلى دير السريان حيث يحفظ حتى اليوم بالإكرام اللائق. هذا وقد أكرمت الكنيسة القبطية هذا القديس بعد نياحته بأن جعلت اسمه يذكر في مجمع القداس بعد اسم مارمرقس الرسول مباشرةً، وقبل اسماء العديد من قديسيها العظام مثل مُعلمنا القديس ديسقورس، والبابا أثناسيوس الرسولي
الكرسى البطريركى الانطاكى
واكد القس باسيليوس على مدى التقارب بين الكنيستين الى الدرجة التى جعلت الراهب القبطى ” ثاؤدور ” الذى بدأ حياته الرهبانية فى مصر يذهب بعد ذلك الى دير قنسرين ويظل يتعبد به الى ان خلا الكرسى البطريركى الانطاكى فقام السريان بترشيحه لهذه الخدمة المقدسة ، التى ظل يمارسها لمدة 18 عاما الى ان تنيح ودفن بدير قنسرين ، وعلى الجانب الاخر رسم البطريرك سيمون الاول بطريركا للاسكندرية ، وهو سريانى الاصل وقد حضر الى مصر وهو صبى ، ومن شدة حب والده للقديس ساويرس الانطاكى الذى دفن جسده بدير الزجاج بالاسكندرية نذر ابنه للكنيسة ، وبالفعل سلك الشاب سيمون مسلك الرهبنة الى ان تم ترشيحه لمنصب البطريرك فى الكنيسة القبطية وظل يخدم لمدة 8 سنوات الكنيسة القبطية .
البابا كيرلس الثالث
ان عهد البابا كيرلس الثالث ( 1242 – 1235 ) شهدت مصر حالة من الغلاء ادى الى هجرة الكثير من الاقباط الى الشام بحثا عن الرزق ، وذكر القس باسيليوس ان الاعداد الكبيرة التى رحلت الى هناك جعلتهم ينشأوا كنيسة فى دمشق وتم سيامة الكهنة والشمامسة لهذه الكنيسة ، ومن اشهر اراخنة هذه الكنيسة الشيخ المؤتمن ابن العسال ، وعندما وجد البابا كيرلس ان عدد الشعب فى بلاد الشاب يزداد ، وهذا ادى الى تقدم البعض الى رتبة الكهنوت دون وجه استحقاق ، فكر فى رسامة مطران قبطى للقدس على ان تشمل هذه الايبراشية بلاد الشام والساحل وحتى نواحى الفرات ، ، وكان هذا يعد المرة الاولى التى يتم فيها رسم مطران قبطى للقدس ، مما اغضب هذا البطريرك الانطاكى ” مار اغناطيوس الثالث ، لان املاك الاقباط بالقدس كانت تدار من قبل بواسطة السريان مما ادى الى ان وجه رسالة للبابا كيرلس الثالث معترضا على هذا القرار .
زيارة بابا الإسكندرية لسوريا
وأوضح القس باسيليوس ان هناك اربعة بطاركة من أصل سرياني قد جلسوا على السدة المرقسية إلا أن التاريخ لم يسجل أي زيارات لمواطنهم أو للكنيسة الأنطاكية لتدعيم العلاقات معها، لكن في العصر الحديث جاءت أول زيارة يقوم بها البابا شنودة الثالث بعد اعتلائه الكرسي المرقسي إلى عدد من الكراسي الرسولية بأرمينيا والاتحاد السوفيتي ولبنان وسوريا وتركيا، وبالتحديد في صباح الأربعاء 18/10/1972م زار البابا شنودة مقر البطريركية السريانية الأرثوذكسية بدمشق فاستقبله قداسة البطريرك مار أغناطيوس يعقوب الثالث بالأكرام اللائق ، كما ان الكنيسة القبطية احتفلت في شهر مايو سنة 1973م بمرور ستة عشر قرناً على نياحة القديس اثناسيوس الرسولي وعودة جزء من رفاته المقدسة لمصر، فدعت جميع رؤساء الكنائس العالمية لمشاركتها فرحتها في هذه المناسبة، فلبى قداسته صاحب النيافة مار ميلاطيوس برنابا مطران حمص وحماه، فاستقبله قداسة البابا شنودة الثالث واشتركا معاً في القداس الاحتفالي بالكاتدرائية المرقسية الجديدة بالعباسية، حيث القى البطريرك الأنطاكي كلمة بهذه المناسبة.
الكنيستين الشقيقتين
وافصح القس باسيليوس عن ان الكنيستين الشقيقتين ام يكتفوا بحد المجاملات او المشاركة فى المناسبات فقط بل كانت العلاقة بينهم قوية ومتميزة ، فعلى سبيل المثال حينما احتفل البابا ماراغناطيوس باليوبيل الفضى لسيامته عام 1975 ، ذهب الانبا صموئيل اسقف الخدمات للاحتفال معه بهذه المناسبة ، وعند نياحة البطريرك ما اغناطيوس عام 1980 ذهب الانبا اثانسيوس مطران بنى سويف لتقديم تعازى الكنيسة القبطية للكنيسة السريانية ، هذا الى ججانب عندما احتفلت الكنيسة السريانية برسامة البابا الحالى ذهب الانبا غريغوريوس لحضور حفل الرسامة ، هذا بالاضافة الى ان الرهبان السريان يقومون بالدراسة فى الكلية الاكليريكية القبطية ، كما زار قداسة البابا شنودة مقر البطريريكية السريانية عام 1997 ضمن برنامج زيارته المقررة لسوريا وذلك للمشاركة فى اجتماع رؤساء مجلس كنائس الشرق الاوسط ، والامثلة على قوة تلك العلاقة كثيرة يصعب حصرها.
الكنائس في الشرق وبلاد المهجر
لم تتوقف العلاقات القبطية السريانية عند حد الزيارات الرسمية بين أحبارهما، ولكن توطدت حتى على المستوى الرعوي هذا ما أكده القس باسيلوس موضحاً ان منطقة الشرق الأوسط مرت بالعديد من الظروف التي نتجت عنها هجرة بعض المؤمنين من كلتا الكنيستين إلى العديد من الدول الأوربية والأمريكتين وأستراليا. فإذا أستقر بهم الحال ببلد معين، أستاجر المؤمنون العديد من دور العبادة الأجنبية ليؤدون بها عبادتهم بحسب طقسوهم ولغتهم الوطنية. وإذا تحسنت أوضاعهم الأقتصادية والمعيشية، ابتاعوا تلك الدور وحولوها كنائس شرقية قلباً وقالباً. ولاتزال الكنيسة الأم في المشرق تنظر بعين الرعاية والعناية لأبنتها الفتية بالغرب وبلاد المهجر ، وقد عرف السريان الهجرة من بلدانهم مع نهاية القرن التاسع عشر الميلادي بعد مذابح طور ، فقصدوا الأمريكتين شمالاً وجنوباً، ومن ثم أرسلت الكنيسة السريانية رجالاتها إلى هناك منذ بدايات القرن العشرين تقريباً، لرعاية الشعب المجروح والمنكوب، وتأسست الكنائس حيثما حل المؤمنون. ففي البرازيل كان للسريان كنيسة بل كنائس منذ سنة 1938م، بينما لم يعرف الأقباط الهجرة كظاهرة إلا بعد منتصف الستينيات من القرن العشرين.