كان المهندس عدلي أبادير من الشخصيات الناجحة والعقلية المتميزة ولكن عادة ما يمثل المناخ الطارد للنجاح بمصر عاتقا نحو استمرار مثل هذه الكوادر فهجرة الراحل إلي الخارج لم تأت من فراغ بعد مضايقات الثورة لأعماله ومصادرة الكثير من أمواله ولكن سعي بكل قوة لكي يستمر ويعطي لبلده من حبه وخبرته حتي جاءت اللحظة الفارقة في حياة الراحل بعد قضية الصناعة الكبري التي اتهم فيها زورا مع آخرين بالرشوة وكان وقتها خارج البلاد فعاد علي الفور لمصر لذهوله من ذلك وقبض عليه بالمطار في فبراير 1986 وكان من أشد ما أثر فيه حزنا ودفعه لاتخاذ قرار ترك البلاد – عقب الإفراج عنه بعد 18 شهرا في الحبس – هو وفاة والدته في 18 أبريل 1986 أي بعد حبسه بثلاثة شهور حيث خرج من السجن وقتها وقام بدفنها قبل عودته مرة أخري لمحبسه حسب ما قالته مصادر مقربة منه.
بداية القضية والرواية استقيتها من الوالد أنطون سيدهم الذي كان علي صلة صداقة بالراحل تأتي عندما تم طرح مناقصة عالمية لإنشاء وتمويل مصنع للورق في قوص بقنا لإعادة تدوير مخلفات قصب السكر حيث كان من المشروعات العملاقة ويغطي احتياجات مصر من الورق في حالة تنفيذه فضلا عن توفير آلاف فرص العمل لأبناء الصعيد, وكانت صناعة الورق من الصناعات المتطورة والمكلفة ولم تكن كل الدولة لديها القدرة آنذاك في تبني مثل هذه الصناعات, لذا تم إرساء الاختيار من قبل لجنة البت علي شركة ألمانية كان يمثلها م. عدلي أبادير, حيث إن العروض الأخري لم تكن علي المستوي المطلوب ولاسيما عرض ياباني لم يكن لديهم الخبرة في هذا المجال.
لجنة البت نظرت للخبرة العالية الألمانية دون النظر للأسعار الأقل في عروض أخري ليست لديها الخبرة ولكن بعدها فوجئنا بفرقعة قضية الرشوة الكبري بوزارة الصناعة بتهمة حصول لجنة البت علي رشوة لإرساء الاختيار علي الشركة الألمانية وإلقاء القبض علي العاملين بمكتب م. عدلي الذي كان خارج البلاد وقتها واقتحام منزله للتحفظ علي الأوراق التي به وهو ما أثار ذهول أنطون سيدهم الذي يرتبط بصداقة حميمة مع أبادير واتصل به وأخبره أنه عائد لمصر بعد ما حدث لمكتبه واقتحام منزله علي طريقة ##زوار الفجر## وكانت تعيش فيه والدته بمفردها, وأثار هذا فزعها وتم الاستيلاء علي ما بالمنزل من تحف ومصوغات نادرة, وشغلت هذه القضية الرأي العام بعد محاولة تشويه سمعة رجل وطني كان يهدف لإنشاء هذا المشروع الطموح والحقيقة أن وراء هذه القضية كواليس وأهدافا لا نعلمها إن كانت سياسية أم أخري؟
دفاع أبادير كان متأكدا من براءته وبراءة أعضاء اللجنة في القضية التي استمرت لمدة 18 شهرا حتي يصدر الحكم بعد ذلك بالحبس 18 شهرا هي نفس الفترة التي قضاها أبادير وأعضاء اللجنة وكان الحكم الصادر هو محاولة لحفظ ماء الوجه لأطراف أخري متصلة بالقضية بديلا عن صدور حكم البراءة وجاء الحكم ليفرج عن أبادير في نفس يوم صدور النطق بالحكم ليخرج مجروحا دون رد اعتبار للتهجم علي منزله ومكتبه رغم أنه من رجال الأعمال المشهود لهم ليجمع أوراقه ويقرر عدم العودة لمصر مرة أخري, مشيرا أن الحكم كان مفضوحا لأن الإدانة في هذه القضية تعني حكما لا يقل عن 5 سنوات ولكن لحسابات سياسية دفع أبادير الثمن وحتي اليوم مصر لا تملك هذا المصنع بعد إلغاء المناقصة رغم الاحتياج لمثل هذا المشروع.
ادعت الصحافة الصفراء أن أبادير حاول تصفية الحساب مع مصر خلال تعبيره عن قضايا أقباط مصر إلا أن المؤتمرات التي كان يعقدها لم تقتصر علي الأقباط بل ضمت العديد من الأقليات الأخري من مختلف دول الشرق الأوسط ومسلمين لمناهضة التمييز بكافة أشكاله وخروج توصيات عن هذه المؤتمرات وطنية وراقية تنادي بحقوق الأقليات علي أرضية حقوقية وليست طائفية ولم أختلف شخصيا مع هذه التوصيات ولكن اختلافي الوحيد جاء في مؤتمر واشنطن عندما طرح سؤال ##ماذا نفعل بهذه التوصيات؟ وبدل رفعها للإدارة السياسية بمصر تم رفعها للأمم المتحدة فكنت ضد تدويل القضية.
أؤكد أن رحيل المهندس عدلي أبادير خسارة كبيرة فكان يعتبرني مثل ابنه ودائما ما كان يقول لي ##أنا رجل بره ورجل في القبر ونفسي أعمل حاجه للأقباط##, فهو قدم الكثير علي جميع المستويات ولم تتوقف أياديه البيضاء عن مساعدة المحتاجين سواء تحت مظله الكنيسة أو علي المستوي الإنساني دون أن يعلن عن ذلك ولكن أعماله كانت تعلن عن نفسها, فهو كان وطنيا حتي النخاع ولذا كان يبذل كل جهده في سباقه مع الوقت لتحقيق خطوات فعلية وإيجابية في قضايا المواطنة ورغم غربته لأكثر من 40 عاما فهو لم ينس مصر ولم تمنعه الغربة من غيرته علي وطنه وحبه له, ولذا أقول في جمله لرحيله المؤلم ##ورقة عزيزة علينا سقطت من شجرة المواطنة##.