هذا الأسبوع يكمل الأستاذ الكبير ماجد عطية (3 سبتمبر 1928- ) عامه الستين في بلاط صاحبة الجلالة منذ أن عينه مكرم باشا عبيد صحفيا في جريدة الكتلة عام 1949 بمرتب خمسة عشر جنيها في الشهر.ومنذ أيام احتفل أيضا بعيد ميلاده الحادي والثمانون أطال الله في عمره.
رحلة طويلة في عالم الصحافة والكتابة خدم فيها بإخلاص وطنه المصري وشعبه القبطي ومهنته الصحفية, ومازال يعطي ويشاغب ويتكلم بجرأة ونزاهة لا تبغي سوي مصلحة الوطن وحقوق الأقباط.
قبل أسابيع قرأت له مقالا مطولا في صحيفة الدستور عن حق الأقباط في كوتة أو بمعني أوضح أن يمثلوا بعدالة في مجلسي الشعب والشوري, وقلت في نفسي هذا هو ماجد عطية الذي لم يحد عن الدفاع عن الأقباط خلال العقود الثلاثة الأخيرة, ولا يهمه أن يسير عكس التيار طالما أنه يتكلم بالحق وبالمنطق.
عندما كانت الحكومة تنكر علي المرأة حقها في حصة في المجالس المنتخبة كان كتاب السلطة يخلقون التبريرات لتأييد موقف الحكومة, وعندما قررت الحكومة منح المرأة 64 مقعدا في المجلس القادم خرج نفس الكتاب يهللون لما فعلته الدولة, ولكنهم ينكرون في نفس الوقت علي الأقباط هذا الحق في المواطنة والمشاركة, وشاركهم في ذلك بعض الأقباط من اصحاب المصالح الذين يهللون ويبررون كل سلوك حكومي طالما أن مصالحهم الشخصية مصانة.
ماجد عطية رحلة طويلة مع عالم الصحافة وخبرة ثرية وشاهد عيان علي 4 عصور مرت خلالها الصحافة المصرية بتغيرات وتقلبات هائلة, من الصحافة الليبرالية الخاصة قبل الثورة إلي الصحافة المؤممة والتي تخضع لسيف الرقيب في عهد عبد الناصر إلي المنابر الصحفية في عهد السادات إلي حالة الصحافة المصرية في عهد من حكم مبارك.
انتقل الأستاذ ماجد عطية بين الكثير من الإصدارات الصحفية خلال العقود الست الأخيرة, بعد صحيفة الكتلة وبتوصية من صديقه المرحوم أوزوريس فؤاد مقار والشهير بحمدي فؤاد انتقل إلي روزاليوسف ليتركها بعد ذلك ويلتحق بصحيفة الثورة الأولي ## الجمهورية##, ولكن في أزمة 1954 الشهيرة تم فصله من الجمهورية مع 104 من الكتاب والصحفيين وفي مقدمتهم طه حسين ولويس عوض ومحمد مندور وبيرم التونسي…الخ, فحاول الالتحاق بمجلة الجيل تحت رئاسة موسي صبري ولكنه لم يكمل ثلاثة أشهر وتركها عائدا مرة أخري لصحيفة الجمهورية والتي فصل منها للمرة الثانية.
في مارس 1959 كان يزوره صديقه الكاتب المعروف الراحل فيليب جلاب, وكان هاربا من مطاردة البوليس بإعتباره عضوا في الحزب الشيوعي المصري, ولكن طرقات ضباط المباحث جعلته لا ينعم بهذه الليلة فقبضت عليه ,واصطحبت معه ماجد عطية ليقضي خمسة أعوام في المعتقل بإعتبار أن من يأوي شيوعيا فهو الآخر شيوعي.
وفي السجن كان الجدل حول الدين ثريا, وكان ماجد عطية مدافعا صلبا عن إيمانه حتي أطلق عليه المرحومان المفكران اسماعيل صبري عبد الله وفؤاد مرسي لقب سكرتير الحزب الشيوعي المسيحي.
خرج من المعتقل عام 1964 ليلتحق بمؤسسة دار الهلال ويبقي فيها حتي إحالته للمعاش عام 1988 وهو في منصب نائب رئيس التحرير لمجلة المصور وتم التجديد له بعد المعاش سنة وراء سنة حتي عام 2000
خلال وجوده في دار الهلال تخصص في الصحافة الاقتصادية حتي صار من أعلامها في مصر, ولا ينسي أحد حملته الشهيرة في المصورعلي شركات توظيف الأموال والتي كان لها أكبر الأثر علي نهاية هذه الظاهرة المخربة للاقتصاد الوطني. وفي الوقت الذي كان أعضاء مجلس الشعب الـ60 من الإخوان وحلفائهم من حزب العمل يدافعون بضراوة عن شركات توظيف الأموال كان ماجد عطية يشن حملته في المصور كاشفا خبايا هذه الشركات وعمليات النصب الواسعة وراءها.. وانتصر ماجد عطية لأنه تسلح بالمعرفة والعلم والوطنية في مواجهة هذه الخفافيش المخربة.
لماجد عطية تجربة ثرية أخري طويلة مع جريدة وطني إذ أنه كان له دور مشرف في إعادة إصدار الجريدة بعد أن أوقفها السادات في أزمة 1981, وبذل جهدا كبيرا مع آخرين حتي عادت وطني للصدور مرة أخري عام 1984 وعلي ترويستها ماجد عطية رئيسا للتحرير… ومازال ماجد عطية يثري الجريدة بخبرته في الصفحة الاقتصادية حتي الآن.
ساهم ماجد عطية أيضا, من الناحية المهنية, في إصدار وتأسيس جريدة العالم اليوم الاقتصادية وكان يتولي رئاسة القسم الاقتصادي بها.
في عام 1998 أسس ماجد عطية صحيفة أخري هي جريدة ##الراية المصرية## ورأس تحريرها حتي عام 2001 لتتوقف الجريدة نتيجة تراكم الخسائر المالية, وهي تجربة يشعر الأستاذ ماجد بأسف أنها لم تستمر.
الأستاذ ماجد عطية مثال للقبطي الذي يشتبك مع الواقع ولا يكتفي بالندب والشكوي كما يفعل الكثير من الأقباط… هو مناضل يواجه الواقع وينتصر في معركة ويهزم في أخري ولكنه لا يصمت أمام الظلم وأمام إهدار الحقوق, ويتسلح بالوطنية والنزاهة والمهنية في مواجهة خصومه.
ويقول إن الذي هزه وجعله يركز علي حقوق الأقباط هو تحالف الوفد مع الإخوان المسلمين عام 1984,إذ تحول الوفد من حزب ليبرالي له تاريخ وطني مشرف في النضال الوطني وفي الدفاع عن الوحدة الوطنية إلي حزب يتنكر لتاريخه وماضيه من أجل مصالح سياسية قصيرة النظر لينقلب من النقيض إلي النقيض.. من حزب يعلي لواء الدين لله والوطن للجميع إلي حزب يتحالف مع جماعة أصولية دينية.
الأستاذ ماجد عطية قبطي يفتخر بتاريخ شعبه وبوطنية كنيسته وبأمجاد أهله , ومن هذا المنطلق يدافع عن حق الأقباط الطبيعي في المساواة والمشاركة في بناء الوطن.
تحية للأستاذ الكبير ماجد عطية علي ما قدمه لوطنه ولشعبه خلال هذه الرحلة الطويلة, وتحية له علي صبره ومثابرته في النضال وفي الثبات علي المبدأ, وتحية له لأن اليأس لم يتسرب إلي حياته,وتحية له لأنه لم يتاجر بآلام شعبه.
[email protected]