قش الأرز.. مشكلة متكررة نحملها معنا من عام إلي آخر, ورغم محاولات الجهات المعنية وعلي رأسها البيئة حل هذه المشكلة إلا أنها مازالت تؤرق المواطنين. الأمر الذي دعي الباحثين للسعي خلف سبل لاستغلال قش الأرز بدلا من حرقه.. ولكن دائما ما يقف التفعيل أمام البحث العلمي, ولأن التفعيل في هذه المشكلة تحديدا يعتمد علي وعي الفلاح أولا بتسليم القش للجهة المناسبة فتزداد المشكلة تعقيدا.. ما الذي قدمه الباحثون من حلول علمية وعملية ومنتجات يدخل فيها قش الأرز ليحل مشكلتنا جميعا. هذا ما يجيب عنه التحقيق التالي:
يحدثنا عن هذه المنتجات الدكتور حمدي عبدالعزيز, أستاذ كيمياء الخرسانة وحديد التسليح بمعهد بحوث الخامات وصناعة مواد البناء, قائلا: قام المعهد في عام 2004 بإعداد دراسة قومية بتمويل من وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية ومركز بحوث الإسكان والبناء, تشمل الدراسة عدة استخدامات لقش الأرز يمكنها الاستفادة منه في صناعة الألواح الجبسية, وذلك من خلال مادة تدعي الانهدرين الناتجة عن مخلفات محاجر الجبس أي أنها مادة كانت غير نافعة أيضا يتم دمجها مع أعواد قش الأرز لإنتاج ألواح من الجبس ذات مقاومة عالية.
استطعنا كذلك إنتاج وحدات بناء أسمنتية خفيفة من خلال استخدام الركام الخفيف المصنع من الطفلة أو الـ LECA مع نسبة من قش الأرز لإنتاج وحدات بناء أقل كثافة من الوحدات التقليدية وبذات صلابتها.
الطوبة الصينية
يضيف الدكتور حمدي قائلا: بما أن الصين غزت السوق المصرية بالعديد من المنتجات في جميع المجالات, كان من الطبيعي أن تقوم بإنتاج (طوبي صيني) تحاول تسويقه بمصر, وعندئذ قمنا بدراسة مكونات هذا النوع من الطوب والتي تتميز بخفة الوزن مع المقاومة العالية وتحتوي علي نسبة من قش الأرز, ووجدنا أنها تعتمد أساسا علي استخدام الأسمنت الماجنيزي كمادة رابطة, وبناء علي ذلك قمنا بحصر ودراسة المواقع المصرية التي يمكن أن تحتوي علي خام (الماجنزيت) فوجدناه في منطقتي حلايب وشلاتين, وأنتجنا طوبة مشابهة وأجرينا اختباراتنا عليها فخلصت النتائج إلي صلاحيتها للاستخدام ولكن لم يتم الانتفاع بكل هذه الأعمال حتي الآن؟!
وقشر الأرز أيضا
من ناحية أخري يوضح الدكتور عمرو فوزي, أستاذ مساعد بمعهد بحوث مقاومة المواد وضبط الجودة أن مخلفات الأرز ليست القش أو العيدان فقط, بل أيضا قشر الأرز الذي يمثل نسبة20% من منتج الأرز يقول د. فوزي: من خلال الأبحاث والتجارب أمكن استخدام القشر بعد حرقه في درجات حرارة منتظمة مكونا الرماد الذي يمكن إدخاله كمادة بديلة في محتوي الأسمنت, وبعد اختباره ثبت أنه يحسن خواص الخرسانة من حيث المتانة مع مرور الزمن, وأيضا مقاومة الضغط, وقد كانت رسالة الماجستير الخاصة بي عن هذا الموضوع, ولكن تبقي مشكلة البحث العلمي في مصر هي العائق أمام الجميع, فالأبحاث تجري ولكنها تبقي حبيسة الأدراج.
أما عن تطبيق هذه الفكرة فلابد من توفير أفران خاصة مثلما فعلت دول شرق آسيا فتنتج 50 طنا يوميا من رماد قشر الأرز الذي يتم خلطه بالمواد الأسمنتية الخاصة بالبناء, والمؤسف أيضا أننا نستورد مادة شبيهة بقشر الأرز لإدخالها في صناعة الأسمنت بينما لا تستغل الدولة ما لدينا من قشر الأرز لتحل مشكلة السحابة السوداء وتوفر الأموال التي تستورد بها المادة المشابهة؟
بالرجوع للدكتور حمدي عبدالعزيز مرة أخري قال بالرغم من كل هذه الأفكار وأكثر منها. فأننا نقف مكتوفي الأيدي ولا نستطيع تطبيقها بداية من تدني الإمكانيات إلي غياب مصادر التمويل. وحلا لهذه المشكلة لابد من وجود إدارة تسويق بالمركز مع إنشاء معرض لعرض هذه المنتجات ودعوة رجال الأعمال والمعنيين بالجهات الرسمية بالدولة.
سؤال….
قد يتساءل البعض عن أن قش الأرز مادة عضوية ولا يمكن إدخالها في البناء لأنها ستجذب القوارض والحشرات مهددة بذلك أمن العقار..!؟
يجيب الدكتور حمدي: أخذنا في اعتبارنا جميع النقاط الحساسة والتي تخص أمن الناس لذلك قمنا بمعالجة قش الأرز قبل استخدامه برذاذ الكيروسين الذي يتبخر سريعا فلا يترك رائحة مؤثرة, كذلك عالجناه بالجير الحي والمطفأ,, وبالبخار, تمت تلك المعالجات بهدف مقاومة الآفات الحشرية وأجريت أيضا اختبارات مدتها أربعة أشهر علي المنتجات المحتوية علي قش الأرز, تخص الاختبارات اللون, الرائحة والمقاومة, فجاءت النتائج إيجابية بل وتميزت بارتفاع مقاومة الضغط وعوامل المتانة.
براءة الاختراع.. ومعالجة المياه
قام المعهد باختراع ماكينة لتقطيع وطحن قش الأرز لإدخاله في هذه المنتجات بشكل ناعم ونال براءة اختراع عنها, ومن خلال الوصول إلي قش أرز ناعم أمكن استخدامه في معالجة مياه الشرب والمياه الجوفية, حيث عمل علي امتصاص المنجنيز من المياه بنسبة 80% وهو عنصر معدني ثقيل يضر بالصحة عند ازدياد تركيزه في مياه الشرب.
ولكن ماذا بعد كل هذه الاختراعات المؤثرة والتي أثبتت كفاءتها من جهات موثوق بها؟ لماذا نقف عاجزين ونري هذه الأفكار تطبق في دول العالم الأخري, ولا نتحرك؟
الأمل موجود
الدكتور شريف فخري, نائب رئيس مجلس إدارة المركز القومي لبحوث الإسكان والبناء لشئون البحوث والدراسات, يجيب علي أسئلتنا قائلا: للمركز أعمال وابتكارات كثيرة ولكنها غير مستغلة لذلك نحن بصدد تكوين مجموعة متخصصة لأعمال التسويق تعني بنشرها بالإضافة لتكوين مجلس لمشروع العمارة الخضراء يهدف لاستخدام الطاقة المتجددة, والتخلص من النواتج الجانبية للصناعات والأنشطة ومن ضمنها قش الأرز, وخبث الحديد والتراب الأسمنتي بشكل مفيد, وسيهدف المشروع أيضا لمحاولة حل مشكلة البناء بإيجاد وسائل بناء رخيصة وسريعة.
من جهة أخري يقول الدكتور مختار شريف, الخبير الاقتصادي, إن إنتاجية مصر من الأرز المفترض أن تكون مليون فدان فقط ولكنها تمتد سنويا إلي 2.1 مليون فدان, وكل فدان ينتج 4 طن أرز و2 طن من قش الأرز, إذن فلدينا سنويا ما يقرب من 4 ملايين طن من قش الأرز وهذا يمثل كارثة بيئية عند حرقه.
تتمثل المشكلة في أن الفلاح المصري لم يقتنع بعد بإعادة تدوير هذا القش والاستفادة منه سواء في عمل قوالب أسمنتية للبناء, سماد أو بيوجار, لذلك فلابد من وجود خطوات لإقناع الفلاح عن طريق توجيهه إلي فهم إمكانية بيعه والربح منه, وتعريفه بطرق توصيله لأماكن كبسه وتدويره.
المستشار فؤاد مجاهد مدير عام إدارة التوعية في وزارة الدولة لشئون البيئة يقول: نفذنا العديد من برامج التوعية في مختلف المحافظات التوجيه المباشر للفلاح للسبل الصحيحة للتخلص من القش وشجعناه فخصصنا منح عن كل طن قش أرز يتم تسليمه نسلم الفلاح طن سماد أو طن علف لتشجيعه علي عدم حرقه, ولكن الأمر يرتبط بالثقافة العامة للمزارعين عن أن حرق القش يزيد من خصوبة التربة لذلك سيحتاج التغيير بعض الوقت ولن يساعدنا في ذلك إلا المواطنون والإعلام.