بمناسبة تذكار النياحة : مختارات من السيرة الملائكية ( 2 )
الميلاد :
† أوائل شهر يوليو 1912 اذ دخلت البهجة البيت الريفي لأسرة حنا داود … بقرية الرحمانية من أعمال مركز نجع حمادى و التي كانت تتبع ايبراشية جرجا وكانت قديما تتسع لتضم في نطاقها جرجا والبلينا ونجع حمادى وفرشوط ودشنا وبهجورة …. فرحت الاسرة والأقارب بقدوم الطفل الصغير واسمياه والداه (متياس) نسبة الى أحد الرهبان القديسين الذى كان يتردد بالقرب من البلدة الصغيرة … قدوم الطفل (متياس) لعالمنا حمل (سرا) بانه سيكون طفلا غير عادى قبلما تكتشف دعوته الالهيه الخاصة رضيعا بعد …
† المشهد رواه الشماس حمدى ثابت رزق الله مسئول بعض الخدمات الكنسية بكاتدرائية رئيس الملائكة ميخائيل بأسيوط واحد الابناء القريبين لنيافة الانبا ميخائيل المطران الجليل نقلا عن الأستاذ ميشيل مرقس الذي يرتبط أسريا بصلة القرابة لنيافة الانبا ميخائيل (ابن شقيقه) الاستاذ مرقس الذى كان ترتيبه الثالث بين أخوة أبانا الجليل الأنبا ميخائيل …. ترجع القصة إلى الأيام الأولى لميلاد الطفل (متياس) الذى ذكر بأنه عقب ولادته جاء الكثير من أفراد الأسرة والجيران للتهنئة بالمولود …. وكل منهم كان يتسابق في حمل الطفل ومداعبته والصلاة طالبين البركة لأجله وذلك طبقا للعادات الشعبية المرتبطة بالأسر الريفية في مثل هذه المناسبات. من بين هولاء المهنئين . . حملته سيدة كانت تعاني منذ فترة بمرض جلدي ظاهر ومنتشر في أنحاء جسدها … حملت الطفل لتمنحه البركة كالاّخرين … وعندما عادت الى منزلها فوجئت باختفاء المرض الجلدي و اللون المصاحب له ظاهريا وأصبح مظهر الجلد طبيعي … وقد وضح هذا الامر للكثيرين من اهل القرية فيما بعد ..
الدعوة السمائية :
والتي سجل أحداثها سيدنا بخط يده بالقلم الفحم وكان يحتفظ بهذه الورقة ضمن اوراقه الخاصة التى لم يكشف عنها بعد ..
† وإذ أصبح متداولا ومعلوما ما بين أهل القرية بأن الصغير(متياس) نابغا منذ حداثة سنه وأن تفكيره سابقا لعمره … والحديث لنفس الراوي الشماس حمدي ثابت نقلا عن السيدة رؤوفة … زوجة الأستاذ مرقس شقيق نيافة الأنبا ميخائيل المطران الجليل وهى حاليا الأكبر عمرا في التسلسل العائلي فأشقاء الأنبا ميخائيل بحسب الترتيب هم ابونا المتنيح القس مقار، الأستاذ مرقس مدير بنك الإسكندرية سابقا والمرحوم الدكتور بولس والمرحوم المهندس بطرس. . وتحدثت السيدة رؤوفة إلى الشماس بالقول: عندما كان (متياس) في باكورة عمره ما بين التاسعة والخامسة عشر روى بانة كان مشغولا بالانصات إلى صوت تردد على مسامعه كثيرا وبإلحاح يقول (النجاح ليس في هذا العالم) ولما تبلورت معالم الصوت السمائي التى كثيرا ما استرق الانصات اليه كان بين الحين والاخر يردد على والدته مقولة (انا هاروح الدير) فيما لم يخبرها بالصوت الذى يتردد على مسامعه.. فكانت تزداد قلقا وبدورها تذهب الى والده و تخبره بالقول (ابننا هيتركنا و يروح الدير) و لكن والده كان يهدأ من قلقها و يطيب خاطرها و يطمأنها بالقول (كل الأولاد بيقولوا الكلام ده ثم ينسوه فيما بعد) إلى أن حصل الشاب (متياس) على شهادة البكالوريا و كانت شهادة لمستوى علمي و ثقافي متقدم في ذلك الوقت .
السيرة الرهبانية :
† في هذا التوقيت … أوائل العشرينات من القرن الماضي يسجل التاريخ عن أحد الرهبان الذي انتمى لدير القديس الأنبا مقار في هذه الفترة، رغب في حياة الوحدة إذ كان يتعين وفق المنهج الرهبانى في هذا الزمان أن الراهب الذي يشتاق الى حياة الوحدة كان يبحث عن كوخ بسيط أو كنيسة أو دير غير مأهول أو دير أثري ويعيش فيه منفردا على مثال ما رأيناه مع أبونا عبد المسيح المقاري المناهري والذى عاش بقرية المناهرة داخل (عشه) كوخ متوحدا … انذاك خرج راهب من دير القديس الأنبا مقار هو القديس “أبونا بولس العابد” وكان من منطقة المنيا التي كانت مسقط رأس أبونا عبد المسيح المناهري …. خرج ليذهب الى دير تابع لايبراشية دشنا اسمه دير الأنبا بلامون السائح وهو دير أثري موجود حاليا بقرية اسمها (القصر والصياد) واستمر راهبا متعبدا بهذا الدير لمدة 10 سنوات إلى أن غادر الدير إلى “غرفة بسيطة” تبعد قليلا عن قرية الرحمانية التابعة لمنطقة دشنا قام بتجهيزها اهل القرية ليتعبد متوحدا فيها و وجد ترحيبا من اهلها.
† فكان من الطبيعي أن يشيع ذكر الراهب “بولس العابد ” وقداسته بين أبناء القرية والقري المجاورة ويشع بضياءه وجاذبيتة الروحانية علي شباب القرية فانجذب إليه الكثيرين كل من له اشتياقات روحية ووفقا لما سجلته كتابات المؤرخون الذين عاصروا هذه الفترة أن أبونا “بولس العابد” دخل الى قرية الرحمانية حوالى عام 1934 م فكان من الطبيعي أن يكون الشاب (متياس) أحد الذين تعهدهم ابونا بولس العابد بالرعاية وقد حكى له بالطبع قصة الصوت المسموع الذى يخاطبه كثيرا (النجاح ليس في هذا العالم) وعندما نضجت ثمرة الاعداد والنمو الروحى بعد قرابة حوالى 4 سنوات أرسل (متياس) إلى دير الأنبا مقار حوالي 1939 وكانت أول زهرة تفتحت على يدي الراهب العابد الذى استقر بقرية الرحمانية حوالى 5 سنوات وتوالت تفتح بواكير الثمر ليقدم لدير انبا مقار مجموعة رهبانية من أربعة رهبان هم أنبا ميخائيل مطران اسيوط الجليل والمتنيح أبونا لوقا المقاري (الأنبا مينا مطران جرجا) والمتنيح أبونا اثناسيوس المقاري والمتنيح أبونا جورجيوس المقاري .
† يستكمل الشماس حمدى بكاتدرائية رئيس الملائكة ميخائيل حديثه نقلا عن رواية السيدة رؤوفة … زوجة شقيق انبا ميخائيل بالقول : كان خروج الراهب (متياس) للدير هكذا … في احد الليالي قام الراهب (متياس) من فراشه و اسند (وسادة) في الموضع الذى كان مضطجعا فيه و افترش عليها غطاء كمن يبدو للناظر بانه لا يزال نائما … ثم خرج من منزله دون ان يخبر والداه ليستيقظا صباحا و يفاجئوا بان (متياس) ليس موجودا بالمنزل … و لعل أحاديثه السابقة كانت تمهيدا لرغبته وتحقيقا لأشواق قلبه لسلوك طريق الرهبنة ولعل وضعه الوسادة بهذه الطريقة تؤكد رغبته في عدم ازعاج اسرته بان ما حدث له ليس شرا … لذلك خرج أفراد الأسرة للبحث عنه فسألوا عنه في 4 أديرة على مدار ثلاث ايام بعد غيابه فلم يعثروا عليه … فلم يذهب خيالهم الى انه التحق بدير الأنبا مقار اذ كان الطريق لهذا الدير غير ممهد و الوصول اليه بمشقه بالغة و السفر عسير للغاية .
† في اليوم الثالث لغيابه وصل للأسرة خطابا مكتوبا بيد الراهب (متياس) مسجلا بقلم “الفحم الاسود” … وصورة هذا الخطاب احتفظ بها أبانا الطوباوي داخل ملف أوراقه الخاصة والتي شاهدها بعض ابناؤه القريبين ولم يكشف عنها بعد ..كتب نيافتة يقول :
والدى المحترم حنا داود
اعتذر عن نزولى من البيت بدون اذنكم لكن سبق وأعلمتكم أن طريقي هو طريق المسيح وأبلغكم أنه ومنذ فترة كان يتردد على مسامعى صوتا واضحا مسموعا وكان يتكرر باستمرار كلما وقفت للصلاة أو لقراءة الكتاب المقدس بأن (النجاح ليس في هذا العالم)
لذا اقبلوا اعتذاري … اقبل ايديكم … سامحونى وانا الآن في دير الأنبا مقار وعناية الله لم تفارقني طوال الرحلة بمعونة من القديسة والدة الاله العذراء مريم و الشهيد مارجرجس.
+و اختتم الشماس بالقول :” هذا هو نص الخطاب الذي سجله سيدنا بخط يده”..بحسب الراوى .