فى أوائل التسعينيات عندما بدات موجات الإرهاب تضرب فى جسم الوطن وتحاول أن توجد فتنة طائفية – تطيح بإستقرار الوطن – كان صوت الأستاذ أنطون ينادي قائلاً: (أن الأقباط ليس هم المقصدون، ولكن مصر. فأحذروا من تلك الفتنة وقاوموا الإرهاب ولا تدعوه ينمو مع الزمن). وفى نفس الوقت أخذ يفكر فى إيجاد منهج علمي – بفكر مستنير – أن تقوم جريدة “وطنى” بتقديم صورة الأقباط وتاريخهم وحضارتهم وثقافتهم وتراثهم لأبناء الوطن المحبوب، ومن هنا فكر فى تخصيص صفحة كاملة بجريدة “وطنى” تصدر أسبوعياً بعنوان “من دفتر أحوال الوطن” وأختار لها مجموعة من الكُتاب من أصحاب الأقلام المتميزة والفكر المستنير والثقافة الغزيرة.
وفى إحدى الأيام تلقيت مكالمة تليفونية من د. سليمان نسيم يخبرنى فيه بالمشروع المزمع أن يقوم به الأستاذ أنطون سيدهم، وأنه قد تم أختياري كعضو بهذه المجموعة، وأن موعد الإجتماع سيكون يوم الأربعاء بمقر الجريدة فى تمام السابعة مساءً. وقد كنت قد بدأت أكتب فى الجريدة مجموعة من المقالات التاريخية والثقافية والتراثية منذ عام 1987.
وفعلاً توجهت إلى مقر الجريدة، وعندما أكتمل شمل المجموعة، طلب الأستاذ أنطون من كل فرد منا أن يُقّدم نفسه. كان من بين الحاضرين: الأستاذ أمين فخرى عبدالنور، د. ميلاد حنا، د. وليم سليمان قلادة، د. سليمان نسيم، الأستاذ ماجد عطية، المهندس نبيل زكى، ثم صاحب هذه الذكريات (وكنت انا اصغر الحاضرين سناً). وبدأ الإجتماع وأخذ الأستاذ أنطون يقدم لنا فكره والغرض من هذا الإجتماع، وأن الإجتماع سيكون أسبوعياً، والملامح التى يراها في الصفحة لتغطي أحوال الأقباط تغطية شاملة، وأسند للدكتور سليمان نسيم – بعد موافقة الحاضرين – مسئولية الإشراف على الصفحة. وبدأت العجلة تدور وأخذت الصفحة تجد صدى واسع عند كثير من المثقفين، وأتذكر أن د. مصطفى الفقي نشر بعض المقالات فى الصفحة.
وفى إحدى تلك الإجتماعات فاجئنا الأستاذ أنطون أن مقالات الصفحة غير كافية لتكوين صفحة لعدد الأحد التالى، فطلب من د. سليمان نسيم ومعه صاحب هذه الذكريات بالتوجه للغرفة المجاورة لغرفة الإجتماعات والتفكير فى استكمال المقالتين الناقصتين ولن نغادر مقر الجريدة حتى يتم الإنتهاء من تحرير المقالتين الناقصتين. وفعلاً قمنا وغادرنا قاعة الإجتماعات وعكفنا على تحرير المقالتين – بعد فترة من التفكير – ثم قمنا بتسليمهما للأستاذ أنطون سيدهم ثم غادرنا مقر الجريدة فى ساعة متأخرة.
بمرور الأسابيع والشهور توطدت العلاقة بينى وبين الأستاذ أنطون – علاقة أب محب بإبن مخلص – فكثيراً ما كان يتصل بى تليفونياً بمكتبى بالجامعة الأمريكية بالقاهرة – وقت أن كان مقر الجامعة بميدان التحرير – ويطلب مني أن أتوجه لزيارته بمكتب “الكاتب المصري” فور الأنتهاء من محاضراتى.
كانت محاضرتى – يوم الخميس – تنتهى فى العاشرة صباحاً، فكنت أتوجه فوراً لمقابلته، وكنت دائماً أجد فى ضيافته د. حنا يوسف الإقتصادى القدير والأستاذ بالجامعة الأمريكية. وكانت الأحاديث بيننا تتطرق إلى مختلف النواحي من أحوال الوطن، وأحوال الكنيسة، وأحوال أقباط المهجر، وأيضاً سياسة الجريدة. كما كان من المحبب لى – وأنا أصغر المجتمعين سناً – أن استمع لذكريات عطرة من الأستاذ أنطون والدكتور حنا يوسف وبالأخص عندما يتطرقا لذكرياتهما عن البابا كيرلس السادس والراحل الأنبا صموئيل أسقف الخدمات العلمية والإجتماعية.
ولا أنسى تلك القصة التي ذكرها لي في يوم من الأيام بمكتبه بالكاتب المصري – فى وجود د. حنا يوسف. حيث قال: (فى يوم من الأيام وصلته مقال من نيافة الأنبا غريغوريوس رداً على مقال لأحد الكُتاب الإسلاميين المتشددين بجريدة من الجرائد. كانت العلاقة بين الأستاذ أنطون سيدهم والأنبا غريغوريوس من أقوى ما يمكن، وربما تعود الصداقة بينهما قُبيل رسامة الأنبا غريغوريوس أسقفاً للبحث العلمى والثقافة القبطية فى 10 مايو 1967. الذي حدث أن قام الأستاذ أنطون سيدهم بالإتصال بالأنبا غريغوريوس وقال له – بمنتهى الشجاعة والحكمة والمحبة: (وصلنى مقالكم، ولكنى لن أنشره!! لأنى لو نشرته، من حق الطرف الآخر أن يرد فى جريدة “وطنى” وأنا لا أرغب أن يضع هذا الشخص قدميه فى الجريدة. لذلك من منطلق احترامى للجريدة، لن أنشر مقالكم). أستمع الأنبا غريغوريوس لتلك الكلمات ومدح الأستاذ أنطون على حكمته المستنيرة.
ثم أخذت العلاقة بيننا تزداد والمحبة تتمكن أكثر من القلب، وكثير من الأحيان في لقاءاتنا بالجريدة أو بالكاتب المصري كان يبدي بعض ملاحظاته على بعض كتاباتي بجريدة الأهرام، وكانت ملاحظات صائبة كما كنت أقدم وجهة نظري فيما أكتبه. لكن حدث أنه كان ثائراً جداً عندما سجلت بجريدة الأهرام مقالاً عن د. جمال حمدان فور رحيله، وحاولت أن أذكر للأستاذ أنطون إنى أكتب عن علمه الغزير فى جغرافية مصر، لكن الأستاذ أنطون كان يأخذ الشخص كصورة متكاملة وينظر إلى جميع كتاباته من جميع الزوايا.
فى ذكرى رحيل الأستاذ أنطون أودعه للراحة الأبدية، وربنا يضع البركة فى أهل بيته الذين يحملون الرسالة بأمانة كاملة. مع تمنياتى لجريدة “وطنى” لمزيد من التقدم والأزدهار وأن تستمر على رسالتها التى نشأت عليها.