من نصائح أنطون سيدهم: ماتخليش حاجة تزعلكوا قوى ولاتفرحكوا قوى
اول مرة التقيت مع الأستاذ أنطون سيدهم كان في اواخر 1984 مع عودة وطنى للصدور بعد توقفها أيام السادات ،كنت وقتها طالبة في السنة النهائية بكلية الإعلام جامعة القاهرة ،حيث طرقت أبواب “وطنى” طالبة صغيرة تطرق أبواب جريدة ذات شأن تسمع باعة الجرائد يوم الاحد ينادون عليها مع الثلاث جرائد الأكثر انتشارا قائلين ” أهرام …أخبار.. جمهورية ..وطنى “
لاشك ان اللقاء الأول كان مهيبا فاذ كنت لا ازال احبو في بلاط صاحبة الجلالة وجدت نفسي وسط عدد من كبار الصحفيين في قاعة الاجتماعات حيث يلتقى الأستاذ الكبير أنطون سيدهم بصحفى الجريدة مساء الاثنين من كل الأسبوع في اجتماع التحرير..فوجئت ان “أنطون بك”كما يطلق عليه في الجريدة يطلب لقائنا- انا وزملائى الجدد- في اجتماع التحرير..فعلي رأس مائدة الاجتماع يجلس أنطون سيدهم ويلتف المحررون وامام كل منهم عدد الاحد ليقيم أنطون بك أداء كل محرر..كدت اكتم انفاسي وسط هذا المحفل الذى شعرت برهبته ..والذى اختتمه أنطون بك بالتعرف علينا في كلمات مقتضبة لكنها حملت الضوء الأخضر للإنطلاق للعمل قائلا ” ياللا اتجدعنوا”
وانخرطنا في العمل وكانت بدايتى في ترجمة موضوعات لصفحة “حول العالم” الذى كان يشرف عليها أستاذ فريد عبد السيد وبجانب ذلك كنت أشارك فريق سكرتارية التحرير في تصميم ومتابعة العدد بالمطبعة اذ اننى درست أيضا الإخراج الصحفى ، وبعد سنة كنت تزوجت خلالها دعانى أنطون بك بعد انتهاء اجتماع التحرير وكلمنى بلغة لمسته فيها أبا اكثر منه صاحب عمل ولازلت متذكرة نص ماقاله: “انت دلوقتى متجوزة وقريب هايبقى عندك أطفال وشغل المطبعة وسكرتارية التحرير صعب مع العمال والتأخر في المطبعة بالليل ركزى في التحرير انت بتكتبى حلو”..وبالفعل بحس صحفى وجهنى الى الكتابة في شئون الأسرة وخصص لي باب اقدمه بعنوان ” عالم المرأة”..ولم يكن يبخل على في كل عدد ان يثنى على الباب في عبارة “الباب بيتبلور ..كويس ” بل كان يدافع عن المساحة المخصصة لذلك الباب اذا ما تم الجور عليه ويقول للأستاذ أحمد حياتى “ليلي ليها نص الصفحة ونادية نص الصفحة” فكنت اشعر كصحفية شابة اننى احتمى بانطون بك نفسه.
وإذ كان حريصا على تنوع المجالات التي يعمل فيها الصحفى في بداية عمله ليصقل بمزيد من الخبرات كان يطلب منى تحقيقات صحفية في شئون متنوعة لصقل قدراتى الصحفية ..وكم امتن اليوم بما فعله أنطون سيدهم معى .
“أنطون سيدهم” هذا العملاق الذى كان يدوى صوته لاجل الحق في كل ماكتبه ..والذى كان يدوى صوته في اجتماع التحرير الاسبوعى الذى يقيم فيه العدد الصادر ويقرأه كلمة كلمة ويخطط بقلمه الأحمر تحت اى خطأ ليواجه به كاتبه ..حفر في داخلى ان اهتم بكل كلمة اكتبها ربما جاء ذلك من خوفى كصحفيه مبتدئة من نقد أنطون سيدهم الذى يقرأ كل كلمة في العدد الى ان أصبحت قيمة تقدير الكلمة المكتوبة مدرسة أنطون سيدهم في عالم الصحافة وسط مناخ صحفى لم يكن يخلو من الاثارة ولو على حساب المصداقية…
وكان لانطون بك أسلوب الثواب وليس فقط النقد او العقاب فمع كل عدد كانت هناك مكافأة نقدية لأفضل موضوع..وكم حظيت بها وانا فخورة انها نجحت امام أنطون بك في كل مراحل الغربلة الدقيقة وكان ذلك اعظم تقدير
أنطون سيدهم لم يرسخ فقط مدرسة صحفية لها سماتها المتميزة بل علاقات عمل جعلتنا نطلق ونحن مرتاحى البال على فريق العمل الصحفى” اسرة تحرير وطنى” …والحقيقة انها نفس المدرسة الذى اتبعها الأستاذ يوسف سيدهم رئيس التحرير
فالعلاقة بين صاحب العمل وفريق العمل كانت ولاتزال علاقة أسرية فكم كان يسألنى أستاذ أنطون عن أحوال ابنائى ويسدى لى نصائحا ابوية ..لا انسي عندما ولدت طفلتى البكر” فيرونيا” ارسل لى مع زملائى هديته وقال لهم قولوا لنادية “اللى يسعدها زمانها تجيب بناتها قبل صبيانها”..وعندما انجبت طفلى الثانى “بيشوى”كلمت أنطون سيدهم هاتفيا وقلت له: “عايزنى انزل الجريدة بعد أسبوعين زى المرة الأولى”..فرد بحزم من يدافع عن حقى” لا ياماما من حقك اربعين يوم إجازة وضع ..اقعدى استريحى”..فتنفست الصعداء ولسان حالى يقول “ياريتنى استنجدت به في الولادة الأولى “!!..
ومن نصائحه التي اذكرها “ماتخلوش حاجة تفرحكوا قوى ولاتحزنكوا قوى”..فكان كأب مختبر الحياه يخشى علينا كاولاده في مقتبل عمرهم من الانفعالات الزائدة يوم رحل عن عالمنا أنطون سيدهم دخلت حجرة الاجتماعات بالجريدة اذرف دموعا صادقة كمن فقد اعز الأقارب..اغلقت على نفسي الحجرة وجلست اتخيله جالسا امامى في اجتماع التحرير الاسبوعى وكتبت مقالا بعنوان “لا لن اقول وداعا ” استدعيت فيه كل ماتعلمته ولمسته في العظيم أنطون سيدهم على مدار مايزيد على عشر سنوات والذى لن انساه ويجعله حيا بما سطره في نفوس الملايين من مبادئ مهنية وقيم إنسانية لن تنسي
ولا انسي انه بعد رحيل أنطون سيدهم كثرت الاقاويل حول غلق جريدة وطنى بعد رحيل مؤسسها كصاحب الامتياز ..وكم كان ذلك مزعجا لى كمعينة في الجريدة ،ولكن حكمة ويقظة أنطون سيدهم خذلتهم اذ كان حولها قبل رحيله من عالمنا الى الى شركة مصرية مساهمة ليحمى رسالته الصحفية ويحمىنا نحن أبناؤه الصحفيين الشباب الذين أيضا بتعينه لهم والتحاقهم بنقابة الصحفيين استطاعت “وطنى “ان تواصل صدورها ورسالتها الإعلامية
حقا كما قال الكتاب المقدس “من ثمارهم تعرفونهم”..اقول ان أنطون سيدهم اثمر يوسف سيدهم – رئيس التحرير- وسامية سيدهم -مديرة تحرير وطنى الدولى – مرتويين بماء نقى لاغش فيه..ولن اطيل في ذلك لانهما دائما يرفضان المديح
والان بعد مرور عشرين سنة من رحيلك لازال لسان حالى يقول..”حقا أنطون سيدهم لن أقول وداعا”