أقام وليمة إفطار فى بيته لمدة أربعة أيام لكل رجال الدولة
عندما هبط نابليون مصر سنة 1798م، كان يحلم بإنشاء إمبراطورية شرقية تمتد من أسوار الصين إلى سواحل المحيط الاطلنطى، ولما دخل مصر بجيوشه أخذ يبالغ فى اجتذاب قلوب الأهالي والتودد إليهم فكان يصدر المنشورات مفتتحة بالآيات القرآنية، ويؤكد للزعماء أنه مسلم موحد بالله وأنه حليف السلطان ولا يقصد إلا محو سلطة المماليك وإنقاذ الأهالي من استبدادهم ولم يتردد فى لبس العمامة والجبة بل لم يتردد فى مشاركة المسلمين فى مواسمهم وأعيادهم، ولكنه لم كان يعلم إن مصر ظلت وتظل مقبرة كل الغزاة.
أخذ نابليون يبالغ فى اجتذاب قلوب الأهالى والتودد إليهم وعندما حل موسم الرؤية لإثبات شهر رمضان، فأنتهزها نابليون فرصة طيبة وأمر بالمبالغة فى الاحتفال وتفخيم مؤكب الرؤية تملقا لإحساس المسلمين.
وفى يوم الرؤية ركب المحتسب بالأبهة الكاملة وأمامه مشايخ الحرف بطبولهم وزمورهم واستقبله نابليون وهو يتلو معهم آيات القرآن الكريم ويردد الفاتحة، ثم صار الموكب بعد الغروب إلى بيت القاضى، وأنطلق الموكب بالمشاعل والطبول والزمور ينادى بين الناس بالصوم.
وأشترك نابليون بجنوده وضباطه فى حفلات رمضان، وأمر أن يكون الاحتفال كبير وضخم وفتح نابليون أبواب داره للعلماء والأعيان واحتفى بهم وأصغى فى خشوع وتقوى للمقرئين وهم يتلون القرآن وكان يعمص عينه ويهز رأسه ويسبح ويحمد الله كأكثر الناس تقوى وإيمانا.
وأقام وليمة كبيرة فى الإفطار فى بيته دامت أربعة أيام، دعا فى أول يوم العلماء والفقهاء والمشايخ والجيش وفى اليوم الثانى والثالث التجار والأعيان وفى اليوم الرابع أكابر الفرنسيين.
وقضى نابليون أربعة أيام من رمضان يعد العدة للحملة على سوريا نهارا ويحتفل بشهر الصيام ليلا بالقراءة والسهرات وفى الخامس من رمضان زحف بجيشه إلى سوريا لفتحها وهو واثق أنه أمتلك نفوس أهلها الذين ظن أنهم وجدوا فيه مسلما أكثر من المسلمين، ولكنه كان مخطئا فى ظنه وفى حساباته ولم يجد بعد ذلك خلال فترة بقاء حملته إلى الجلاء عن مصر قبل أن تصبح مقبرته ومقبرة رجاله.