اجرت صحيفة الفاينانشيال تايمز حوار مع الدكتورة سحر نصر وزيرة التعاون الدولي وجاء نصه كالتالى:
– فاينانشيال تايمز: طلبت الحكومة الحالية من مواطنيها تحمل صعوبات كثيرة واتخذت اصلاحات جذرية منذ شهر نوفمبر مما أدى إلى خفض قيمة العملة، كما فقد الجنيه المصري 100% من قيمته أمام الدولار، بالإضافة إلى فرض ضريبة القيمة المضافة وخفض الدعم على الوقود، بما يمثل عبئا كبيرا على المواطن المصري، فضلا عن معدل التضخم الذي وصل إلى 20%، متى يمكن للشعب أن يجني مكاسب هذه الاصلاحات، فقد تحمل المعاناة لكن متى يجني الثمار؟
وزيرة التعاون الدولي: هذا سؤال جيد جدا، كخبيرة اقتصادية من الضروري أن أشيد بالقرارات الجريئة التي اتخذتها الحكومة فيما يتعلق بالإصلاحات الخاصة لتعزيز السياسات المالية والنقدية والدعم، وهنا أؤكد أن المقصود ليس تقليل الدعم ولكن المعيار هو الاستهداف والشفافية لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه ليكون أكثر فاعلية.
أعود مرة أخرى لسؤالك وأؤكد أن الحكومة تتخذ إجراءات حماية اجتماعية قوية مصاحبة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، بالرجوع إلى الخبرات الدولية والإصلاحات التي طبقتها مصر في السابق نجد أنه من الضروري وجود شبكات أمان اجتماعي لتوفير الاحتياجات الأساسية وضمان عدم الاضرار بالمواطنين الأكثر احتياجاً، ومن أمثلة برامج الحماية الحالية برنامج الدعم النقدي المشروط، وبرنامج التغذية المدرسية في القرى والمحافظات الأكثر فقراً، وتوصيل الغاز للمنازل ليحل محل انابيب البوتاجاز مرتفعة التكلفة، بالإضافة إلى السعي الدائم لتخفيف الأعباء عن المرأة المعيلة وبناء القدرات في قطاع التعليم للقضاء على الفجوة بين المهارات وسوق العمل.
– فاينانشيال تايمز: لكن هذا يتطلب وقتا، والمواطنين يعترضون علي تآكل القدرة الشرائية، فهل ذلك يشكل قلقا؟
وزيرة التعاون الدولي: لا يشكل قلقاً لان الحكومة اتخذت بالفعل إجراءات وقائية، بداية من الدراسات التحليلية التفصيلية وانشاء قاعدة بيانات تضم كافة الفئات الأكثر احتياجاً وتأثراً بالإصلاحات، كما تتابع الحكومة معدلات التضخم بشكل يومي للاستجابة سريعاً لتداعيات سياسات الإصلاح الاقتصادي وما يترتب عليها من تأثير على الاحتياجات الأساسية للمواطن، لذلك تتفاعل الحكومة دوماً مع المواطنين وتفي باحتياجاتهم لضمان عدم الرجوع إلي الخلف خاصةً علي المدي القصير.
– فاينانشيال تايمز: كيف تتعامل الحكومة مع ذلك؟ هل من خلال دعم الاسر الفقيرة فقط؟
وزيرة التعاون الدولي: من خلال الاستهداف المباشر- على سبيل المثال تحول الدعم المقدم لقطاع الإسكان الاجتماعي من دعم غير مباشر يقدم على الأراضي والمرافق، إلى دعم مباشر يوجه للمواطنين مباشرةً.
كما ندعم مشاركة القطاع الخاص بشكل أكثر فاعلية من خلال تقديم الدعم المباشر للأسرة عن طريق برامج التمويل العقاري وبرامج الايجار، والتي تحدد لها الحكومة معايير صارمة في الاختيار لا تعتمد على اسبقية التقدم، ولكن على الظروف الاجتماعية للمتقدم وتكون على سبيل المثال الأولوية للأسرة التي لديها أطفال، او المرأة المعيلة.
– فاينانشيال تايمز: ذكرتي من قبل ان هذه الاصلاحات جاءت متأخرة وبالفعل هناك انطباع عند التحدث مع القطاع الخاص، أو حتى المؤسسات، بأنها تشعر بأن الحكومة ستتحرك فقط في حالة وجود الضغوط الكبيرة عليها، انها اجريت اول مرحلة من خفض الدعم على الوقود لكن الحكومة ستتراخى بعد أن حصلت على قرض صندوق النقد الدولي وستتأخر في المرحلة الثانية من الإصلاحات، في حين أن هناك حاجة للعديد من الاصلاحات.
وزيرة التعاون الدولي: اختلف معك في ذلك لان القيادة والحكومة اتخذوا قرارات حاسمة وهم مدركين ان هذه القرارات ستعود بالنفع على المواطن في المدي المتوسط والطويل، وقد تُخفض من رصيدهم لدي الشعب وتواجه باعتراضات، الحكومة جريئة في قرارتها، لأنها متأكدة بان ثمار هذه الإصلاحات ستعود على الشعب ولذلك نحن حريصون على اجراء مشاورات مكثفة مع الكافة بشفافية كاملة، وتم تصميم برنامج إصلاحي شامل قادر علي الاستجابة للتغيرات، ويتم متابعة تنفيذه من المواطنين.
– فاينانشيال تايمز: قد يقول البعض… بل يقولون بالفعل أن الحكومة منذ 2013 قد حصلت على المليارات من الدولارات من الخليج ومع هذا كانت النتيجة انخفاض الاحتياطي النقدي وأن نمو الاقتصاد لا يرقى إلى المستوى المطلوب وأن هذه القرارات جاءت متأخرة جدا وأخشى ان يجد البنك المركزي نفسه مضطرا إلى التدخل مرة أخرى لدعم العملة، هل ترين أن هذا قابل للتغيير؟
وزيرة التعاون الدولي: لا يمكن لي الرد بالنيابة عن البنك المركزي، أنا أُدَرِس بالجامعة الأمريكية وخاصةً المال والبنوك، لذا احترم القانون الذي يحكم البنك المركزي وينص علي استقلاليته، لكن أؤكد أن الحكومة ملتزمة جدا بالمضي قدما في برنامجها الإصلاحي الذي وضعته لنفسها دون املاءات من ايه مؤسسة دولية لأن لدينا العديد من مصادر دعم الموازنة التي لا تقتصر فقط علي صندوق النقد الدولي بل العديد من شركائنا في التنمية مثل البنك الدولي والبنك الافريقي للتنمية والاتحاد الأوروبي.
مرة اخري، اعود لسؤالك عن التمويلات التي تم الحصول عليها، هذه التمويلات تم وضعها في إطار برنامج متكامل وشامل لها تأثير مهمً جداً، تم تخصيص جزء كبير منها في مشروعات البنية الأساسية، وشبكات الطرق، ومحطات توليد ونقل الطاقة، حتى المناطق الحيوية في مصر كانت تعاني من انقطاع الكهرباء ليس فقط سيناء او الصعيد، الاستثمار في هذه القطاعات من البنية الأساسية، وطرق وطاقة ومواد بترولية شرطاً اساسياً لتحقيق النمو.
– فاينانشيال تايمز: عندما نتحدث إلى القطاع الخاص، وبالأخص كبرى الشركات، ترى على سبيل المثال ان الجيش ينشئ الشركات والمصانع ويستثمر فيها، ويشعرون أن هناك تنافس غير متكافئ.
وزيرة التعاون الدولي: عندما اسمع هذا التعليق أرد لماذا لا تقدم هذه الشركات عروض في المناقصات التي يتم طرحها، الحكومة مدركة تماماً بانه لا تنمية بدون القطاع الخاص، الحكومة وحدها غير قادرة على تحقيق النمو الاقتصادي المرغوب , منذ عامين، عندما كان القطاع الخاص متخوفاً من الدخول في استثمارات، اضطرت الحكومة أن تقوم بعمل حزمة مالية بهدف ضخ الاستثمارات وتوفير فرص عمل وتحفيز الاقتصاد.
ولكن الان، تعمل الحكومة جاهدة علي تحقيق شراكة مع القطاع الخاص وأن يضاعف استثماراته لذلك يتم الان تعديل قانون الاستثمار على الرغم من اصدارة من فترة قصيرة، بهدف التغلب على اية معوقات بيروقراطية تواجه القطاع الخاص.
– فاينانشيال تايمز: إذاً ماذا تقولين للأشخاص الذين يعبرون عن قلقهم نتيجة دخول الجيش إلى قطاع الإسمنت وقطاع الحديد المسلح، ويعتبرون انه لا يمكن منافسته اقتصادياً؟
وزيرة التعاون الدولي: اهم شيء هو توفير فرص متساوية وأكدت من قبل وأؤكد علي ان الحكومة تدخلت فقط في الوقت الذي تخوف فيه القطاع الخاص من الاستثمار في مصر، وتدخلت كمحفز وداعم بهدف توفير فرص العمل لكن الان الحكومة حريصة علي دخول القطاع الخاص في القطاعات المختلفة وليس فقط قطاع الاعمال أو الصناعات بل قطاعات الإسكان والطرق ومختلف المشروعات التي تقوم بتنفيذها لذلك تعرض وزارة التعاون الدولي دائماً علي موقعها الالكتروني المشروعات الاستراتيجية التي يمكن للقطاع الخاص المشاركة فيها مثل المطارات ومحطات الكهرباء.
– فاينانشيال تايمز: بصفتك وزيرة التعاون الدولي وعضو بالمجموعة الاقتصادية وهذه لحظة في غاية الأهمية… ماذا يقلقك وماذا يقلق نومك؟
وزيرة التعاون الدولي: تحقيق اصلاح شامل مستدام لأن بحكم خبرتي أدرك أنه إذا لم يكن هذا البرنامج شامل قد يؤدي ذلك إلى تباطؤ في التنفيذ، ولا اريد أن يحدث أي عودة إلى الوراء، ولذلك أركز كثيرا على البعد الاجتماعي من خلال التركيز على المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتوفير فرص عمل وتمكين الشباب في عمل وتصميم آليات التنفيذ والمتابعة والمرأة التي تعاني من معدل بطالة مرتفع مقارنة بمعدل البطالة الكلي وكذلك على المناطق المهمشة والأكثر احتياجاً، لا أستطيع أن اهمل صعيد مصر ولا سيناء ولا العلمين، فيجب اعطاء الأولوية لهذه المناطق، فهذا ما يقلقني… أن أرى مزايا برنامج الاصلاح تقتصر على العاصمة والمدن الكبيرة فقط.