بنيت الكنيسة فى القرن السابع الميلادي ضمن مجموعة كنائس دير أبي سيفين وقد ورد ذكر هذه الكنيسة في كتاب المقريزي؛ حيث يروي أن كنيسة الست مريم المجاورة لكنيسة الأنبا شنودة في مصر قد هدمت عام 785م على يد والي مصر علي بن سليمان بن عبد الله بن عباس، (من قبل أمير المؤمنين الهادي)، وقد أعيد بناؤها في عصر الخليفة هارون الرشيد.
وقد صرح الوالي ( موسى بن نصير) للنصارى بتجديد الكنائس التي هدمها الوالي السابق وتم ذلك في 786م – 809م، مما يعني أن هذه الكنيسة كانت قائمة قبل القرن الثامن.
وسميت هذه الكنيسة بالدمشيرية نسبة إلى أحد أعيان القبط من بلدة دمشير في محافظة المنيا، كان يمر بمشكلة كبيرة وتشفع بالقديسة مريم أن تتدخل وتقوم بحلها وهو سيقوم بترميم الكنيسة بالكامل؛ وبالفعل حلت له السيدة العذراء مشكلته، وتولى بعد ذلك ترميم ما تصدع من بنيانها في القرن الثامن عشر حوالى 1760م.
وصف الكنيسة
كان لـ “وطني نت” لقاء مع القس بموا جرجس كاهن الكنيسة الذي قال: بعد عبور الفناء يدخل الزائر من الباب الجنوبي (القبلي) للكنيسة إلى صحن الكنيسة، الذي يبلغ 19 متراً طولاً و11.5 عرضاً و11 متراً تقريباً فى الارتفاع، ويوجد كالمعتاد الصحن والجناحان والجناحان ينفصلان عن الصحن بواسطة ستة أعمدة من الرخام، ثلاثة منها فى كل جانب والعمود السابع يقع في منتصف الكنيسة من الناحية الغربية.
أبونا بموا مع المحررة
كنيسة العذراء الدمشيرية من الداخل
والسقف الرئيسي الذي يغطي الصحن عبارة عن جمالون خشبي مرتفع، أما الأجنحة فيغطيها سقف منخفض، وشكل الجمالون والسقفين المنخفضين يذكرنا بسفينة نوح كرمز يرفع قلوبنا إلى أن الكنيسة هي السفينة التي تنقذنا من طوفان بحر العالم.
سقف الكنيسة من الداخل
والهيكل الأوسط به مذبح باسم السيدة العذراء، وتعلوه قبة كبيرة تقوم على أربعة أركان من المقرنصات.. وتعلو المذبح قبة خشبية عليها صورة السيد المسيح والأربعة حيوانات غير المتجسدين، ويعلو القبة صليب ويرجع تاريخها لعام 1557م.
هيكل السيدة العذراء
المذبح الرئيسى للكنيسة
سقف قبة المذبح
منظر لسقف الكنيسة وقبة الهيكل ويعلوها صليب
أما حامل الأيقونات الأوسط (حجاب الهيكل) فهو من الخشب المعشق ومطعم بالعاج برسوم بسيطة وتاريخ صنعه يرجع إلى سنة 1477 للشهداء (1761م) وتعلوه سبع صور تتوسطها أيقونة السيدة العذراء وعلى جانبيها الاثنى عشر تلميذاً، وكتب على باب الهيكل بالعربية (المجد لله فى العلا أدخل إلى مذبح إلهي المبهج لشبابي برسم العذراء مريم بالدمشيرية، اللهم تراءف علينا وباركنا عوض يارب من له تعب في ملكوتك) وكتب بالقبطية ما ترجمته. القديس يوحنا 1477 للشهداء (1761م).
أما الهيكل الشمالي (البحري) فيستخدم كمقصورة للسيدة العذراء والقديسة يوليطة والقديس كرياكوس، والشهيدة دميانة والأربعين عذراء الشهيدات، وحجاب المقصورة من الخرط البلدي.
والهيكل الجنوبي (القبلي) باسم القديس يوحنا الحبيب، وتعلو حجابه أيقونات للسيدة العذراء ورئيسي الملائكة رافائيل وسوريال والقديسين بطرس وبولس الرسولين.
وفوق مكان دكة الصلبوت توجد أيقونة كبيرة ذات وجهين، تمثل صلب السيد المسيح وقيامته رسم أنسطاسي الرومي (حوالى 1840م).
أيقونات الكنيسة
ويضيف أبونا بموا عن الأيقونات الموجودة في الكنيسة فيقول: تضم الكنيسة بعض الأيقونات الثمينة التي يرجع تاريخها لعام 1162 للشهداء، ومن الأيقونات النادرة في الكنيسة أيقونة السيدة العذراء يطلق عليها العذراء الفلاحة، ونجد فيها السيدة العذراء مريم تضع على رأسها القمطة المصرية التي تضعها الفلاحة المصرية كرابطة على شعرها، كذلك أيقونة السيدة العذراء حاملة السيد المسيح بالطابع الحبشي؛ حيث يرسمها الفنان كفتاة سمراء وهي مشهورة جداًّ ومسجلة عالمياًّ وتمت عن طريقها العديد من المعجزات.. وأيضاً توجد أيقونة للسيدة العذراء بالطابع الفارسي؛ حيث يرسمها الفنان بوجه وعيون آسيوية، وتوجد أيضاً أيقونة مجيء المجوس إلى السيد المسيح وأيقونة صعود جسد السيدة العذراء محاطاً بالملائكة، وأيقونات عديدة أخرى معظمها من رسم أنسطاسي الرومي ويوحنا المقدسي، كذلك توجد لدينا أيقونة للسيدة العذراء تم الانتهاء من ترميمها وستعلق قريباً في الكنيسة وستكون مفاجأة كبيرة.
وفي الحائط الفاصل بين الهيكل الأوسط والبحري يوجد عمودان من الجرانيت الأحمر والديوريت الأسود كبقايا من الكنيسة القديمة من القرن السابع، ويدل ذلك على أن مبنى الكنيسة مقام على أنقاض كنيسة أقدم، كانت تحت مستوى الكنيسة الحالية بما لا يقل عن ثلاثة أمتار وهذا يدل على أثريتها.
أيقون العذراء الفلاحة
أيقونة العذراء الحبشية
أيقونة السيدة العذراء بالشكل الأسيوى
عمدان أثرية من بقايا الكنيسة القديمة
الدور العلوي
توجد كنيسة باسم رئيس الملائكة الجليل ميخائيل وهي تشبه كثيراً كنائس الحصن التي توجد في الأديرة، وكانت مهجورة قديماً وتسكنها بعض الأسر المسيحية وكان هيكلها مختفياً ببعض الإشغالات، وتم إخراج الأسر الساكنة بها ودبرت لهم مساكن بديلة، وعمرت الكنيسة في عهد المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث، وأيضاً توجد كنيسة باسم الشهيد العظيم مار بقطر.
أجساد القديسين
ويضيف القس بموا عن الأجساد الموجودة في الكنيسة فيقول تضم الكنيسة ما يزيد على الثلاثين من أجساد ورفات القديسين والشهداء، ففي الناحية الغربية بكنيسة السيدة العذراء توجد مقصورة خشبية تحوي رفات موضوعة في الكنيسة منذ أكثر من 200 عام، وهم الشهداء مارجرجس والقديس أبى سيفين، والقديس مارمينا والقديس مار بقطر بن رومانوس، في أنابيب خشبية تعلو كل منها أيقونة للقديس، وتوجد أيضاً مجموعة أخرى من رفات الشهداء والقديسين والذي أتى بهم إلى الكنيسة أبونا يوحنا فؤاد من أماكن وبلاد عديدة، منهم بولس الرسول والقديس أوغسطينوس ويوحنا الإنجيلي، ولوقا الإنجيلي وشهداء نجران الموجدين في السعودية، والبابا بطرس خاتم الشهداء وزكا العشار أتى بها من القدس وأجساد أخرى من إيطاليا.
مقصورة بالكنيسة من الجهة الغربية للسيدة العذراء ومجموعة من أجساد القديسين
في الجهة الغربية البحرية يوجد مغطس مبطن بالرخام مغطى حالياً بغطاء من الزجاج السكيوريت بسمك 5 سم ليتحمل الوقوف عليه، وفي وسط حصن الكنيسة يوجد لقان رخامي في الأرض له غطاء أيضاً من الزجاج السميك.
ترميم الكنيسة في العصر الحديث
وعن ترميم الكنيسة كان لنا لقاء مع الأستاذ جرجس حلمي سكرتير الكنيسة والذي قال: نظراً لتصدع جدران الكنيسة في العصر الحديث نتيجة ظهور الرطوبة بالحوائط، وتدهور الأساسات، وتآكل الأعمدة الجرانيت في صحن الكنيسة وضعفها، وظهور شروخ كثيرة في القبة وكذا في الحنيات الركنية، مع تهالك أخشاب الجمالونات وتآكلها، بدأ ترميمها من الناحية المعمارية والترميم الدقيق منذ عام 1984م وحتى عام 2009م لمدة 25 عاماً، نقلت إليها الكنيسة نقلة كبيرة من حيث الشكل والأساسات، فقد تم ترميم كل شيء بها، الحوائط والأرضيات والأخشاب والأحجار، والترميم الدقيق للأيقونات والأحجبة والجصيات، والأبواب والشبابيك.
ومن الأشياء الصعبة في عمليات الترميم فقد كنا نقوم بتعليق الأسقف ونزيل الحوائط المتهالكة ونغيرها بحوائط جديدة، وكنا نحتفظ بالطوب القديم وبعد تنظيفه وتهذيبه قمنا بعمل الهيكل الرئيسي منه، والآرشات في الجانبين الأيمن والأيسر بالكنيسة.. كذلك الأعمدة والتي تآكلت بفعل الزمن، قامت هيئة الآثار بتغييرها بعمدان أخرى قديمة وأثرية كانت مأخوذة من كنائس قديمة هدمت في الماضي، كانت تحتفظ بها الهيئة وتم تغيير شبكة الإضاءة بالكامل، وعمل دائرة صوت على أحدث التقنيات وتركيب التكييفات بالكنيسة، وعمل دواليب ومقصورات لحفظ الأيقونات والأجساد المقدسة، وأثناء أعمال الترميم والحفر التي تمت في الكنيسة، عثرنا على بعض القطع من الأواني الكنسية وكسر الفخار، والأحجار وضعناها مع ما تحتفظ به الكنيسة، من قطع وكتب ومخطوطات قديمة في دولاب كبير، كمتحف في الكنيسة وبإشراف هيئة الآثار، وتمويل من الكنيسة.
وبتعب أبينا يوحنا فؤاد وأبينا بموا ولجنة الكنيسة القديمة واللجنة الجديدة، تم إتمام العمل على أكمل وجه ممكن وبأفضل الطرق الفنية والعلمية والأثرية.
الأستاذ جرجس حلمى سكرتير الكنيسة مع المحررة
أحد الأعمدة بالكنيسة
متحف الكنيسة من المقتنيات المكتشفة
اتنين شمعدان قديم من معروضات المتحف
مواسير أثرية من الفخار
كرسى مذبح أثرى
قنديل أثرى
كأس تناول قديم
دفوف أثرية
تاج عمود أحجار قديمة
اوعية من الفخار المطلى
أنشطة الكنيسة
وعن أنشطة الكنيسة يقول الأستاذ جرجس حلمي: توجد في الكنيسة أنشطة كثيرة تتمثل في مركز الكمبيوتر، والذي يتم عن طريقه تدريس الكورسات المتخصصة لخدمة شعب وأولاد وبنات الكنيسة كذلك مركز وسائل الإيضاح والذي يقدم خدماته المساعدة للتربية الكنسية، من توفير وسائل الإيضاح لشرح المناهج وإنتاج أسطوانات الكمبيوتر من أفلام وترانيم وعظات كذلك عمل الكرنفالات والمجسمات، مثل مغارة الميلاد والقيامة وأيضاً توجد خدمة إخوة الرب كخدمة اجتماعية تهتم بالأسر الفقيرة في المنطقة، والعديد من الخدمات الأخرى مثل خدمة الحرفيين الصغار، وخدمة مكتبة الاستعارة وخدمة الكورال (كورال الزهرة النيرة)، وخدمة شباب وشابات ثانوي وخدمة اجتماع الصلاة والتسبيح، وخدمة درس الكتاب وخدمة مكتبة البيع وخدمة الحضانة.
معجزات تمت في الكنيسة
ويختتم أبونا بموا حديثه معنا بسرد بعض المعجزات التي تمت في الكنيسة، على سبيل المثال كانت فتاة تعاني من ورم خبيث وتحدد لها ميعاد لعملية استئصال بعد عمل التحاليل والأشعات والتأكد من وجود الورم، جاءت إلى كنيسة وتشفعت بالسيدة العذراء ودهناها بالزيت، وقبل العملية تم أخذ عينة وكانت المفاجأة أنها شفيت تماماً ولا يوجد أي أثر للورم في جسدها.
كذلك مار بقطر مشهور جداًّ عندنا بقوة معجزاته، فكانت توجد سيدة عاقر منذ سنوات طويلة لا تستطيع أن تحمل لوجود عيوب خلقية عندها، فتشفعت بمار بقطر وتناولت من الأسرار الإلهية وجاءت إلى الكنيسة بعد تسعة أشهر وهي تحمل طفلها على يديها، والكثير والكثير من المعجزات تحدث بشفاعة قديسي الكنيسة.