دعوة لوزارة الأثار لإنقاذ دير القديس الأنبا أرسانيوس – بجبل طرة، لما يتعرض له من مخاطر بيئية وبشرية جسيمة فى العهود الماضية وحاليا، مما يجعله فى طريقه للإندثار نهائيا.
وقد كان لوطنى لقاء مع من أطلق هذه الدعوة وعلى رأسهم الأنبا دانيال – أسقف طرة والمعادى، ومجموعة من خيرة الباحثين والأثريين ليلقوا الضوء على هذا الدير الأثرى وما تعرض له من مخاطر وسبل إحياء وتسجيل هذ الأثر.
الطريق إلى موقع الدير ووصف المنطقة أعلى الجبل:
تكلم مع وطني نيافة الأنبا دانيال – أسقف طرة والمعادى عن زياراته المتعددة لموقع الدير فأقدمهم كان منذ اكثر من خمسة عشر سنة، ومؤخرا تم عمل عدة زيارات لموقع الدير – أعلى الجبل فى15 من مارس عام 2013 م وفى 22من مارس عام 2013 م، من خلال لجنة برئاسة الأنبا دانيال – أسقف طرة والمعادى، وبعض الأباء الرهبان وعدد من المهتمين بالآثار..
ويشرح لنا الأنبا دانيال ظروف ونتائج أحدث زيارة فيقول: “أنا طلعت الجبل منذ أكثر من خمسة عشر سنة، وطلعته أيضا من فترة قريبة يرافقنى المهندس عاطف عوض – الباحث الاثري وعضو هيئة التدريس بمعهد الدراسات القبطية والدكتور عزت حبيب – الباحث الاثرى والمهندس المعمارى سامح فايق وكذلك أبونا تداوس وأبونا عبد المسيح. للصعود اخذنا الطريق الجنوبى لمداخل منطقة شق الثعبان واتجهنا شرقا وسط ورش ومصانع الرخام – والتى تمثل خطورة حقيقية على الدير لتقطيعهم الرخام والحجارة اسفل المغارات، مما يعرض الدير لخطر الانهيار فى أى وقت. والدير يقع شمال المنطقة المراد زيارتها مباشرة حتى وصلنا الى حافة الجبل بالهضبة الوسطى، وهناك تركنا السيارات – لعدم امكانية صعودها حيث الطرق غير ممهدة، وبدأنا الصعود على الأقدام لمسافة استغرقت حوالى 25 دقيقة حتى وصلنا للهضبة العليا وهناك شاهدنا وتفقدنا المكان بالكامل.
ومعروف ان الجيش معسكر تحت وفوق الجبل، لأنها منطقة استراتيجية. أما الدير فيقع في مستوى متوسط بين أعلى الجبل وبين الأرض السفلية عند سفح الجبل بالمعصرة.
شاهدنا وتفقدنا وصورنا المنطقة، فهى منطقة مهجورة يوجد بعض العربان بنقدر نتفاهم معاهم والموقع العام بشكل اجمالى عبارة عن هضبة صخرية مرتفعة حدها الشمالى هو مدخلنا للمنطقة (وهو الجزء الأعلى) يطل على ورش الحجر والرخام بمنطقة شق الثعبان بحافة شبه رأسية، ويقع على الطرف الشمالى الغربى منها البرج البحرى والدائرى المبني من الحجر وواضح عليه الترميم فى زمن لاحق للبناء.
نيافة الأنبا دانيال
الصعود إلى الدير
الانبا دانيال والمهندس عاطف وابونا تداوس وابونا عبد المسيح ولجنة هيئة الاثار
المحررة مع الأنبا دانيال
ويقول الدكتور عزت حبيب – الباحث الاثري عن بانوراما وحصون الدير، ذكر الجبرتى حصون الدير بأنها دائرية وذلك فى كتاب “ابو صالح الارمنى” ومعروف لكل من زار الأديرة القبطية أن حصون هذه الأديرة تأخذ الشكل المربع. إذا فمن الواضح أن هذه الحصون بنيت على النظام البيزنطى، لأن الذى قام ببناءها امبراطور بيزنطى (ابن اركاديوس). ويوجد بموقع الدير برج يقع على قرن الجبل الطرفى وأسفله توجد بقايا مبانى – عبارة عن عدد من الحجرات ربما يصل عددها إلى ستة غرف، وشرق البرج توجد أطلال مبانى – ربما كانت مبانى كنيسة مارجرجس التى ذكرها أبو المكارم خارج أسوار الدير، أو ربما هى اطلال منظرة الحاكم بأمر الله. وأيضا توجد مغارة فيها حنية جميلة جدا عليها بعض الكتابات القبطية ، وبجوارها مغارة كانت تستعمل كمدفن – مليئة بالعظام. وفى الجهة الجنوبية مجموعة أخرى من المغائر المنبوشة. ويقسم الهضبة ككل بشكل عرضى من الشرق الى الغرب وادى مجرى السيل، تقع على جانبيه عشرات المغارات المعاد استعمالها كقلالى للرهبان. وفى نهاية المجرى فى أقصى الغرب يوجد البرج القبلى – ويقع على ربوة مرتفعة وهو بنفس الشكل الدائرى للبرج الشمالى، وتصميمه من أسفل كمبنى مضلع الشكل به عدة غرف أيضا مثل البرج الشمالى. والواضح عموما من الموقع بأكملة أن الدير قد هدم فى مكانه وعند رفع مخلفات الهدم من الموقع وإجراء أعمال الترميم والبناء سيتضح الكثير من المعلومات وسنكون صورة أكثر وضوحا.
احد الحصون
احد الابراج على حافة الجبل
احد الحجرات
اثار الهدم ويظهر حائط الكنيسة
حانية داخل المغارة
كتابات قبطية
كتابات قبطية
مغارة بها مجموعة من العظام
مغارة اعلى الجبل
احد المغارات
مغارة أستخدمها الرهبان كقلالى
الدير ويظهر فية سور الدير
جزء من مبنى الدير
الكهوف
خارطة للدير
المحررة مع الدكتور عزت حبيب
منطقة الدير تاريخيا وأثريا:
يقول المهندس عاطف عوض – الباحث الأثرى وعضو هيئة التدريس بمعهد الدراسات القبطية وصاحب بحث أثرى هام عن منطقة طرة وأديرتها.. لقد كانت منطقة جبل طرة منطقة رهبانية هامة فى أوائل النصف الأول من القرن الخامس وارتبط باسم القديس أرسانيوس – معلم أولاد الملوك الذى حضر إلى هذه المنطقة وزاد معه توافد طالبى الرهبنة، حتى أن أبو المكارم ذكر أن أعدادهم زادت عن الستة آلاف راهب. وهذا ما يؤكده وجود المئات من المغارات والكهوف بالمنطقة، ولكننا نجد فى سلسلة الأباء البطاركة الواردة بكتاب مصباح الظلمة لأبو البركات ابن كبر عند ذكره لسيرة الانبا ثيؤفيليس البابا ال23 المتنيح فى عام 412م أنه فى أيامه بنى دير البغل، أى أنها كانت معرفة كمنطقة رهبانية قبل حضور الأنبا أرسانيوس إليها سنة 434 م. ونتيجة لذلك زاد عدد الكنائس والأديرة بالمنطقة. ويؤكد التاريخ بأن هناك علاقة بين أديرة المنطقة وأديرة برية شهيت – بوادى النطرون، وأن رهبان برية شهيت قد تركوا أديرتهم وتشتتوا فى أعقاب غارات البربر على برية شهيت، والكثير منهم صعدوا الى الأديرة بهذه المنطقة. فيذكر المؤرخون أن هذه المنطقة بالاضافة الى دير الشهيد العظيم مرقوريوس – بطموه كانت ملجأ ومكان يهرب إليه رهبان أديرة وادى النطرون وقت هجوم البربر على أديرتهم واحتلالها وتدميرها.
وتعتبر هذه المنطقة هى الامتداد الجنوبى لجبل المقطم وتمتد من وادى التيه أو بحر بلا ماء شمالا (حاليا منطقة شق الثعبان) ولمسافة 3 أميال جنوبا حتى مقابل دير ابو سيفين بشهران (دير برسوم العريان بالمعصرة حاليا) ويدخل فى هذا المجمع الرهبانى دير مرقوريوس أو الفخارى وسمى فيما بعد دير مارجرجس كوتسكا، وهو يقع على شاطئ النيل مقابل دير القصير الموجود أعلى الجبل.
ولقد اختلط اسم الدير عبر التاريخ مع ما حوله من أديرة، فأطلق عليه مسميات عديدة منها دير القصير (بمعنى قصر لأنه بنى بأمر امبراطورى) ومنها دير البغل أو دير اليونان أو دير هرقل أو دير أرسانيوس أو دير طرة.
وأطلق عليه “دير البغل” نسبة إلى البغل الذى كان يحمل المياه للدير من نهر النيل وكان يرجع للدير ليفرغ حمولة المياه من على ظهره ثم يذهب للنيل مرة اخري حيث ينتظره راهب ليملأ أوعية المياه الموجودة على ظهره وكان البغل يفعل هذا من تلقاء نفسه وبمفرده حتى يكتفى الدير من المياه.
وقد استمر هذا الدير والمنطقة عامرة حوالى ستة قرون، وزاد فيها العمران وامتد سكنى المغائر جنوبا حتى اصبحت تطل على قرية شهران (المعصرة حاليا) وازدادت أعداد الرهبان حتى أن المقريزى يؤكد ذلك بقوله – إنها مغاير متسعة تسع المغارة الواحدة منها أهل مدينة.
وأصبحت المنطقة مزارا حتى أن المقدسي البشاري فى كتابه “احسن التقاسيم” ذكر أن الجبل وصوامعه كانت مواضع مفضلة يقصدونها ليالي الجمع للنزهة والزيارة. وفى عصر الدولة الطولونية العباسية كانت هناك منضرة (مضيفة) خاصة بأمير الجيوش – خماروية بن احمد بن طولون فى علو الدير فى الجهة الشمالية الشرقية منها، ويطل على الجهات الأربعة. وكانت تستخدم كاستراحة له عند صعوده للصيد بالجبل، لإعجابه الشديد بأيقونات الدير حتى أنه كان يقضى الساعات متأملا في أيقونة العذراء تحمل السيد المسيح.
وكان يقام للقديس أرسانيوس بالدير عيد عظيم، يجتمع فى يوم عيده شعب كثير، وقد اشاد بالدير معظم الكتاب المسلمين وقالوا عنه أنه بناء حسن المنظر وشديد الجمال.
وقد وصف أبو المكارم الدير فى القرن 13 حوالى سنة 1206م، فذكر أن عدد الكنائس بالدير وحده وصل إلى عشرة كنائس، بالإضافة لطاحونة للغلال فى مغارة نقرت فى الجبل. وأضاف أيضا أنه كانت توجد بالدير بئر مياه جوفية مع وجود صهاريج للمياه تملأ من مياه الأمطار.
وقد ذكر المقريزى أن الدير فيه بئر منقورة فى حجر الجبل يشربون منه الماء، هذا غير الصهاريج التى تمد الدير بمياه النيل، والمغارات الموجودة أسفله..
أما الدير الموجود أسفل المكان على شاطئ النيل إسمه الأصلى “أبو سيفين” أو دير “الفخار”. وكان يربط بالديران – العلوى والسفلى – سور كبير أو حائط ، ولذلك أطلق علي المنطقة “ارمنت الحيط ” .
وفى عام 1321م حدثت فتنة واضطرابات فى عصر المماليك – أيام حكم الملك الناصر بن قلاوون فى عهد البابا يؤنس التاسع البطريرك ال81، وقد أدت الى حرق اربعة عشر راهبا من رهبان الملكانية التابعين للكنيسة البيزنطية، الذين كانوا وقتها هم كل من فى الدير. وخرب الدير مرة أخرى جزئيا.. وقد ذكر المقريزى أحداث هذة الفتنة بكل تفاصيلها وفى سنة 1328م جلس على الكرسي المرقسى البابا بنيامين الثانى وكان يدعى بنيامين المصور – اى الرسام وهو احد رهبان دير البغل. ثم خرب الدير نهائيا اواخر القرن الرابع عشر وأوائل القرن الخامس عشر حتى أنه صار يذكر خربة الدير.. وقد ذكر المقريزى عن خراب الدير النهائى وذكر أنه تم تدمير الدير والكنيسة واصبحت المغارات والدير مهجور، وقال أنه فى زمنه لم يكن هناك سوى حارسا واحدا فقط فى الدير – (الخطط المقريزية)
المحررة مع المهندس عوض
بعض الاكتشافات والزيارات فى موقع الدير:
يضيف الدكتور عاطف عوض بأنه فى نهاية النصف الأول من القرن العشرين حدثت عدة اكتشافات بمنطقة مغارة الدير.
– ففى مغارة الدير عام 1941م ، واثناء قيام عمال مصريين تابعين للجيش البريطانى بتطهير أحد كهوفه لإستخدامه كمخزن زخيرة، اكتشفوا ما يزيد عن ألف صفحة من ورق البردى مكتوبة باللغة اليونانية تكون حوالى ثمانية مخطوطات، خمسة منها تتألف من أعمال ديديموس الكفيف لبعض التفاسير والأسفار المقدسة، واثنتان لأوريجانوس – احداهما تحتوي على مناظرة بين الأساقفة واوريجانوس وهيراقليدس حول التثليث والنفس البشرية. ويرجح ان تكون هذه البرديات قد كتبت فى القرن السادس الميلادى. وفى الغالب هذه المخطوطات هى جزء من مكتبة دير القصير. قديما كانت أقوال أوريجانوس مثيرة للجدل، وقد أدانها مجمع أفسس سنة 553م ، لذا وجب اخفاء هذه البرديات، وفعلا خبأت فى هذا الكهف، وهى الأن محفوظة بالمتحف المصري والقليل منها وزع على متاحف العالم.
– وحدث فى17 مارس عام 1947 م، أن قامت وحدة من قوات الطيران بجيش الإحتلال الانجليزى – بمنطقة طرة بالقاهرة، بالاتصال ببطريركية الأقباط الارثوذكس وعرضت عليها تسليم الكنيسة الانجليزية المقامة بمنطقة طرة والمنطقة المحيطة بها – والتى تشمل عيادة طبية ومبنى لفصول تدريس ومطابخ وصالات طعام بسفح منطقة الدير الاثرى. غير أن كنيسة مارجرجس طرة (مارجرجس كوتسيكا حاليا) والبطريركية رفضتا الأمر وردته مرة اخرى للجيش بعد ثلاثة شهور من استلامه، لحدوث سرقات من الأعراب ولأنه قد كان من الضرورى توفير حراسة قوية فى ذلك الوقت لأن المنطقة كانت غير عامرة بالسكان بالشكل الكافى، مما يضع عبء مالى كبير على الكنيسة لم تكن تستطيع تحمله وقتها – وهو 18 جنية شهريا.
الكنيسة التى اهداها الجيش الانجليزى للكنيسة وقد هدمت فما بعد
– تمت زيارة موقع الدير فى نوفمبر سنة 1988م، من قبل نيافة المتنيح الأنبا صموئيل السريانى أثناء وضع كتاب “الدليل إلى الكنائس والاديرة” وتمت فيها زيارة المغارة التى توحد بها كنيسة الأنبا أرسانيوس، والتى قام حاليا اصحاب ورش الحجر بالمنطقة بغلق مدخلها بكميات من كسر الرخام والحجر.
دور الكنيسة فى حل مشكلة الدير:
يقول المهندس سامح فايق أن الكنيسة تسعى وتعمل كل جهدها من أجل إدراج هذا الدير ضمن الأثار المصرية. وبتوجه من الأنبا دانيال كان لابد من الوصول إلى وزير الأثار – وهى الخطوة الأولى التى يمكن أن تتبعها خطوات فعلية أخرى لتمكننا من الدير. خصوصا والدير محاط بكتائب من الجيش، وكذلك الدير قريب جدا من محاجر الرخام وأصحاب المحاجر ممكن يمنعونا من الوصول للدير، وأيضا مصنع الأسمنت الذي يقع في الجزء السفلي ومن مصلحته ألا تتواجد الكنيسة فى المكان حتى لا تشغل مكان بوسطهم للصعود لمكان الدير.
وكانت الخطوة الأولى أن نأخذ ميعاد من وزير الأثار، وبعد عمل دراسات مستفيضة من خلال المهندس عاطف عوض، تم تحديد الميعاد مع الوزير أحمد عيسى – وزير الاثار السابق. وشرح له الأنبا دانيال الموقف كاملا والسبل والطرق التى يمكن بها تسجيل هذا الأثر، ولكى نتمكن من تعميره وإجراء أعمال الصيانة وإعادته لسابق عصره، وإمكانية تسجيله كأثر.
وروى سامح عن المنطقة الاثرية وأنها كانت محاطة بكسارات ومصانع قطع الرخام. وذكر أن أصحاب المحاجر لهم سيطرة شديدة على المنطقة الأثرية، فقاموا بردم الطريق بكميات هائلة من كسر الرخام والردم فأغلقوا بها باب المغارة الكبيرة.
وتفضل وزير الأثار الأسبق، بتشكيل لجنة لزيارة موقع الدير من مجموعة أثريين وخبراء، وذهبت هذه اللجنة للدير وكتبت تقريرها، ثم عرض هذا التقرير على اللجنة الدائمة بالوزارة، ولإيضاح أكثر للصورة قامت اللجنة الدائمة بتشكيل لجنة أخرى فرعية قامت بعمل دراسة بحثية وقاموا بزيارة على الطبيعة للدير وقدموا بعدها توصياتهم وألحقوها بتقرير اللجنة الأولى. وانتهت اللجنة الدائمة بإخراج توصيات نهائية منها أن يتفق على حدود معينة للدير بمعرفة هيئة الآثار والمفروض ان تعتمد هيئة الآثار حدود حرم لهذا الأثر يتفق عليه. ونحن مازلنا منتظرين رد هيئة الأثار عن ماذا ستعتمد من آثار بالمنطقة (مبنى الدير القديم – المغائر –الابراج (الحصون) – المنشوبيات وهي مكان صغير لراهب أو اثنين)
ومنذ هذه الإجراءت والموضوع متوقف ونحن ككنيسة لا نستطيع ان نتحمل التكاليف الباهظة لترميم الدير وإعماره.. ونتمنى المساهمة من الجميع وأن تتولى البعثات الأجنبية العاملة فى مصر معنا ككنيسة وبالاشتراك مع وزارة الأثار عمل هذا المشروع. ويكون هذا مشروع مسئولية وزارة الآثار وللبعثة عمل تقوم به لخدمة التراث الإنسانى. فيكون هذا العمل مشروع مصالح مشتركة يجب على الثلاثة جهات أن تتعاون فيه لإعمار الدير. وكان من المقترح أن تكون هذه البعثة هى “مؤسسة اغاخان” – لما لها من دور هام فى دعم مثل هذه المشروعات الهامة التى تخدم التراث الإنسانى للشعوب. وفعلا حضر اشخاص من اليونسكو وصعدوا إلى الدير وشاهدوه وقدموا تقرير لليونسكو عن المنطقة بالكامل.
ولأهمية هذا الدير التاريخية والقبطية والأثرية نتمنى بعد ترميمه وتسجيله كأثر – من خلال وزارة الآثار أن يكون مزارا يوضع على الخريطة السياحة للقادمين من جميع أنحاء العالم ليثري ويزيد من قيمة الأثار المصرية.
المحررة مع المهندس سامح
سيرة الأنبا أرسانيوس – أبو الرهبان بالمنطقة:
يقول الأنبا دانيال – أسقف طرة والمعادى ودار السلام:
“تنيح الأنبا أرسانيوس عن عمر يبلغ 95 عام وقد عاش حتى سن ال 40 كمعلم ومربى للأمير أركاديوس والأمير أونوريوس فى قصر والدهم ثيؤدوسيوس الكبير بالقسطنطينية، ثم قضى 40 سنة أخرى فى الأسقيط أغلبها معتزل فى مغارة تبعد كثيرا عن برية شهيت – كما جاء فى قصته ببستان الرهبان، وحدث أثناء إعتزاله فى هذه المغارة قيام البربر بغارتهم الأولى سنة 407م، ولم يشعر بها القديس أرسانيوس لأن مغارته كانت فى عمق الصحراء.. ولكننا نعرف من الراهب دانيال – كاتب سيرته، أنه بعد ذلك كان يجتاز وسط البربر ولا يرونه – ليقوى ويشدد ما تبقى من الرهبان بالإسقيط وقد غادر الإسقيط عام 434 م عند الغارة الثانية للبربر والتى نتج عنها أكبر خراب فى الكنائس وحرق لمكتبات الأديرة، فغالبا أن هذا ما أثر فى القديس أرسانيوس وغادر الإسقيط ولم يعد إليه ثانية. وصعد مع بعض الرهبان إلى دير البغل – بجبل طرة، الذى كان قد عمره البابا ثيؤفيليس قبل نياحتة سنة 412 م – ضمن ما عمره من أديرة وكنائس – كما ورد فى تاريخ البطاركة لأبو البركات إبن كبر. وفى الغالب أقام البابا هناك كنيسة لخدمة الرهبان والنساك فى هذه المنطقة الآمنة والبعيدة عن يد البربر.
وقد عاش القديس أرسانيوس 10 سنوات فى مغارة بالجبل – بمنطقة طرة من سنة 434 م وحتى بداية سنة 444 م، وبعد ذلك سافر منها شمالا متجها إلى برية فاران لزيارة تلميذيه الراهبان ألكسندر وزويلين، لمطالبتهم بالعودة للجبل. وتذكر السيرة أنه من هناك اصطحبه الراهب زويلين الى الفرما (بليزيوم) وركب منها سفينة إلى الاسكندرية. ويرجح أنه ذهب لزيارة البابا كيرلس – عامود الدين فى مرضه الأخير أو لحضور مراسم دفنه بالإسكندرية. وفى هذا التوقيت حدثت الغزوة الثالثة والأكبر للبربر، ولذلك لم يذهب إلى الإسقيط وإنما إتجه إلى كانوب (أبوقير) بضواحى الإسكندرية.. ومن السيرة أيضا، نعرف أنه ذهب لكانوب مرة واحدة قبل نياحته بخمس سنوات، وربما لأنه رأى أن أديرة الشركة مناسبة لسنه لأنه قد بلغ التسعون سنة وقتها، ومكث هناك ثلاثة سنوات، ثم صعد بالنهر من الفرع الكانوبى إلى جبل طرة ثانية سنة 447م. وعاش آخر سنتين من عمره فى مغارته القديمة – بجبل طرة وتنيح ودفن بها فى 13 من بشنس الموافق 21 من مايو سنة 449 م. بعد ذلك أقام الإمبراطور ثيؤدوسيوس الصغير لمعلم أبيه أركاديوس كنيسة جميلة فى القسطنطينية ونقل جسد القديس أرسانيوس فيها بكل إكرام فى احتفالية كبيرة حيث كان يجله ويقدره، وذلك فى 28 من يوليو سنة 450م..
ومن أقوال القديس أرسانيوس الشهيرة: “كثيرا ما تكلمت وندمت وعن السكوت فلم أندم قط”
القديس أرسانيوس
خارطة للدير