وفي الكنيسة المعلقة قابلت القمص يعقوب سليمان – راعي الكنيسة الذي أجابني عن تساؤلاتي، وقال لي أن الكنيسة المعلقة تعتبر واحدة من أقدم الكنائس على مستوى العالم، وبُنيت بفكرة هندسية غير موجودة في العالم – معلقة على برجين. كما أن الكنيسة تحمل اسم العذراء مريم، وأشهر شهيدة مصرية من القرن الرابع الميلادي وهي القديسة دميانة.
“الكنيسة المعلقة” حسبما يروي القمص يعقوب سليمان سميت بهذا الاسم لأنها بنيت على برجين كبيرين من أبراج الحصن الروماني الذي بناه الإمبراطور “تراجان” في مطلع القرن الثاني الميلادي، وأطلق عليه “حصن بابليون”. والكنيسة المعلقة على ارتفاع حوالي 13 متراً عن سطح الأرض، وأطلق عليها في القرون الوسطى “كنيسة السلالم” لوجود 23 درجة تؤدي إليها. وعرفت أيضا باسم ” كنيسة العمود” وهذا الاسم كان وقت معجزة نقل جبل المقطم في عهد الخليفة المعز لدين الله الفاطمي حيث ظهرت العذراء مريم للأنبا إبرآم على عمود داخل الكنيسة المعلقة لإرشاده.
وتقع واجهة الكنيسة بالناحية الغربية على شارع مارجرجس، تأخذك بوابتها إلى ممر ممهور بصور على جانبيه للبطاركة وأعضاء المجمع المقدس عبر تاريخ الكنيسة القبطية، فيما تبدو الجدران مرصعة بـ”الأيقونات القبطية” كشاهد على تاريخ الحقبة المسيحية في المنطقة.
وينتهي الممر إلى سلم بازلتي يستهل الداخل إليها خطواته بصعود ثلاث وعشرين درجة من السلالم، وفي مقدمته نافورة تبعث في المكان الأثري بهاءً فوق بهائه، ويأخذك السلم إلى طابق أول تتراص على جدرانه صور عدد من البطاركة – أضيف لها مؤخرًا البابا تواضروس الثاني البطريرك الـ 118 للكنيسة الأرثوذكسية، وصور لأعضاء المجمع المقدس منذ القرون الأولى، إلى جانب صور للمتنيح قداسة البابا شنودة الثالث مع رؤساء مصر: جمال عبد الناصر، وأنور السادات، ومحمد حسني مبارك”.
في الطابق الثاني تظهر الكنيسة وهي مبنية على الطراز الروماني البازيليكي. الصحن الرئيسي مقام على الحصن وجناحين صغيرين تتخللهما بعض الشرفات، وعلى جانبي الصحن الرئيسي ثمانية أعمدة على كل جانب تقسم الكنيسة إلى ثلاثة أقسام، ومن الجهة الشرقية توجد ثلاثة هياكل، الأوسط يحمل اسم القديسة العذراء مريم، والأيمن باسم القديس يوحنا المعمدان، والأيسر باسم مارجرجس. ويفصل تلك الهياكل عن صحن الكنيسة حامل أيقونات خشبي .
وأمام الهياكل، توجد الأحجبة خشبية، وأهمها الحجاب الأوسط المصنوع من الأبنوس المطعم بالعاج الشفاف، ويرجع إلى القرن الثاني عشر أو الثالث عشر، ونقش عليه بأشكال هندسية وصلبان جميلة، وتعلوه أيقونات تصور السيد المسيح على عرش، وعن يمينه مريم العذراء والملاك جبرائيل والقديس بطرس، وعلى يساره يوحنا المعمدان والملاك ميخائيل والقديس بولس، وبأعلى المذبح بداخل هذا الهيكل توجد مظلة خشبية مرتكزة على أربعة أعمدة، ومن خلفه منصة جلوس رجال الكهنوت.
وباعلى حامل الايقونات توجد أيقونة الاثنى عشر رسولاً وهي موجودة بأعلى حامـل الأيقونـات وهي أيقونة أثرية جداًّ وتوضح صورهم بالكامل ومكتوب على صورة كل تلميذ اسمـه وهذه أسماؤهم: القديس بطرس الرسول والقديس أندراوس الرسول وهو أخو القديس بطرس بالجســـد، والقديس يعقوب الرسول، والقديس يوحنا الرسول، والقديس فيلبس الرسول، والقديس برثولماوس الرســـول، والقديس متى الرسول، والقديس توما الرسول، والقديس يعقوب بن حلفي، والقديس سمعان، الغيــور الرســـول، والقديس يهوذا الرسول وهو غير يهوذا الإسخريوطي الذي سلمه، والقديس متياس الرسول الذين أقاموه الرسل بعد سقوط يهوذا الإسخريوطي الذي سلمه.
يتميز الطابق الثاني بحوائطه الملونة وعليها نقوش لها طابع خاص بتلك المنطقة الأثرية، وعليها أيقونات قبطية. يصل عدد الأيقونات بالكنيسة 90 أيقونة، تمنحها ثراءً تاريخياً.
أما الإنبل الرخامي داخل صحن الكنيسة، يرجع إلى القرن الرابع عشر ومحمول على مجموعة أعمدة رخامية. وبه قطعة رخامية ترجع إلى القرن السادس عليها شكل صليبين.
سقف الكنيسة من الخشب الأثري جداًّ ومثبت بة النجف النـــادر والقناديــل التي تضـاء باستمـرار.
وبرغم مساحتها الصغيرة التي لا تتجاوز 23,5 متراً طولاً و18,5 متراً عرضاً و9,5 متراً ارتفاعاً، إلا أنك تشعر داخلها بالرهبة والخشوع، وتحوطك أعمدتها بالروحانيات وترى في أيقوناتها القداسة وتلمسك البركة في كل ركن فيها.
ويوجد في جناح الكنيسة الجنوبي باب صغير من خشب الصنوبر المطعم بالعاج، يؤدي إلى ما يسمى بالكنيسة الصغرى، وهي في الحقيقة مقصورة جانبية مشيدة فوق البرج الشرقي للبوابة الجنوبية للحصن وهي تمثل حالياً أقدم الأجزاء المتبقية من البناء الأصلي للكنيسة.
وقد عثر في الكنيسة على أيقونة خشبية ترجع إلى القرن الخامس أو السادس الميلاديين عليها منظر دخول المسيح لمدينة أورشليم (القدس) منتصراً.
ويعد البطريرك خريستوذولوس هو أول من اتخذ الكنيسة المعلقة قصراً لإقامته، كما دفن بها عدد من البطاركة في القرنين الحادي عشر والثاني عشر وتوجد صور لهم على جدران الكنيسة.. تحيط بها شموع وتمثل كل شمعة منها صلوات أحد مرتادي الكنيسة أو زائريها.
وكانت الكنيسة في فترة من تاريخها الوحيدة التي تعقد بها الاجتماعات لتحديد تاريخ عيد القيامة، أو لمحاسبة الكهنة أو الأساقفة المرتاب في تعاليمهم.
وفي نهاية جولتي بالكنيسة المعلقة، بدأت أخرج من الكنيسة من فوق حصن بابليون وأنزل وسط مشاهد ممتعة أخرى، فقبل أن أتجه مباشرة إلى مترو الأنفاق وجدت على يمين الكنيسة المعبد اليهودي بن عزرا، ومجموعة من البازارات يتفنن أصحابها في التخمين «من أي بلد أنت؟» ويعرضون عليك أنتيكات وأيقونات وعطوراً وهدايا لطيفة وصوراً فوتوغرافية قديمة ببراويز سوداء تحكي تاريخ الكنيسة وتاريخ مصر القديمة.