هو واحد من أهم مرجعيات التاريخ الأثري الذي يحتذى به فى العالم أجمع ليُخرج لنا من الخط الشعبي “الديموطيقي” بموضوعات وتأريخ لحياة لم نكن نعرفها من دونه هو الراحل الدكتور “عبد الحليم نور الدين” صاحب المقولة الشهيرة التي تلخص كل أعماله “من حق الإنسان أن يتصرف فيما يملك، لكن ليس من حقه أن يتصرف فيما تملك الأمة، وليس هناك أعز على أية أمة من تاريخها وتراثها.” ليقاتل فى سبيل تحقيق تلك المقولة ويغادر عن عالما بصمت الشهر الماضي.
وُلد الأستاذ الدكتور محمد عبد الحليم أحمد نور الدين في الأول من يوليو عام 1943 في قرية الرملة مركز بنها – مديرية القليوبية. وحصل على ليسانس الآثار المصرية القديمة بتقدير عام جيد جداً مع مرتبة الشرف في قسم الآثار المصرية القديمة في كلية الآداب جامعة القاهرة في عام 1963. ثم حصل على درجة الماجستير في نفس الجامعة في عام 1966. بعدها سافر للحصول على درجة الدكتوراه في الآثار المصرية القديمة من جامعة ليدن الهولندية في عام 1974 ليكون متخصصاً في أحد خطوط اللغة المصرية القديمة الصعبة، وهو الخط الديموطيقي (الخط الشعبي). بعدها حصل على زمالة الآثار من جامعة كمبرديج البريطانية في عام 1980.
أما عن حياته الأكاديمية التي شهد لها الكثيرين من طلابه فقد بدأها معيداً بقسم الآثار المصرية القديمة في كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1963. ثم مدرساً بكلية الآثار بجامعة القاهرة عام 1974 عقب حصوله على درجة الدكتوراه وعودته من بعثته في هولندا. وفى عام 1979، عمل كأستاذ زائر في معهد البردي في جامعة ليدن الهولندية. وفى عام 1980، أصبح أستاذاً مساعدًا في قسم الآثار المصرية بكلية الآثار في جامعة القاهرة. وفى الفترة من عام 1982 إلى 1986، عمل رئيساً لقسم الآثار بكلية الآداب بجامعة صنعاء في اليمن. وفى عام 1986 أستاذاً بقسم الآثار المصرية بكلية الآثار في جامعة القاهرة، ثم وكيلاً لكلية الآثار بجامعة القاهرة في الفترة من 1988 إلى 1993، ورئيساً لقسم الآثار المصرية من عام 1996 إلى 2002 بنفس الكلية، وعميداً لكلية الآثار جامعة القاهرة فرع الفيوم في الفترة من 2000 إلى 2005. وكان آخر منصب أكاديمي وإداري شغله هو عمادة كلية الآثار والإرشاد السياحي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا فضلاً عن كونه أستاذ غير متفرغ بكلية الآثار في جامعة القاهرة.
…. مع وطني
ورغم كل مسئولياته إلا أنه كان قارئا جيداً لوطني في الوقت الذي كانت فيه تصارع وتنادى من أجل العناية بالآثار القبطية التي لاقت إهمالا جسيما…. فعلى صفحات جريدة وطني كتب الراحلين أنطون سيدهم ومسعد صادق عدت مقالات دعت جمال مختار رئيس هيئة الآثار بدعوة مسعد صادق إلى اجتماع عقد خصيصاً للاستماع لما تعرضه وطني من شكاوى، وما تعانيه الآثار من إهمال، فأعد الدكتور مختار جدولاً زمنياً لبدء العمل بها، ولكن الزمن لم يمهله للتنفيذ إذ ترك الهيئة وخلفه الدكتور عبد الحليم نور الدين الذي استجاب سريعاً مُصدراً القرار رقم 1731 سنة 1993 بتشكيل لجنة مشتركة من بعض أعضاء الهيئة واللجنة البابوية للعناية بالكنائس القديمة لمتابعة سير أعمال الترميم في الكنائس الأثرية، ثم أصدر الدكتور “جاب الله على جاب الله” الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار القرار رقم 863 سنة 1998 بإعادة تشكيل اللجنة السابقة من سبعة من أعضاء هيئة الآثار ومثلهم من أعضاء اللجنة البابوية للعناية بالكنائس القديمة.
الجانب العلمي
أما من الناحية العملية، شغل نور الدين عدداً كبيراً من المناصب التنفيذية المهمة فى مصر وخارجها مثل رئاسة وتأسيس قسم الآثار بجامعة صنعاء ومتحف الآثار بنفس الجامعة، ورئاسة قطاع المتاحف ورئاسة هيئة الآثار المصرية بالإنابة فى عام 1988، ثم رئاسة هيئة الآثار المصرية والأمانة العامة للمجلس الأعلى للآثار المصري في الفترة من 1993 إلى 1996 ليكون بذلك آخر رئيس لهيئة الآثار المصرية وأول أمين عام للمجلس الأعلى للآثار المصري. ورأس اللجنة الوطنية للمتاحف المصرية، واللجنة الوطنية للحفاظ على التراث الثقافي، والمنظمة العربية للمتاحف، وكان أول رئيس لها في الفترة من 1995 إلى 2001، وكان عضوًا باللجنة الاستشارية للمجلس الدولي للمتاحف (أيكوم)، وعضواً بالمجلس التنفيذي به، ومديراً لمركز الخطوط بمكتبة الإسكندرية. وكان عضواً في الجمعية التاريخية المصرية، ومجلس إدارة بحوث البردي بجامعة عين شمس، ومعهد البردي بجامعة ليدن، والمؤتمر الدولي للآثار المصرية بباريس، والمجمع العلمي المصري، والمجلس الأعلى للثقافة المصري، وجمعية الآثار المصرية بلندن، المؤتمر الدولي لعلم البردي ببروكسل، والجمعية الدولية لعلماء المصريات، وكان رئيس اللجنة المصرية لإنشاء المتحف المصري الكبير، ورئيس مؤتمر الدراسات الديموطيقية، ورئيس لجنة اليونسكو للحفاظ على هضبة الأهرام بالجيزة، وعضواً بمجلس إدارة المعهد الآثار الألماني، وغيرها الكثير.
وفى مجال الأعمال الميدانية والمسح الأثري والحفائر الأثرية، كشف عن عدد من المومياوات اليمنية القديمة في مقابر صخرية بمنطقة “شبام الغراس”، بجنوب شرق صنعاء باليمن، وأجرى دراسات ميدانية ومسحاً أثرياً لبعض المواقع الأثرية القديمة في اليمن مع المساهمة في إعداد وتطوير متاحف اليمن، ورأس بعثة الحفائر المشتركة بين جامعة القاهرة وجامعة مينونيخ الألمانية في منطقة تونة الجبل في محافظة المنيا في مصر الوسطى.
وأشرف على عدداً كبيراً من رسائل الماجستير والدكتوراه بلغ عددها 350 رسالة. وتتملذ على يديه عدد كبير من علماء الآثار والآثاريين وأساتذة الجامعات والمرشدين السياحيين وطلبة الآثار والتاريخ والفنون الجميلة والفنون التطبيقية والتربية وغيرها في كل مراحل التعليم الجامعية وصولاً إلى درجة الأستاذية وتقول عنه
جهوده فى التعليم والترميم
أما عن التعليم المصري فكثف جهوده لإعادة النظر في مناهج التاريخ بالمدارس بوزارة التربية والتعليم المصرية لتوصيل المعلومة التاريخية والأثرية في صورة صحيحة ومبسطة لطلاب المدارس المصرية مما جعل مادة التاريخ مادة سهلة ومحببة للطلاب بعد أن كانت جافة وصعبة فألف منهج التاريخ للصف الرابع الابتدائي والصف الأول الإعدادي. وكان عضواً مؤثراً بلجنة إعادة النظر في المناهج.
ومن صراعاته التي يذكرها لنا تلاميذه ومنهم السيد رشاد حيث كتب :” واجه الراحل د. عبد الحليم نور الدين بحسم قرار زاهي حواس بنقل مومياء ” توت عنخ آمون ” من مقبرته الملكية بالأقصر إلى القاهرة بحجة فحصها لحساب مؤسسة أمريكية إعلامية، وكشف وقتها للرأي العام إن وراء محاولة فحص الحمض النووي للملك أصابع يهودية وأسفرت ضغوطه مع عدد من العلماء والآثاريين والإعلاميين الشرفاء عن تراجع حواس عن قراره، كما كان رافضًا نقل تمثال رمسيس من مكانه في ميدان رمسيس إلى متحف الهرم بخاصة أن مكانه في الميدان كان لا يحتوى على أي أضرار بل كانت إسرائيل تكره وجوده في هذا المكان لأنه يفكرها بالخروج من مصر، كما طالب بضرورة العمل علي تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الحضارة المصرية القديمة من قبل بعض المتشددين الإسلاميين.
المؤلفات والتكريمات
حاز على ميدالية جامعة لايدن – هولندا ووسام الاستحقاق بدرجة ضابط – فرنسا – عام 1996 .وجائزة جامعة القاهرة التقديرية في العلوم الاجتماعية – عام 1998 . وسام الاستحقاق بدرجة ” قائد ” إيطاليا – عام 2000 . جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة – عام 2001 . ميدالية جامعة وارسو (بولندا) 2007، وسام الشرف من متحف «ماينز» بألمانيا عام 2002، الميدالية الذهبية للوحدة اليمنية (اليمن) عام 2005، الميدالية الذهبية لصنعاء عاصمة الثقافة العربية، عام 2004
ومن بعض مؤلفاته السياحة في اليمن ـ الواقع والممكن ( مقال ) ـ صنعاء – عام 1982 مقدمة في الآثار اليمنية ( كتاب ) ـ صنعاء – عام 1985 . ملامح الفن اليمنى القديم( مقال ) ـ صنعاء – عام 1985 . نشأة وتطور الدراسات الأثرية بجامعة صنعاء( مقال ) ـ اليمن الجديد ـ صنعاء 1986 . شواهد قبور يمنية قديمة ( مقال ) ـ صنعاء – عام 1986 . دور المرأة في المجتمع المصري القديم( كتاب ) ـ القاهرة – عام1995 . تاريخ وحضارة مصر القديمة ( كتاب ) ـ القاهرة – عام 1997 .