جنرال بتريوس: من بائع جرائد إلى جنرال!!
كما يحدث كل عام يقام عشاء مؤسسة الشرق الأوسط الأمريكية في أكبر متحف، أقامه رائد صناعة الصلب في العالم كجزء من تبرعه للمجتمع نتيجة لثرائه
الملحوظ؛ بل وقد أطلق اسمه “كارنيجي” على العديد من المنشآت والبنوك والمتاحف والمؤسسات التعليمية والسياسية، ويمتد ذلك إلى مطار بيتسبرج الذي
يحمل اسمه.. وجامعة كارنيجي تعد من الجامعات العالمية المميزة، وتمتد إبداعاتها في تطوير الصناعة والتجارة والتعليم والتكنولوجيا..
والمتحف يضم متاحف متعددة للوحات الفنية على مر العصور ومتحف التاريخ الطبيعي، ويتوج ذلك كله متحف متألق للحضارة المصرية القديمة .. وفي تلك القاعة الكبيرة، التي تعد متحفاً فخماً يحضر العشاء الرئيسي للمؤسسة ما يزيد على خمسمائة شخص؛ حيث تبلغ قيمة تذكرة العشاء ألف دولار أمريكي.
ويتبع العشاء حديث من إحدى الشخصيات الهامة ضم في الأعوام السابقة على سبيل المثال هنري كيسنجر ومادلين أولبرايت، وفي هذا العام كان المتحدث الرئيسي هو الجنرال بترياس الذي تقلد منصبي قائد الجيش الأمريكي ومدير المخابرات الأمريكية (سي آي إيه) سابقاً.
وفي بداية الحفل ألقت سيمن كيرتز رئيسة المؤسسة كلمة الترحيب للحاضرين من رجال الأعمال والصناعة والثقافة والسياسة، وقدمت الشكر لكثير من الحاضرين وعندما جاء دور الدكتور إسماعيل سلام وزير الصحة الأسبق توقفت لتقول أن إسماعيل سلام معلمي وأستاذي، وأنني لم أتعلم من أي ممن علموني ولقد كان أكبر إضافة للمؤسسة برئاسته للمجلس الاستشاري وهو رائد في وضع السياسات والاستراتيجيات، وقد ارتفعت المؤسسة من خلال بصيرته وآرائه الواضحة وقدرته على حل المشاكل.
وفي بداية الحفل وقف الجنرال مصافحاً الدكتور سلام وقال بالعربية “أهلاً معالي الوزير”، وتبادلا الحديث وكان مهذباً مع الحاضرين، هذا الجنرال الذي وصل إلى أعلى المراتب العسكرية بدأ حياته طفلاً يوزع
الصحف مبكراً قبل توجهه إلى مدرسته في قرية قريبة من وحدة “وست بوينت” العسكرية الشهيرة في نيويورك، ويقول أنه كان يرى في هؤلاء العاملين في
القاعدة مثله الأعلى، وكان أمله أن يصير واحداً منهم وقد أصبح قائداً لهم جميعاً.. ويحكي أنه أثناء انضمامه لأحد الفرق الرياضية في عطلة الأحد المدرسية تعرف على مدربه للتزحلق على الجليد الذي وجد فيه دافعاً له
ليجتهد في حياته، ويستطرد بأنه في ذلك الحين لم يضع أيزنهاور أو باتون أو القادة السابقين كمثل أعلى له؛ بل رأى في مدربه وفي السكان الذين يوزع عليهم الصحف يوميا مثله الأعلى.
وتحدث الجنرال بترياس عن تنظيم داعش وقال أنه امتداد لتنظيم القاعدة، وبالرغم من هزيمتهم في العراق إلا أن الحرب الأهلية في سوريا قد أعطت
هؤلاء قدراً كبيراً من النمو والخبرة؛ حيث استطاعوا الحصول على المال واستولوا على الأسلحة، وأصبحوا يملكون موارد غير عادية مما أعطاهم القدرة
على التوسع.
ويحلل الجنرال ما حدث للجيش العراقي الذي قامت الولايات المتحدة بتدريبه، فيقول إن ما حدث هو نتيجة أبعاد السنيين عن الحياة السياسية مما جعلهم
يرحبون بداعش في البداية، وقد اخطأت القيادة السياسية عندما أخرجت القادة المؤهلين في قيادة الجيش لتضع قيادات أخرى غير مؤهلة لمجرد انتمائهم الطائفي. وأسوأ ما حدث هو انكسار التسلسل القيادي بإدخال ما
يسمى بمكتب القائد الأعلى مما أدى إلى تفكك الجيش؛
ويقول الجنرال إن الجيش العراقي أصابه وباء غريب في أن القيادات أصبحت تفر من القتال، ويمكن أن يقال إن ذلك نظراً لعدم وجود نجدة لهم أو تسلسل قيادي؛ لكن تفشي هذا الوباء نتج عنه انسحاب كثير من القيادات عن إكمالالقتال.
وينتقل إلى الحرب والتدمير وكيف كان يتوق إلى يوم جديد لا يكون فيه قتلى أو مصابين، وبدا وكأنه كاره للحرب مثل أغلب القيادات في الجيوش المختلفة والتي ذاقت مرارة الدمار.
ويتحدث الجنرال مرة أخرى عن المؤهلات القيادية فيشير إلى أن الجيش لايختلف عن المصنع أو البنك، فعندما تبحث عن من يشغل منصباً قيادياًّ فيجب أن
تكون له ملكة أو موهبة في أحكام التقييم الاستراتيجي لاتخاذ القرار.
فالجيش لاينجح من خلال القوة فقط، ولكن من خلال الأفكار الكبيرة والرؤية الموسعة التي تغير الموازين وتضمن النجاح، من خلال دراسة العوامل بموضوعية، والقائد الناجح فى أي عمل هو من يستطيع أن يقود مسار مؤسسته إلى القمة، ويضرب الثل بشركة كوداك العالمية والتي كانت على القمة حينئذ، ولكن عدم وجود فكر استراتيجي لمواكبة التغيير الحادث بإدخال التصوير الرقمي “ديجيتال” جعلها تخفق وتترك الصدارة.
وأجاب الجنرال عن سؤال متكرروهو كيفية التغلب على داعش، وأشارأن هناك عوامل متعددة ويجب أن تأخذ في الاعتبار: أهمها الدور المحوري للدول الرئيسية في المنطقة مثل مصر والسعودية، وأهمية خلق توازن سياسي يجمع كلمة الشعب العراقي، وضرورة إنهاء الانقسامات الطائفية في هذه المرحلة.
وقال: يجب ألا نهول من قدر داعش ويجب أن نوفر القيادات والمصادر المطلوبة لحماية الشعب العراقي والمنطقة، وأضاف أن الذين يتحدثون عن عدم
حاجة الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط بعد أن ضمنت الولايات المتحدة البترول في داخلها.
يجب أن يعلموا أن أهمية منطقة الشرق الأوسط لا يمكن
اختزاله في البترول فقط، فلهذه المنطقة أهمية عالمية في تحريك استراتيجيات العالم اقتصادياًّ وسياسياًّ، الأمر الذي لن ينتهي أبداً بتجاهل الشرق الأوسط، ولابد أن ترسم الولايات المتحدة سياساتها في هذا الإطار.