مواقف فى حياة شيخ الصحفيين مسعد صادق
اليوم ذكرى رحيل شيخ الصحفيين مسعد صادق بعد عمر مديد أمضاه فى رحاب صاحبة الجلالة منذ أن ساهم فى تأسيسها، حياة زاخرة فى قلب التاريخ شاهدة على أحداث ومواقف لعلنا لازلنا نتناولها إلى الآن وحياة رجل حفر أسمه فى وجدان الكثيرين وأرتبط معهم بالكثير من المواقف ليحمل فى النهاية لقب شيخ الصحفيين… معاً إلى مقتطفات من حياته….
· كتب مسعد صادق فى العديد من الجرائد كالأهرام وكوكب الشرق وجريدة مصر حتى أراد أن يؤسس جريدة تحمل أسم الفداء لتكون عونا لمن لا عون لهم، وكانت البلاد ذلك الحين قبل ثورة 23 يوليو سنة 1952 تعيش فى ثورة فكرية، والمسؤلون يضيقون بالأقلام الحرة، وما تكشف من أمور يريدونها أن تبقى خافية على أنظار الجماهير، فإرتفعت صيحات عالية فى البلاد تندد بالفساد الذى إستشرى، وتطالب بمؤاخذة رؤوس مسئولة عما بدر منها، فى تلك الأجواء قرر مسعد صادق إصدار العدد الأول من جريدة “الفداء” يوم الخميس 26 يونيه سنة 1952.
صدرت الفداء، وأحدث صدورها دوياً هائلاً، فقد كانت تحمل كلمات بأقلام عدداً من الشخصيات وأصحاب الرأى وخاضت الفداء معارك أكثر جراءة فى تاريخ الصحافة فكتبت سلسلة مقالات بعنوان “حينما كانت التفرقة سياسة عليا” فى 15 يناير 1953 وكان من جراء ذلك أن تم اعتقال مسعد صادق، وقضى نحو شهرين مابين السجن الحربى وسجن الأجانب، وقد سجل تجربة إعتقاله فى كتاب بعنوان “حينما احتوتنى الجدران السميكة”
· فؤجى بعد القبض عليه بأن إدارة المطبوعات إنتهزت الفرصة وعمدت إلى إقصائه من رئاسة تحرير عدداً من الصحف التى كان قد أصدرها ورأس تحريرها، والغريب أن إدارة المطبوعات عرضت على تلك الصحف إختيار من يحل محل الكاتب ولو كان من غير أعضاء نقابة الصحفيين مخالفة لقانون المطبوعات!.
· فصل مسعد صادق من عضوية نقابة الصحفيين خلال فترة تواجده بالسجن، رغم أنه كان من الرعيل الأول لإنشائها، حيث إشترك مع الاستاذ قاسم جبر فى الإجتماعات الأولية التى مهدت لإنشاء النقابة سنة 1941. فُصل ولكنه لم ييأس ولم تثيه الظروف، فتقدم بطعناً فى قرار الفصل، ونظر الطعن أمام اللجنة المختصة برئاسة الدكتور مختار عبد الله وبحضور محمد حسنى ممثلاً لإدارة المطبوعات، فسأل الدكتور مختار وهو ممسكاً ببعض نسخ الصحف التى أصدرها: كيف يفصل من عضوية النقابة مثل هذا الذى أصدر تلك الصحف وحررها!!!
فأشار إليه ممثل إدارة المطبوعات، مُقدماً إليه التقارير المقدمة بشأنه، فما كان منه إلا أن طرحها جانباً وأصدر قراراً بإعادة قيده بعضوية نقابة الصحفيين سنة 1955 هذا إلى جانب إعادة قيد عدداً من زملائه الصحفيين ومنهم الكاتب فتحى الرملى، والمثير للدهشة أنه فى اليوم التالى من إعادة قيد مسعد صادق بنقابة الصحفيين صدر قرار بإيقاف جلسات لجنة الجدول لنقابة الصحفيين التى كانت تبت فى طلبات القيد والمعارضات وتأجيلها إلى أجل غير مسمى!.
· دُعى مسعد صادق للقاء أحد المسئولين بوزارة الداخلية، وأثناء اللقاء تلطف هذا المسئول فى حديثه مع الكاتب وطلب منه أن يمر بالمكتب المجاور ليحصل على ظرف مغلق بإسمه، فأدرك الكاتب فحوى ذلك الظرف، فرد عليه بالرفض، وهنا قال له المسئول: إن هناك من زملائك الصحفيين من يحضر كل شهر ليأخذ ظرفاً بإسمه، ولكن الكاتب رفض رفضاً تاماً.
وهكذا عاش مسعد صادق دون أن يتناول قرشاً واحداً من المصاريف السرية لتظهر رسالته مبرأة من الظنون، ومطهرة من الشكوك.
· أنشأ مسعد صادق هيئة الوحدة الوطنية فى دار جريدة الفداء ، وكان من بين أعضائها الشيخ محمد قطب وأحمد مظلوم وغيرهم، وما أن توقفت أعمالها حتى حملت رآياتها جمعية الآخاء الدينى والتى كان من بين أعضائها رئيس دير الدومينيكان الاب قنواتى، والقمص بولس باسيلى، والأب اكسافير عيد، والشيخ محمد تاج الدين، وسعيد زايد، ويحيى الرفاعى، ويوسف المصرى، وعبد العزيز سامى وغيرهم. كما وجه مسعد صادق نداءاً لإدارة الشئون الدينية فى وزارة الداخلية بضم كفاءات مقتدرة ومتخصصة فى الأمور الطائفية، على أن يأتى تكوينها جامعاً شاملاً جميع الأطراف ليأتى ممثلاً فعلا للوحدة الوطنية التى ينادى بها، وإلى الآن لازالت تلك الدعوة تطلق فى أعقاب كل حدث طائفى، ولكنها لا تلبث وأن تخبو مع الآيام إلى أن يقع حدث جديد، فتطفو على السطح، وبعد قليل تعود فتهبط إلى القاع، ثم تتكرر الأحداث.
وقد أطلق مسعد صادق نداءاً إلى الجمعية الوليدة بأن يكون لها دوراً فى التيقظ لما قد يبدر من بوادر تفرقة وعنصرية كى تحتويها وتطوقها فى حضن الوطن قبل وقوعها، وذلك بأن تتجاوز عملها فى الإجتماعات والمحاضرات إلى ممارسات عملية للرسالة التى تؤديها
· أصدر مسعد صادق العديد من الجرائد مثل الفداء والنيل والمستقبل وكتب فى عدد من الجرائد والمجلات ولكنه شخصيا كان مرتبط بجريدة وطنى التى ظل أسمه مقترناً بها حتى وفاته فهو أول من بدأ النشر عن أحداث التجليات والمظاهر المصاحبة من آيات ومعجزات بجريدة وطنى وذلك بدءاً من أبريل سنة 1968، وكان القراء يعجبون حينذاك بأنه هو الوحيد الذى كان يكتب عن تجلى العذراء، إلا أنهم فوجئوا بأنه بعد مضى شهر كامل إنفجر النشر بالصفحات الأولى فى جميع الصحف بمصر والخارج، وإنطلقت أنباء التجلى فى محطات الإذاعة والتليفزيون، ونقلتها وكالات الأنباء إلى أنحاء العالم، فأذاع كل من تليفزيون أستراليا وألمانيا برنامجاً خاصاً عن ظهور العذراء بكنيسة الزيتون، كما تابعت الإذاعة البريطانية نشر أنباء الظهور نقلاً عن جريدة وطنى. وظل مسعد صادق حياته صحفياً من قلب الأحداث، وأنهى حياته صحفياً من قلب الأحداث، فلم يعوقه تقدم السن أو المرض عن مشاهدة تجلى العذراء بأسيوط عام 2000، غير أن العمر لم يتح له مواصلة الكتابة عن أنباء الظهور وشهادات الجموع، فسطر قلمه الأخير بجريدة وطنى أنباء تجلى العذراء قبيل رحيله بأيام قليلة.
· وبعد خمسة وستون عاماً خدمة فى بلاط صاحبة الجلالة، وعرفاناً بدوره فى تأسيس نقابة الصحفيين، وبحضور حشداً كبيراً من أعلام الصحافة ورؤساء المؤسسات الصحفية، وفى تقليد جديد يعد الأول من نوعه وبالتحديد فى 10 يونيو سنة 2000 فى الإحتفال بيوم الصحفى الذى يوافق عقد أول إجتماع للجمعية العمومية الطارئة التى تصدرت سنة 1995 للقانون رقم 93 وأسقطته قبل أن ينال من كرامة الصحفى وحريته، كرم نقيب الصحفيين إبراهيم نافع والصحفى الكبير محمد حسنين هيكل الكاتب مسعد صادق وأعطياه درع نقابة الصحفيين منقوشاً عليه بحروف ذهبية “نقابة الصحفيين. عرفاناً وتقديراً بعطاء وريادة شيخ الصحفيين الأستاذ مسعد صادق”، وكانت هذه الجائزة هى أول جائزة تقديرية تمنحها النقابة للشخصيات الصحفية الرائدة تقديراً لعطائها الفكرى والمهنى.
وكأن تلك الإحتفالية تمثل مسعد صادق الذى قضى سنوات حياته فى إداء رسالته دون أن ينال أحد من حريته أو تعوقه جدران السجون أو قيود الرقابة.
· وفى عام 2001 وفى نفس التوقيت كان مسعد صادق قد رحل عن عالمنا، إلا أن كتاباته ظلت نابضة بمعاناة من ليس لهم من يدافع عنهم، فكرمت نقابة الصحفيين أسم الكاتب مسعد صادق، وكرمت معه مقالاته التى سطرها طوال حياته الصحفية والتى شهدت وتنبأت بالعديد من القضايا والأحداث. فكتب على شهادة التكريم:
” إلى أسرة الزميل المرحوم / مسعد صادق لبيب، تقديراً لعطاء الزميل الراحل الأستاذ/ مسعد صادق لبيب فى خدمة الصحافة والصحفيين، وعرفاناً بدوره الوطنى المشهود فى الدفاع عن المهنة والزود عن حرية الصحافة، يقدم مجلس نقابة الصحفيين هذه الشهادة لإسم الفقيد، ويذكر له إسهاماته الفكرية وتميزه المهنى”