· قصة الرقابة على الصحف
· الجرائد المصرية الأولية وكيف واجهت الاستعمار
· مواقف على مدار التاريخ فى نضال الصحفيين
كانت نقابة الصحفيين أملا تحقق للصحفيين فى 31 مارس 1941 بعد كفاح السنين بصدور القانون رقم 10 لسنة 1941 بإنشاء النقابة وتشكيل مجلسها المؤقت لحين انعقاد الجمعية العامة الأولي التى انعقدت يوم الجمعة الخامس من ديسمبر سنة 1941 بمحكمة مصر باب الخلق، وهى الجمعية التى انتخبت مجلس النقابة الاول، وكان المجلس من اثنى عشر عضواً.
عرفت مصر الصحافة على يد الحملة الفرنسية فى نهاية القرن الثامن عشر، وأرتبط ذلك بإدخال المطبعة إلى مصر مع الحملة، ولكن ما عرفته مصر فى تلك الفترة لم يكن أبداً صحيفة مصرية، وإنما كانت صحف باللغة الفرنسية، وبعد مضى أكثر من ربع قرن على جلاء الفرنسيين أصدرت حكومة “محمد على” صحيفة الوقائع المصرية سنة 1828 وصدرت إلى جوار الوقائع صحيفتان إحداهما عسكرية والأخرى تجارية زراعية وفى عهد سعيد باشا توقفت الوقائع عن الصدور فى أواخر حكمه، وفى عهد الخديوى اسماعيل بدأت الصحافة المصرية مرحلة جديدة بالغة الأهمية أمتدت حتى الاحتلال البريطانى للبلاد وهى الميلاد الحقيقي للصحافة الشعبية كما أعيد أصدار الوقائع المصرية وصحف اخرى أهمها مجلة “يعسوب الطب” وصحيفة “وادى النيل” ولكنها سرعان ما تهاوت لأنها كانت موالية للنظام وكان صاحبها صديقا للخديوى مؤيداً لسياسته، فشعر القراء بذلك وتهاوت، ومن الصحف غير الحكومية التى صدرت وقتها : الاهرام سنة 1876 والوطن 1877 والمؤيد 1889
وخاضت الصحف المصرية الشعبية صراعاً عنيفاً مع الإستعمار فلم يترك الإستعمار لصحف الكفاح مجالا للعيش اذ كانوا يتعقبوها بالقضايا والمعكاسات الإقتصادية والإدارية حتى تفلس وقد انشئ “قلم المطبوعات” لهذا الغرض فى الوقت الذى كانوا يغدقون فيه على الصحف الأجنبية بالمال والورق على حساب زملاء مهنتهم المصريين، ومن هذه الصحف “اللواء” للزعيم مصطفى كامل التى صدرت 1900، و”المؤيد” لصاحبها على يوسف، و”الجريدة” لأحمد لطفى السيد وتعرضت الأخيرة للكثير من المضايقات خاصة انها كانت تحارب فى ثلاث جبهات فيما بين 1906 و 1915، الجبهة الأولى هى مقاومة الاستعمار البريطانى والثانية مكافحة الخديوى عباس والثالثة مقاومة الرجعية الإجتماعية وتميزت مقالات أحمد لطفى السيد بأنها كتبت بلهجة الأديب وتفكير الفيلسوف ورزانة السياسي ولخص الدكتور عبد اللطيف حمزة أغراض الجريدة فى أنها كانت تنشر عقيدة الإستقلال وكانت تسعى لإزالة الفوارق فى الرأى بين المصريين والمطالبة بالدستور والرد على مزاعم الإنجليز .
وأعظم مثال للصحيفة المكافحة فى بلادنا هى “اللواء” التى أسسها مصطفى كامل وكانت اللواء صحيفة وكفاحا لاستقلال الوطن، وكان كفاحاً مراً انتهى بموت مصطفى كامل وهو دون الثانية والثلاثين ومن كفاحها أنه عندما أندلعت حادثة دنشواى سنة 1906 هبت صحيفة اللواء تناشد الشعب أن ينتبه لهذه المأساة وكان من أثر هذه الحملات الصحفية والخطابية لمصطفى كامل أن تنبه الشعب إلى وعى وطنى قوى فلم يجد الإنجليز أزاءه ألا أن يقيلوا كرومر المعتمد البريطانى فى القاهرة، فأقيل فى صورة أستقالة.
نقابة الصحفيين تلغى الرقابة على الصحف:
على أثر وقوع حوادث 26 يناير سنة 1952 فى القاهرة فرضت الرقابة على الصحف بدعوى الحرص على أسرار التحقيقات والإعتقالات وظلت الصحف تعانى متاعب الرقابة حوالى سبعة أشهر تعاقبت فيها وزارات مختلفة، وكان مجلس نقابة الصحفيين كلما طالب وزارة من تلك الوزارات بإلغاء الرقابة وعدت الوزارة بإلغائها دون أن تنفذ الوعود، لهذا قرر المجلس العدول عن الاحتجاج بالمذكرات والمقابلات إلى الاحتجاج الإيجابى بإضراب الصحف عن الصدور، فدعا أصحاب الصحف ومديريها إلى الإجتماع ثم دعا إلى عقد جمعية عامة غير عادية تعددت جلساتها فى شهر يولية سنة 1952 لتنفيذ خطة الإضراب وبينما كان المجلس يتخذ الإجراءات للتنفيذ قام الجيش بإسناد رئاسة الوزراء إلى “على ماهر” الذى قام بإلغاء الرقابة تنفيذا لمطلب النقابة وكل هذه التفاصيل ذكرت فى تقرير مجلس النقابة عن سنة 1951- 1952.
المصروفات السرية:
ويقول سلامة موسى فى كتابه الصحافة حرفة ورسالة:كانت الحكومة المصرية أيام الاستعمار والاستبداد تمارس ألواناً من الفساد أو الإفساد الصحفى الذى يتجاوز الخيال وفى ذلك المصروفات السرية التى كانت تعطيها الوزارات للصحفيين مقلبل تضليل الرأى العالم وشق الأمة بمحاربة سعد زغلول عن طريق الصحافة ولم تلغ هذه المصروفات السرية إلا بعد ثورة 1952 وكان فى ألغائها تطهير وتنظيم، ويظهر أن الكثير من الصحفيين المصريين رفضوا تلك المصروفات فما كان من النظام إلا أن ألقى بهم فى السجن ولما لم يجدوا تهمة موجهة اليهم أفرجوا عنهم بعد وقت قليل.
كفاح الصحف:
· أصدر الحزب الوطني صحيفة “العلم” لتكون لسان حال الحزب الوطنى وصدر العدد الأول منها يوم 7 مارس 1910 وكان رئيس تحريرها عبد العزيز جاويش وخلفة أمين الرافعي ، وبسبب مواقفها المتشددة في المطالب الوطنية عطلتها الحكومة لمدة شهرين، وفي يوم 7 نوفمبر 1912 وضعت الحكومة نهاية لحياتها لأنها نشرت مقالة لمحمد فريد عن رأيه في الحرب البلقانية وما أصاب تركيا من الهزائم ، ولم يقف الأمر عند تعطيل “العلم” فقام أمين الرافعي بتعطيل صحيفته “الشعب” والتى كانت تصدر من سنة 1909 احتجاجا ً علي إضطهاد الحكومة للصحف وحتي لا يُنشر إعلان الحماية البريطانية علي مصر ويعمل تحت وطأتها، وكان إحتجاب صحيفة “الشعب” لسان حال الحزب الوطني أول إحتجاج مصري صريح علي الحماية رغم المعوقات التى لاحقت صاحبها ومن أشدها الخسارة المالية للصحيفه بسبب قرار إغلاقها وإضطهاد الثلاثة أصحاب قرار إغلاقها وأعتقالهم من اغسطس 1915 إلي يونيه 1916 . بعدها طلب السلطان حسين كامل من أمين الرافعي أن يُعيد اصدار صحيفة الشعب ولكن الرافعي اعتذر بأنه لا يمكنه ذلك إلا اذا وافق مجلس إدارة الحزب الوطني وكان الرافعي يعلم يقينا ً أن الحزب لن يوافق .
· ضيقت سلطات الإحتلال على الجرائد المصرية لمنع نشر أى أخبار خاصة بنفى الزعيم سعد زغلول غير أن الجماهير الحاشدة التى نزلت فى الميادين وخروج المرأة لأول مرة للتظاهر بزعامة هدى شعراوى وسيزا النبراوى جعلت الصحف ومنها ” المنبر ” و “الأفكار ” و “الأهرام ” و “مصر ” تعلن مساندتها للجماهير الثائرة محتجة علي سياسة الأحتلال بالاحتجاب عن الصدور عدة أيام وحاولت السلطة العسكرية البريطانية إرهابها بتعطيل “المنبر ” يوم 2 أبريل ” ومصر ” في اليوم التالي.
وعندما لم تجد سلطة الإحتلال فائدة فى تعطيل الصحف عملت علي تهدئة الحاله بالإفراج عن الزعماء المنفيين وسمحت الرقابة للصحف المصرية بمتابعة أخبارهم لأول مرة منذ نفيهم ونشرت ” وادي النيل ” حوار أجراه محمود أبو الفتح مع الجنرال وكان أول حديث يجربه صحفي مصري مع مسئول بريطاني تطرق فيه لوضع مصر والحريات.
· يقول سلامة موسي انه فى عام 1947 كانت الحكومة المصرية تقدمت للبرلمان بمشروع قانون لمكافحة الأمية وانشاء المدارس وتعليم الشعب وما إلى ذلك من طرق، ولما علم السفير البريطانى بالقاهرة عن هذا المشروع سارع بكتابة مذكرة سرية إلى رئيس الوزراء يطلب فيها وقف هذا المشروع ومنع البرلمان من دراسته وكانت حجته فى ذلك أن المجهود الحربي البريطانى فى مصر يحتاج إلى عمل الكبار والصغار من المصريين وأن المدارس ستمنعهم من الإقبال على العمل فى المعسكرات البريطانية، جدير بالذكر أن بعض الجرائد اتخذت موقف المحايد ولم تنشر كواليس هذا الصراع الذى أنتشر بين الصفوة والمثقفين … ولكن جريدة “أخبار اليوم” كانت مكافحة غير متفرجة ويذكر لها أنها نشرت مذكرة السفير البريطانى ثم قامت بإطلاق العديد من الحملات المتوالية الرافضة لهذا التدخل وبثت الوعى بين الجمهور، الوعى لأجل الحرية والإستقلال والتعليم.. وبهذا لم تصبح المذكرة “السرية” سرية اذ أعلنت وكانت حملات الزميلة الصحفية درساَ فى الوطنية .
· هاجمت جريدة “المصرى” محمود فهمى النقراشي رئيس الوزراء سنة 1948 الأمر الذى أغضب الملك فاروق فأمر بإغلاق جريدة “المصرى”، فرفض النقراشي معللا انه لا يستطيع أن يغلق جريدة لأنها نشرت رأياً، وعندما أصر الملك على ضرورة تعطيل الجريدة قدم النقراشي استقالته دفاعاً عن حرية الرأى والتعبير .
· تمكن الاتحاد الاشتراكى من السيطرة الكاملة على جميع مجالس النقابات المهنية فى الستينيات ماعدا نقابة الصحفيين، وفى عام 1965 أصدر وزير الإرشاد قراراً بحل مجلس نقابة الصحفيين، وأجريت الانتخابات بعد ثلاثة أشهر، واجتمعت الجمعية العمومية وحضرها غالبية الصحفيين الذين أعادوا بالإجماع نفس المجلس المنحل تحدياً للنظام، وفى اليوم التالى صدر قرار بحل المجلس، وبقيت النقابة تحت وصاية لجنة ثلاثية لمدة عام كامل واستمر الصراع حتى نكسة 1967 التى داهمت مصر فلم يعد وقتها هناك مجال للخلاف ونجح الصحفيون بعدها فى اختيار مجلسهم بارادتهم الحرة.