. صارعت الدول عليها لكنها بقيت بإصرار وصمود مصر
· من شجرتين في ضواحي رفح إلى عمودين من الجرانيت هكذا حد رفح
· الخديو عباس حلمي نقش على أحد عمودي رفح تاريخ زيارته للحدود
· هياج البحر لم يقف حائلاً أمام التمسك بالحدود المصرية
· مشايخ سيناء وبدوها شهود على معبر رفح
· محاولة ردمها بالرمال لن يخفي معالمها
في أول دهرنا ما لنا حد مظبوط … وأما رفح في الذكر نسمع بطرياه
التمت الباشات بين المحايد … واحنا صبرنا بينهم للمداعاه
واليوم صار حدادنا بظن بارود … والكل من حده يرجع لممشاه
بهذه الأبيات الشعرية عبر فرج سليمان شاعر الرميلات رفح عن فرحته بترسيم حدود مصر الشرقية، تلك الفرحة التي بددتها براثن الإرهاب الآن التي استطاعت أن تعبر إلى مصر وذلك من خلال قنوات الشر “الأنفاق” ، حدود مصر الشرقية التى دافعت عنها مصر باستماتة لن تعوقها مدافع أونلاين أو أمواج هائجة ولولا صمودها وإصرارها لوقعت سيناء بأكملها فى يد من يدعى أحقيته بأى شكل فى أى جزء منها .. والآن يقف الجنود البواسل من قواتنا المسلحة وخلفه الشعب المصرى أمام هذا الإرهاب الأسود دفاعاً عن حدود وطنهم التي أيريقت فى سبيلها دماء آبائنا وأجدادنا لردع الأعداء والإرهاب……
ورد ” تاريخ سيناء” أحد وأهم المراجع التاريخية لنعوم بك شقير أحد البواسل الذين لعبوا دوراً هاماًّ في الحفاظ على حدود مصر الشرقية رغم عرقه اللبنانى :”… أن حد رفح يعود إلى زمن اليعقوبى الذى عاش فى أواخر القرن الثالث الهجرى وابن الفقيه الهمذانى الذى عاش فى القرن الرابع الهجرى فى مكان يقال له “الشجرتين” ، قرب رفح وهى أول حد مصر يمتد من رفح إلى العريش وطول مصر من الشجرتين اللتين بين رفح والعريش إلى أسوان وعرضها من برقة ايله وهى مسيرة أربعين ليلة فى أربعين ليلة.. “
يذكر أن المكان الذى شيد فيه عمودا الحدود هو أنقاض مدينة رفح القديمة على بعد 28 ميلاً من مدينة العريش وخمسة أميال من خان يونس و18 ميلاً من غزة وكانت تسمى مدينة “رافيا” التي ذكرها المؤرخ يوسيفوس أنها أول محطة سورية استراح فيها تينوس فى طريقه لمحاصرة القدس سنة 70ق. م ، وكان يمتد من رفح إلى غزة شجر جميز مصطف من جانبي الطريق عن اليمين والشمال نحو ألف شجرة تتصل أغصانها بعضها البعض نحو ميلين، لكن مع مرور الوقت طمست معالم رفح القديمة وطمرت الرمال معظم آثارها وعبث الزمان والسياح والعربان بالباقى .
كما يذكر فى أخبار فتح عمرو بن العاصى لمصر سنة 639 م وهو فى الطريق إلى مصر التفت عمرو وقال “يا قوم أين نحن” فقالوا فى العريش فقال “وهل هى من أرض مصر أم الشام” فأجابوه إنها من مصر وقد مررنا بعمودان رفح أمس فقال “هلموا بنا إذا قياما بأمر أمير المؤمنين” ….
وجاء في تاريخ مصر الحديث بالفرنسية للموسيو “أمادى ريم” عند ذكره زحف نابليون على سوريا بطريق العريش أن الجيش استأنف السير في 24 فبراير 1799 وفى الطريق حيا العمد المشيدة فى الصحراء لتعيين الحد بين أفريقيا وآسيا وهو يعنى عمد رفح وجاء فى اسفار المستر “وليم وتمن” الذى رافق الحملة العثمانية الى العريش سنة 1801 ان الحملة مرت بين عموديين من الغرانيت المصرى قيل أنهما أقيما هناك لتعيين الحد بين القارتين اى عمودى رفح .
الخديو عباس حلمي الثاني نقش تاريخ زيارته للحدود على أحد عمودين رفح:
واقعة اخرى شاهدة على حد رفح ، فقد أقر الخديوى عباس حلمى أن عمودين رفح الحد بين مصر وسوريا ، ففى سنة 1898 زار عباس حلمى العريش فوصل عمودى الحدود عند رفح واستراح هناك ساعة وكان محافظ العريش اذ ذاك عثمان بك فريد فأمره بأن يكتب تاريخ زيارته الحدود على العمود الذى الى جهة مصر ، فخط التاريخ (الشيخ ابراهيم محمد) قاضى المحكمة الشرعية بالعريش خطه على صحيفة كبيرة ونقشه فى العمود مصطفى افندى البيك من أهالى العريش وكان القاضى قد عمل مسودة للتاريخ بقيت عند عبد الحميد افندى وهبة كاتب المحكمة.
وتتوالى الاحداث ليحصل ما لا يخطر على بال …..حيث مطامع الدول الغربية فى احتلال مصر بدأت بمحاولة طمس هذا الحد لكنها محاولة باءت بالفشل ….
حادثة الحدود 1906
فى سنة 1906 ازال الجنود التركية العمودين من مكانهما وطمروهما فى الرمال بعد ان حطموا أحدهما تحطيما وتشكلت اللجنة لتعين الحدود التى ابقت على هذا الحد ونصبت فى مكان العمودين المذكورين عمودين آخرين من الغرنيت …
الحكاية تبدأ بما عرف بأزمة فرمان 1892 عندما أصدر السلطان العثماني فرمان التولية في يناير 1892 مخالفاً لفرمانات التولية، ومخالفاً لبنود معاهدة لندن 1840 حيث اقتطع شبه جزيرة سيناء من مصر ، ومن المعروف من قبل أن كل فرمانات التولية تتضمن خضوع سيناء تحت سلطة الإدارة المصرية فقد أسند إلى محمد علي باشا ادارة ولاية مصر بحدودها القديمة كما جاء في فرمان التولية 1841، حيث إنه كان يمارس الادارة والحكم باعتبار أن حد مصر الشرقي خط مستقيم ممتد من رفح على نحو 28 ميلاً من العريش إلى جنوب قلعة الوجه، أي أن سيناء كلها وقلاع العقبة ، ضبا ، المويلح والوجه ضمن الإدارة المصرية.
نعود الى أزمة فرمان تولية عباس حلمى الثانى، رفضت مصر الفرمان وعضدتها فى ذلك إنجلترا التى أوقفت قراءة الفرمان، وكان أزمة الفرمان بداية الصراع بين الدولة العثمانية المتهالكة والتي لها حق الملكية، وبين بريطانيا وهي الامبراطورية التي تملك أسباب القوة والتفوق كما ورد فى كتاب تاريخ تطور حدود مصر الشرقية .
وإزاء موقف الخديوي عباس الرافض لمحتوى الفرمان، وإزاء الضغط السياسي الشديد الذي مارسته الحكومة البريطانية، وإزاء الموقف الفرنسي – الروسي، أرسل الصدر الأعظم برقية للخديوي عباس الثاني في 8 أبريل 1892 لتصحيح الوضع.
وقف الأمر عند هذا ..الى أن كلف المستر براملى الإنجليزى من قبل الحكومة المصرية 1905 بشغل وظيفة مفتش في سيناء وشرع فى الإصلاح الإدارى ، فأشاعت الجرائد المحلية خبرا ان الانجليز يبنون قلاعاً وينشرون قوات على حدود سيناء فبعث والي سوريا برسالة برقية الى السلطان العثمانى عبد الحميد يخبره بما يحدث فأسرع السلطان عبد الحميد بإنشاء نقطة عسكرية فى حد سيناء ونشر القوات التركية على الحدود وانشاء قائمقامية جديدة سنة 1899 فى بئر سبع …
وتتوالى الاحداث .. فى يناير 1906 أصدرت مصر أمرها الى المستر براملى بوضع خفر من البوليس لمراقبة الحدود وكان براملي يجيد التحدث باللغة العربية واللهجة البدوية وملم بعادات البدو و وكلفته بمهمة التحري والاستطلاع عن مدى صحة التقارير الواردة إلى القاهرة عن نية السلطان العثماني على مد فرع جديد لسكة حديد الحجاز من معان إلى العقبة وتقيم تقرير عام عن شبه جزيرة سيناء.
وكان اللواء رشدى باشا قومندان العقبة إذا ذاك قد طلب بكل لطف من المستر براملى الرجوع عنها فرجع وابلغ الأمر الى حكومة مصر التى طلبت من السلطة تعين لجنة من الاتراك والمصريين لتحديد التخوم نهائيا بين مصر وسوريا فأبى الباب العالى…
وما كان على الحكومة إلا ارسال بلوكا من العساكر النظامية مع الأميرالاى سعد بك رفعت قومندان سيناء لاحتلال وادى طابا ولكن سبقه رشدى باشا الضابط التركى الذى يتصف بطول القامة أشقر اللون أزرق العينين كبير الشاربين على حد وصف نعوم بك ، وأرسل الى هذا الوادى حامية من العساكر حيث انتشرت العساكر التركية وقد قدر عددهم بنحو الفى رجل وصوبت نيرانها على العساكر المصرية مما ادى الى انسحابهم وصدر الأمر من الحكومة المصرية الى الكابتن “فيس هورنى” قومندان الطراد “ديانا” فى السويس بالسفر الى جزيرة فرعون للمحافظة على العساكر النازلة فيها ومنع العساكر التركية من التوغل فى سيناء وقد رافق الطراد نعوم بك شقير مندوبا من قبل المخابرات ووقف الطراد بعيدا عن الشاطى وامر الكابتن فيس نعوم بك بأن يذهب بقارب ليتفاوض مع رشدى باشا والمطالبة بإرسال لجنة لتحديد التخوم او الحدود
وتتوالى الاحداث… حضر مندوبين من الاستانة لتعيين الحدود لتعيين الحدود وذهبا الى العقبة مع مندوبو من مصر هما الأميرالاى اوين بك مدير المخابرات واللواء اسماعيل باشا سرهنك وكيل الحربية والأميرالاى سعد بك رفعت قومندان سيناء وانتقلت المفاوضات بشأن الحدود الى لندن والأستانة واصرت مصر على موقفها تجاه الحدود واصرت على الخط الذى يخوله فرمان عباس حلمى من رفح الى العقبة …
ومع ذلك واصل الاتراك احتلالهم للحدود حيث انتشرت القوات التركية فى رفح فأزالوا عمودى الحدود من مكانها تحت السدرة واختلعوا عمد التلغراف المصرى بين رفح وطريق بئر رفيح وجعلوا مكانها عمدا تركية ونصبوا خيامهم فى حد مصر بين السدرة وطريق رفيح … أما مشهد حادثة رفح فيمكن رصده سريعاً، حيث توجهت قوة عسكرية تركية من خمسين فرداً، عليهم ملازم، “إسماعيل أفندي” ومعهم موظف ملكي مأمور الجفالك “مصطفى أفندي”، وقائدهم يوزباشي (نقيب) أركان حرب “مفيد بك”، واحتلوا رفح وسكنوا في خمس خيام في حد مصر عين السدرة، حيث كان عمود الحدود وطريق رفح. أزالت هذه القوة العسكرية التركية عمودي الحدود في 12 أبريل 1906 من مكانهما تحت السدرة، واقتلعوا أعمدة التلغراف المصري بين بئر رفح وطريق بئر رفيح، وأقاموا أعمدة تركية في 28 أبريل كما قامت القوة التركية بانتزاع أراضي رفح كلها التي كانت بيد السكان من خان يونس ولم يكن لديهم عقود ملكية وضموها إلى ادارة الجفالك باسم السلطان العثماني.
وفى الحال امرت الحكومة المصرية الطراد منرفا الانجليزى فى بورسعيد بالسفر حالا الى رفح لتحقيق الخبر رافقها نعوم بك شقير نائب قلم المخابرات بنظارة الحربية معتمدا للحكومة المصرية وقد عينت الحكومة الكابتن ويموث قومندان الطراد معتمدا للدولة البريطانية ، تحرك الطراد منرفا من بورسعيد عصر 28 ابرايل سنة 1906 وصلت العريش صباح اليوم التالى فقابلت محافظها محمد بك اسلام وتم الاستعانة بمشايخ سيناء العارفين ميناء رفح ومكان عمودى رفح بالدقة وهم الشيخ سلام عرادة عمدة السواركة والشيخ سليمان معيوف شيخ الرميلات وحسين عبد الكريم الجعلى من أنشط بوليس العريش وقطامش اغا كبير هجانة العريش ، الذين اكدوا لنعوم بك انهم على حد رفح وخرائب رفح على نحو ساعة منهم تحجبها التلال الرملية التى تحاذى الشاطىء من بلدة العريش ، وبقى الكابتن ويموث فى الطراد ينتظر خبر من نعوم بك عن امر احتلال رفح ، وقد التقى نعوم بك ببعض فرسان الرميلات فأكدوا له أن عمودى الحدود قد أزيلا من مكانهما فى 12 ابريل وان 11 عمودا من عمد التلغراف المصرى من بئر رفح الى طريق رفيح قد بدلت بعمد تركية وقالوا ان فى حد رفح نحو خمسين عسكريا يرأسهم يوزباشى أركان حرب “مفيد بك” …
اصرار نعوم على مقابلة مفيد بك رغم البحر الهائج
وتتوالى الاحداث حيث ارسل الكابتن ويموث ونعوم شقير رسالة الى مفيد بك للمطالبة بعودة عمودى رفح وعمد التلغراف الى اماكنهم وضرورة التفاوض بشأن هذا ,…ووسط امواج البحر الهائجة التى تعالت امواجه كالجبال اصر نعوم بك على الابحار بقارب يجره رفاص الطراد الى البر لمقابلة مفيد بك وبالفعل وصل الشاطىء بعد جهد ومشقة واخذ يتحدث سويا عن الوضع واعترض مفيد بك على تدخل الانجليز فى مسألة الحدود قائلا “أما انت معتمد الحكومة المصرية فأنى أفاوضك فى الأمر أما الكابتن ويموث معتمد الحكومة البريطانية فأنى استقبله كزائر وكل ما اعلمه عن مركز الإنجليز فى مصر أنهم يديرون ماليتها وليس لهم حق التدخل فى مسألة الحدود ” ورغم التفاوض فقد انكر الترك وجود العمودين وقالوا انهما بقايا هيكل قديم وليسا الحد بين مصر وسوريا …
وبكل جرأة وشجاعة وقف على الشاطىء بعض الرميلات وفيهم سليمان معيوف شيخ الرميلات وشهدوا أمام مفيد بك أن هناك عمودان من الغرانيت الأحمر كانوا يروهم منذ نشأتهم وهم الحد الفاصل بين مصر والشام ولكن العمودين تم إزالتهم على يد العساكر التركية فى 12 ابرايل سنة 1906 وهو الأمر الذى اغاظ مفيد بك …رغم هذا اصر الترك على موقفهم .
موقف الجرائد المصرية
وانشغلت الجرائد المحلية بمسألة الحدود وعارضت تدخل انجلتر فيها وقالت ليس لانجلترا حق الدفاع عن استقلال مصر الإدارى فى وجه الدولة لأنها لو تغلبت عليها فى هذا المضمار فقدت الدولة معنى السيادة الحقيقى على مصر
وعلى النقيض قالت الجرائد الموالية للاحتلال ” بل لإنجلتر كل الحق فى هذا الدفاع والا فأنها تفقد معنى السيادة الاحتلالية ، وايدت بعض الجرائد المعتدلة هذا القول الآخير وزادت عليه أن حق انجلترا هذا يدوم حتى تقوم الدولة العلية وتكرهها على الجلاء عن مصر واكدت بعض الصحف على أن سيناء كانت فى كل العصور تابعة لمصر وجزءا متمما لمصر ويشهد بذلك آثار مصر الباقية فى سيناء منذ عهد الدولة الأولى المصرية الى هذا العهد .
موقف الحكومة البريطانية من تعنت الأتراك
بلاغ انجلترا النهائى الى تركيا الانسحاب أو القوة –
صرحت الحكومة البريطانية بإنها لا تسمح بأقل تغيير يحصل فى امتيازات مصر الممنوحة لها فى الفرمانات الا إذا صدقته واقرته وستبقى سيناء تحت إدارة مصر طالما ان الإنجليز فى مصر وقامت بإرسال بلاغ نهائى لتركيا تطالبها بانسحاب القوات التركية من رفح وعودة عمودى الحدود فى رفح الى مكانهما وعودة عسكر رفح الى حدهم وأنه إذا لم يقدم الباب العالى الترضية المطلوبة تضطر انجلتر الى استخدام القوة وقد دعم مطالب انجلترا سفير فرنسا وروسيا فى الأستانة .. واخذت انجلترا تستعد للطوارىء فى مصر وسيناء والاستانة.
وما على السلطان العثمانى الا الانصياع لمطالب انجلترا فأمر فخرجت العساكر من طابا وعاد عسكر رفح الى حدهم ونبشا عمودين من خرائب رفح عمودا من الغرانيت الأسود طوله 6 اقدام واخر من الغرانيت الرمادى وطوله 4 امتار ونصباهما تحت السدرة بقرب مكان العمودين الأولين ….
وصدر أمر الباب العالى الى المندوبين الأتراك فى العقبة بتعين خط الحدود وتشكلت على الفور من جديد اللجنة المصرية وقد صحب اللجنة المصرية المستر كلين والمستر ويد وهما مهندسان انجليزيان بارعان من قلم المساحة المصرية لأجل رسم خريطة فنية للحدود من رفح الى العقبة وعهدت الحكومة المصرية الى سليم افندى اسعد بشركة كوك فى تدبير طعام وشراب اللجنة والخيام وسار أعضاء اللجنة المصرية من مصر فى 24 مايو سنة 1906 قاصدين العقبة وفى 4 يونيو 1906 وفرغ المهندسان من رسم خريطة العقبة وفى 7 يونيو وسار المهندسان مع أعضاء اللجنة المصرية واللجنة التركية على الخط المستقيم التخمينى يعينان مواقع الجبال والأمكنة البارزة عن جانبى الخط الذى يبدأ من رفح وينتهى بنقطة تبعد 3 اميال على الأقل من العقبة بالأرصاد الفلكية ويرسمان خريطة الطريق.وقد رافق اللجنة المصرية اثنى عشر من هجانة خفر السواحل.
وفى أول اكتوبر من نفس العام كان اتفاق الحدود حيث عقد اعضاء اللجنتين عدة جلسات وعينوا خط الحدود واجتمع الفريقان فى خيمة تدعى “مس” ورسموا الخط المتفق عليه منقطا بالحبر الأسود الهندى على نسختين من خريطة الحدود وكتب الاتفاق باللغة التركية لأنها اللغة الرسمية ين تركيا ومصر وقع كلا الفريقان عليهما وترجم الاتفاق الى الإنجليزية والعربية واخذ كل فريق نسخة مترجمة بجانب النسخة الأصلية …
ووبعد توقيع الاتفاق وبحضور مندوبى الفريقين تقرر إقامة عمد على طول الخط وتثبت فى الأرض بفلنكات من حديد وتبنى فى مكان هذه العمد عمد ثابتة بالحجر والأسمنت وقد تشكلت لجنة لبناء العمد المصرية فى رفح من اليوزباشى اسماعيل افندى المفتى من ضباط مصلحة الأشغال بالجيش المصرى والملازم الأول غالى افندى ذكى والملازم الثانى على افندى حلمى من ضباط الجيش المصرى و37 عسكريا من الأورطة الرابعة المشاة و5 عساكر بنائين من قسم الأشغال وعسكرى تمرجى من القسم الطبى وساعدهم المستر ويد احد مهندسى اللجنة المصرية فى نصب الأعمدة وكان جملة ما نصبوه 91 عمودا واتفق الفريقان أن تكون شكل العمد هرما مقطوعا تكون قاعدته متر مربع وارتفاعه عن سطح الأرض من مترين الى مترين ونصف وأتم إسماعيل افندى ورجاله المهمة فى أسرع وقت .
ظل الحد الفاصل بين مصر وفلسطين مصاناً ولم يمس، حيث اتصف هذا الخط بالقدسية ليس على امتداد سنوات الحرب العالمية الأولى، إنما منذ أن تم بناؤه عام 1906، فرغم امتداد الوجود العسكري البريطاني على مصر وفلسطين، إلا أنه في عام 1926 طلب المندوب السامي البريطاني في القاهرة اللورد لويد من رئيس الوزراء المصري أحمد زيور باشا، الاعتراف بالوضع الجديد للانتداب في كل من فلسطين والعراق، ومقابل هذا الاعتراف هو معاملة تفضيلية لأبناء مصر. ربط زيور باشا استجابته بالمطلب البريطاني بموافقة حكومة لندن على أن الحدود بين مصر وفلسطين لن تتأثر بتعيين حدود فلسطين من خلال مكاتبة من وزير الخارجية البريطانية في 25 يوليو 1926 إلى عبد الخالق باشا ثروت وزير خارجية مصر وهو ما يعتبر اعترافا بالحد الفاصل الدولي، وذلك ما يعني بوضوح بقدسية الحد الشرقي المصري وتمسك مصر بعدم المساس بحدودها تحت كل أنواع الضغوط أو المطالب العسكرية.
كان موقف حكومات مصر هو أن الحدود الثابتة غير قابلة للتعديل، ولا تتأثر بأي مستجدات على الساحة السياسية أو الساحة العسكرية. بعد الحرب العالمية الأولى وبعد فرض الانتداب البريطاني على فلسطين، فإن الحدود المصرية لم تتأثر مطلقا أو تتغير أو يطرأ عليها جديد، فمنذ أن استقرت عام 1906، تم احترامها من قبل سلطة الانتداب البريطاني، والحكومة البريطانية بسبب اصرار الحكومات المصرية على أن للحدود الدولية قدسيتها ولا يمكن المساس بها.
من هنا نعيد تصحيح ما أفسده الدهر لتصبح رفح معبرا للسلام والأفراد ورادعا ضد الإرهاب والتطرف….