– الأقفاص السمكية مقبرة جماعية للأسماك
بدأ مسلسل نفوق الأسماك بين الحين والآخر خلال العام الماضى وعندما بدأنا فى هذا التحقيق لم نتصور أن هناك أسباباً ومسببات كارثية تصل إلى حد سبق الإصرار والترصد وراء هذا الموت الذى وصل إلى أكثر من ٠٠٥٢ طن من الأسماك النافقة، والغريب أن المتسببين فى القتل يعلنون عن أنفسهم بكل جرأة بدعوى أنهم مظلومون وليس بمقدارهم أن يأخذوا حقهم فقرروا تسميم الأسماك ومياه النيل بعد أن ماتت ضمائرهم أيضاً، والسؤال أين القانون وأين المسئولون، ألم يسمعوا »مقطعاً« من أغنية »ماشربتش من نيلها« ألا يعلمون أن الموت والمرض سيلحق بهم وبأبنائهم، هل لديهم مياه أخرى سيشربونها، ألا يعيشون على أرض هذا الوطن نعلن خلال السطور المقبلة الحقائق بمنتهى الوضوح، فى محاولة لإيقاظ الضمير فهل من مجيب؟!
عن الأسباب الحقيقية وراء نفوق الأسماك أكثر من مرة بنهر النيل فى عدة محافظات كان لنا حديث مع د. كوثر حفنى، رئيسة الإدارة المركزية للأزمات بوزارة الدولة لشئون البيئة، قالت: لابد أن نوضح فى البداية أن قانون ٨٤ لعام ٢٨٩١ لحماية نهر النيل ولائحته التنفيذية المعدلة برقم ٢٩ لعام ٣١٠٢ والصادر عن وزارة الرى المادة السابعة من القانون تنص على حظر إعادة تراخيص لإقامة أقفاص أو إنشاء مزارع للإنتاج الحيوانى أو السمكى فى مجارى المياه العذبة »نهر النيل، الترع« ولكن من الجائز إقامة أقفاص سمكية فى البحيرات شبه المالحة، ولكن للأسف فى غيبة من تطبيق القانون والرقابة تم إنشاء العديد من الأقفاص السمكية فى عدة أماكن وأبرزها البحيرة، كفر الشيخ ودمياط.
وكانت تحدث بعض حالات النفوق كل عام وقت السدة الشتوية حيث تغلق فتحات المياه لعدم وجود مزروعات تروى فى هذا الوقت من السنة »شهر ينايرحتى أوائل فبراير« مع وجود أقفاص سمكية ممنوعة أصلاً وغير مصممة بشكل سليم وتغذية الأسماك فيها غير سليمة فتظهر حالات نفوق لقلة الأوكسجين فى المياه فتنفق الأسماك ولكن ما حدث هذا العام هو نفوق أعداد هائلة من الأسماك، وقد يحدث نفوق آخر خلال أيام عند مصرف الرهاوى وهو المصرف الكبير الذى يتم منه تصريف كل صرف فرع رشيد »صرف صناعى، صحى، زراعى«.
والسبب أنه صدر قرار من رئيس الوزراء عام ٥١٠٢ بإزالة الأقفاص السميكة الموجودة بالمجارى العذبة أى تطبيق القانون السالف ذكره وكان لا يطبق بسبب أحداث الثورة كما ذكرنا وانتشرت الأقفاص السمكية بشكل خطير، وعملاً بقرار رئيس الوزراء بدأت شرطة البيئة للمسطحات المائية بعمل حملات مستمرة على نهر النيل والترع العذبة وخاصة التى تم مخالفة القانون بها مثل »كفر الشيخ والبحيرة« وعندما علم الصيادون المخالفون بأمر هذه الحملات قاموا بتغطيس الأقفاص السمكية إلى القاع والأوكسجين فى مناطق هذه الأقفاص يقل جداً فى الطبقات السفلية من المياه، لأن تغذية الأسماك غير السليمة فى الأقفاص تترسب فى القاع وقد تتعفن وتحلل فتمتص الأوكسجين وأيضاً فضلات الأسماك فى هذه الأقفاص تزداد فيها نسبة الأمونيا فتقلل أيضاً من الأوكسجين مع عدم وجود مياه جارية بسبب السدة الشتوية.
ووجود الأمونيا مع نقص الأوكسجين يدمر خياشيم الأسماك وتموت وبعضها يتحلل فى نفس منطقة الأقفاص السمكية والكمية الأكبر من الأسماك تطفو فوق سطح المياه ميتة فيقوم الصيادون بصيدها وبيعها فى الأسواق الشعبية بالمحافظات هذا ما حدث من نفوق بأعداد كبيرة فى البحيرة أكثر من مرة خلال شهر ٦، ٧ عام ٥١٠٢، وأيضاً فى كفر الشيخ منذ ثلاثة أسابيع.
وعندما تموت الأسماك فى الأقفاص المخالفة يضطر أصحابها إلى فتحها فتخرج الأسماك ميتة وتطفو فوق سطح المياه.
قاع الترعة كان ظاهراً للعيان، وذلك نتيجة السدة الشتوية وأيضاً بوجود ماسورة صرف صحى متصلة بمصرف صحى مغطى متخصص لقرى طلخا وتم أخذ عينات من المياه قبل ماسورة الصرف الصحى ومن بعدها وحتى كتابة هذه السطور لم تظهر نتيجة عينات المياه وحالياً تقوم المحافظة مع وكيل وزارة الرى بتطهير مجرى الترعة حيث كان يوجد مع السمك النافق كمية من المخلفات، ويتم حالياً أيضاً تشريح أمعاء الأسماك لمعرفة أسباب نفوقها، وقامت وزارة الصحة أيضاً بأخذ عينات من المياه والأسماك النافقة لتحليلها ومعرفة الأسباب.
مصرف الرهاوى
تحدثنا مع د. مجدى توفيق، أستاذ البيئة المائية بكلية العلوم جامعة عين شمس، ومستشار سابق لهيئة الثروة السمكية، وبالطبع ذكر لنا ما جاء حول الأقفاص السمكية والتغذية السيئة التى توضع للأسماك فى هذه الأقفاص من أحشاء للطيور وكناسة المزارع، لكن ذكر أسباباً أخرى قد تحدث معها حالات نفوق جديدة خلال الأيام القادمة وهو ما يحدث كل عام أمام مصرف الرهاوى وجاء على لسانه:
مصرف الرهاوى أحد المصارف الكبرى الذى يتم التصريف من خلاله بدءاً من بنى سويف حتى رشيد، معظم صرف فرع رشيد يتم عن طريقه ويصرف منه ٠٥٨١ متراً مكعباً يومياً صرف صناعى، وصرف صحى يقدر بحوالى مليون و٠٩٥ ألف متر مكعب يومياً.
وتضم قائمة المصانع الملوثة أربع شركات هى شركة معروفة باسم »الجيزة الأهلية للأغذية« وتصرف على مصرف المحيط ثم مصرف الجانبية اليمنى ومنه إلى مصرف الرهاوى الرئيسى ثم نهر النيل، وقدمت الشركة خطة توفيق أوضاع غير معلنة، يليها شركة النيل للصناعات الغذائية »إنجوى« وهو مصنع خاص بمحافظة الجيزة، واقترح خطة لإجراء التغيرات اللازمة لوقف التلوث الصناعى أو الصرف الصناعى، شركة »كرسبى« وهو شركة غذائية، الشركة الرابعة شركة القاهرة للزيوت والصابون بالعياط، وتوجد ثلاث شركات تقوم أيضاً بالصرف المباشر على المياه العذبة بالترع وهى شركة نجع حمادى للفيبر بورد بقنا، شركة أبوزعبل للأسمدة بالقليوبية، شركة الزيوت المستخلصة بدمنهور بالبحيرة، ومعظم هذه المصانع والشركات السابق ذكرها تم تحليل المياه الصادر عن الصرف الصناعى منها وتبين أنها مخالفة للمعالجة المطلوبة، ويحدث كل عام فى مثل هذا الوقت حالات نفوق أسماك أمام مصرف الرهاوى على مدى ٨ سنوات.
الصرف الصحى
عدنا مرة أخرى للدكتورة كوثر حفنى التى تحدثنا معها فى بداية هذا الموضوع وواجهناها بقصة مصرف الرهاوى واحتمالات حدوث حالات نفوق خلال هذه الأيام وما موقف الشركات والمصانع المشار إليها، قالت:
يوجد ثلاثة مصارف يتم من خلالها تصريف مياه الصرف الصناعى والصحى والزراعى لفرع رشيد وهى مصارف »الرهاوى، سبل، تلا«، وأكبر هذه المصارف هو مصرف الرهاوى، ويضم أيضاً محطة صرف صحى أبورواش ويتم من خلالها تصريف الصرف الصحى
وهو صرف صحى معالج معالجة كفاءتها منخفضة، وتوجد قرى قريبة من مصرف الرهاوى ليس لديها صرف صحى ويتم الصرف الصحى منها إلى مصرف الرهاوى مباشرة، وبالتالى فهناك صرف صحى بكميات كبيرة عند مصرف الرهاوى، وصرف زراعى وأيضاً غير معالج، أما الصرف الصناعى فمعظم الشركات والمصانع السابق ذكرها وفقت وضاعها مثل شركة الملح والصودا وشركة كفر الزيات ولديهما محطات معالجة للصرف الصناعى الصادر عنهما والصرف الصناعى منهما يتجه إلى مصرف أجناك ثم يتجه إلى بحيرة المنزلة ثم إلى البحر.
لكن المشكلة الحقيقية هى فى الصرف الصحى فحوالى ٥٢٪ فقط من المنشآت والمناطق فى مصر لديها صرف صحى جيد وحوالى ٥٧٪ وعدد كبير من القرى لا يوجد لديها شبكة صرف صحى ويتم الصرف مباشرة على المصارف التى تصرف على النيل مباشرة وبالطبع وقت السدة الشتوية تقل المياه المفتوحة فتتجمع المخلفات الصلبة والثقيلة ويمكن أن تؤثر على الأسماك وتظهر حالات نفوق أسماك عند هذه المصارف لهذا السبب كل عام.
والحل عند وزارة الإسكان المرافق حيث يجب أن تكون هناك شبكات صرف صحى مستقلة عن مصارف الصرف الصناعى أو الزراعى وبحكم أن دور وزارة البيئة دور تنسيقى بين الجهات المختلفة المسئولة عن المياه العذبة وخاصة مياه النيل حالياً وزارة الإسكان والمرافق تلقت قرضاً من البنك الدولى لعمل شبكات صرف صحى تغطى ٠٧٪ من مساحة مصر خلال خمس سنوات وستبدأ بمحطة صرف أبورواش التى تصرف على مصرف الرهاوى ولكن أنبه أن المشكلة الأساسية ليست رفع كفاءة محطات المعالجة ولكن الاستمرار فى إدارتها وصيانتها وهذا يحتاج إلى تكلفة عالية أيضاً.
قتل مع سبق الإصرار!
أيضاً أثناء عمل هذا التحقيق علمنا من خلال أحد البرامج التليفزيونية والتى أثارت موضوع نفوق الأسماك، ووضحت بالصوت والصورة اعتراف الصيادين أيضاً فى محافظتى كفر الشيخ والبحيرة أنهم يقومون بوضع سم السيانور فى المياه وبعد خمس دقائق تظهر عشرات الأسماك النافقة على سطح المياه فيجمعونها بالشباك ويقومون ببيعها أو بتوصيل سلك كهرباء لصعق السمك فى المياه ثم يجمعونه ويبيعونه، وهم على علم تام بأن جمع هذه الأسماك بالسم أو الصعق يشكل خطورة على صحة الإنسان ويصيبه بالفشل الكلوى والفيروسات الكبدية وغيرها من أخطر الأمراض.
أكثر من سبب
اتضح من السطور السابقة أن نفوق الأسماك ليس وراءه سبب أو سببين بل فساد للضمير وتسميم ليس الأسماك بل للمياه التى نشربها وذكرت البيانات الصادرة عن وزارة البيئة والرى وهيئة الثروة السمكية أنه يتم فتح المياه فى كل حادثة نفوق للأسماك لغسل الأماكن الملوثة بالأمونيا أو السموم، ولكن كيف يمكن غسل وتنقية الضمائر؟!
بعض الصيادين اتهم هيئة الثروة السمكية بأنها السبب وراء ما يحدث لأنها كانت تلقى بذريعة الأسماك »الأسماك الصغيرة الإصبعيات« بعد تفريخها فى مفرخات عندها فى مياه النيل مما يكثر الأسماك، ولكنهم حالياً يقومون ببيع هذه الذريعة لأصحاب المزارع السمكية ويتجاهلون الصياد البسيط فيضطر إلى اتباع هذه الطرق الملتوية.
وفى مواجهة مع المسئولين بهيئة الثروة السمكية ورئيس الهيئة نفسه، أنكروا هذا وأكدوا أن ما يقوله الصياديون ناتج عن عدم وعى لأن هناك أوقات معينة لإلقاء هذه الزريعة فى النيل وبالطبع بعيداً عن وقت السدة الشتوية.
وينصح المتخصصون، المواطنين بضرورة شراء الأسماك من أماكن موثوق فيها مثل المجمعات الرسمية أو منافذ بيع أسماك بحيرة ناصر وأسوان والابتعاد عن الأسماك التى تباع على الأرصفة فى الشوارع، والتأكد من أن خياشيم السمكة سليمة وتكون السمكة متماسكة وعينها واضحة لا يوجد عليها غشاوة وبالضغط عليها بإصبع اليد يعود جسم السمكة كما كان ولا يترك الإصبع أثراً على جسم السمكة.