نظم مكتب الأمم المتحدة بالقاهرة بالتعاون مع معهد الدراسات الدبلوماسية مؤتمراً أمس 7 أكتوبر، لإطلاق ومناقشة تقرير التجارة والتنمية لعام 2015 ، والذى تناول الوضع الإقتصادى العالمى الحالى ، وال1ى يتضمن الإفتقار لنظام نقدي ومالي دولي يعمل بصورة جيدة، وقادر على تنظيم السيولة العالمية بشكل ملائم ، وضرورة إيجاد آلية لمعالجة الديون السيادية ، لتيسير عملية إعادة هيكلة منصفة للديون ، كما تم التطرق إلى الوضع بالنسبة لمصر والمشاكل التى تواجهها .
وتحدث خلال المؤتمر إبراهيم العيسوي أستاذ الإقتصاد ومستشار معهد التخطيط القومي ، حيث قال : مصر طبقت ما جاء في كتاب التحرير الاقتصادي بحذافيره ، وقامت بكل شيء عن الخصخصة وفتح الاقتصاد أمام التجارة الدولية وحركات رؤوس الأموال، وتقلص دور الحكومة ليس فقط في المجال الإنتاجي بل حتى في تقديم الخدمات واصبحت الشماعة السهلة هى ” فليقم القطاع الخاص بتقديم ما ابتعدت الحكومة عن تقديمه”.
وأضاف العيسوى : أن تحرير الإقتصاد في مصر أدى إلى أن النمو الاقتصادي لم يتجاوز 2% ، وهو ما يقل عن نسبة زيادة السكان والتي تبلغ 2,6% وذلك يعني إن متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي يتناقص، وقبل العام 2011 ،خلال الثلاثين عاما الماضية كان النمو الإقتصادي في المتوسط 4% وهو ليس بالكثير إذا ما قورن بما تحقق في دول مثل الصين، حيث كان النمو الإقتصادي يصل إلى 7 و12% لسنوات طويلة.
وذكر العيسوى أن إندماج النظام المصري في النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي قد عرقل السير على طريق التنمية، وإن الفائدة لصالح التنمية والإستثمار طويل الأجل كانت محدودة للغاية ،وكان هذا النمو متقلب، والاقتصاد المصري متصف دائما بالهشاشة وعدم القدرة على مواجهة الصدمات الخارجية او المواقف الطارئة .
وتحدث العيسوى عن ظواهر ارتطبت بالإنفتاح الغير منضبط للإقتصاد، مثل تفكيك الصناعات حيث أن نصيب مصر في الصناعة التحويلية في الناتج القومي هو 16% وهو ذاته نصيب الصناعة التحويلية في الستينات والسبعينات، و من تلك الظواهر أيضا انهيار سعر الجنية وزيادة البطالة، حيث أن الدولة النامية–بحسب ما ذكر – لا تتحمل عبء الانفتاح ، مشيراً إلى أن تحرير الإقتصاد دون تقوية الاجهزة الانتاجية هو خطر محقق.
وأشار العيسوى إلى أن القطاع الخاص لم يملأ الفجوة التي خلفتها انسحاب الحكومة، وهذا واضح في الإستثمارات الزراعية، حيث أن نصيبها الان أقل مما كانت عليه منذ عشرين عاما، مشيرا إلى أن هناك حدود لقدرات القطاع الخاص بينما الفلسفة الجارية تقول إن القطاع الخاص هو الركيزة في التنمية.
يذكر أن التقرير الذي أطلقته منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الاونكتاد) يدور حول الاتجاهات الحديثة في الإقتصاد العالمي وسبل إصلاح النظام المالي الدولي ، والتي تكشف الإفتقار لنظام نقدي ومالي دولي يعمل بصورة جيدة، وقادر على تنظيم السيولة العالمية بشكل ملائم، و على تجنب الإختلالات الكبرى و المطولة و يسمح بسياسات لمواجهة التقلبات الدورية.
ويبحث تقرير الأونكتاد مزايا ومساوئ مجموعة من المقترحات – القانونية والمستندة إلى آليات السوق وإلى مبادئ قانونية توجيهية – في اتجاه إيجاد آلية لمعالجة الديون السيادية يمكن أن تنال دعم الحكومات والمستثمرين على السواء.
ويقول “موخيسا كيتويي” الأمين العام للأونكتاد : إن “مثل هذه الآلية لا تهدف فقط إلى تيسير عملية إعادة هيكلة منصفة للديون التي لم يعد من الممكن تحمل أعباء خدمتها وفقاً لشروط العقد الأصلي، بل إنها تساعد أيضاً في منع حدوث انهيار مالي في البلدان التي تواجه صعوبات في خدمة ديونها الخارجية”.
وما يبرر الطابع الملحّ لدعوة الأونكتاد هذه، هو الوضع الهش جداً للاقتصاد العالمي: فالاقتصادات الناشئة – وهي المساهم الرئيسي في النمو العالمي منذ عام 2011 – تواجه الآن صعوبات، في حين أن أداء الاقتصادات المتقدمة لا يزال غير قادر على تحقيق ما هو أكثر من مجرد النمو الضعيف وذلك بعد ثماني سنوات من اندلاع الأزمة المالية العالمية.
إن الاقتصاد العالمي ينعم بوفرة من السيولة، كما أن تكلفة الديون لم تكن قط متدنية إلى هذا الحد – ومع ذلك، فإن بلداناً ناميةً عديدةً تكابد للحصول على مصادر تمويل دولي للإستثمار المنتج الطويل الأجل. ويذهب التقرير إلى أن ثمة حاجة لإجراءات حكومية مكرسة لتصحيح حالة النقص هذه إذا ما أُريد تحقيق الأهداف الإنمائية الطموحة.
ويقول التقرير إن هذه المهمة لا يمكن أن تُسند بالكامل للأسواق المالية. وبدلاً من ذلك، من الأهمية بمكان أن تكون هناك مؤسسات عامة متخصصة وآليات مخصصة لهذا الغرض على وجه التحديد. ويلاحظ كيتويي أن معظم عمليات الإستثمار الكبرى الناجحة قد استطاعت أن تمزج على نحو فعال بين المبادرات العامة والخاصة بطريقة أو بأخرى، وبذلك فمن البديهي أن تكون جميع عمليات التمويل الإنمائي مختلطةً بين القطاعين العام والخاص. ولكن السؤال المهم المطروح هو: “من الذي يقوم بعملية الخلط، وكيف يتم ذلك، ولأية غاية؟”
و في هذا الإطار يحدد تقرير التجارة و التنمية لسنة 2015 جملة من المسائل الهامة تجب معالجتها من أجل إقامة نظام نقدي ومالي دولي أكثر استقرارا وشمولية ،يكون قادرا على دعم تحديات التنمية على مدى السنوات القادمة. كما يتناول التقرير أوجه القصور الحالية و يحلل نقاط الضعف الناشئة ويدرس مقترحات ومبادرات للإصلاح.
وحذر التقرير من تواصل الأزمة الإقتصادية العالمية ، ومن خطر تواصل الركود في ظل الإنتعاش الفاتر في الدول المتقدمة و الرياح المعاكسة أمام العديد من الإقتصادات النامية والإنتقالية. وأكد تقرير التجارة والتنمية أن عدم كفاية الطلب العالمي و الهشاشة وعدم الإستقرار المالي و تزايد التفاوت تمثل أبرز العوائق.
وذكر التقرير أن التحركات الدولية للسيولة ورؤوس الأموال تستجيب للظروف الإقتصادية للدول المتقدمة وليس للإحتياجات الفعلية للبلدان النامية. كما أن معظم النظام الحالي تحركه في الواقع البنوك الدولية الكبيرة والوسطاء الماليون الذين إزدادت أنشطتهم بشكل أسرع بكثير من قدرة أي مؤسسة عامة – وطنية كانت أو متعددة الأطراف- على تنظيم هذه الأنشطة بطريقة فعالة . و لا تزال المبادرات الأخيرة التي تهدف إلى تنظيم أفضل خجولة ومحدودة جدا.
و أكد تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أن هذا النظام المختل لا يمكن أن يمنع حلقات الإزدهار والكساد ولا أزمات الديون المتكررة. وأنه يؤدي، في حال حدوث مثل هذه الأزمات، إلى تسوية غير متماثلة تلقي بمعظم الأعباء على البلدان المدينة وتفاقم عدم المساواة. وهو ما يدعو إلى وضع آلية لتسوية الديون، لاسيما بالنسبة للديون السيادية الخارجية، بما يخفف من كلفة الأزمات ويمكن من تقاسمها بين مختلف الأطراف بشكل عادل. وعلاوة على ذلك خلفت نقائص النظام المالي الدولي آثارا سلبية على توفير التمويل طويل الأجل للتنمية.
ويرى التقرير أن التعاون بين بلدان الجنوب يمكن أن يكون سبيلاً لتعزيز دور مصارف التنمية. وتوجد في الجنوب وفرة من التجارب التي يمكن الاستناد إليها، وهناك أيضاً موارد يمكن الاستفادة منها على نطاق أوسع. وقد بلغت القروض المقدمة في عام 2014 من ثلاثة مصارف وطنية فقط في الصين والبرازيل ما مجموعه 762 1 مليار دولار