نظم المعهد السويدى بالأسكندرية حلقة نقاشية بمناسبة اليوم العالمى لحقوق الإنسان، والتى شارك فيها بيتر وديرود، مدير المعهد الثقافى السويدى بالأسكندرية ، مؤمن سلام، مدير حركة مصر المدنية، رباب كمال، مذيعة بالإذاعة المصرية، عمرو الشال إمام وخطيب بوزارة الأوقاف، الهام المانع، أستاذ العلوم السياسية بجامعة زيوريخ السويسرية، منال المسلاوى، داعية بوزارة الأوقاف.
وأكد بيتر وديرود، مدير المعهد الثقافى السويدى ، خلال الحلقة النقاشية أن تطبيق حقوق الإنسان هو مسئولية الدولة تجاه المواطنين، والتي يجب أن تكفل لهم حرية العقيدة ، فيجب أن يكون للمواطنين الحرية الكاملة فى إعتناق الديانة الخاصة بهم، وأفكارهم التي يؤمنون بها ، ولا يفرض عليهم عقيدة خاصة.
وأضاف السيد وديرود: “أن السويد كانت لديها الإسلاموفوبيا فى السنوات الماضية، وتم منع الآذان فى شوارع السويد، ولكن بعد الإعلان العالمى لحقوق الإنسان تم إعادة الآذان مرة أخرى والإنتهاء من هذه الظاهرة فى السويد، ويمارس المسلمون حريتهم العقيديةبكل أمان “.
وأشار السيد وديرود إلى أن التغيير فى المجتمعات والعادات يأتى من الداخل بدون الإستعانة بطرف خارجى لكى تُغير من عادات المجتمع، قائلاً أن التغيير على مستوى الدين لا يأتى إلا من الداخل؛ فيجب أن يكون أصحاب الديانات على إستعداد للتغيير وبخاصة تغيير الخطاب الدينى والتواصل مع الشباب على أن يكون ذلك التغيير للأفضل.
وتحدث الأستاذ مؤمن سلام ، مدير حركة مصر المدنية، عن أهمية تأسيس التعددية وإدارتها، وقال : ” لا توجد أمة تتصف بالتجانس التام أي أن أفرادها ينتمون لنفس العرق ونفس الثقافة ونفس الدين ونفس الجنس ونفس الطبقة الاجتماعية ونفس الأفكار السياسية، فكل أمة تتصف بتنوع مكونتها العرقية والثقافية والعقائدية والطبقية والسياسية، ولذلك لابد من وجود طريقة لإدارة هذا التنوع لتعيش كل هذه المكونات في سلام ويصبح هذا التعدد مصدر ثراء وليس مصدر تصادم وتناحر وإقتتال داخلي.
وتخبرنا التجارب الإنسانية أن هناك وسيلتين لتحقيق الإستقرار داخل المجتمع، الأولي هي الإندماج الإنصهاري، أى أن ينصهر المجتمع بأكمله في هوية أحادية واحدة، تكون إما هوية أغلبية السكان أو أيديولوجية الحزب الحاكم أو شخصية الزعيم القائد، لهذا فهى وسيلة ترتبط بالنظم المستبدة، وقد أثبت التاريخ فشلها حيث ينتهى الأمر بهذه المجتمعات إلى الإنقسام بطريقة سلمية في أحسن الأحوال أو بطريقة دموية نتيجة حرب أهلية، كما نرى الأن في ليبيا والعراق وسوريا واليمن، ومن قبلهم الإتحاد السوفيتي ويوغسلافيا.
أما الوسيلة الثانية فهى الرغبة في العيش المشترك، وهى الوسيلة القائمة على الإعتراف بالتعددية ورفض الأحادية، وما يتبعها من قيم قبول الآخر والحوار والنسبية. ويمكن تحقيق هذه الرغبة عن طريق بث القيم التي تدعم هذه التعددية في المجتمع والتأكيد على المصالح المشتركة بين مكونات المجتمع وما يجعل من العيش المشترك نمط حياة ثقافي وإقتصادي وسياسي.
فيجب ترسيخ ثقافة قبول الآخر ، والتأكيد على أن الآخر المختلف الذي ربما لا نوافق على أفكاره أو سلوكياته ، هو مواطن، له مثلنا نفس الحق في حرية الرأى والتعبير والإعتقاد والعيش وفق نمط الحياة الذي يختاره لنفسه.
كما يجب ترسيخ قيم الحوار بين المختلفين سياسياً وعقائدياً وأن الحوار والتوافق هو السبيل الأمثل لحل النزاعات والإختلافات على قاعدة رابح-رابح دون إقصاء أو تهميش.
وأشار الأستاذ مؤمن سلام إلى أن أخطر ما يهدد التعددية في مجتمعاتنا هو قاعدة “الحق واحد لا يتعدد”؛ فهذه القاعدة هى التى تؤسس للأحادية ورفض الإعتراف بالآخر، مما يقتضي تأسيس ثقافة أخرى تقوم على نسبية الحقائق وأن ما أراه أنا حق أو صحيح قد يرى غيري عكس ذلك، ولا أحد يستطيع إمتلاك الحقيقة المطلقة. ومع نشر ثقافة التعددية في المجتمع، لابد من قوانين تعاقب على بث الكراهية والتحريض وتعاقب على التمييز لأى أسباب.
وأكد الأستاذ مؤمن سلام على أنه إذا كان الإنصهار مرفوض ، فإن التعايش المشترك هو ما اثبت نجاحه في الحفاظ على وحدة الدول وتحقيق السلام الإجتماعي، وهذا يقتضي خلق هوية مشتركة تكون مظلة لكل الهويات المختلفة الموجودة داخل المجتمع الواحد. هوية تستطيع استيعاب كل هذه الهويات في داخلها دون ان تطغى إحداهما على الأخر، هوية تتشكل من كل هذه الهويات، تكون مثل علم الدولة الذي يتكون من عدة ألوان، إذا تم إزالة أحدها لن يعود العلم ممثل لهذه الدولة. وهى ما يمكن تسميته الهوية المفتوحة مقابل الهوية المغلقة التى قد تكون اثنية أو دينية أو جنسية أو أيديولوجية، قد يستحيل الانضمام لها مثل الهوية العرقية أو أن الانضمام لها يقتضي تخلي الإنسان عن أى هوية أخرى.
أما الهوية المفتوحة فهى هوية تسمح للجميع بأن يكونوا جزء منها دون التخلي عن هوياته الأخرى. وهذا يأخذنا إلى القومية المدنية Civic Nationalism حيث لا ترتبط القومية بأى مفهوم عرقي أو ديني ولكن ترتبط بالقانون، أى أن الانتماء لدولة أو أمة ما هو مركز قانوني، أى أن يحمل الإنسان جنسية هذه الدولة أو تلك فيصبح بذلك مواطن له كافة الحقوق وعليه كافة الواجبات دون أن يقتضي ذلك التخلى عن هويته الدينية أو العرقية أو الثقافية أو الجنسية، وكلما كان القانون مرن في منح الجنسية كلما كانت هذه الهوية القومية المدنية أكثر انفتاحا. وهو ما نراه في دول أوروبا والولايات المتحدة وكندا واستراليا وغيرها من الدول الديمقراطية.
وبذلك يصبح متاح لكل المواطنين التعبير عن ثقافتهم ومعتقداتهم وأفكارهم والعيش وفق نمط الحياة الذي يناسبهم دون أى تهديد أو تهميش أو تمييز ضدهم.
كذلك تمثل الهوية الإنسانية التى يكتسبها الإنسان بمجرد الميلاد، فتجعل كل بنى الانسان شركاء في هذا الكوكب، تطور هام فى ترسيخ مفهوم التعددية القائم على التعايش وقبول الأخر والسلام ونبذ الحروب، لتجعل من التعددية الإنسانية مصدر ثراء ورخاء لكل سكان الأرض. وبهذا تتأسس التعددية على الثقافة والقانون والهوية المشتركة.
وإذا كانت الهوية المشتركة التى تتشكل من الهويات المكونة للمجتمع الواحد هى الطريق لتحقيق العيش المشترك لمكونات المجتمع المختلفة، فإن الديمقراطية هى الوسيلة لإدارة هذه التعددية، والديمقراطية كما يعرفها آلان تورين Alain Touraine في كتابة ما الديمقراطية؟ هي “أداة لإدارة الاختلاف”
فالديمقراطية وما تحمله من قيم تدعم السلام الاجتماعي وتحقق الإستقرار، عن طريق الحوار بين المختلفين والتوصل إلى توافقات وموائمات بين مكونات الأمة الواحدة تجعل الجميع يخرج وقد فاز بشيء، فعندما تشعر شريحة ما بأنها قد خرجت مهزومة أو خالية الوفاض وأن شريحة ما في المجتمع قد حصلت على كل الأرباح فلابد أن يتولد لديها شعور بالظلم ورفض للتعايش مع الأخر، وبالتالي تصبح الأرض ممهدة للعنف المجتمعي الذي قد يصل إلى حد الحرب الأهلية.
وقال مؤمن سلام : أن الديمقراطية وما تقوم عليه من إجراءات لإختيار من يتولى السلطة وتقييده بإحترام الحريات العامة والشخصية للمواطنين وإلزامه بممارسة السلطة من خلال مؤسسات مستقرة وفاعلة، وإعمال مبدأ فصل السلطات، هو ما يجعل كل سلطة رقيبة على الأخرى ومقيدة لها، فلا يوقف السلطة إلا السلطة، وسيادة القانون على الجميع. كل هذا يجعل السلطة دائما خادمة للمجتمع بكل أطيافة، وليس العكس.
كما أن المواطنة بإعتبارها عماد الديمقراطية تنفي الشعور بالظلم لدى المواطنين. فكل إنسان يحمل جنسية الدولة هو مواطن، لا يميزه عن أي مواطن أخر سوى الكفاءة والقدرات العلمية والعملية، وما يقدمه من إسهامات لخدمة المجتمع. فلا يوضع على تقدمه أو صعوده في السلم الاجتماعي أي قيود بسبب عقيدته أو عرقه أو لونه أو جنسه أو طبقته الاجتماعية أو انتمائه السياسي، فقط كفاءته ومهاراته هي ما تجعله يتقدم أو يتأخر.
وأكد الأستاذ مؤمن سلام فى النهاية على أن الدولة الديمقراطية هي دولة مواطنة تقوم على الحقوق والواجبات دون تمييز على أى أساس، كما أنها تحمي المواطنين من أى بطش قد يتعرضوا له من قبل السلطة أو مواطنين أخرين يحملون أفكار قومية أو دينية متطرفة، ترفض الأخر وتسعى لتهميشه وإقصائه.